كلمة التقوى المجلد 3

اشارة

سرشناسه : زین الدین، محمد امین، 1914 - 1998م.

عنوان و نام پديدآور : کلمه التقوی/ المولف فتاوی المرجع الدینی محمدامین زین الدین دام ظله.

مشخصات نشر : قم: موسسه اسماعیلیان، 14ق. = 13.

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500ریال (ج.3) ؛ 1500 ریال (ج. 5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1413ق. = 1371.

يادداشت : کتاب حاضر در همین سال توسط چاپخانه مهر نیز منتشر شده است.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1413ق. = 1371).

مندرجات : ج. 3. کتاب الحج. بخش دوم.- ج. 5. کتاب الشفعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/ز9ک 8 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-5360

[تتمة العبادات]

كتاب الحج

اشارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته المباركة الدائمة على سيد خلقه محمد و آله الطيبين المطهرين المعصومين.

ربنا أتمم لنا نورنا و اغفر لنا إنك على كل شي ء قدير.

و بعد فهذا القسم الثاني من الجزء الثالث من رسالة كلمة التقوى و هو يحتوي على كتاب الحج من كتب العبادات، و من اللّٰه سبحانه أسأل لي و لجميع إخواني في ديني أن يتم علينا نعمته، و يعمّنا برحمته، و ان يمدّنا بهداه و توفيقه، و يثبت أقدامنا، و يبلغنا ما نرجو من فضله و بره و رعايته و كفايته في دنيانا و آخرتنا. إنه أرحم الراحمين، و أن يستجيب لعبده المفتقر الى فضله.

محمد أمين زين الدين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 6

كتاب الحج و هذا الكتاب يحتوي على عدة فصول

الفصل الأول في مقدمات لا بد من ذكرها

المسألة الأولى:

الحج أحد أركان الإسلام و إحدى دعائمه التي أقيم عليها بناؤه، و قد استفاضت في الدلالة على ذلك أحاديث الرسول (ص) و نصوص أهل بيته الطاهرين (ع)، ففي الحديث عن زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة، و الزكاة، و الحج، و الصوم، و الولاية. و عن أبي حمزة الثمالي عنه (ع): قال بني الإسلام على خمس دعائم:

إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و صوم شهر رمضان، و حج بيت اللّٰه الحرام، و الولاية لنا أهل البيت، إلى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم (ع) و الواردة من طرق غيرهم من جمهور المسلمين أيضا.

المسألة الثانية:

يجب الحج على كل مسلم من الرجال و النساء إذا اجتمعت له شروط الاستطاعة الآتي ذكرها، و قد دلّ على ذلك صريح الكتاب الكريم، و نصوص السنة المتواترة عن النبي العظيم (ص)، و قام عليه إجماع جميع فرق المسلمين، بل و علم ذلك بالضرورة الثابتة في الإسلام عن الرسول (ص)، و لذلك فمن ينكر وجوب الحج و هو يعلم انه من الأحكام الثابتة بالضرورة في الإسلام و من أقوال الرسول التي لا ريب فيها، يكن مكذبا للرسول في رسالته، و محكوما بالكفر في دينه، و قد ذكرنا في المسألة المائة و الرابعة عشرة من كتاب الطهارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 7

أن من ينكر إحدى الضروريات في الدين يحكم عليه بالكفر إذا كان عالما بأن ذلك الأمر ضروري، بحيث يعود إنكاره لذلك الأمر الضروري إلى إنكار الرّسالة العظمى نفسها.

المسألة الثالثة:

ذكرنا في المسألة الألف و التاسعة و الثمانين من كتاب الصلاة: ان الاستخفاف بالحج إحدى الكبائر من الذنوب، و الظاهر ان المراد من النص الدال على ذلك: ان من ترك الحج استخفافا به فقد ارتكب خطيئة من كبائر الخطايا، و أما من أنكر أصل وجوب الحج مستخفا به، فهو بعض مصاديق المسألة الثانية السابقة، و هو يزيد على منكر أصل الوجوب بأن إنكاره إياه ناشئ عن استخفافه بالواجب أو بالأمر المتعلق به من الشريعة المطهرة.

المسألة الرابعة:

إذا استطاع الشخص حج البيت و توفرت فيه شروط الاستطاعة، وجب عليه وجوبا عينيا أن يحج البيت مرة واحدة، و لا يجب عليه الحج أكثر من مرة واحدة في عمره، و ان كان من أهل الجدة و اليسار، إلا إذا أوجب الحج على نفسه أكثر من ذلك، بنذر أو بعهد أو يمين أو استئجار من الغير، أو إفساد حج، كما سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه تعالى.

نعم، يستحب للمسلم استحبابا مؤكدا أن يكرر حج البيت ما أمكنه التكرار، و خصوصا فيما إذا كان من أهل اليسار، و هذا هو المعنى المقصود من النصوص الكثيرة الإمرة بالحج في كل عام لأهل الجدة، و ليس المراد أن الحج يجب عليهم في كل عام، و يزداد تأكد الاستحباب في أن يحج الموسر في كل خمس سنين مرة، بل في كل أربع سنين مرة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 8

المسألة الخامسة:

لا يجوز للمسلمين أن يعطّلوا البيت الحرام عن الحج إليه، حتى لا يحج إليه أحد منهم و ان اتفق ذلك في سنة واحدة و نحوها، و قد ذكر في الأحاديث ان الناس إذا تركوا البيت فلم يحج إليه أحد منهم نزل عليهم العذاب و لم يناظروا، و وجوب الحج في هذه الحالة وجوب كفائي على المكلفين عامة و لا يختص بأهل الجدة من الناس بل يعم جميع المكلفين منهم من استطاع الحج و من لم يستطع.

و في نصوص الأئمة من أهل البيت (ع) انه يجب على إمام المسلمين و على الوالي ان يجبر الناس على الحج حتى لا يعطّل البيت، فإن لم تكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين، و كذلك الحكم في زيارة قبر الرسول (ص) إذا عطّل

و لو في بعض السنين فلم يزره احد.

المسألة السادسة:

إذا اجتمعت في المكلف شروط الاستطاعة الآتي ذكرها وجبت عليه المبادرة إلى حج البيت في العام الأول من استطاعته و لم يجز له ان يؤخر الحج عن ذلك العام، و إذا أخره عن ذلك العام لعذر أو لغير عذر وجب عليه ان يبادر إلى الإتيان به في العام الثاني، و هكذا.

فإن هو خالف التكليف بالمبادرة فأخر الحج عن عامة الأول من غير عذر كان عاصيا آثما بتأخيره، و إذا كان تأخيره ناشئا عن استخفافه بأمر الحج كان مرتكبا للكبيرة، و هكذا يتكرر العصيان كلما تكررت المخالفة.

المسألة السابعة:

إذا تحققت للمكلف شروط الاستطاعة كما ذكرنا، و كانت للحج مقدمات يتوقف عليها ادراك الحج في وقته من سفر و اعداد راحلة أو وسيلة نقل أخرى و تهيئة أمور يتوقف عليها السفر اليه، و تحصيل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 9

زاد أو مال يحصل به الزاد و غير ذلك، وجبت عليه المبادرة إلى تحصيل المقدمات بحيث يدرك الحج في وقته.

و إذا توقف سفره على أن يسير مع قافلة معينة أو على أن يصحب رفاقا معينين، بحيث لا يتمكن من السفر بغير ذلك، وجب عليه الانضمام إلى القافلة المعينة، أو الاصطحاب مع أولئك الرفاق كي لا يفوته أداء الفريضة، و إذا تعددت القوافل التي يمكنه المسير معها كان مخيرا في السفر مع أيها شاء، و المدار على وجود الاطمئنان بالوصول إلى الغاية المقصودة، و هي أداء الواجب في موضعه و في وقته، و لا يتعين عليه أن يختار أوثق القوافل في السلامة فإذا كان مطمئنا بإدراك الغاية- إذا سافر مع القافلة الأخرى أو صحب الرفقة الآخرين- جاز له السفر.

المسألة الثامنة:

إذا توقف سفر المكلف الى الحج على أن يسير مع قافلة مخصوصة أو أن يصحب رفقة معينين، فتأخر متعمدا عن تلك القافلة، أو عن أولئك الرفقة، وفاته الحج في ذلك العام بسبب ذلك استقر الحج في ذمته، و كان عاصيا آثما بالتأخير، سواء صحب قافلة أخرى و رفقة آخرين و لم يدرك الواجب أم لم يصحب، و إذا تعددت القوافل التي يطمئن المكلف بإدراك الحج إذا هو سافر معها، فاختار واحدة من تلك القوافل و سافر معها، و اتفق أن فاته الحج بسفره معها لبعض الطواري، استقر الحج في ذمته و لم يأثم بالتأخير في ذلك العام

لعدم تقصيره.

و إذا أخّر السفر متعمدا الى خروج آخر القوافل، و صدق عليه التفريط بالواجب في نظر العقلاء، و كان هذا التأخير سببا لفوات الحج منه في ذلك العام استقر الحج في ذمته و أثم بالتأخير، و يشكل الحكم في ما إذا شك أهل العرف في صدق التفريط و عدمه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 10

المسألة التاسعة:

الحج باب من أبواب الرحمة الإلهية التي فتحها اللّٰه لعباده، و مصدر من مصادر الفضل و الخير التي جعلها لهم، و قد استفاضت الأحاديث الدالة على عظيم عطائه سبحانه للحاج، و مزيد لطفه به، و جزيل ثوابه له، بل تواترت و تنوعت في دلالتها على ذلك بما لا يمكن حصره و لا عده، ففي الحديث عن الامام جعفر بن محمد عليه السلام قال: كان أبي (ع) يقول: من أمّ هذا البيت حاجا أو معتمرا مبرءا من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) أيضا- و قد سأله رجل في المسجد الحرام، من أعظم الناس وزرا؟- فقال (ع): من يقف بهذين الموقفين: عرفة و المزدلفة و سعى بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت و صلى خلف مقام إبراهيم، ثم قال في نفسه و ظن أن اللّٰه لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا.

و عنه (ع): الحاج و المعتمر وفد اللّٰه، إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفّعوا شفّعهم، و إن سكتوا ابتدأهم، و يعوّضون بالدرهم ألف درهم، و في رواية أخرى و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم، و عنه (ع): ان اللّٰه عز و جل ليغفر للحاج، و لأهل بيت الحاج، و لعشيرة الحاج، و لمن يستغفر له الحاج

بقية ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من شهر ربيع الآخر.

المسألة العاشرة:

ورد عن معد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول:

ان الحاج إذا أخذ في جهازه، لم يخط خطوة في شي ء من جهازه الا كتب اللّٰه (عز و جل) له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ، فإذا استقلّت به راحلته لم تضع خفا و لم ترفعه الا كتب اللّٰه له مثل ذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 11

حتى يقضي نسكه، فإذا قضى نسكه غفر اللّٰه له ذنوبه، و كان ذا الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول: أربعة أشهر تكتب له الحسنات، و لا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبه، فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالناس.

و قد تكرر في الحديث: حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى. و عن الرسول (ص) انه قال لأعرابي: لو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه ما بلغت به ما يبلغه الحاج.

و روي عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول:

الحجة أفضل من عتق سبعين رقبة، فقلت ما يعدل الحج شي ء؟

قال: ما يعدله شي ء، و لدرهم في الحج أفضل من ألفي ألف درهم في ما سواه من سبيل اللّٰه، الى أمثال ذلك من الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 12

الفصل الثاني في شروط وجوب حج الإسلام

اشارة

يشترط في وجوب الحج في الإسلام على الإنسان أن تجتمع فيه عدة أمور:

[الشرط الأول: أن يكون بالغا،]
المسألة 11:

الشرط الأول: أن يكون بالغا، فلا يجب الحج على الصبي و لا الصبية غير البالغين، و ان كانا مراهقين للبلوغ و اجتمعت فيهما بقية الشروط الآتي ذكرها.

و إذا حج الصبي أو حجت الصبية قبل أن يصلا الى حد البلوغ لم يكفهما ذلك عن الحج الواجب بعده، و إن كانا مميزين، و كانت عباداتهما صحيحة شرعية بناء على المذهب المختار، فإذا بلغا بعد ذلك و كانت بقية شروط الوجوب موجودة وجب عليهما الحج بعد البلوغ.

[الشرط الثاني: أن يكون عاقلا،]
المسألة 12:

الشرط الثاني: أن يكون عاقلا، فلا يجب الحج على الشخص إذا كان مجنونا جنونا مطبقا لا يفيق منه و لا يجب الحج عليه إذا كان جنونه يعتريه أدوارا و كان دور إفاقته من الجنون لا يكفي للقيام بجميع أعمال الحج، و لتحصيل ما لم يكن موجودا من مقدمات الحج و الأمور التي يتوقف عليها وجوده.

المسألة 13:

إذا أفاق المجنون الأدواري من جنونه في بعض الأدوار، و استطاع في حال إفاقته إن يهيئ لنفسه بعض المقدمات التي يتوقف عليها سفره للحج أو يهيئ لنفسه جميعها، فاستخرج جواز السفر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 13

للحج مثلا، و أعدّ المال و الرفقة، و استأجر الدابة أو السيارة أو الطائرة للسفر، و قاول المقاول الذي يعدّ له الأمكنة و المنازل و الخيام في سفره، ثم عاوده دور الجنون بعد ذلك، ثم أفاق من الجنون في فترة السفر للحج و القيام بأعماله، و كان بحيث يمكنه إتمام الحج في دور هذه الإفاقة، وجب عليه الحج، و إذا أتى به كذلك صح منه.

و لا يبعد الحكم بوجوب الحج عليه من أول الأمر إذا علم بأنه يتمكن من الإتيان به على هذا الوجه.

المسألة 14:

إذا أعدّ الصبي لنفسه مقدمات السفر للحج قبل أن يبلغ الحلم أو أعدّها له شخص آخر، و سافر قبل بلوغه ليحج، ثم تحقق له البلوغ عند وصوله الى الميقات أو قبل وصوله اليه و تحققت له بقية شروط وجوب الحج، وجب عليه حج الإسلام و صح منه إذا أتى به على الوجه المطلوب، و يكفي في وجوب الحج عليه أن يكون مستطيعا له من ذلك الموضع، و إن لم يكن مستطيعا له من بلده.

المسألة 15:

الظاهر أنه يجرى نظير هذا الحكم في المجنون، فإذا سافر مع القافلة حتى وصل الى الميقات و عوفي من الجنون في الميقات أو قبل وصوله اليه، و كان مستطيعا للحج و لو من ذلك الموضع، و توفرت له بقية شرائط الوجوب، وجب عليه الحج و صح منه إذا أتى به على الوجه المطلوب.

المسألة 16:

إذا سافر الصبي إلى الحج قبل بلوغه، و أحرم بالحج بنية الندب، ثم بلغ الحلم بعد إحرامه و كان مستطيعا للحج و شرائط وجوب الحج فيه مجتمعة، لم يجز له أن يستمر في نيته الأولى فيتم حجه مندوبا و لم يصح له أن يعدل بنيته عن الحج المندوب الى حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 14

الإسلام، بل يجب عليه أن يعود الى أحد المواقيت الخمسة التي عيّنها الرسول (ص) لأهل الأقطار و يجدد الإحرام فيه بنية الحج الواجب عليه، و لا يتعين عليه أن يرجع الى ميقات أهل بلده على الخصوص، و ان كان ذلك أحوط له استحبابا مع التمكن منه.

و إذا لم يتمكن من الرجوع الى أحد المواقيت وجب عليه أن يرجع الى المقدار الممكن من المسافة بينه و بين الميقات و يجدد الإحرام هناك، و إذا كان قد دخل الحرم لزمه أن يرجع الى خارج الحرم فيحرم منه، و إذا لم يستطع رجع الى المقدار الممكن منه و جدّد الإحرام فيه، فإن لم يتمكن من جميع ذلك أحرم من الموضع الذي هو فيه بنية الحج الواجب.

و كذلك الحكم في الصبية إذا اتفق لها مثل ذلك، و سنذكر إن شاء اللّٰه تعالى في فصل الوقوف بعرفات و في فصل الوقوف بالمشعر الحرام بعض مسائل أخرى تتعلق بحج الصبي إذا أحرم بنية

الحج المندوب، ثم بلغ الحلم قبل الموقفين أو قبل المشعر الحرام.

المسألة 17:

بلوغ الصبي و الصبية إنما هو شرط في وجوب الحج عليهما، و ليس شرطا في شرعيته منهما، فيشرع لهما أن يحجا البيت و أن يعتمرا إذا كانا مميزين كما تشرع لهما سائر العبادات من الصلاة و الصيام و غيرهما، و يستحب لهما الإتيان به، و يترتب على فعلهما ثواب الحج و جزيل أجره إذا أتيا به على الوجه المطلوب و النية الحسنة، و لا تتوقف صحة الحج المندوب منهما- إذا كانا مميزين- على أن يأذن لهما الولي الشرعي عليهما بفعله، إذا كان حجهما لا يستتبع تصرفا في مالهما، كما إذا تبرع لهما متبرع بالمال، و إذا استتبع حجهما تصرفا بالمال فالظاهر لزوم الاستئذان من الولي في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 15

المسألة 18:

يستحب لولي الصبي غير المميز أن يحجّه، و المراد بإحجاجه أن يجعله حاجا، فيلبسه ثوبي الإحرام، و ينوي بذلك أن يجعل الصبي محرما، فيقول: أحرمت هذا الصبي بعمرة التمتع مثلا أو بحج التمتع قربة الى اللّٰه تعالى، و يلقنه ألفاظ التلبية ليقولها بلسانه إذا كان الطفل يستطيع ذلك، و إذا كان لا يستطيع لبى الولي بالنيابة عنه، ثم جنّب الطفل جميع محرمات الإحرام، و أمره أن يفعل كل ما يجب فعله في الحج أو العمرة، من طواف و صلاة طواف و سعي بين الصفا و المروة و نية لتلك الاعمال و طهارة و وضوء لما يشترط فيه ذلك، و تقصير بعد السعي في عمرة التمتع، و وقوف في عرفات، و المشعر، و أعمال منى في يوم النحر و ما بعده و باقي أعمال الحج.

و إذا كان الصبي لا يتمكن من الإتيان بالعمل بنفسه أتى به الولي بالنيابة عنه و أحضره في المواقف

في مواضعها و تولى عنه النيات و رمى عنه و ذبح، و حلق رأسه، و إباتة في منى في ليالي المبيت و إطافة و سعى به، و لو بأن يحمله أحد فيطوف به و يسعى.

المسألة 19:

لا بدّ و أن يكون الصبي مختونا في حال طوافه أو الطواف به في البيت، سواء كان الطواف للعمرة أم للحج أم للنساء، و لا بدّ و أن يكون طاهر البدن و الثياب من النجاسات في حال طوافه أو الطواف به و الصلاة لطوافه، و أن يكون على وضوء في ذلك الحال، و لو بإجراء صورة للوضوء عليه إذا كان لا يحسن الوضوء، و يجمع على الأحوط في هذه الصورة بين ذلك و بين وضوء الولي بالنيابة عنه و بين صلاته إذا أمكنه فعلها و صلاة الولي بالنيابة عنه، و إذا لم يقدر على إجراء صورة الوضوء توضأ الولي بالنيابة عنه في حال الطواف به، و صلى صلاة الطواف عنه على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 16

المسألة 20:

الظاهر أنه لا فرق في الاحكام التي ذكرناها بين الصبي و الصبية فيستحب إحجاج الصبية كما يستحب إحجاج الصبي، و إجراء الأعمال و النيات عليها كما تجرى عليه، و لا يشترط الختان في طوافها و الطواف بها.

المسألة 21:

يستحب لولي الصبي و الصبية أن يحجهما و يجعلهما محرمين، و يجري عليهما أعمال الحج و العمرة على النحو الذي بيناه، من غير فرق بين أن يكون الولي نفسه محرما أو محلا، و إذا أحجّ الولي الطفل و جعله محرما ثبت إحرام الطفل و تم حجه، و استوجب الثواب عليه، و لم تجر على الولي نفسه أحكام الإحرام بذلك إذا كان محلا.

المسألة 22:

ولي الطفل الذي يستحب له أن يحج الطفل و يوقع منه أفعال الحج و العمرة هو أبوه وجده من قبل أبيه، و وكيلهما الذي يفوضان اليه جميع ذلك، أو يفوضان اليه بعضه، كما إذا وكلاه في أن يحمل الطفل و يطوف به و يسعى، أو أن يرمي عنه، أو يذبح له، أو يحلق رأسه، و في ثبوت الولاية على الطفل لوصي الأب أو الجد، أو للحاكم الشرعي و أمينه إشكال.

و يشكل- بل يمنع- ثبوت الولاية عليه في ذلك للأم، و الجد من قبل الأم، فضلا عن غيرهما ممن يتولى شؤون الطفل، و يتكفله من الأقارب أو الأباعد.

المسألة 23:

إذا سافر الولي بالصبي للحج، و كانت نفقة الصبي في حال سفره لا تزيد على نفقته في حضره، جاز للولي أن يحتسبها من مال الصبي نفسه، و إذا زادت على نفقته في الحضر كانت الزيادة على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 17

الولي فيخرجها من ماله و لا يجوز له أن يأخذها من مال الصبي.

و يستثنى من ذلك ما إذا توقف حفظ الصبي على السفر به مع وليه، و يستثنى أيضا ما إذا كان السفر بالطفل مصلحة له، فيكون جميع نفقة الطفل من ماله في الصورتين.

المسألة 24:

إذا أحج الولي الصبي كان على الولي أن يدفع هدي التمتع عنه من مال الولي نفسه، و إذا وجبت على الصبي كفارة صيد في إحرامه فعلى الولي أن يدفع الكفارة من ماله لا من مال الصبي، و إذا أتى الطفل بشي ء من محرمات الإحرام غير الصيد، فالظاهر أنه لا كفارة عليه لا في ماله و لا في مال الولي.

المسألة 25:

يشكل الحكم باستحباب أن يحج الولي بالمجنون غير المميز، على الوجه الذي ذكرناه في الصبي و الصبية غير المميزين، فإذا أراد الأب أو الجد أن يجعله محرما و أن يجري عليه اعمال الحج و العمرة فعل ذلك برجاء المطلوبية.

المسألة 26:

لا يشترط في صحة الحج المندوب من الولد البالغ أن يستأذن أباه أو يستأذن أمه في فعله، نعم، لا يصح حجه إذا كان سفره الى الحج يشتمل على خطر و شبهه فيوجب من أجل ذلك إيذاء لهما أو لأحدهما، و يصدق عليه- بفعل ما يؤذيهما- أنه قد عقّهما، و لا يصح كذلك إذا نهاه أحدهما أو كلاهما عن السفر، لبعض الجهات العقلائية الموجبة للنهي، فيصدق عليه العصيان إذا خالف نهيهما، و لا يعتبر ذلك في الحج الواجب عليه بالاستطاعة، و سيأتي الكلام في الحج الواجب بالنذر و شبهه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 18

المسألة 27:

إنما يحرم السفر على الولد إذا كان موجبا لإيذاء أبيه أو أمه لسبب عقلائي يوجب الأذية في نظر العقلاء من الناس، و على النحو المتعارف بينهم، و لا اعتبار بما يحصل عند بعض الآباء من التخيلات و الوساوس و الأوهام التي لا تعدّ دواعي عقلائية صحيحة.

و كذلك الحكم في نهي الأب و الأم، فالمدار أن يكون النهي لسبب عقلائي يوجب ذلك، و لا اعتبار بما يكون عن دواع غير متعارفة توجب ذلك، أو لبعض انفعالات و خواطر تحدث عند الأب أو الأم من غير مرجح شرعي يوجب ذلك.

و لا يختص ذلك بالسفر للحجب المندوب، بل يعم الأمور الراجحة الأخرى كالسفر للزيارات المستحبة، و كزيارة الأقرباء و الإخوان، و حضور بعض المجالس، و الصلاة في الجماعة.

المسألة 28:

إذا حج الغلام المستطيع للحج و هو يعتقد أنه لا يزال صبيا لم يبلغ الحلم، و ان الحج منه حج مندوب حتى أتم الحج و هو على هذا الاعتقاد، ثم علم بعد إتمام حجه أنه قد بلغ الحلم قبل حجه، فإن كان قد قصد في نفسه امتثال الأمر المتوجه اليه بالحج، صح حجّه و كفاه ما أتى به عن حج الإسلام الواجب عليه، و ذلك لان الأمر المتوجه اليه بالفعل هو الأمر بالحج الواجب، و قد نوى امتثاله، و ان كان يتوهم انه حج مندوب.

و إذا قصد بحجه امتثال الأمر بالحج المندوب- على نحو التقييد بذلك-، لم يكفه ما فعله عن الواجب، فيجب عليه الحج من قابل، و كذلك الفتاة إذا حجّت و هي تعتقد إنها صبيّة غير بالغة، ثم استبان لها أنها قد بلغت قبل الحج، فيتوجه فيها التفصيل المذكور.

و نظير ذلك ما إذا حج الرجل أو المرأة و

هو يعتقد أنه غير

كلمة التقوى، ج 3، ص: 19

مستطيع للحج و أن حجه مندوب، ثم ظهر له أنه كان مستطيعا في حال الحج، فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره، و يكفيه حجه عن حج الإسلام الواجب في الصورة الأولى، و يجب عليه الحج في القابل في الصورة الثانية.

[الشرط الثالث: أن يكون حرا،]
المسألة 29:

الشرط الثالث: من شروط وجوب الحج على الإنسان أن يكون حرا، فلا يجب الحج عليه إذا كان عبدا مملوكا أو أمة مملوكة، و ان كان الملك لبعضه، و حتى إذا كان مستطيعا للحج من حيث المال و أذن له سيده بالحج، فلا يكون واجبا عليه، و إذا أذن له مالكه بالحج و أتى به صحّ منه حجه و كان مندوبا و لم يكفه عن حج الإسلام، فإذا أعتق بعد ذلك و كان مستطيعا في حال العتق، أو استطاع بعده وجب عليه أن يحج البيت، و لا يجب عليه الحج إذا هو لم يستطع في حال العتق و لا بعده، و ان كان مستطيعا لما كان مملوكا.

المسألة 30:

إذا أذن السيد لمملوكه بأن يحج، فحج بقصد الحج المندوب كما ذكرناه، ثم أعتقه المولى فأدرك الوقوف في المشعر الحرام و هو حر أجزأه هذا الحج عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا للحج في حال عتقه، و كذلك الحكم إذا انعتق بسبب آخر من أسباب العتق قبل الوقوف بالمشعر، فيكفيه ذلك عن الحج الواجب إذا كان مستطيعا، و لا يكفيه عن الواجب إذا لم يكن مستطيعا في ذلك الحال، فإذا تجددت له الاستطاعة بعد العتق وجب عليه الحج.

المسألة 31:

إذا حج العبد بإذن مولاه ثم أعتقه المولى في أثناء الحج، فأدرك الوقوف في عرفات و الوقوف في المشعر الحرام جميعا و هو حر، أجزأه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 20

حجه عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا في حال عتقه، و كذلك إذا وقف في عرفات و هو مملوك ثم أدرك الوقوف بالمشعر الحرام و هو حر، و هذا هو الفرض الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و كذلك إذا فاته الوقوف في عرفات لعذر، و أدرك الوقوف في المشعر الحرام و هو حر، فيكفيه حجه عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا، و كذلك إذا أدرك الوقوف في عرفات و هو حر وفاته الوقوف بالمشعر الحرام لعذر.

و على وجه الإجمال فالمدار في الحكم بالإجزاء هو أن يدرك أحد الموقفين و هو حر و ان يكون حجه صحيحا، سواء كان الموقف الذي أدركه و صح معه حجه اختياريا أم اضطراريا، و سيأتي في مباحث الوقوفين إن شاء اللّٰه تعالى بيان الاختياري و الاضطراري من الوقوفين و الصور المحتملة في ذلك و ما يصح معه الحج منها و ما لا يصح، فلتراجع المسألة التسعمائة و الحادية و الثلاثون و عدة مسائل

بعدها.

المسألة 32:

إذا أعتق السيد مملوكه في أثناء الحج و أدرك أحد الموقفين و هو حرّ أجزأه ذلك الحج- إذا أتمه- عن حج الإسلام كما ذكرناه، و إن لم يعلم العبد بعتقه حتى أتم الحج، أو كان لا يعلم بأن حجة يجزيه عن الحج الواجب فلا يشترط في الاجزاء ان يجدد النية- بعد عتقه- للإحرام بحج الإسلام، نعم يجب عليه أن يجدّد النية لحج الإسلام إذا كان ملتفتا للموضوع و الحكم معا بعد العتق و في حال العمل.

المسألة 33:

لا فرق في الحكم الذي ذكرناه في حج المملوك بين ان يكون حج إفراد أو حج قران أو حج تمتع، فإذا كان العبد متمتعا و أعتقه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 21

مولاه في أثناء عمرة التمتع أو بعد ان أتمها، أو في أثناء حج التمتع فأدرك الموقفين أو أدرك أحدهما و هو حر، صح جميع عمله و كفاه عن عمرة التمتع و حج التمتع الواجبين إذا كان مستطيعا.

المسألة 34:

إذا أذن السيد لمملوكه بأن يحرم بالحج أو بالعمرة، فأحرم العبد وجب عليه إتمام عمله الذي أحرم به و ان كان عمرة مفردة، و لا يجوز للسيد أن يرجع في إذنه بعد أن يتلبس العبد بالإحرام، و إذا رجع في إذنه لم تجب على المملوك طاعته، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و إذا رجع المولى في إذنه قبل أن يحرم العبد، و علم العبد برجوعه لم يجز للعبد أن يحرم لانتفاء الشرط، و إذا رجع المولى في إذنه قبل أن يتلبس العبد بالإحرام و لم يعلم العبد برجوع مولاه في الاذن فأحرم، صح إحرامه على الأقوى، و وجب عليه إتمام العمل الذي أحرم به.

المسألة 35:

إذا أذن السيد لعبده بحج التمتع فأحرم العبد بذلك كان السيد مخيرا بين أن يذبح عن العبد هدي التمتع و أن يأمره بالصوم بدلا عن الهدي ثلاثة أيام في الحج و سبعة أيام إذا رجع الى أهله، و إذا أعتق العبد في أثناء الحج على ما تقدم بيانه فأدرك أحد الموقفين و هو حر، وجب هدي التمتع على العبد نفسه، فإن لم يجد وجب عليه الصوم بدلا عنه.

المسألة 36:

إذا آجر السيد عبده للحج أو للعمرة بالنيابة عن أحد وجب على العبد أن يأتي بالعمل المستأجر عليه، و إذا أمره بأن يحج أو يعتمر لنفسه وجب عليه أن يطيع أمر اللّٰه و أمر سيده فيحج أو يعتمر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 22

لنفسه على النحو الذي عيّنه له السيد، و لا يجزيه ذلك عن حج الإسلام إذا أعتق بعد ذلك و استطاع، إلا إذا أعتق في أثناء الحج و أدرك أحد الموقفين و هو حر كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 23

الفصل الثالث في الاستطاعة و جهاتها و أحكامها

المسألة 37:

يشترط في جميع الواجبات الشرعية، و في جميع التكاليف: أن يكون العمل المكلف به مقدورا للإنسان، فلا يصح التكليف بغير المقدور المستطاع، و هذا الحكم معلوم بالبداهة في الشريعة الإسلامية.

و ينفرد حج الإسلام عن سائر الواجبات في الدين بأنه يشترط في وجوبه أن يكون الإنسان مستطيعا لحج البيت استطاعة شرعية، و هذا هو الشرط الرابع من شروط وجوبه.

و يراد بالاستطاعة الشرعية: أن يكون الشخص قادرا على حج البيت قدرة مالية، فيكون له من الزاد و الراحلة ما يبلّغه ذلك، أو يكون له من المال و المملوكات الأخرى ما يحصّل له الزاد و الراحلة، و أن يكون قادرا على بلوغ ذلك من حيث صحة بدنه و قوته على السفر و تحصيل المقصود، و أن يكون آمن السرب و الطريق الى الميقات و الى نهاية الأعمال، فلا مانع له من الوصول و القيام بالواجب، و أن يكون له من الوقت ما يتمكن فيه من تحقيق جميع ذلك، و الوفاء به على الوجه المطلوب، و على ما سنوضحه في المسائل الآتية من بيان، فلا يجب عليه الحج إذا قصرت استطاعته في بعض هذه المجالات.

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 24

المسألة 38:

الظاهر انه لا فرق في اشتراط الراحلة بين القريب من الناس الى البيت و البعيد عنه، فإن الحاج من أهل مكة و من قرب منها يحتاج الى الخروج الى عرفة و بقية المشاعر لتأدية المناسك بها، و العود منها الى البيت للطواف و السعي، و مثل ذلك يحتاج فيه الى الراحلة بحسب العادة بين الناس فتعمّه أدلة اشتراط الراحلة.

المسألة 39:

المعتبر في الاستطاعة أن يكون الشخص ممن له زاد و راحلة يبلغ بهما المقصود، سواء كان مالكا لعين الزاد و الراحلة بالفعل، أم كان له من النقود و الأموال الأخرى ما يقدر به على تحصيل الزاد و الراحلة في جميع رحلته الى البيت الحرام متى احتاج إليهما، فلا يشترط في الاستطاعة حمل الزاد معه إذا أمكن له الحصول عليه في منازل سفره، و في مواضع اقامته حتى يبلغ غايته، و لا يشترط فيها ملك الراحلة إذا أمكن له استئجارها و لا يشترط وحدة الراحلة إذا أمكن له استبدالها بغيرها في مراحل سفره حتى يتمه، و لا وحدة نوعها، فله أن يقطع بعض المسافة على راحلة و يقطع بعضها في سفينة أو في سيارة أو غيرهما من وسائل النقل، و إذا لم يوجد الزاد في بعض مراحل السفر اشترط في استطاعة الحاج إمكان حمل الزاد معه، و وجب عليه حمله مع الإمكان، و لو بأن يستأجر دابة أو سيارة لحمل ما يحتاج إليه في سفره من طعام و شراب و متاع، فإذا لم يوجد الزاد في بعض مراحل سفره و لم يمكن له حمله معه أو كان في حمله حرج و مشقة لا تتحمل عادة، سقط عنه الوجوب لأنه غير مستطيع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 25

المسألة 40:

كلمة الزاد حين تقال مطلقة يراد منها الطعام و ما يتقوّت به الإنسان خاصة، و حين تقال بالإضافة إلى المسافر مع الراحلة، و حين تذكران لبيان معنى الاستطاعة لحج البيت يكون المراد بها ما يحتاج إليه الإنسان في سفره من مطعوم و مشروب، و من أمتعة و أوعية و غير ذلك في أثناء حله و ترحاله أيام سفره، مما يناسب

حاله من قوة و ضعف و يناسب زمانه من صيف و شتاء و حر و برد، و ما يناسب شأنه و مكانته الاجتماعية من شرف و ضعة، فتشمل حتى الخادم إذا كان من شأنه أن يكون له خادم في سفره، و تعم جميع المذكورات لنفسه و لخدمة و ضيوفه إذا كان من شأنه أن يستضاف في حال سفره، و لدابته و سيارته حين يكون ذلك من شؤونه التي لا يمكن سفره الا بها، أو التي يكون سفره حرجا و شاقّا إذا سافر بدونها.

و لا بد و أن يكون له من المال و المكنة زائدا على ذلك ما يكفيه لنفقة أهله و عياله و مؤنتهم مدة سفره عنهم حتى يعود إليهم، و الراحلة هي وسيلة النقل التي يركبها في ذهابه و في تنقله بين المشاعر و في عودته الى وطنه بعد الحج، من دابة أو سفينة أو سيارة أو طائرة أو قاطرة، و يراعى في جميع ذلك ما يليق بشأنه و شرفه و يقوم بحاجته من حيث النوع و المقدار، فقد يكتفي بعض المسافرين باستئجار مقعد واحد من سيارة متعارفة، و قد يحتاج الى سيارة كاملة من نوع مخصوص، و قد يحتاج الى أكثر من ذلك، فإذا وفت قدرته المالية بما يحتاج اليه من الأمور و الشؤون كان مستطيعا من حيث المال، و وجب عليه حج البيت إذا تمت له النواحي الأخرى من الاستطاعة، و إذا قصرت مكنته فلم تف له ببعض المجالات التي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 26

يحتاج إليها من ذلك لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة.

المسألة 41:

يعتبر في الاستطاعة المالية أن يكون المكلف مالكا بالفعل للزاد و الراحلة، أو لمال و مملوكات يقدر

بها على تحصيل الزاد و الراحلة، على الوجه الذي ذكرناه في المسائل المتقدمة، و لا يكفي في تحقق الاستطاعة أن تكون له صنعة أو حرفة يقدر بواسطتها على أن يوفر لنفسه في أثناء سفره الى الحج جميع ما يحتاج اليه من زاد و نفقة حتى يعود الى وطنه، و لو أنه احتاط و حج على هذه الصورة لم يكفه حجه هذا عن حج الإسلام، فإذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه الحج.

المسألة 42:

الاستطاعة الشرعية التي يجب معها الحج على المكلف هي أن تتحقق له نواحي الاستطاعة التي بيناها من المكان الذي هو فيه، و ان لم يكن مستطيعا للحج من وطنه الذي يسكنه، فإذا خرج الرجل من بلده الى بلد آخر زائرا أو عاملا أو لبعض غايات أخرى و هو غير مستطيع للحج، و اتفق أن توفرت له جهات الاستطاعة للحج في ذلك البلد فحصل لديه من المال ما يكفيه للسفر من ذلك الموضع ذهابا و رجوعا و لنفقات حجه، و نفقات عياله حتى يعود الى وطنه، وجب عليه الحج، و إن كان ما حصل له من المال لا يحقق له الاستطاعة لو كان في وطنه، أو كانت النواحي الأخرى للاستطاعة لا تتم له لو كان في وطنه.

و كذلك الحكم إذا كان غير مستطيع في بلده و خرج الى حج البيت متسكعا، ثم حصلت له الاستطاعة بالتكسب، أو ببذل باذل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 27

قبل أن يحرم من الميقات، فيجب عليه حج الإسلام، و يجب عليه الإحرام له من الميقات.

المسألة 43:

إذا كان المكلف غير مستطيع، و خرج الى الحج متسكعا حتى بلغ الميقات و أحرم بالحج بنية الندب لعدم استطاعته، ثم اتفق أن حصلت له الاستطاعة بعد الإحرام بالتكسب أو ببذل باذل، لم يجب عليه الحج فلا يجب عليه الرجوع الى الميقات أو المضي إلى ميقات آخر ليحرم بحج الإسلام بعد إحرامه الأول، بل لا يجوز له ذلك، و لا يجوز له العدول بنيته الى حج الإسلام و لا إلى عمرة مفردة فيتمها ثم يستأنف بعدها حج الإسلام في عامه، بل يجب عليه أن يستمر في نسكه الذي أحرم له حتى يتمه، فإن بقيت استطاعته الى

العام المقبل وجب عليه حج الإسلام فيه، و إن لم تبق استطاعته سقط عنه وجوب الحج.

المسألة 44:

إذا غلت الأسعار فاحتاج المكلف أن يشتري الأشياء التي يحتاج إليها في سفره الى الحج من الطعام أو الأوعية و الأدوات بأكثر من ثمن المثل، أو احتاج الى استئجار ما يحتاج الى استئجاره بأكثر من أجرة المثل وجب عليه الشراء و الاستئجار بذلك مع التمكن من القيمة و لم يسقط عنه وجوب الحج في تلك السنة بسبب ذلك، و كذا إذا توقف تحصيل القيمة على أن يبيع أملاكه بأقل من ثمن المثل فيجب عليه ذلك، إلا إذا كان البيع و الشراء و الاستئجار كذلك موجبا للضرر له بأكثر من المتعارف، أو كان موجبا للحرج الذي يرفع التكليف فيسقط عنه الوجوب حين ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 28

المسألة 45:

إذا كان المكلف ممن تضطره العلاقات و الملابسات و جهات المعيشة و أشباه ذلك الى العود الى وطنه بعد الحج، و لو للحرج الشديد عليه في البقاء في غير وطنه و المعيشة بعيدا عن أهله، كما هو الحال الغالب في الناس، اعتبر في استطاعته المالية للحج وجود نفقة العود الى بلده بعد الحج فتكون نفقة العود لمثل هذا جزءا من استطاعته في المال.

و لا يعم هذا من كان سائحا في البلاد ليس له وطن يستقر فيه، و المكلف الذي لا يريد العود الى وطنه بعد الحج لجهات أوجبت له ذلك، و الشخص الذي لا عسر و لا حرج عليه في أن يبقى في مكة، فلا يعتبر في استطاعة هؤلاء، ان تكون لديهم نفقة العود الى الوطن بعد الحج.

المسألة 46:

إذا أراد المكلف السفر الى الحج، و عزم على التوطن بعد انتهاء حجه في بلد آخر غير وطنه الأول، لوحظ حاله، فإن كان مضطرا الى ذلك بحيث لا يتمكن من العود الى وطنه الأول، اعتبر في استطاعته المالية أن تكون عنده نفقة الذهاب الى الحج و نفقة الذهاب بعد الحج الى البلد الذي عزم على التوطن فيه، سواء كانت نفقته مساوية لنفقة العود الى وطنه أم أقل منها أم أكثر، و إن كان مختارا في استبدال بلده من غير ضرورة تلجئه الى تركه، اعتبر في استطاعته المالية أن تكون هذه نفقة الذهاب الى الحج، و أقل الأمرين من نفقة العود الى وطنه الأول و نفقة الذهاب الى وطنه الجديد، فإذا كان مالكا لذلك كان مستطيعا و وجب عليه الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 29

المسألة 47:

الاستطاعة للحج هي أن يكون المكلف مالكا لأعيان الزاد و الراحلة التي يحتاج إليها في سفره الى الحج، أو يكون واجدا للنقود التي ينفقها في تحصيل ما يحتاج اليه منها، أو يكون مالكا لأموال أخرى يمكنه بيعها و صرف أثمانها في شراء تلك الأعيان أو استئجارها، و قد سبق بيان جميع هذا مفصلا، و ذكرنا أن الأدلة المعتبرة قد أوضحت كذلك أن الاستطاعة للحج هي السعة في المال أو القوة و اليسار فيه، و مقتضى وصف الاستطاعة بذلك أن المملوكات و الأموال التي يجب بيعها و صرف أثمانها في الحج، لا تشمل الأشياء الضرورية للمكلف، و التي يحتاج إليها في إدارة معيشته، و تدبير شؤونه في حياته، فلا تباع في ذلك الدار التي يحتاج إليها لسكناه و سكنى عياله، و التي تليق به بحسب شرفه و منزلته في المجتمع بنوعها و

عددها، فإن كثيرا من الناس يحتاج في إسكان أهله الى أكثر من دار واحدة، و لا يباع أثاث منزله و لوازم بيته من فرش و أدوات و أوان و آلات، و أرائك و أسرّة، و وسائل يحتاج إليها في تنظيم أموره و ترتيب مسكنه و راحته و راحة أهله و ضيوفه، و لا تباع ثيابه التي يتجمل بها بين الناس أو التي يلبسها في أوقات راحته أو أوقات عمله، و لاتباع كتب العلم الديني إذا كان من أهل ذلك و كانت الكتب موضع حاجته، و لا تباع آلات صنعته التي يفتقر إليها في معاشه، و منها كتب العلم التي تتعلق بصناعته ككتب الطب للطبيب و كتب الهندسة للمهندس و نحوها، و لا تباع دابته أو فرسه أو سيارته التي لا بد له منها في تنقلاته و حركاته، و غير ذلك من الأمور التي يقع في الضيق و الحرج و العسر في حياته بدونها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 30

و يراعى في جميع ذلك ما يليق به و بمنزلته من حيث النوع و العدد، و لاتباع حليّ المرأة، و لا ثياب زينتها، و وسائلها الخاصة التي يحتاج إليه أمثالها في زمانها و في بلدها، و التي تليق بها بحسب شرفها و منزلتها و سنها، و قد ذكرنا نظائر هذا في كتاب الدين عند ذكر المستثنيات فيه.

المسألة 48:

إنما استثنيت هذه الأمور من وجوب البيع للحج من حيث أن وجودها ضروري للمكلف في حياته و لا بد له منها، و إذا باعها وقع في الضيق و العسر في أموره فلا يكون مستطيعا للحج بمقتضى الأدلة الآنف ذكرها.

فإذا زادت الأعيان الموجودة لدى المكلف من هذه الأمور على مقدار حاجته وجب

عليه بيع الزائد منها إذا توقف عليه الحج، و كذلك إذا استغنى عن بعض الأشياء بعد ما كان محتاجا إليه فيجب بيعه إذا توقف عليه أداء الحج، و لا تقصر أدلة الاستطاعة للحج عن شموله، و من ذلك حليّ المرأة و ثياب زينتها بعد أن يكبر سنّها و تكون غير محتاجة إلى استعمالها و لبسها.

المسألة 49:

إذا كانت للمكلف دار يملكها بالفعل، صالحة لسكناه، و قيمتها وافية بمقدار استطاعته للحج، و كانت بيده دار أخرى موقوفة أو مستأجرة أو مستعارة، مما يصح انطباقه عليه، و هي صالحة لسكناه أيضا، و وافية بحاجته، و لا غضاضة و لا منقصة عليه إذا سكن فيها، فالظاهر ثبوت الاستطاعة الشرعية له بملك الدار الأولى و وجوب الحج عليه بها، فيجوز له أن يسكن الدار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 31

الموقوفة- و نحوها من المذكورات- و يبيع الدار المملوكة و يحج بثمنها، و يجوز له أن يستبقي الدار المملوكة فلا يبيعها، و يحج متسكعا أو يقترض ما يحج به، و إذا حج كذلك سقط عنه حج الإسلام بذلك، و سيأتي ذكر هذا.

و كذلك الحكم في المستثنيات الأخرى التي لا تباع في الحج كما لاتباع في الدين، فإذا كانت لديه من كتب العلم أو من المستثنيات الأخرى المملوكة ما يكون مستطيعا بقيمته، و كان بيده منها من الموقوفات أو من المستأجرات و المستعارات أو من الموصى بها في سبل الخير أو من المتبرع به لهذه الوجوه ما يسد حاجته فيها و يتعارف لمثله، و لا يوجب له مذلة و لا مهانة تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج كما تقدم.

المسألة 50:

إذا كانت للمكلف دار مملوكة تكفيه لسكناه- كما تقدم- و ثمنها يفي باستطاعته للحج لو انه باعها، و لم تكن بيده دار أخرى موقوفة أو موصى بها للخيرات تصلح لسكناه- كما في الفرض السابق- و لكن وجود هذه الدار ممكن له، بحيث إذا طلبها حصل عليها، فالظاهر عدم ثبوت الاستطاعة له بذلك، فلا يجب عليه الحج، و كذلك الحكم في نظائر الدار من المستثنيات إذا وجد

فيها نظير هذا الفرض.

المسألة 51:

إذا كانت للشخص دار مملوكة تصلح لسكناه و لا تزيد على حاجته في نوعها، و لكنها تزيد على حاجته في قيمتها، و إذا استبدل عنها دارا أخرى تصلح لسكناه و تليق بشأنه أيضا كان التفاوت ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 32

بين الدارين في القيمة وافيا باستطاعته للحج، و مثال ذلك ان تكون له دار مملوكة تقع في الشارع المهم من البلد، و قيمة الدار من أجل ذلك تبلغ عشرة آلاف دينار، و إذا باعها بهذه القيمة أمكن له أن يشتري لنفسه مثل تلك الدار في نوعها و في كفايتها له و لياقتها بشأنه، تقع في شارع آخر من البلد و قيمتها من أجل ذلك خمسة آلاف دينار، و التفاوت ما بين الدارين في القيمة و هو خمسة آلاف دينار يفي باستطاعته للحج، فإذا كان بيع الدار الاولى و إبدالها بالثانية ممكنا للمكلف و لا عسر فيه، فالظاهر صدق الاستطاعة بذلك و وجوب الحج عليه، و إذا يمكن له ذلك أو كان عسرا حرجا لم تصدق الاستطاعة و لم يجب الحج.

المسألة 52:

إذا ملك الشخص ما يكفيه لنفقة الحج من النقود و الدراهم مثلا، و كان محتاجا الى صرف جميع ما لديه، أو صرف بعضه في شراء دار يسكنها أو شراء بعض المستثنيات الأخرى التي لا بد له في حياته منها، و التي يقع في العسر و الضيق في المعيشة بدونها، لم تصدق عليه الاستطاعة بذلك، فقد تقدم ان الاستطاعة- كما دلت عليه الأدلة المعتبرة- هي السعة في المال و القوة و اليسار فيه، فلا يجب عليه الحج بما لديه من النفقة، و يجوز له شراء الأعيان التي يحتاج إليها بذلك المال.

و إذا كانت لديه دار

للسكنى أو كانت له بعض المستثنيات التي ذكرناها، و باع تلك المستثنيات الموجودة عنده لم تصدق عليه الاستطاعة للحج بوجود أثمانها عنده ما دام محتاجا في حياته الى مثل تلك المستثنيات، سواء باعها بقصد أن يبدلها بأعيان غيرها من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 33

تلك المستثنيات، فباع الدار ليشتري بثمنها دارا أو كتبا، و باع الكتب ليشتري بها دارا أو كتبا أخرى أم لم يقصد التبديل بسواها.

المسألة 53:

إذا ملك الرجل مبلغا من المال يكفيه لنفقة الحج ذهابا و إيابا و كان محتاجا الى الزواج، فإن هو صرف المبلغ الذي ملكه في الحج لم يتمكن من الزواج، و ان صرفه في النكاح لم يستطع الحج، فإذا كانت حاجته الى الزواج شديدة، بحيث يقع في العسر أو في المرض بتركه، فهو غير مستطيع للحج، و يجب عليه صرف المال في التزويج، و إذا كانت حاجته الى الزواج لا تبلغ العسر أو الوقوع في المرض، وجب عليه الحج و قدّمه على النكاح.

المسألة 54:

ذكر بعض الفقهاء (رضوان اللّٰه عليهم) الوقوع في الزنا، و عدّه من المحاذير التي توجب تقديم الزواج على الحج، إذا دار الأمر بينهما في الفرض الآنف ذكره، و لعل المراد خشية الوقوع في الزنا إذا هو قدم الحج على الزواج و صرف المال فيه، فإن الزنا إذا ترك الزواج إنما يقع الشخص فيه باختياره و إرادته و هو غير مجبر و لا مقسور في فعله كما هو واضح، و هو تام المسؤولية عن وقوعه إذا وقع، و ليس الحج من أسباب وقوعه و لا صرف المال فيه لتكون استطاعته للحج سببا لهذا الشي ء الممنوع شرعا، و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، كما قال بعضهم.

نعم، قد يكون تقديم الحج على الزواج و صرف المال فيه سببا لخوف المكلف من الوقوع في الزنا، و قد يشتد هذا الخوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 34

و يتعقد، فيكون موجبا للعسر و المشقة الشديدة أو للقلق و الكبت و بعض الأمراض النفسانية الأخرى، فالمدار في تقديم الزواج في الفرض المذكور على ذلك- كما بيّناه.

المسألة 55:

الظاهر من النصوص انه يعتبر في تحقق الاستطاعة الشرعية للحج ان يكون المكلف قادرا على الزاد و الراحلة بما بيّنا لهما من المعنى، أو على المال الذي يحصّل به ذلك أو يحصّله بثمنه، و ان تكون قدرته على ما ذكر قدرة تامة فعليّة، و المفهوم من ذلك: انه لا بدّ من أن يكون المكلف مالكا له ملكا فعليا، و لا بد من أن يكون متمكنا من إنفاقه في الحج تمكنا فعليا، فلا مانع له من صرفه و إنفاقه فيه، و نتيجة لذلك، فلا يكون المكلف مستطيعا للحج استطاعة شرعية إذا لم يكن مالكا له بالفعل، و ان

كان قادرا على ان يتملكه بكسب و نحوه، و لا يكون مستطيعا للحج استطاعة شرعية إذا كان له مانع عرفي أو شرعي من أن يصرف المال الذي يملكه في الحج، و ان كان قادرا على رفع المانع، فإن ذلك من القدرة على ان يكون مستطيعا، و ليس من الاستطاعة الفعلية التي دلت عليها النصوص، و جعلتها شرطا لوجوب الحج.

المسألة 56:
اشارة

إذا لم يكن للمكلف ما يكفيه لنفقة الحج من أعيان و منافع، و كان له دين على احد يكفيه لذلك لو أنه استوفاه من المدين، أو هو يتم له نفقة الحج، فللمسألة صور يختلف حكمها باختلاف فروضها.

الصورة الاولى:

أن يكون دينه على الشخص حالا قد حضر وقت وفائه، و أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 35

يكون المدين عازما على وفاء ما في ذمته غير مماطل فيه، و لا ريب في وجوب قبضه على المكلف الدائن إذا دفعه المدين اليه، و وجوب اقتضائه منه و مطالبته به إذا كان دفع الدين له محتاجا إلى المطالبة به فقط، فهو مالك للمال، و قادر على التصرف فيه بالفعل و استطاعته لذلك فعلية.

الصورة الثانية:

أن يكون قد حضر وقت وفاء الدين و يكون المدين مماطلا في دفع الدين له أو يكون منكرا له من أصله، و الظاهر عدم تحقق الاستطاعة الفعلية التي تقدم ذكرها، و إن كان الدائن قادرا على إجبار الغريم على دفع الدين إذا كان مماطلا، و قادرا على إثبات الدين عليه عند الحاكم إذا كان منكرا، فإن ذلك من القدرة على تحصيل الاستطاعة و ليس من الاستطاعة الفعلية التي اعتبرتها النصوص في وجوب الحج.

الصورة الثالثة:

أن يكون الدين مؤجلا لم يحضر وقت الوفاء به، و يكون الغريم غير عازم على وفاء الدين قبل حضور أجله، و لا ريب في عدم تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك فلا يجب عليه الحج.

الصورة الرابعة:

أن يكون دينه على الغريم مؤجلا لم يحضر أجله، و يكون المدين باذلا للدين قبل ان يحل الأجل و ان لم يطلب الدائن منه الوفاء بالدين، و الظاهر تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك للمكلف فيجب عليه الحج، و لا يجوز له ان يمتنع عن قبض الدين إذا دفعه اليه على الأقوى، و ان كان الدائن المكلف نفسه هو الذي اشترط على الغريم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 36

تأجيل الدين.

الصورة الخامسة:

أن يكون الدين مؤجلا لم يحضر أجله، و يكون المدين عازما على وفاء الدين قبل حضور أجله بشرط ان يطالبه الدائن به، و إذا لم يطالبه به لم يدفعه اليه، و الظاهر عدم تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك، فلا تجب عليه المطالبة به، فإن ذلك من تحصيل الاستطاعة و لا يجب الحج عليه.

المسألة 57:

لا تتحقق الاستطاعة الفعلية للحج في فروض المسألة المتقدمة إذا كان الشخص الذي عليه الدين معسرا، أو كان مماطلا لا يتمكن الدائن المكلف من إجباره على دفع الدين، أو كان منكرا لأصل الدين و لا يقدر الدائن على إثبات الحق عليه، أو كان التخاصم معه يستلزم الحرج على الدائن.

المسألة 58:

لا يكون الإنسان مستطيعا للحج إذا كان قادرا على ان يقترض ما يحج به، و ان كان قادرا أيضا على وفاء القرض بسهولة و يسر، فلا يجب عليه الاقتراض لذلك، فإنه من تحصيل الاستطاعة و ليس من الاستطاعة الفعلية، و لا يجب عليه الاقتراض كذلك إذا كان له مال يكفيه لنفقة الحج، و لكنه غائب عنه فلا يتمكن من صرفه بالفعل، و لا يجب عليه الاقتراض إذا كان له مال حاضر لا راغب في شرائه، فالمال الغائب لا يحقق له الاستطاعة بالفعل، فإن المفروض عدم قدرة المكلف على إنفاقه في الحج، و كذلك المال الحاضر في الصورة الأخيرة فإن المفروض عدم راغب فيه فالمال نفسه لا يمكنه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 37

من الحج به و لا ببدله، و الاقتراض في الصورتين إنما هو تملك مال آخر بعوض في الذمة و ليس استبدالا للمال الغائب أو الحاضر، فهو كما ذكرنا تحصيل استطاعة، فلا يكون واجبا على المكلف غير المستطيع.

المسألة 59:

إذا اقترض المكلف مالا يكفيه لنفقته في الحج، أو يتمم له النفقة الموجودة عنده، و كان قادرا على وفاء المبلغ الذي اقترضه إذا حلّ أجله و لا عسر عليه في ذلك تحققت له الاستطاعة الفعلية و وجب عليه الحج، و كذلك إذا اشترى مالا يكفيه لنفقة الحج و بقي الثمن في ذمته، فإذا كان قادرا على وفاء الثمن عند حلول أجله بسهولة و يسر، كان مستطيعا و وجب عليه الحج.

المسألة 60:

إذا كان الدين الذي يملكه المكلف في ذمة غريمه مما يصح بيعه، و كان ثمنه كافيا لنفقة الحج، أو متمما لما عنده من نفقته و لا عسر عليه في ذلك و لا حرج، وجب عليه بيع الدين و الحج به، و قد ذكرنا صور بيع الدين في المسألة الحادية عشرة من كتاب الدين، و في المسألة المائتين و التاسعة من كتاب التجارة، و ذكرنا ما يصح بيعه و ما لا يصح من المال الذي اشتراه في بيع السلف في المسألة الأربعمائة و الواحدة و ما قبلها من كتاب التجارة.

المسألة 61:

إذا ملك الشخص مقدارا من المال يكفيه لنفقة الحج، و كان عليه دين لأحد من الناس، فإن كان الدين الذي في ذمته قد حل وقته و طالب الدائن بوفائه، و لم يكن لدى المكلف المدين ما يفي به

كلمة التقوى، ج 3، ص: 38

الدين غير ذلك المال، كان الدين مانعا من تحقق الاستطاعة فلا يجب عليه الحج.

و كذلك إذا كان صرف المال الموجود لديه في الحج يوجب له العسر و الضيق في تسديد الدين، و ان كان مؤجلا لم يحضر ميعاد وفائه، فلا يجب عليه الحج أيضا، و إذا كان صرف المال الموجود في الحج لا يسبب له ضيقا في تسديد الدين، لم يمنع وجود الدين المذكور عليه من تحقق الاستطاعة و وجوب الحج عليه، سواء كان الدين حالا أم مؤجلا.

المسألة 62:

لا يختلف الحكم في الدين المانع عن تحقق الاستطاعة للمكلّف و عن وجوب الحج عليه في الفرضين الأولين من المسألة المتقدمة بين أن يكون الدين سابقا على تملكه لنفقة الحج و أن يكون متأخرا عنه، فلا يجب عليه الحج في الصورتين، و يستثنى من ذلك ما إذا ملك النفقة حتى حضر أوان الحج، ثم استدان بعد ذلك فإن هذا الدين لا يمنع وجوب الحج عليه، فيجب عليه أن يحج و ان كان متسكعا.

المسألة 63:

إذا ملك الإنسان ما يكفيه لنفقة الحج و اشتغلت ذمته بخمس أو بزكاة أو بغيرهما من الحقوق الشرعية جرى فيها حكم الدين الذي حل أجله و طالب به دائنه فتكون مانعة من وجوب الحج على المكلف إذا لم يكن له ما يفي به الحق الشرعي الذي اشتغلت به ذمته غير المال المذكور.

و كذلك إذا كان الخمس أو الزكاة قد تعلق بعين المال الذي ملكه، بحيث إذا أخرج الحق الشرعي منه لم يكفه الباقي لنفقة الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 39

فيكونان مقدمين على الحج.

و إذا كان الحج قد استقر وجوبه في ذمة المكلف من سنة سابقه، و ملك ما يكفيه لنفقة الحج في هذه السنة و اشتغلت ذمته بالخمس أو الزكاة على النحو المتقدم، و دار الأمر بين أن يحج بالمال فيؤدي الفرض الذي استقر في ذمته من الحج، أو أن يصرفه في الخمس أو الزكاة فيؤدي الحق الذي اشتغلت به ذمته، وجب علية الأمران معا فيصرف المال في أداء الحق الشرعي، و يحج و لو ماشيا متسكعا، فإذا لم يمكنه القيام إلا بأحد التكليفين، احتمل التخيير بين الأمرين، و احتمل تقديم الدين.

المسألة 64:

الظاهر انه لا فرق في الحكم الذي بيّناه في المسألة الحادية و الستّين بين أن يكون الدين الذي في ذمة المكلف قصير المدة، و طويلها، و لا بين ان يكون الدائن قد وعده بإبراء ذمته من الدين أو لم يعده بذلك، فالمدار في الحكم هو ما ذكرناه من وجود العسر و الضيق على المكلف في إنفاق المال الموجود لديه في الحج و عدمه.

نعم، قد يمتد أجل الدين أعواما كثيرة فيكون طول المدة موجبا لعدم الاهتمام بالدين عرفا، فلا يكون صرف المال الحاضر

في الحج سببا لوقوع المكلف في عسر أو ضيق، و قد يكون وعد الدائن بإبراء ذمة الغريم من الدين موجبا للوثوق بوعده، فلا يقع الغريم في العسر إذا صرف ماله في الحج، و لم يف به الدين.

المسألة 65:

إذا اكتسب الإنسان مقدارا من المال، و شك في أن ما كسبه هل بلغ الى حد الاستطاعة للحج أم لا، و مثال ذلك: أن يعلم أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 40

استطاعة مثله للحج تحصل بمبلغ خمسمائة دينار، و يشك في أن ما كسبه من المال هل يبلغ هذا المقدار أم لا، و الأحوط لزوم الفحص عن ذلك.

و مثله ما إذا اكتسب مبلغا معلوما من المال، و هو أربعمائة دينار مثلا، و شك في أن هذا المبلغ المعين الذي اكتسبه هل تحصل به الاستطاعة المالية لمثله أم لا، فلا يترك الاحتياط بلزوم الفحص.

المسألة 66:

إذا استطاع المكلف الحج و وجب عليه، و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الشرعية الواجبة، وجب عليه إخراجها و لم يجز له تأخيرها مع الإمكان، و يأثم إذا هو أخرها من غير عذر، و لا يجوز له التصرف في المال الذي تعلق به الحق الشرعي في سفر الحج و لا غيره، و إذا كانت ثياب إحرامه و طوافه و ثمن هديه من ذلك المال لم يصح حجه، و سيأتي للمسألة مزيد بيان و تفصيل.

المسألة 67:

المال الغائب عن مالكه إذا كان المالك قادرا على التصرف فيه و الإنفاق منه أو من ثمنه، بواسطة وكيله أو بواسطة مكالماته السلكية أو اللاسلكية يكون بمنزلة الحاضر، فتتحقق به الاستطاعة الفعلية للحج، و تحصل به الشروط المعتبرة في الاستطاعة من الإنفاق على من يعول به في مدة سفره، و من الرجوع الى كفاية بعد الحج، و تحصل به الآثار الأخرى في الحج و غيره، كما إذا بذل منه نفقة الحج لرجل حاضر أو غائب، و نحو ذلك من الآثار المتعلقة بالمال.

و إذا كان المالك غير قادر على التصرف في المال و الإنفاق منه لم تتحقق به الاستطاعة الفعلية للحج إذا لم يكن مستطيعا من وجه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 41

آخر أو يصل المال الى يده.

المسألة 68:

إذا كان للمكلف مال غائب عنه يكفيه لنفقة الحج، أو هو يتمم له ما بيده من نفقة الحج و كان قادرا على التصرف فيه و الإنفاق كما ذكرناه في المسألة المتقدمة تحققت له الاستطاعة المالية للحج كما قلنا، و جرت فيه أحكام مال الاستطاعة للحاضر، فإذا تمت له بقية شروط الاستطاعة و الوجوب، و حضر أوان الحج و تمكن من المسير، ثم تلف المال، فإن كان التلف بتقصير من المالك استقر وجوب الحج في ذمته، و ان كان التلف بغير تقصير من المالك كشف ذلك عن عدم استطاعته و لم يستقر وجوب الحج عليه، و إذا لم يتمكن المالك من التصرف في المال الغائب لم تتحقق به الاستطاعة كما تقدم، و إذا تلف لم يستقر وجوب الحج على المالك، سواء كان بتقصير منه أم بغير تقصير.

المسألة 69:

إذا كان المكلف مالكا لأعيان و نقود تكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله في سفره حتى يعود إليهم، و لكن أعيان ماله في يد شخص آخر، فإن كان الشخص الآخر الذي بيده أعيان المال باذلا له ماله متى أراد و غير ممتنع عنه، فالمالك مستطيع يجب عليه الحج.

و ان كان الشخص الذي بيده المال ممتنعا عن دفع المال اليه لم تتحقق له الاستطاعة، و ان كان قادرا على استيفاء المال منه إذا رفع أمره الى الحاكم الشرعي أو الى غيره، و كان قادرا على إثبات حقه إذا كان الرجل منكرا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 42

المسألة 70:

إذا ملك المكلف من المال ما يكون به مستطيعا لحج البيت إذا حضرت أيامه، فالظاهر انه لا يحرم عليه التصرف في ماله المذكور قبل التمكن من المسير الى الحج، فإذا هو أتلف المال أو نقله عن ملكه الى غيره قبل ان يحل أوان الحج انتفت بذلك استطاعته فلا يجب عليه الحج، بل الظاهر انه يجوز له التصرف في المال حال التمكن من المسير الى الحج و حلول أوانه، و ان تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج، فإذا هو أتلف المال أو نقله عن ملكه بناقل شرعي بعد حضور أوان الحج و التمكن من المسير وجب عليه أن يحج و لو متسكعا، أو خادما أو أجيرا مثلا.

نعم، يحرم عليه أن يتصرف بمال الاستطاعة إذا توقف إتيانه بفريضة الحج على وجود المال و لم يتمكن من الحج بغيره.

المسألة 71:

إذا كان المكلف مستطيعا للحج في الواقع و هو يعتقد انه غير مستطيع فحج بنية الحج المندوب فإن قصد في حجه امتثال الأمر المتوجه اليه بالحج، صح حجه و كفاه ما اتى به عن حج الإسلام الواجب عليه، فإنه قد قصد بنيته- على وجه الاجمال- كلا من الأمر المتعلق به بالفعل و هو الأمر الوجوبي، و المأمور به المتعلق به بالفعل و هو حج الإسلام، و ان تخيل ان الأمر هو الأمر الندبي، و أن الحج هو الحج المندوب، و ذلك من الاشتباه في التطبيق، و هو لا يضرّ بحصول الامتثال، و ان قصد في حجه امثتال الأمر الندبي على وجه التقييد صح حجه و لم يكفه عمّا في ذمته من حج الإسلام، و قد سبق نظير هذا في المسألة الثامنة و العشرين، في حج الصبي.

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 43

المسألة 72:

لا يشترط في الاستطاعة المالية للحج ان يكون ملك المكلف للمال الذي يحج به ملكا لازما، فيكفي فيها أن يكون مالكا له ملكا شرعيا، و يمكنه أن يتصرف فيه و ينفق منه لحاجته حتى يتم حجه و ان كان ملكه للمال متزلزلا قابلا للفسخ، فإذا صالح المكلف أحد بمال يكفيه لنفقة الحج و اشترط المصالح لنفسه خيار الفسخ إلى مدة معلومة، ملك المكلف المال المصالح به و ثبتت له الاستطاعة مع وجود الشروط، نعم، تبقى الاستطاعة مراعاة بعدم الفسخ من صاحب الخيار، فإذا فسخ المصالحة كان ذلك كاشفا عن عدم الاستطاعة من أول الأمر، و كذلك إذا وهبه واهب أجنبي عنه مالا يكفيه للحج و أقبضه المال الموهوب فإنه يكون بذلك مستطيعا، و ان جاز للواهب أن يرجع بما وهب ما دامت العين موجودة، و تكون استطاعته مراعاة بعدم فسخ الواهب، كما سبق في نظيره، فإذا تصرف المكلف الموهوب له بالمال لزمت الهبة و لم يجز للواهب الفسخ كما ذكرناه في كتاب الهبة.

و لا يبعد أن يكون التصرف في المال الموهوب واجبا على المكلف بعد تحقق الاستطاعة له و وجوب الحج عليه إذا انحصر في ذلك أداء الحج.

المسألة 73:

يعتبر في الاستطاعة المالية للحج أن يكون المكلف مالكا للمال الذي يحج به ملكا لازما أو متزلزلا، كما قلنا في المسألة الثانية و السبعين المتقدمة، و لا تتحقق الاستطاعة إذا أباح له مالك المال أن يتصرف فيه كما يشاء، سواء كانت الإباحة لازمة أم غير لازمة،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 44

و مثال الإباحة اللازمة أن يشترط المكلف على المالك في ضمن أحد العقود اللازمة بينهما أن يبيح له التصرف في مبلغ معلوم من ماله، فإذا أباح المالك

له التصرف في المبلغ وفاء بشرطه، و كان المبلغ يكفيه لنفقة الحج لم تثبت له الاستطاعة بذلك، و لم يجب عليه الحج ما لم يملك المبلغ أو ما يعادله من وجه آخر.

المسألة 74:

الاستطاعة المالية هي ان يملك المال الذي يكفيه لنفقات سفره و نفقات حجه و نفقات عوده الى وطنه على الوجوه التي تقدم ذكرها، و أن يكون متمكنا من التصرف في المال، و ان يكون مال الاستطاعة باقيا في ملكه و في نفوذ تصرفه حتى يتم حجه و يعود الى وطنه.

فإذا تلف المال أو تلف بعضه، أو سرق أو سرق بعضه، بحيث قصر الباقي منه عن الوفاء ببعض ما يحتاج إليه في الحج أو في العود، و كان التلف بسبب غير اختياري للمكلف، كشف ذلك عن عدم استطاعته من أول الأمر.

و إذا كان التلف بعد حضور أوان الحج و التمكن من المسير، و كان المكلف عامدا فيه، أو كان بتقصير منه، لم يزل حكم الاستطاعة عنه و لم يسقط عنه وجوب الحج و استقر في ذمته، و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالى ذكر مسائل و فروض تتصل بذلك و تتعلق به.

المسألة 75:

إذا ملك المكلف ما يكفيه للحج، و هو لا يعلم ان ما ملكه قد بلغ ذلك المقدار أم لا، ثم تلف المال بعد حضور أوان الحج و تمكنه من المسير، فإن كان التلف بتقصير منه لم يسقط عنه وجوب الحج، فإذا هو لم يحج في ذلك العام و لو متسكعا استقر الحج في ذمته، و إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 45

كان التلف بغير تقصير منه سقط الوجوب عنه لعدم بقاء الاستطاعة.

و كذلك إذا ملك المال و هو غافل عن انه قد ملك ما يكون به مستطيعا، و كانت غفلته مما لا يعذر فيها، لإهماله و عدم تحفظه، ثم تلف المال بعد التمكن من المسير الى الحج، فيجري فيه التفصيل المتقدم.

و يشكل الحكم في من يملك

المال في الواقع، و هو يعتقد ان ماله لا يبلغ مقدار الاستطاعة، فهو لا يشك حتى يلزمه الاحتياط بالفحص عن استطاعته، و في من يكون غافلا عن وجوب الاحتياط عند الشك بالفحص عن وجود الاستطاعة و عدمها الذي ذكرناه في المسألة الخامسة و الستين، أو يكون غافلا عن مقدار ما عنده من المال غفلة يعذر فيها، فلا يترك الاحتياط في جميع هذه الفروض، و خصوصا إذا كان تلف المال بعد مضي موسم الحج.

المسألة 76:

إذا أوصى أحد للمكلف بمبلغ من المال يكفيه لنفقة الحج ثم مات الموصى، ملك المكلف المال الموصى به بعد موته و تحققت له الاستطاعة المالية و وجب عليه الحج إذا كانت بقية شروط الوجوب متوفرة، و لم يتوقف ذلك على قبول الموصى له و لا على قبضه للمال، و قد بيّنا في كتاب الوصية أن الوصية من الإيقاعات على الأقوى لا من العقود، حتى إذا كانت تمليكية، فلا تتوقف صحتها على قبول الموصى له بل و لا على قبض المال، و ذكرنا هذا في المسألة التاسعة و المسألة السابعة عشرة و المسألة التاسعة عشرة من الكتاب المذكور و أشرنا إليه في أول كتاب الزكاة و في مواضع أخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 46

المسألة 77:

قد استبان من مجموع ما تقدم: أن الحج يجب على المكلف إذا حصلت له الاستطاعة بالفعل، و لا يجب عليه ان يحصّل الاستطاعة و إن كان قادرا على أن يحصّل المال باختياره، فلا يجب على ذي الصنعة و الحرفة أن يعمل في صنعته و حرفته حتى يجد المال و يحج به، و إذا احترف و أمتهن فحصل بذلك على المال الكافي له وجب عليه الحج، و لا يجب على المكلف أن يتّجر فيربح و يستطيع ليحج، و لكنه إذا فعل ذلك فربح و استطاع وجب عليه الحج، و لا يجب عليه أن يستدين فيملك المال و يحج به، و إذا استدان و ملك المال الكافي و سهل عليه وفاء الدين استطاع بذلك و وجب عليه الحج، و لا يجب عليه أن يستوهب من الآخرين مالا ليحج به، و إذا استوهب المال فاستطاع وجب عليه الحج، و كذلك إذا وهب له احد مبلغا

فلا يجب عليه أن يقبل الهبة و يقبضها، و لكنه إذا قبل الهبة و قبض المال و حصلت له الاستطاعة وجب عليه الحج، و هكذا، و الفارق بين المعنيين واضح لا خفاء فيه.

المسألة 78:

و تحصل الاستطاعة المالية أيضا للمكلف إذا بذل له مالك المال من ماله ما يكفيه لنفقة الحج، و ما يحتاج إليه في السفر ذهابا و عودا حتى يتم أعماله و يرجع الى وطنه، و ما يحتاج إليه في الإنفاق على عياله و أهله حتى يعود إليهم، فإذا قال له: حج و عليّ جميع هذه النفقات التي تحتاج إليها في حجك، أو قال له: بذلت لك جميع نفقاتك لتحج بها، أو عيّن مبلغا من المال يكفيه لجميع ذلك، و قال له: حج بهذا المال، حصلت للمكلف الاستطاعة بهذا البذل و وجب عليه الحج،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 47

و تسمى هذه بالاستطاعة البذلية، و يسمى النوع السابق الذي تقدم ذكره في المسائل الماضية: الاستطاعة الملكية.

و لا فرق على الأقوى في حصول الاستطاعة البذلية بين أن يكون بذل المالك ماله للمكلف على سبيل التمليك له ليحج به، و أن يكون على نحو الإباحة لهذه الغاية، و لا فرق أيضا بين ان يبذل له عين الزاد و الراحلة، و ان يبذل له أثمانها و أعواضها ليشتريها أو يستأجرها، و لا فرق كذلك بين أن يحصل الوثوق للمكلف ببذل الباذل و ان لا يحصل، و يستثنى من ذلك ما إذا لم يثق المكلف ببذله للمال حتى أوجب عدم الوثوق خوفا للمكلف على نفسه إذا سافر اعتمادا على مثل هذا البذل، فلا يجب عليه الحج في هذه الصورة لعدم حصول الاستطاعة في نظر العقلاء، و كذلك إذا عدّ

السفر اعتمادا عليه تفريطا من المكلف في أمر عياله.

و إذا أوجب عدم الوثوق ببذل الباذل شكا للمكلف في بقاء الاستطاعة البذلية و عدم بقائها، و لم يوجب له خوفا على نفسه عوّل على الأصول و الطرق التي يتّبعها العقلاء في أمثال ذلك، كأصالة بقاء البذل، و أصالة بقاء المال، و أصالة السّلامة، و أصالة الصحة، كما يعوّل على هذه الطرق و الأصول إذا شك في بقاء استطاعته الملكية سواء بسواء، و إذا ظهر له خطأ هذه الطرق التي عوّل عليها فالمدار على الواقع في كلا الموردين، و النصوص دالة بإطلاقها على وجوب الحج في جميع ذلك ما لم ينكشف الخلاف فيتبين له عدم الاستطاعة.

المسألة 79:

إذا ملك المكلف بعض نفقة الحج و بذل له أحد بقية ما يحتاج اليه لنفسه و لعياله حتى يعود إليهم، أو بالعكس، وجب عليه الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 48

و كانت استطاعته ملكية في بعضها و بذلية في بعضها الآخر، و إذا بذل له نفقة الذهاب الى الحج و لم يبذل له نفقة الرجوع و كان المكلف لا يملك ذلك، لم تتحقق له الاستطاعة و لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا بذل له نفقة الحج ذهابا و رجوعا و لم يبذل له نفقة عياله واجبي النفقة عليه أو الذين يلزمه الحرج إذا لم ينفق عليهم، و كان المكلف لا يقدر على الإنفاق عليهم إذا سافر للحج عنهم، فالظاهر عدم حصول الاستطاعة للمكلف بذلك و عدم وجوب الحج عليه.

المسألة 80:

إذا بذل احد للمكلف نفقة الحج على الوجه الذي يجب به الحج و كان المكلف مدينا، لم يمنع الدين من وجوب الحج عليه، و ان كان وقت الدين حاضرا، بل و ان طالب به دائنه، و إذا أمكن للمكلف أن يجمع بين الحج و التكسب لوفاء الدين في البلد أو في أثناء سفره وجب عليه الجمع بينهما، و إذا هو لم يقدر على الجمع بينهما، و أمكن له إذا هو لم يسافر الى الحج أن يتكسب في البلد لوفاء الدين و لو تدريجا تعيّن عليه ذلك، و لم يجب عليه الحج ببذل الباذل على الأقوى.

المسألة 81:

إذا وهب احد للمكلف مبلغا من المال يكفيه لنفقة الحج، و لم يذكر في هبته انه انما يهبه المال ليحج به، لم يجب على المكلف قبول الهدية، و قد ذكرنا في المسألة السابعة و السبعين ان هذا من تحصيل الاستطاعة الملكية للحج فلا يكون واجبا على المكلف، و كذلك الحكم إذا وهب الواهب له مبلغا من المال، و جعل له الخيار في ان يحج به أو لا يحج، فلا يجب على المكلف قبول الهبة، و إذا قبل الهبة و قبض المال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 49

الموهوب حصلت له الاستطاعة الملكية و وجب عليه الحج عند اجتماع باقي الشروط.

و إذا وهب له ما يكفيه للحج ليحج بهذا المال الموهوب وجب على المكلف قبول الهبة، و كان ذلك من بذل المال للحج، فيكون بها مستطيعا للحج استطاعة بذلية و يجب عليه الحج، و قد تقدم ان الاستطاعة البذلية، منها ما يكون على سبيل الإباحة و منها ما يكون على وجه التمليك.

المسألة 82:

قد يقف الرجل بعض أملاكه على أن تدفع منافعه لأحد يحج بها البيت، و قد يوصي المالك بأن يصرف ثلث ماله بعد موته أو يصرف شي ء منه في أن يحج به البيت، و قد ينذر الشخص شيئا من ماله أن يصرف في هذا السبيل، فإذا وقف الواقف ماله كذلك و بذل متولي الوقف للمكلف من منافع الوقف ما يكفيه للحج، حصلت له الاستطاعة البذلية بذلك و وجب عليه الحج.

و كذلك إذا بذل له الوصي من ثلث الموصى في الفرض الثاني أو بذل له المالك من ماله المنذور في الفرض الأخير فيجب عليه الحج لتحقق البذل.

المسألة 83:

إذا أوصى شخص للمكلف من ثلث ماله بما يكفيه من النفقة ليحج بها، ثم مات الموصى بعد الوصية وجب على المكلف الحج لتحقق البذل بذلك.

المسألة 84:

إذا كان المكلف ممن يستحق الزكاة، فدفع اليه المالك مقدارا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 50

من مال الزكاة يكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله حتى يعود إليهم و اشترط عليه أن يحج بها، فلا أثر لهذا الشرط على الأقوى إذا كان المبلغ الذي دفعه اليه من سهم الفقراء، و لا يكون بذلك من الاستطاعة البذلية و لا يجب على الفقير قبض المبلغ، و إذا قبض المكلف الفقير مال الزكاة المذكور، و أصبح به مستطيعا للحج استطاعة ملكية و تحقق له باقي شرائط الاستطاعة و شرائط الوجوب، وجب عليه الحج.

و كذلك الحكم إذا كان المكلف ممن يستحق الخمس، و دفع اليه المالك ما يكفيه لنفقته و نفقة عياله من مال الخمس، و اشترط عليه أن يحج بالمال الذي دفعه اليه، فلا ينفذ هذا الشرط و لا تحصل للمكلف الاستطاعة البذلية بذلك، و إذا قبض المال و ملكه و أصبح به مستطيعا استطاعة ملكية وجب عليه مع اجتماع الشروط.

المسألة 85:

ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة و الثلاثين من كتاب الخمس انه لا يجوز أن يدفع الى المستحق من الخمس ما يزيد على مؤنة السنة له و لعياله، و من أجل ذلك فقد يتوهم أحد ان هذا الحكم يقتضي المنع من أن يدفع له من الخمس ما يكفيه لنفقة الحج في ذهابه و إيابه مع نفقة عياله حتى يعود إليهم، كما قلنا في المسألة المتقدمة.

و لكننا قد أوضحنا كذلك في المسألة المائة و الواحدة من كتاب الخمس: ان مصارف الإنسان في حجه تعد من مئونته في سنته إذا هو حج فيها و كان مجموع تكاليفه و نفقاته في الحج بمقدار ما يتعارف له بحسب ما يليق بحاله و

لا يزيد عليها، فلا تدافع بين المسألتين.

المسألة 86:

إذا كان الشخص ممن يستحق الزكاة فدفع اليه مالك المال ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 51

يكفيه للحج من سهم سبيل اللّٰه من زكاة ماله، و شرط عليه ان يحج بالمال الذي دفعه اليه، و قبل المستحق المال و الشرط وجب عليه الحج، و لم يجز له ان يصرف المال الذي دفعه إليه في غير الحج، و ان أشكل الحكم بصحة الشرط المذكور من المالك.

المسألة 87:

إذا بذل أحد نفقة الحج للإنسان فأتى المبذول له بالحج أجزأه ما أتى به عن حج الإسلام، فإذا وجد الاستطاعة في ماله بعد أن حج ببذل غيره لم يجب عليه ان يحج مرة أخرى.

المسألة 88:

إذا بذلت للشخص نفقته على الوجه الذي تقدم بيانه وجب عليه الحج، سواء كان الباذل للنفقة واحدا أم متعددا، و سواء اشتراك الباذلون في النفقة المبذولة فدفعوا له المبلغ الذي يكفيه و هو خمسمائة دينار مثلا، أم اختص كل واحد منهم بجانب منها، فبذل له أحدهم نفقة الذهاب و الآخر نفقة الرجوع، أو بذل أحدهم له الزاد و بذل الثاني له الراحلة و بذل الثالث نفقة عياله.

و يجب الحج على المكلف ببذل الباذل سواء كان الباذل نفسه قد حج أم لم يحج، بل و ان استقر وجوب الحج في ذمته و لم يؤده بعد. و لا يجوز له البذل إذا وجب عليه الحج، و كان بذل المال للغير يوجب عدم قدرته على أداء الحج الواجب، أو يوجب تأخير قدرته على الحج الى العام المقبل مثلا، و هذا إذا كان قادرا في نفسه على أداء الفرض غير عاجز عنه لمرض أو كبر سن و نحو ذلك.

المسألة 89:

يجوز لمن بذل نفقة الحج لغيره أن يرجع ببذله قبل أن يتلبس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 52

المكلف المبذول له في الإحرام، بل و يجوز له أن يرجع ببذله بعد أن يدخل المكلف في الإحرام، إذا لم يكن البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه، و إذا رجع الباذل ببذله لم يجز للمكلف المبذول له ان يتصرف في المال بحج أو غيره.

المسألة 90:

إذا رجع الباذل بماله قبل ان يدخل المكلف المبذول له في الإحرام، و كان قد سافر اغتمادا على بذل المالك و أنفق في سفره بعض المال، جاز له ان يرجع على الباذل بما أنفق في سفره الى ذلك الموضع الذي وصل إليه في سفره، و بما يحتاج اليه من النفقة في عوده من ذلك الموضع الى وطنه، فإن السفر و الرجوع قد أوقعهما المكلف بأمر الباذل فيكون عليه ضمان نفقاتهما.

المسألة 91:

إذا رجع الباذل ببذله بعد أن أحرم المكلف بنسكه، و كان المكلف غير مستطيع في ماله سقط عنه وجوب الحج لعدم الاستطاعة و جاز له العود الى وطنه من ذلك الموضع، و كان له أخذ نفقة ذهابه الى ذلك الموضع و رجوعه منه الى وطنه من الباذل كما قلنا. و إذا هو أتمّ حجه متسكعا أو أجيرا لم يكفه ذلك عن حج الإسلام.

و إذا كان مستطيعا للحج من ذلك الموضع وجب عليه ان يستمر في إحرامه حتى يتم نسكه و يكفيه ذلك عن حج الإسلام، و الظاهر انه يجوز له ان يرجع بنفقة إتمام حجه و عوده على الباذل.

المسألة 92:

إذا وهب احد للمكلف مبلغا من المال ليحج به و قبل المكلف منه الهبة، فالظاهر انه يجوز للواهب ان يرجع بهبته للمال قبل الإحرام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 53

و بعده ما لم تكن الهبة لذي رحم، أو يتصرف الموهوب له في المال تصرفا يغير به عين المال، بحيث لا يكون معه المال قائما بعينه، كما هو الحكم في مطلق الهبة.

و إذا رجع الواهب بهبته جرت الاحكام التي ذكرناها في رجوع الباذل ببذله.

المسألة 93:

قد يبذل المالك نفقة الحج لشخص واحد معيّن، فتحصل له الاستطاعة كما مر ذكره، و يجب عليه الحج، و قد يبذل المال لأحد شخصين لا على وجه التعيين، فيقول لعلي و جعفر مثلا: بذلت هذا المبلغ لأحدكما يحج به، و قد يكون بذله لأحد اشخاص ثلاثة أو أربعة أو أكثر على وجه يصدق معه أنه قد عرض الحج على أحدهم، فإذا بذل المال لأحد الشخصين أو الأشخاص كذلك وجب عليهم السبق الى قبض المال المبذول، فإذا سبق أحدهم و قبض المال اختص به، و تحققت له الاستطاعة البذلية، و وجب عليه الحج و سقط التكليف عن الآخرين، و إذا ترك الكل مع تمكنهم جميعا من السبق و من قبض المال استقر الحج عليهم جميعا.

المسألة 94:

إذا كثرت الجماعة الذين بذل المالك نفقة الحج لواحد منهم لا على التعيين، بحيث أن كثرتهم أوجبت عدم صدق عرض الحج في نظر أهل العرف، أو أوجبت الشك في صدق ذلك و عدمه و مثال ذلك أن يبذل الرجل نفقة الحج لأحد الافراد الذين لم يحجّوا من أهل مدينة كربلاء، أو من بني تميم في البصرة، فالظاهر عدم الوجوب، إلا إذا سبق واحد منهم فقبض المال من الباذل، فإن الاستطاعة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 54

تحصل له بذلك و يجب عليه الحج.

المسألة 95:

ذبح الهدي في حج التمتع أو نحره احد الواجبات الاختيارية في الحج، و لذلك فلا يتحقق بذل نفقة الحج للمكلف حتى يبذل الباذل له ثمن الهدي في ما يبذله من النفقة، و نتيجة لذلك فإذا بذل له نفقة الحج غير ثمن الهدي، و لم يكن المكلف واجدا لثمنه لم يجب عليه القبول و لم يجب عليه الحج، و ان كان قادرا على صوم الأيام العشرة بدل الهدي، و إذا كان المكلف مالكا لثمن الهدي و بذل له الباذل باقي نفقات الحج وجب عليه، و كانت استطاعته مركبة من ملك و بذل، و ليست بذلية خالصة و قد أشرنا الى هذا في المسألة الثامنة و السبعين.

المسألة 96:

إذا وجب على المكلف المبذول له بعض الكفارات في حجه أو في عمرته فهو على المبذول له و لا يجب على الباذل منه شي ء.

المسألة 97:

إذا بذل احد للمكلف نفقة الحج على الوجه الذي تقدم بيانه وجب على المكلف ان يأتي من الحج بما هو وظيفته التي حددت له في شريعة الإسلام، فإذا كان المبذول له من أهل الآفاق التي تبعد عن مكة بخمسة و أربعين ميلا أو أكثر وجب عليه ان يأتي بحج التمتع، و لا يجب عليه إذا بذل له حج القران أو الإفراد أو بذل له العمرة المفردة.

و إذا كان المبذول له من أهل مكة أو ما يقرب منها بما لا يزيد على المقدار المذكور وجب عليه أن يأتي بحج القران أو الإفراد، و لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 55

يجب عليه إذا بذل له حج التمتع، و سنذكر تحديد هذه الوظائف في مبحث أقسام الحج- إن شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 98:

إذا كان المكلف قد أتى بالحج الواجب عليه في الإسلام ثم بذل له باذل نفقة الحج لم يجب عليه ان يحج مرة ثانية.

المسألة 99:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف ثم أعسر، و لم يتمكن من أداء الفرض الذي وجب عليه حتى متسكعا، و أصبح معذورا في التأخير بسبب عدم تمكنه، فإذا بذل له أحد نفقة الحج وجب عليه أن يأتي بالحج الواجب عليه من قبل، و بذل الباذل إنما جدّد له القدرة على امتثال ذلك الواجب بعد أن كان معذورا في تأخيره.

و كذلك الحكم إذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف بنذر أو عهد أو يمين ثم عجز عن امتثاله- كما تقدم- و أصبح معذورا عنه، فإذا بذل له أحد نفقة الحج وجب عليه أن يقوم بامتثال الأمر السابق لتجدد القدرة له بهذا البذل.

المسألة 100:

إذا بذل أحد للإنسان مبلغا من المال و جعل له الخيار بين أن يحج بالمال و أن يزور به الحسين (ع) مثلا أو خيّره بين الحج به و التزويج، لم يجب على المبذول له القبول و لم تحصل له بذلك الاستطاعة البذلية فلا يجب عليه الحج، و إذا قبل منه المال المبذول و تملكه و كان المال وافيا بجميع ما يعتبر في الاستطاعة الملكية وجب عليه الحج، و قد تقدم نظير هذا في المسألة الحادية و الثمانين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 56

المسألة 101:

إذا قبض المكلف نفقة الحج من الباذل و سافر ليحج بها، فسرق المبلغ منه في أثناء سفره أو غصب منه أو تلف بغير تفريط من المكلف زالت استطاعته و كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر، إلا إذا تحققت له الاستطاعة بملك مال آخر أو ببذل باذل، و إذا حصلت له الاستطاعة بملك مال آخر فلا بدّ من وجود ما يعتبر فيها من الرجوع الى كفاية بعد الحج.

المسألة 102:

إذا رجع الباذل ببذله- كما تقدم ذكره في بعض المسائل المتقدمة- و كان المكلف مستطيعا للحج و لو من الموضع الذي رجع فيه المالك بالبذل، و كان رجوعه قبل إحرام المكلف وجب عليه أن يحرم بالحج و يتم أعماله، سواء كانت استطاعته بالملك من حين البذل، أم بمال حصل له قبل الإحرام، أم ببذل باذل آخر، فيجب عليه أن يحرم بالحج في جميع هذه الصور، و يكون حجه هو حج الإسلام، و إذا كانت استطاعته بالملك فلا بدّ فيها من الرجوع الى كفاية- كما سيأتي ذكره.

و إذا رجع الباذل ببذله بعد إحرام المكلف بالحج، فإن كانت استطاعته لإتمام الحج موجودة من حين حصول البذل أو بمال حصل له قبل الإحرام وجب عليه إتمام الحج، و كفاه عن حج الإسلام، و إذا حصلت له الاستطاعة لإتمام الحج من ذلك الموضع بمال حصل له بعد الإحرام أشكل الحكم بوجوب الإتمام عليه، و بكفاية ذلك عن حج الإسلام، و تراجع المسألة التسعون و ما بعدها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 57

المسألة 103:

إذا بذل المالك للمكلف مقدارا من المال ليحج به و تخيل أن المقدار المبذول يكفيه للنفقة، ثم استبان له عدم وفائه بذلك، فإن كان البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه وجب عليه ان يتم بذل النفقة، و إذا كان البذل غير واجب عليه لم يجب عليه ان يتم النفقة للمكلف، فإذا هو لم يتم النفقة له لم تتحقق له الاستطاعة البذلية، و جرت عليه الأحكام التي ذكرناها في رجوع الباذل ببذله في المسائل السابقة.

المسألة 104:

إذا بذل الباذل للمكلف مالا معينا ليحج به، و بعد ان أتم المكلف حجه ظهر له ان المال المبذول له كان مغصوبا، لم يجزه ما أتى به عن حج الإسلام، و جاز لمالك المال ان يرجع بمثل ماله المغصوب منه أو بقيمته على الشخص الباذل، و له أن يرجع به على المكلف المبذول له، فإذا رجع المالك به على الباذل لم يكن للباذل أن يرجع بغرامته على المكلف المبذول له، و إذا رجع به على المبذول له جاز له- إذا كان جاهلا بالغصب- ان يرجع بغرامته على الباذل، لأنه مغرور من قبله، و يشكل الحكم بجواز رجوعه على الباذل إذا كان عالما بان المال مغصوب.

المسألة 105:

إذا قال الباذل للمكلف اقترض لنفسك مبلغا من المال و حج به، و عليّ وفاء القرض، لم يجب على المكلف ان يقترض و يحج بمال القرض بمجرد هذا القول، و لا يعدّ هذا من البذل الذي تحصل به الاستطاعة، و إذا اقترض المكلف اعتمادا على هذا الوعد من الرجل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 58

و كان المبلغ الذي استدانه مما تتحقق به الاستطاعة الملكية، وجب عليه الحج، و اعتبر في استطاعته ان يرجع بعد الحج إلى كفاية.

إذا قال له: اقترض لي مبلغا من المال و حج به، كان ذلك توكيلا له في الاقتراض، و لم يجب على المكلف ان يقترض المبلغ، و لكنه إذا عمل بالوكالة فاقترض المال للباذل تحققت له الاستطاعة البذلية، و وجب عليه ان يحج بالمال، و أجزأه ذلك عن حج الإسلام.

المسألة 106:

يستفاد من ظاهر قوله سبحانه (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، ان نفس القصد الى البيت المعظم و السعي إليه واجب على من استطاع اليه سبيلا، فالآية الكريمة دالة على ان القصد الى البيت واجب نفسي كبقية أعمال الحج، و لا موجب لرفع اليد عن هذا الظاهر، و لذلك فلا بد من التعبد بنفس القصد الى البيت من حين إحرام المكلف من الميقات، و لا يكفي ان يقع من المكلف على وجه ينافي التقرب، كما إذا أوقعه على وجه الحرام، أو على نحو الرياء أو السمعة، بل و لا على نحو الغفلة أو القهر.

و لا ينافي ذلك ان ينضم إلى داعي التقرب بقصد البيت داع آخر كالتجارة، و اجارة نفسه للخدمة و العمل للتكسب، على نحو يكون كل من قصد القربة و القصد الآخر داعيا مستقلا بنفسه

صالحا للدعوة، و لا يكون التقرب بقصد البيت تبعيا، كسائر الضمائم التي لا تنافي القربة، و قد ذكرناها في مبحث النية من الوضوء و الغسل و غيرهما من العبادات.

و لا يستفاد من الآية الكريمة أكثر من وجوب ذلك تكليفا، فلا يبطل الحج إذا كان القصد من المكلف على غير وجه القربة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 59

المسألة 107:

إذا آجر المكلف نفسه للخدمة، أو للسياقة، أو للطبخ في طريق الحج، أو لعمل صحي يقوم به في أثناء السفر أو لغير ذلك، بأجرة يكون بها مستطيعا للحج، و كانت إجارته على نحو لا ينافي قصد التقرب في مسيره إلى حج البيت كما بيّنا في المسألة المتقدمة، تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج و أجزأه فعله عن حج الإسلام.

و يجوز للمكلف المستطيع في ماله ان يؤجر نفسه لبعض الاعمال الآنف ذكرها و هو في طريق الحج إذا كانت إجارته على الوجه المتقدم ذكره، و يجزيه ذلك في أداء الفرض.

المسألة 108:

إذا طلب من المكلف غير المستطيع أن يؤجر نفسه للخدمة أو للسياقة أو لأي عمل آخر، و بذل له من الأجرة ما يكون به مستطيعا للحج، لم يجب عليه قبول ذلك، و لا يكون به مستطيعا، و إذا وقعت الإجارة بينه و بين المستأجر على ذلك، و حصل الإيجاب و القبول، ملك المكلف الأجرة، و تحققت له بها الاستطاعة كما بيّناه، و إذا كان يملك سيارة أو يملك عبدا أو دابة أو غيرها، و كانت منفعة الشي ء الملوك وافية باستطاعته، وجب عليه ان يؤجره و يحج بمال إجارته.

المسألة 109:

يجوز للمكلف غير المستطيع أن يؤجر نفسه ليحج نائبا عن غيره، و لا يكفيه ذلك عن حج الإسلام لنفسه، فإذا استطاع بعد ذلك، بملك أو ببذل وجب عليه الحج، و كذلك إذا حج عن غيره تبرعا، أو حج عن نفسه و هو غير مستطيع، فلا يجزيه ذلك عن حج الإسلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 60

المسألة 110:

إذا آجر الإنسان نفسه ليحج نائبا عن غيره و كان مال الإجارة المدفوع اليه كافيا في استطاعة الحج لنفسه، حصلت له الاستطاعة المالية بذلك، فإن علم أو ظهر- و لو بواسطة القرائن الحافة- ان المقصود من إجارته أن يحج عن المنوب عنه في السنة الأولى وجب عليه ان يقدم حج النيابة في تلك السنة، فإن بقيت استطاعته الى العام المقبل وجب عليه الحج لنفسه، و ان ذهبت استطاعته سقط عنه وجوب الحج، و ان علم أو ظهر من القرائن ان المقصود من الإجارة ان يحج عن المنوب عنه و لو في غير السنة الأولى قدم حجه لنفسه في السنة الاولى، و إذا كان صرف المال في الحج لنفسه يوجب عجزه عن الإتيان بالحج عن المنوب عنه لم يجز له تقديم حج نفسه.

المسألة 111:

يشترط في تحقق الاستطاعة للمكلف أن يوجد لديه ما يكفيه لمئونة عياله في مدة سفره للحج حتى يعود إليهم، زائدا على نفقته في الذهاب و الإياب، و يراد بالعيال هنا من تكفّل الإنسان به و التزم بالإنفاق عليه، بحيث أصبح ممن يلزمه العسر و الحرج إذا هو لم ينفق عليه، و ان كان غير واجب النفقة عليه في الشريعة، كالأخ و الأخت الصغيرين أو الكبيرين، و القريب و اليتيم، بل و الأجنبي الذي التزم بمئونته و كان له الشأن الذي تقدم ذكره، فإذا لم يكن لدى المكلف ما يكفيه لمئونتهم لم تحصل الاستطاعة و لم يجب عليه الحج، و هذا الشرط يعتبر في وجود الاستطاعة سواء كانت بملك المال أم ببذل الباذل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 61

المسألة 112:

قد يعتاد بعض الناس على أن يكون له أضياف قليلون أو كثيرون ينفق من ماله في ضيافتهم و تكريمهم، و يصبح ذلك له من العادات المستمرة المستقرة التي يقع في العسر و الحرج إذا تركها و لم يقم بها، و الظاهر إلحاق هؤلاء الضيوف بالعيال في الحكم المذكور، فيعتبر في استطاعة هذا المكلف أن يكون له ما يفي بنفقات ضيافتهم، إذا كان تركها يوجب له العسر و الحرج كما ذكرنا، سواء كان الضيوف ممن يفدون عليه في أثناء سفره الى الحج أم ممن يقصدون منزله في وطنه و هو غائب، إذا كان ذلك من شأنه و عادته.

و كذلك الحكم في مصانعاته و جوائزه التي اعتاد ان يجريها لبعض الناس، بحيث يلزمه العسر إذا قطعها و لم يقم بها، و لا يعتبر ذلك في من لم يستقر له مثل هذا الاعتياد من الناس و لم يحصل له الشرط المذكور.

المسألة 113:

يشترط في استطاعة المكلف للحج زائدا على جميع ما تقدم ذكره ان تكون له وسيلة مهيأة لتعيّشه و الإنفاق على نفسه و على عياله بعد رجوعه من سفر الحج بحيث لا يقع في ضيق أو حرج من أمره، سواء كانت الوسيلة التي يرجع إليها مالا، أم تجارة، أم زراعة، أم عقارا يؤجره، أم أرضا، أم بستانا يستثمره، أم صناعة و عملا يحترف به، أم أي وسيلة أخرى تناسب شأنه و تسد حاجته فلا تحصل له الاستطاعة و لا يجب عليه الحج إذا ملك نفقة الحج له و نفقة عياله أيام سفره و لم تكن له وسيلة يعتمد عليها في معيشته و النفقة على عياله بعد رجوعه من الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 62

المسألة 114:

يعتبر وجود الشرط الآنف ذكره في استطاعة الإنسان للحج إذا كانت بالملك و لا يعتبر وجوده في الاستطاعة التي تحصل بالبذل، فإذا كان المكلف غير مستطيع فيما يملك، و بذل له أحد نفقته للحج في الذهاب و الإياب و نفقة عياله حتى يرجع إليهم وجب عليه الحج، و ان لم يكن له شي ء يعتمد عليه في تعيشه بعد عودته من السفر من مال أو حرفة.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان سفره- مع عدم رجوعه إلى كفاية- يوجب له العسر و الحرج، فلا يجب عليه الحج و ان كانت استطاعته ببذل أحد من الناس.

و إذا ملك الإنسان بعض نفقة الحج و بذل له الباذل باقي النفقة، فكانت استطاعته مركبة من ملك و بذل، فالظاهر اعتبار الشرط المذكور فيها، فلا تحصل له الاستطاعة و لا يجب عليه الحج حتى يكون ممن يرجع بعد سفره الى كفاية، و قد أشرنا الى هذا في المسائل

المتقدمة.

المسألة 115:

يكفي في حصول الشرط الآنف ذكره أن تكون للمكلف وجاهة و شرف بين الناس يتمكن بواسطتهما من مزاولة الأعمال و اجراء المعاملات بمضاربة و نحوها و تحصيل الرزق بذلك، و ان لم يكن ذا مال أو حرفة يتكسب بهما بعد رجوعه، و يكفي لمن يكون من شأنه أن يتعيش من الحقوق الشرعية أو من الخيرات و المبرات أن يتهيأ له ذلك بعد رجوعه من سفر الحج، فإذا ملك الرجل مقدار نفقته للحج و نفقة عياله حتى يعود إليهم، و كان ممن يتهيأ له التعيش من تلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 63

الأسباب و الأبواب بعد عودته فقد حصل له شرط الاستطاعة و وجب عليه الحج.

المسألة 116:

إذا كان الرجل ذا حرفة يعوّل عليها في كسب رزقه كالبنّاء و النجّار و الحلّاق و الخيّاط، و حصل له من منافع حرفته مبلغ من المال يكفيه لنفقة الحج و لنفقة عياله حتى يعود إليهم، أو حصل له ذلك من ميراث دخل عليه أو من بعض الأسباب الأخرى، كان بذلك مستطيعا و وجب عليه الحج، و كفته حرفته التي يمتهنها في حصول شرط الاستطاعة الآنف ذكره، فهو يرجع بسبب حرفته إلى كفاية، و كذلك من تكون وسيلته في المعيشة أن يؤجّر نفسه للنيابة عن الموتى في الصلاة و الصيام و الحج، فيكتسب بذلك رزقه، و من تكون له حرفة وضيعة كالخادم و الحمّال و أصحاب الحرف الدنيئة.

و إذا علم صاحب الحرفة انه بعد رجوعه من سفر الحج يكون عاجزا عن مزاولة حرفته و اكتساب الرزق بها، و لم تكن له وسيلة اخرى يعوّل عليها كان فاقدا لشرط الاستطاعة، فلا يجب عليه الحج إذا ملك النفقة.

المسألة 117:

إذا ملكت الزوجة نفقة ذهابها الى الحج و رجوعها و ما تحتاج إليه في سفرها كانت مستطيعة للحج و وجب عليها، و يكفيها في حصول شرط الاستطاعة المتقدم ذكره ان يكون زوجها باذلا لها نفقتها بعد رجوعها من سفر الحج، فهي بذلك ممن يرجع الى كفاية و ان كان الزوج فقيرا غير موسر، و كذلك الحكم في الأب الفقير إذا اتفق له نظير هذا الفرض و كان ولده باذلا له نفقته بعد الرجوع، و مثله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 64

الولد الفقير إذا جرى له مثل ذلك و كان أبوه باذلا لنفقته.

بل و كذلك حكم غير هؤلاء من العيال المكفولين لغيرهم، إذا اتفق لهم نظير الفرض المتقدم فملك أحدهم نفقة

الحج للذهاب و الإياب و كان يطمئن بأن كافلة يقوم بالإنفاق عليه بعد الرجوع من الحج و ان كان غير واجب النفقة عليه شرعا.

المسألة 118:

إذا كان الشخص ممن لا يقدر على الكسب اللائق بحاله و بشرفه و على اتخاذ الوسيلة لتحصيل رزقه إلا إذا كان له رأس مال يتّجر به، أو يشتري به آلات و أدوات يحتاج إليها في حرفته أو صناعته أو زراعته، اشترط في استطاعته للحج ان يكون مالكا لرأس المال المذكور ليكون ممن يرجع بعد سفر حجه الى كفاية، و ممن يجد الوسيلة التي يكفل بها تحصيل رزقه.

المسألة 119:

يكفي في وجود الشرط المذكور لاستطاعة المكلف أن تكون له حرفة و وسيلة تكفيه في المعيشة يتخذها بعد عوده من سفره، و ان لم تكن مثل حرفته الأولى أو أرفع منها، بل و ان كانت أحط منها، إذا كانت مما تليق بشأنه، و لا توجب له عسرا و لا مشقة.

المسألة 120:

إذا وجد الإنسان الاستطاعة المالية للحج، و تمت له شروطها و نواحيها وجب عليه حج البيت، و لا يتعين عليه ان يكون حجه من ماله، فإذا حج بنفقة غيره، أو حج متسكعا، أو متضيفا عند الناس حتى أتم أعماله صح حجه و كفاه في أداء الفرض.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 65

المسألة 121:

إذا غصب الإنسان المستطيع في ماله مالا لغيره و حج به، فإن هو أجرى المعاملات في شراء الزاد و الراحلة أو استئجارها، و في شراء ما يحتاج اليه من النفقات و الأدوات و الآلات بأعواض في الذمة- كما هو المتعارف في المعاملات الدارجة بين الناس- ثم دفع الأعواض التي جرت عليها المعاملات من المال المغصوب، صح حجه ظاهرا، و ان كان آثما في تصرفه بمال الغير، و اشتغلت ذمته بمثل المال أو قيمته للمالك المغصوب منه.

و ان هو أوقع المعاملات في شراء أعيان النفقة و استئجارها بعين المال المغصوب كانت المعاملات باطلة و لم يصح حجه إذا هو أحرم و طاف بالثوب المشتري بالمال المغصوب، و ذبح في حجه الهدي المشتري به، و أثم و عصى في جميع أعماله و تصرفاته التي أوقعها على المال، و على الأعواض التي أخذها من أهلها بدلا عن المال، و في سفره الى البيت على الراحلة أو السيارة المشتراة أو المستأجرة بعين المال المغصوب و في جميع تنقله عليها، و في السكنى و الإقامة في البيوت و المنازل المستأجرة به، و هكذا، مع ضمانه للمال الذي أتلفه، و الأعواض التي جرت يده عليها.

المسألة 122:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان أن يكون مستطيعا للإتيان بالحج استطاعة بدنية، فإذا كان مريضا لا يقدر لمرضه على السفر الى الحج، حتى راكبا في سيارة أو طائرة أو نحوها، لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا كان سفره- و هو مريض- يوجب له الحرج و المشقة التي لا تتحمل عادة، فلا يجب عليه الحج، فإذا زال عنه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 66

المرض المانع في العام المقبل، و بقيت له استطاعته المالية وجب عليه

الحج، و كذلك إذا ذهبت استطاعته ثم تجدّدت.

و بحكم المرض غيره من العوارض التي تطرأ على الإنسان في بدنه كالضعف الشديد الذي لا يتمكن معه من السفر و أداء المناسك أو يكون السفر معه موجبا للعسر و الحرج، فإذا عرض له ذلك في سنة استطاعته المالية لم يجب عليه الحج، و إذا ارتفع العارض و وجدت الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه.

المسألة 123:

إذا استقر وجوب الحج في ذمة الإنسان استقرارا تاما- على ما تقدمت الإشارة اليه و سيأتي تفصيله-، ثم عرض له بعد استقرار الوجوب عليه عارض لا يقدر معه على امتثال الواجب المستقر في ذمته، و لا يرجى زواله عنه، كمرض لازم أو كبر سن أو شلل أو زمانة أو ضعف شديد لا يرجى البرء منه، سقط عنه وجوب مباشرة الامتثال بنفسه، و وجب عليه أن يستنيب من يحج عنه، و كذلك إذا كان العارض الذي عرض له يوجب له العسر و الحرج في مباشرة أداء الحج بنفسه و لا يرجى زواله، فيسقط عنه وجوب المباشرة و تجب عليه الاستنابة، و سنتعرض- ان شاء اللّٰه تعالى- في ما يأتي لتوضيح هذا المجمل، و تبيان مسائل تتعلق به و فروض تتفرع عليه، و تراجع المسألة المائة و الثالثة و الستون في بيان المراد من وصفنا للعذر بأنه مما لا يرجى زواله.

المسألة 124:

إذا ملك المكلف نفقة الحج، و عرض له في عام استطاعته عارض لا يتمكن معه من مباشرة الحج بنفسه، و لا يرجى زوال ذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 67

العارض عنه- كما ذكرنا في المسألة المتقدمة- سقط عنه وجوب المباشرة، و لا يترك الاحتياط بالاستنابة، و كذلك إذا كان العارض يوجب له العسر و الحرج في المباشرة، فيلزمه الاحتياط بالاستنابة و يسقط عنه وجوب المباشرة.

المسألة 125:

إذا عرض للمكلف الذي استطاع الحج في عامه عارض في بدنه من مرض أو كبر سن أو عذر آخر، و احتاج في سفره الى الحج من أجل ذلك العارض الى الركوب في سيارة مريحة من نوع مخصوص، أو في طائرة و نحو ذلك، و هو لا يجد من المال ما يكفيه لذلك، لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا احتاج- لمرضه- الى خادم يصحبه في سفره و هو لا يجد ما يكفيه من المال لذلك، فلا يجب عليه الحج، اما للعذر المانع في بدنه كما في المسألة السابقة، و اما لعدم استطاعته مالا.

المسألة 126:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان ان يكون مستطيعا للإتيان بالحج من حيث الزمان و يراد من ذلك ان يكون الوقت متسعا لسفر المكلف الى الحج، و للإتيان بجميع أفعاله في مواضعها و أوقاتها المعينة لها في الشريعة، فإذا لم توجد له الاستطاعة المالية إلّا في وقت يضيق عن ذلك و لا يتسع له، لم يجب عليه الحج في ذلك العام، و كذلك إذا لم تحصل له الاستطاعة المالية إلا في وقت يكون السفر فيه للحج لتضيقه موجبا للعسر و الحرج الذي لا يتحمّل عادة، فلا يجب عليه في ذلك العام، فإن بقيت استطاعته الى العام المقبل وجب عليه الحج، و ان ذهبت الاستطاعة لم يجب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 68

المسألة 127:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان أن يكون مستطيعا له من حيث تخلية السرب، و عدم المانع فيه، و السرب هو الطريق الذي يسلكه المكلف في سفره الى البيت، فيعتبر أن لا يكون طريقه ممنوعا لا يمكنه السفر فيه الى الغاية المقصودة، سواء كان المنع خاصا بالمكلف أم عاما له و لغيره، و كذلك الحكم إذا كان الطريق غير مأمون فيخاف الشخص في سلوكه على نفسه أو على بدنه أو على عرضه أو على ماله أو على بعض من يتعلق به و يهمّه أمره، فإذا لم يمكنه السفر لوجود ما يمنعه من السفر في الطريق أو للخوف و عدم الأمن فيه، فهو غير مخلّى السرب و لا يجب عليه الحج.

و إذا استطاع السفر في طريق آخر لا خوف و لا منع فيه وجب عليه الحج منه، و ان كان أبعد شقة و أكثر مؤنة، إلا إذا قصرت استطاعته المالية عن ذلك، فلا يجب لعدم

الاستطاعة.

المسألة 128:

الاستطاعة من حيث تخلية السرب و الأمن فيه شرط واقعي لوجوب الحج على المكلف، كما يظهر من الأدلة المعتبرة في المسألة، و خوف المكلف من سلوك الطريق على ماله أو على عرضه إنّما هو امارة على أنه غير مأمون، و ان المكلف غير مخلّى السرب كما أشترط في الأدلة، فإذا خاف على ماله أو على عرضه من سلوك الطريق و ترك الحج في عامه من أجل ذلك كان معذورا في تركه بحسب الظاهر لوجود الأمارة الدالة و هي الخوف، و إذا تبيّن له بعد ذلك انه لا خوف عليه في السفر، و أنه مخلّى السرب في الواقع، استقر وجوب الحج في ذمته على الأقوى لتحقق شرط الوجوب في الواقع، و وجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 69

أن يحج و لو متسكعا.

و كذلك الحكم على الأحوط إذا خاف على نفسه من التلف إذا هو سلك الطريق، فإذا تبيّن له بعد ذلك أنه لا خوف عليه استقر وجوب الحج في ذمته كما تقدم، و ان كان السفر محرّما عليه في هذه الصورة، فإن الحرمة فيها ناشئة من جهل المكلف بالأمر الواقع، فلا تكون نافية للاستطاعة، إذا قلنا بأن الحرمة تنفي الاستطاعة.

المسألة 129:

إذا استطاع الشخص أن يحج البيت من طريق طويل، يدور فيه في عدة بلاد أو عدة قارّات ثم يصل منها إلى مكة و يؤدي الفريضة، و وجد الاستطاعة التامة لذلك، من حيث المال و من حيث صحة البدن و من حيث اتساع الوقت و من حيث الأمان و تخلية السرب، و مثال ذلك أن يتوقف حج المسلم التركي للبيت على أن يسافر الى عدة بلاد من الغرب و يطوف في عدة أقطار أو قارات أخرى

يتنقل ما بينها حتى يصل الى مكة و يحقق الغاية، فإذا هو استطاع ذلك من حيث المال و اجتمعت له نواحي الاستطاعة الأخرى، وجب عليه الحج و ان كان له طريق آخر أقرب منه و لكن السفر فيه ممنوع، أو غير مأمون لبعض الجهات التي توجب الخطر أو الخوف.

المسألة 130:

إنما يكون خوف الشخص على ذهاب ماله في الطريق مخلا بشرط الاستطاعة إذا كان ذهاب ذلك المال مما يضرّ بحاله، بحيث يعدّ مع خوفه و عدم أمنه على ذلك المال غير مخلّى السرب في نظر العقلاء و ان كان غير مال استطاعته، و لا يضرّ إذا كان المال الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 70

يخشى ذهابه قليلا لا يضرّ تلفه بحاله، و لا يصدق مع خوفه عليه انه غير مخلّى السرب.

و لا يضرّ بأمن الطريق أن يتعرض له عدوّ فيه ببعض الحركات و الأفعال التي تزعجه أو تزعج بعض متعلقيه، إذا كان آمنا من وقوع محاذير و مخاوف لا تتحمل عليه أو على من يعنيه أمره.

المسألة 131:

إذا كان الإنسان ممن يستطيع الحج، و كان سفره عن بلده الى الحج يستلزم تلف مال له في البلد غير مال استطاعته، و كان تلف ذلك المال يوجب له عسرا أو حرجا، أو يوجب له ضررا يعتد به، أو كان سفره يستلزم حدوث ضرر له في نفس أو بضع، لم يجب عليه الحج.

المسألة 132:

إذا نذر المكلف أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة من هذه السنة، و كان غير مستطيع للحج في حال نذره، ثم وجدت له الاستطاعة المالية للحج بعد النذر و قبل حلول أوان الحج، انعقد نذره على الأقوى و وجب عليه أن يزور الحسين (ع) في اليوم المعيّن، و لم تتحقق له استطاعة الحج بمجرد حصول نفقته، فلا يجب عليه الحج.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة من كل سنة، و كان حين نذره غير مستطيع للحج، فينعقد نذره و يجب عليه الوفاء به فيزور الحسين (ع) في اليوم المعيّن من كل عام، فإذا اتفق أن وجدت له الاستطاعة المالية للحج في بعض السنين لم تتحقق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 71

له الاستطاعة بمجرد ذلك، و لم يجب عليه الحج، لسبق النذر و اشتغال ذمته بالفعل المنذور.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا نذر الشخص- و هو غير مستطيع للحج- إن شفى اللّٰه ولده من مرضه، أو إن قدم أخوه من سفره سالما أن يتصدق بمبلغ معين من المال شكرا للّٰه على ذلك، ثم تحقق له الأمر الذي علّق عليه نذره، فشفى اللّٰه المريض أو قدم المسافر، و ملك المبلغ المعيّن و كان المبلغ الذي حصل له يكفيه لنفقة الحج وحدها، أو للوفاء بالنذر وحده، و لا

يفي بهما معا، وجب عليه أن يفي بالنذر لسبقه كما مرّ في نظيره، و لم تتحقق له الاستطاعة للحج بملك ذلك المال، و إذا سبقت له الاستطاعة المالية للحج فملك نفقته أولا، ثم نذر بعد حصولها أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة لم ينعقد نذره و وجب عليه الحج، و مثله الحكم في الفرض الأخير، فلا ينعقد نذره و يجب عليه الحج إذا كانت استطاعته للحج سابقه على النذر.

المسألة 133:

إذا حصلت الاستطاعة المالية للحج عند المكلف، و اجتمعت لديه شروطها و جميع ما يعتبر فيها، و كان ذهابه الى الحج يستلزم ترك واجب فوري من الواجبات الشرعيّة، بحيث لا يتمكن المكلّف من أن يجمع بين الحج و ذلك الواجب الفوري، وقع التزاحم ما بين الواجبين، فيقدّم الأهم منهما و هو ما ثبت في الأدلة الشرعية انه أكبر منزلة عند الشارع و أشد تأكدا في مقام الامتثال، و إذا لم يتضح من الأدلّة ذلك قدّم ما هو محتمل الأهمية منهما، و إذا لم يستبن من الأدلّة الشرعيّة شي ء من ذلك كان الخيار للمكلف في تقديم أي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 72

الواجبين أراد.

و كذلك الحكم إذا كان سفر المكلف الى الحج يستلزم ارتكاب محرّم شرعي، فيقدّم من الأمرين ما ثبت من الأدلّة أن الاهتمام به أبلغ و أشد، ثم ما هو محتمل الأهمية و إذا لم يتضح من الأدلّة شي ء تخيّر المكلف في تقديم أي الأمرين شاء.

المسألة 134:

إذا وجدت الاستطاعة المالية للحج عند المكلف كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و كان مضيّه الى الحج يستلزم ترك واجب شرعي يكون فعله أهم من الحج أو هو محتمل الأهمية منه، فأخّر الحج عن العام الأول للعذر الشرعي المذكور، لم يستقر الحج في ذمته بمضي ذلك العام، فإن بقيت استطاعته المالية إلى العام المقبل وجب عليه الحج فيه، و ان ذهبت الاستطاعة لم يجب، و كذلك إذا استلزم سفره الى الحج فعل محرّم يكون تركه أهم من الحج أو هو محتمل الأهمية، فيجري فيه القول المذكور.

المسألة 135:

إذا استقر وجوب الحج على الإنسان، و ثبت في ذمته من عام سابق، و قد أخّر الحج عنه لعذر أو لغير عذر، ثم أراد السفر في العام اللاحق لأداء الفرض، و كان مضيه الى الحج في العام اللاحق يستلزم ترك واجب فوري أو فعل محرّم، جرى فيه الحكم السابق بعينه، فيجب عليه أن يقدم من الأمرين ما هو أكثر أهمية عند الشرع، ثم ما هو محتمل الأهمية منهما، فإذا هو أخّر الحج لهذا العذر الشرعي كان معذورا في تأخيره عن هذا العام، و وجب عليه الحج في العام المقبل بعده و لو متسكعا، فإن وجوب الحج قد استقر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 73

في ذمته بحسب الفرض.

المسألة 136:

إذا وجدت الاستطاعة المالية لدى المكلف، و كان في الطريق عدو يمنع من السفر الى الحج، و توقف دفعه على بذل مبلغ من المال يوجب دفعه ضررا على المكلّف، لم يجب على المكلف دفع المال و لم يجب عليه الحج، و كذا إذا كان دفع المبلغ اليه يوجب للمكلف عسرا و حرجا، و إذا تحمل المكلّف الضرر أو الحرج فدفع المال للعدو و حج، فالظاهر صحة حجه و اجزاؤه عن فرض الإسلام إذا كانت استطاعته لا تزال باقية.

المسألة 137:

إذا توقف ارتفاع المانع عن السفر الى الحج على دفع مال في بعض الوجوه المحرمة في الإسلام كان المورد من صغريات المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين، فإذا كان وجوب الحج أهم من حرمة دفع المال في ذلك السبيل وجب الحج على المكلف، و لزمه دفع المال لرفع المانع، و إذا كانت حرمة دفع المال في ذلك الوجه أهم من وجوب الحج حرم على المكلف دفع المال و سقط عنه وجوب الحج، و قد تقدم أن المتبع في إثبات ذلك هو الدليل الشرعي، و إذا قدّم المكلّف الحرام في هذه الصورة فدفع المال في الجهة المحرمة و سافر حتى أتم حجه، فالظاهر صحة حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب و إجزاء ما أتى به عن حج الإسلام إذا كانت استطاعته للحج لا تزال باقية، و ان كان آثما في تقديم الحرام.

المسألة 138:

إذا آجر الإنسان نفسه لبعض الأعمال التي لا يقدر معها على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 74

الإتيان بالحج كالسائق يؤجّر نفسه للسياقة عند أحد طوال شهر ذي الحجة، و كالرجل يؤجّر نفسه للنيابة في زيارة الحسين (ع) في يوم عرفة، و كان غير مستطيع للحج في حال اجارة نفسه، ثم حصلت له الاستطاعة المالية للحج بعد الإجارة المذكورة لم تتحقق له الاستطاعة بذلك، لسبق الإجارة و لم يجب عليه الحج.

المسألة 139:

لا فرق في وجوب حج البيت على المكلف إذا استطاع اليه سبيلا بين أن يكون سفره إليه في طريق البرّ و طريق البحر و طريق الجو، إذا وجد الاستطاعة التّامة له و توفرت لديه شروطها، فيختار الإنسان منها ما شاء إذا أمكن له السفر منها جميعا، و يتعيّن الطريق إذا انحصر إمكان السفر فيه.

المسألة 140:

إذا انحصر إمكان السفر في طريق البحر مثلا أو في طريق الجو، و شك المكلّف في حصول الضرر له إذا سافر في ذلك الطريق، كفى في إثبات وجود الضرر أن يحصل له الخوف الذي يعتد به العقلاء في مثله، فإذا حصل له الخوف الذي يعتنون به و يحذرون بسببه من سلوك ذلك الطريق، لم يجب عليه الحج، و إذا شك في وجود مانع آخر في الطريق غير الضّرر وجب عليه السفر و لم يعتن بوجود هذا الاحتمال.

المسألة 141:

لا يشترط في استطاعة المرأة للحج أن يكون معها من يصحبها في حجها من محارمها، فإذا ملكت ما تحج به من النفقة و كانت آمنة على نفسها و على مالها و جميع شؤونها وجب عليها الحج و إن كانت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 75

منفردة ليس معها قريب، و إذا هي لم تأمن على بعض ذلك اشترط في وجوب الحج عليها أن تصحب من تأمن بصحبته، سواء كان قريبا لها أم أجنبي عنها، و لو باستئجاره للسفر معها إذا كانت قادرة على ذلك، فإذا لم تجد من تأمن به، أو لم تجد المال الذي تستأجره به لصحبتها لم تكن مستطيعة و لم يجب عليها الحج، و لا فرق في الحكم بين المرأة ذات الزوج و غيرها.

و إذا حجّت و هي غير آمنة و لم تصحب من تأمن بصحبته لم يكفها ما أتت به عن حج الإسلام، إلا إذا أمنت و زال الخوف عنها قبل الدخول في الإحرام حتى أتمت الأعمال فيكفيها ذلك.

المسألة 142:

لا يشترط في تحقق الاستطاعة للمرأة المتزوجة أن يأذن لها زوجها بالحج، فإذا هي ملكت نفقة الحج تامّة تحققت لها الاستطاعة و وجب عليها الحج مع اجتماع الشرائط، و صح لها أن تحج و ان لم يأذن لها الزوج بذلك، و لا يجوز للزوج أن يمنعها منه، بل يصح لها أن تحج و ان منعها.

و يجوز للزوج أن يمنعها من المبادرة إلى السفر إذا كان وقت الحج موسعا، فيحق له أن يمنعها من السفر مع القوافل السابقة إذا أمكن لها أن تتأخّر و تدرك الحج مع القوافل اللاحقة، و إذا لم يمكن لها أن تسافر مع القافلة اللاحقة لعدم الأمن معها أو لسبب

آخر لم يجز له أن يمنعها من السفر مع القافلة السابقة.

و يجوز له أن يمنعها من السفر مع بعض القوافل إذا كان لا يطمئن على سلامتها من السفر معه، فتلتحق بالقوافل الأخرى المأمونة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 76

المسألة 143:

لا فرق في الأحكام الآنف ذكرها بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها، فلا يشترط في استطاعتها أن يأذن لها الزوج، و لا يحل له منعها من الحج إذا استطاعت، و لا تجوز لها اطاعته إذا منعها من تأدية الواجب إلا إذا كان وقته موسعا، و لا فرق في الزوج بين من يمكن له الاستمتاع بالزوجة و من لا يمكن له ذلك لمرض أو ضعف أو غيبة أو غيرها، و كذلك الحال في الحج الواجب بالنذر، أو بسبب آخر إذا كان وقته مضيقا، فتجري فيه الأحكام التي ذكرناها.

المسألة 144:

يعتبر في صحة الحج المندوب من المرأة المتزوجة أن يأذن لها زوجها به، فلا يصح حجها ندبا بغير اذنه، و يحرم عليها إذا منعها من الإتيان به، و لا فرق بين أن يكون حجها منافيا لحق الاستمتاع بها و عدم منافاته و لا بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها.

المسألة 145:

المرأة المطلقة من زوجها طلاقا رجعيا بحكم الزوجة، فتجري فيها جميع الأحكام الآنف ذكرها في المسائل المتقدمة ما دامت في العدة الرجعية من زوجها، و لا تجري الأحكام في المطلقة منه طلاقا بائنا، و ان كانت حاملا من الزوج.

و لا صلة بين الرجل و المرأة و هي في عدة وطء الشبهة منه، فلا يجري فيها شي ء من الأحكام المتقدمة، و لا تمنع المرأة المعتدة لوفاة زوجها من الحج، فإذا استطاعت وجب عليها الحج و صح وقوعه منها، و كذلك إذا لزمها الحج بنذر أو عهد أو يمين أو إفساد أو بسبب آخر فلا تمنع بسبب عدة الوفاة من جميع ذلك، و يجوز لها أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 77

تخرج الى حج مندوب أو عمرة مندوبة و هي في أثناء عدتها.

المسألة 146:

إذا ملك الولد البالغ العاقل نفقة الحج و وجدت معها شروط الاستطاعة على الوجه الذي تقدم تفصيله وجب عليه حج الإسلام، و لم تتوقف استطاعته على إذن أبيه له بالحج، و لا على إذن أمه، و يصح حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب و ان لم يأذنا له، بل و ان منعاه منه و كان نهيهما له عن شفقة، فلا تجب عليه اطاعتهما في ذلك، و كذلك الحكم في البنت البالغة العاقلة إذا كملت لها شروط الاستطاعة، و قد ذكرنا في المسألة السادسة و العشرين حكم استئذان الولد البالغ أباه في الحج المندوب، و ذكرنا عدم صحة حجه إذا نهاه أحد أبويه أو كلاهما عن الحج المندوب لسبب عقلائي يوجب النهي، أو كان سفره الى الحج يشتمل على خطر و نحوه يوجب ايذاءهما و عقوقهما أو عقوق أحدهما، فلتراجع المسألة المشار إليها و

ما بعدها.

المسألة 147:

إذا اعتقد الشخص أنه قد أدرك و بلغ الحلم، و ان شروط وجوب الحج قد توفرت له فحج بقصد الوجوب، ثم تبين له بعد أن أتم الحج انه كان في وقت حجه صغيرا لم يبلغ الحلم، لم يكفه ما أتى به عن حج الإسلام، فإذا بلغ بعد ذلك و اجتمعت له بقية الشروط وجب عليه أن يأتي بالحج.

و كذلك إذا اعتقد انه حر و ان شروط وجوب الحج قد اجتمعت له فحج بقصد الوجوب، ثم ظهر له بعد الحج انه عبد مملوك في حال حجه فلا يكفه ذلك عن حج الإسلام، فيجب عليه الحج إذا أعتقه مالكه، و وجدت بقية الشروط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 78

المسألة 148:

إذا حج الشخص الذي وجدت له الاستطاعة و اجتمعت فيه شروطها و هو يعتقد انه لا يزال صغيرا لم يبلغ الحلم، ثم علم بعد أن أتم الحج انه كان بالغا في حال حجه، فإن كان قد نوى بحجه امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل، كفاه ما أتى به عن فرض الإسلام و لم تجب عليه الإعادة، و ان قصد بحجه امتثال الأمر بالحج المندوب لم يكفه عن الفريضة و وجبت عليه الإعادة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثامنة و العشرين، و إذا نوى بحجه امتثال الأمر الوجوبي المتوجه بحج الإسلام أشكل الحكم بصحة ما أتى به، و الأحوط لزوما الإعادة.

و كذلك إذا حج و هو يعتقد انه عبد مملوك ثم علم بعد ما أتم حجه انه كان حرا في حال حجه، فتجري فيه الفروض التي ذكرناها، و يثبت لكل فرض منها حكمه الذي بيّناه له.

المسألة 149:

إذا وجدت في الشخص شروط وجوب الحج من البلوغ و العقل و الحرية، و تحققت له وجوه الاستطاعة التي ذكرناها في المسائل الماضية، و لكنه كان يعتقد انه صغير السن لم يبلغ الحلم، أو يحسب انه عبد مملوك لم يتحرر، فترك الإتيان بالحج لاعتقاده بذلك حتى مضى وقت الحج، ثم تلف المال أو زالت بعض نواحي الاستطاعة عنه، و علم بالحال بعد ذهاب الاستطاعة أو قبله، فالظاهر ان وجوب الحج قد استقر في ذمته، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا، و سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى بيان الوقت الذي يستقر به الحج في ذمة المكلف إذا مضى و الشرائط لديه مجتمعة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 79

المسألة 150:

إذا ملك الشخص مقدارا من المال، و تخيّل أن المقدار الذي ملكه يكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله في سفره الى الحج حتى يعود إليهم، فسافر و أتى بالحج بناء منه على ما يعتقد، ثم تبيّن له بعد أن أتم الحج أن المال لا يكفيه لذلك و لا يحقق له الاستطاعة، لم يجزه ما أتى به عن حج الإسلام على الأقوى، فإذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه الحج.

المسألة 151:

إذا ملك الإنسان مقدارا من المال و اعتقد أن المبلغ الذي ملكه لا يكفيه للحج و لا يحقق له الاستطاعة المالية فترك الحج و لم يأتي به، ثم استبان له بعد أن مضى وقت الحج أن ما ملكه يكفيه للحج و انه كان مستطيعا، فالظاهر أن الحج قد استقر في ذمته، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا.

المسألة 152:

إذا وجد المكلف الاستطاعة المالية للحج، و اعتقد أن صرف المال في الحج لا يوجب له ضررا و لا يوقعه في حرج، فسافر و أتى بالحج بانيا على صحة اعتقاده ثم ظهر له بعد أن أتم الحج خطأه في الاعتقاد، و ان صرف ما لديه من المال قد أوقعه في الضرر أو الحرج، فالظاهر صحة حجه و اجزاء ما أتى به عن حج الإسلام.

المسألة 153:

إذا ملك الإنسان ما يكفيه من المال لنفقة الحج، و لكنه اعتقد أن طريقه الى الحج غير مأمون من الخطر، أو اعتقد وجود الضرر أو الحرج عليه في مسافرته الى الحج فترك الحج لذلك، ثم ظهر له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 80

خطأه في الاعتقاد، و ان طريق الحج كان مأمونا لا خوف فيه و لا خطر، و أنه لا ضرر عليه في السفر و لا حرج لو انه سافر في تلك الحال، فالظاهر أن وجوب الحج قد استقر في ذمته بذلك، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا.

المسألة 154:

إذا وجدت في الشخص شروط وجوب حج الإسلام من بلوغ و عقل و حرية، و تحققت له وجوه الاستطاعة في المال و صحة البدن و اتساع الوقت و تخلية السرب، ثم ترك الحج متعمدا استقر وجوب الحج في ذمته بلا ريب، إذا بقيت استطاعته الى الوقت الذي يستقر بمضيه وجوب الحج في الذمة و سيأتي ذكره.

المسألة 155:

إذا حصلت للغلام جميع نواحي الاستطاعة فحج قبل أن يبلغ الحلم عامدا و قصد بفعله امتثال الأمر المتعلق بحج الإسلام لم يكفه ذلك عن الفرض، و ان تحقق له بلوغ الحلم في أثناء حجه و قبل أحد الموقفين على الأقوى، فيجب عليه الحج إذا بلغ و حصلت له شروط الوجوب و الاستطاعة بعد البلوغ، و إذا اجتمعت للعبد المملوك نواحي الاستطاعة فحج و هو لا يزال مملوكا لم يجزه ذلك عن الحج الواجب، و يستثنى من ذلك ما إذا انعتق في أثناء الحج فأدرك الموقفين أو أدرك أحدهما و هو حرّ، فيجزيه ما أتى به عن الفرض و لا تجب عليه الإعادة، و قد سبق ذكر هذا في المسألة الحادية و الثلاثين.

المسألة 156:

إذا وجدت في المكلف شروط وجوب الحج من البلوغ و العقل و الحرية و كان غير مستطيع من جهة المال، و حج بقصد امتثال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 81

فرض الإسلام، لم يكفه ذلك عن حج الفريضة، فإذا حصلت له الاستطاعة المالية بعد ذلك و وجدت له النواحي الأخرى من الاستطاعة وجب عليه أن يأتي بالفرض.

المسألة 157:

إذا كان في طريق المكلف الى الحج عدوّ لا يندفع إلا بالمال، فإن كان المال الذي يطلبه العدو مما لا يضر دفعه بحال المكلف و لا يوجب له عسرا و لا حرجا، وجب على المكلف دفع المال اليه و لم يسقط عن المكلف وجوب الحج بذلك، و ان كان دفع المال مما يضرّ بحال المكلّف أو يوجب له العسر أو الحرج لم يجب على المكلف دفع المال و سقط عنه وجوب الحج، و لكنه إذا احتمل الضرر أو الحرج على نفسه و دفع المال الى العدو و حج، أجزأه ذلك عن الفرض إذا كانت استطاعته المالية باقية.

المسألة 158:

إذا انحصر طريق الحج في ركوب البحر، و خاف المكلف على نفسه من الغرق أو من حدوث مرض شديد، و كان خوفه مما يعتني العقلاء بمثله و يحذرون عاقبته سقط عنه وجوب الحج كما ذكرناه في المسألة المائة و الأربعين، و كذلك إذا كان خوفه شديدا يوجب له الوقوع في الحرج لشدته و ان لم يكن سببه مما يعتني به العقلاء، و يشكل الحكم بسقوط وجوب الحج عنه إذا استلزم سفره في البحر الإخلال بصلاته، و خصوصا إذا استلزم سفره الإخلال بالصلاة الاختيارية و الإتيان بإبدالها الاضطرارية، كالصلاة مع الطهارة الترابية، أو الصلاة جالسا، و نحو ذلك مما هو وظيفته شرعا عند العذر، و يشكل كذلك إذا كان سفره في البحر يستلزم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 82

أكل المحرّم أو أكل النجس أو شرب النجس، إلا إذا ثبت أن حرمة هذه الأمور على المكلف أشد أهمية و تأكدا في نظر الشارع من وجوب الحج عليه، أو هي محتملة الأهمية منه، و لم يثبت ذلك من الأدلة، و قد

تعرضنا لهذا في المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين، فلتراجع.

المسألة 159:

إذا ملك الإنسان نفقة الحج و تمت له أنحاء الاستطاعة في عامه و كان عليه حق شرعي واجب من زكاة أو خمس أو غيرهما من الحقوق الواجبة، وجب عليه إخراج الحق الشرعي الذي اشتغلت به ذمته، أو الذي تعلق بماله و لم يجز له تأخير إخراجه من غير عذر يسوّغ له ذلك، و ليس من الاعذار له في التأخير أن يكون مالكا لنفقة الحج و يقدم الحج على أداء الحق، و إذا هو سافر الى الحج و ترك أداء الحق كان عاصيا آثما في تأخير الحق، و إذا أتى بالحج و كانت نفقته في الحج و نفقة عياله مما لم يتعلق به الحق الواجب، أو كانت مما تعلق به الحق و قد أدّاه منها خاصة كان حجه صحيحا.

و لا يصح حجه إذا كانت ثياب إحرامه، أو ثياب طوافه، أو ثمن هديه من المال الذي تعلق به الحق، و كذلك الحكم إذا كان وجوب الحج قد استقر في ذمته من عام سابق، و كانت عليه الحقوق الآنف ذكرها في ذمته أو في أعيان ماله.

و لا يحل له التصرف في المال الذي تعلق به الحق، فينفق منه في سفر أو حضر أو في نفقة حج أو غيره، و ان بقي من المال مقدار ما فيه من الخمس أو الزكاة، و تراجع المسألة الثالثة و الستون و المسألة السادسة و الستون.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 83

المسألة 160:

ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و العشرين أن المكلف الذي استقر وجوب الحج في ذمته من عام سابق، إذا عرض له عارض في بدنه يمنعه من الإتيان بالحج بنفسه، أو يصبح الإتيان بالحج بسببه موجبا للعسر و الحرج الشديد عليه، و

لا يرجى زوال ذلك العارض عنه، كمرض شديد لازم أو شلل أو هرم أو شبه ذلك، يسقط عنه وجوب الإتيان بالحج بنحو المباشرة بسبب ذلك المعارض و يجب عليه أن يجهّز شخصا آخر يحج عنه بالنيابة، و كذلك من استطاع الحج في عامه من حيث المال و أصابه مثل ذلك العارض الذي وصفناه، فمنعه من الإتيان بالحج بنحو المباشرة، أو أصبح الإتيان بالحج بسببه موجبا للعسر و الحرج، فيسقط عنه وجوب الحج بنحو المباشرة و يجب عليه- على الأحوط لزوما- أن يجهز من ماله أحدا يحج بالنيابة عنه و ان لم يستقر الحج في ذمته.

المسألة 161:

الظاهر من الأدلة الواردة في المسألة أن الاستنابة عند طروء العارض على المكلف انما هي بدل اضطراري جعله الشارع عند تعذر الواجب الاختياري على المكلف، و هو أن يحج البيت بنفسه إذا استطاع اليه سبيلا، و لذلك فيعتبر في صحة الاستنابة و وجوبها على المكلف أن يكون عذره مستمرا، و نتيجة لذلك فإذا استمر العذر فلم يتمكن من الإتيان بالحج حتى أدركه الموت، أجزأه حج النائب الذي استنابه في حياته و لم يجب على وليه أو وارثه القضاء عنه من تركته بعد الموت، و ان كان وجوب الحج قد استقر في ذمته، و إذا اتفق ان ارتفع عنه العذر بعد ان حج النائب عنه، و أمكن له أن يحج البيت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 84

بنفسه، وجب عليه أن يأتي بالحج بنفسه كذلك، و لم يجزه ما أتى به النائب و ان كان حجه صحيحا، و استحق به الأجرة المسماة له في عقد الإجارة بينه و بين المكلف، و لا منافاة بين الأمرين بعد ان كان هذا هو ظاهر الأدلة

و مقتضى القاعدة.

المسألة 162:

إذا زال العارض و ارتفع العذر المانع للمكلف عن الإتيان بالحج فقد تبيّن بطلان الاستنابة و عدم مشروعيتها في حقه كما أوضحناه في المسألة السابقة، و نتيجة لذلك فإذا كان المكلف قد استأجر النائب للحج عنه ثم زال العذر و أمكن له أن يحج البيت بنفسه، انفسخت إجارة الأجير لعدم قدرته على العمل المستأجر عليه، و هو النيابة عن المكلف في الحج، لأنها غير مشروعة في حقه كما قلنا، فلا يجب على النائب أن يتم العمل إذا كان قد أحرم لحج النيابة ثم زال العذر، بل يكون إحرامه باطلا، و لا يجب عليه أن يتحلل منه بعمرة مفردة، و إذا استمر في إحرامه و أتم الحج لم يصح حجه و لم يكف عن المنوب عنه، و أولى من جميع ذلك ما إذا كان زوال العذر عن المكلف قبل أن يدخل النائب في الإحرام، فتكون الاستنابة غير مشروعة، و الإجارة باطلة، و عمل النائب بموجبها غير صحيح، نعم يكون الأجير مستحقا لأجرة المثل لما أتى به من العمل قبل أن يبلغه الخبر، و يكون مستحقا لأجرة المثل على جميع عمله إذا لم يبلغه الخبر حتى أتم الحج، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل فلا يستحق الأجير أكثر منها.

المسألة 163:

قد اتضح مما بيّناه في المسألتين السابقتين أن المدار في صحة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 85

الاستنابة و وجوبها على المكلف هو استمرار العذر و عدم زواله واقعا، و أما اليأس من ارتفاع العارض أو كون العذر مما لا يرجى زواله، فإنما هما أمارتان ظاهريتان على الاستمرار الواقعي للعذر، فإذا عرض العارض للمكلف، و يئس من ارتفاعه، أو كان مما لا

يرجى زواله، و عمل المكلف على وفق الامارة فاستناب من يحج عنه، ثم انكشف خلاف تلك الامارة فزال العارض و ارتفع العذر، لم تصح استنابته و لم يكفه عمل النائب كما ذكرنا و وجب عليه الإتيان بالحج بنفسه.

المسألة 164:

إذا تحقق العذر المسوّغ للاستنابة للمكلف وجبت عليه الاستنابة عن نفسه فورا، فلا يجوز له أن يؤخر الاستنابة إلى العام المقبل من غير عذر، كما هو الحكم في أصل وجوب الحج، و لذلك فلا يجوز للنائب بعد استئجاره أن يؤخر الحج عن عامة.

المسألة 165:

الظاهر أن الحكم بوجوب الاستنابة على المكلف المعذور يعمّ من كان عذره من غير الأعذار المذكورة، كالسجن المؤبد، و المنع الدائم من السفر من قبل الدولة و أشباه ذلك، فإذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف، أو حصلت له الاستطاعة للحج في عامه و طرأ له مثل تلك الأعذار المانعة له من الإتيان بالحج و كان العذر مستمرا لا يرجو ارتفاعه وجبت عليه الاستنابة، و يعم المكلف المعذور بمقتضى أصل خلقته كالشخص الذي لا يستطيع الاستمساك على الدابة و لا يمكنه السفر بوسيلة أخرى لنقصان في تكوينه أو شلل طفولة، فإذا أيسر مثل هذا و استطاع الحج في ماله، كان عليه أن يستنيب من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 86

يحج عنه.

و الظاهر أن الحكم المذكور يعم المكلف المعذور بهذه الأعذار، سواء سبقت استطاعته على وجود العذر أم سبق وجود العذر على حصول الاستطاعة.

المسألة 166:

يختص الحكم الآنف ذكره بحج الإسلام، و لا يجري في الحج الواجب بالنذر أو بالعهد أو اليمين، فإذا وجب الحج على المكلف بالنذر، و عرض له عذر من الأعذار السابق ذكرها، فمنعه عن الحج المنذور، أو كان الحج بسببه موجبا للعسر و الحرج سقط عنه وجوب الوفاء بالنذر و لم تجب عليه الاستنابة له، و كذلك الحكم في الحج الذي يجب على المكلف بالإفساد، إذا كان الحج الثاني الذي يلزمه الإتيان به في العام المقبل هو العقوبة، فإذا عرض له ما يتعذر معه الإتيان به سقط وجوبه، و لم تجب الاستنابة فيه.

المسألة 167:

إذا وجب على الإنسان المعذور بأحد الأعذار التي ذكرناها ان يستنيب في الحج، و لم يجد أحدا ينوب عنه، أو تلف المال الذي بيده فلم يتمكن من ان يستنيب حتى مات، فإن كان وجوب الحج قد استقر في ذمته قبل حصول العذر وجب على وليه أو وارثه بعد الموت أن يقضي الحج عنه من أصل تركته، و ان لم يستقر عليه وجوب الحج، كما إذا استطاع للحج في عامه، و طرأ له العذر المانع من الحج و لم يتمكن من الاستنابة حتى مات، فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه بعد الموت.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 87

المسألة 168:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 87

إذا وجد المكلف المعذور الذي تجب عليه الاستنابة من ينوب عنه في الحج، و لكن النائب طلب منه أكثر من أجرة المثل و هو لا يجد الزيادة التي طلبها منه، أو كان دفع تلك الزيادة يوجب له الضرر الذي لا يتحمل أو يوقعه في العسر و الحرج لم تجب عليه الاستنابة لذلك، فإذا مات و لم يستنب للعذر المذكور وجب على وليه القضاء عنه بعد الموت إذا كان الحج قد استقر في ذمته قبل طروء العذر، و لا يترك الاحتياط بالقضاء عنه أيضا إذا طرأ له العذر في عام الاستطاعة.

المسألة 169:

إذا وجبت الاستنابة على المكلف المعذور كما تقدم في الفروض السابقة و ترك الاستنابة مع التمكن منها ثم مات وجب قضاء الحج عنه بعد موته من أصل تركته، و ان كان طروء العذر له في عام الاستطاعة، فإن الحج قد استقر في ذمته بتركه الاستنابة و هو متمكن منها.

المسألة 170:

إذا عرض العارض للإنسان المستطيع، فمنعه من الحج و كان العذر مما يرجى زواله فاستناب المكلف أحدا و حج النائب عنه، ثم حصل اليأس من زوال العذر بعد حج النائب و استمر به العذر حتى مات، كفاه حج النائب، لوجود شرط صحة الاستنابة و هو استمرار العذر في الواقع و ان لم يعلم المكلف بقاءه، لذلك فلا يجب القضاء عنه بعد الموت.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 88

المسألة 171:

إذا تحقق العذر المستمر للمكلف فمنعه عن إتيان الحج بنفسه، وجب عليه أن يستنيب أحدا ليحج عنه كما هو ظاهر الأدلة الواردة في المسألة، و لذلك فيشكل الحكم بكفاية تبرع أحد بالحج عنه، و الأحوط لزوما عدم الاكتفاء بذلك، و لا يترك الاحتياط بأن يكون النائب رجلا و صرورة إذا كان المكلف المعذور رجلا.

المسألة 172:

إذا حصل العذر المستمر للإنسان المستطيع أو الذي استقر الحج في ذمته فلم يتمكن من الحج وجب عليه أن يستنيب أحدا للحج عنه كما قلنا ذلك مرارا، سواء أوقع العقد مع النائب بنحو الإجارة أم بنحو الجعالة أم الصلح بعوض أم الهبة المشروطة، فإذا استنابه على أحد الوجوه الشرعية و أتى النائب بالحج عنه برئت ذمة المكلف و سقط عنه التكليف مع استمرار العذر.

المسألة 173:

يكفيه أن يستنيب أحدا يحج عنه من الميقات، و لا يتعيّن عليه أن تكون الاستنابة عنه من البلد الذي هو فيه أو من وطنه، كما لا يتعيّن عليه أن يستنيبه للحج عنه من ميقات بلده.

المسألة 174:

لا يصح الحج من الكافر و ان كان مكلفا بالفروع كما هو المشهور و لعله الأقوى، بل و ان اعتقد وجوب الحج و قصد التقرب في فعله، فإن الإسلام شرط في صحة كل عبادة، و إذا مات لم يقض عنه و ان كان وارثه مسلما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 89

المسألة 175:

إذا ملك الكافر نفقة الحج و تمت له شروط الاستطاعة و هو كافر، ثم أسلم و استطاعته لا تزال باقية وجب عليه حج البيت و صح منه بعد إسلامه، و كذلك إذا زالت استطاعته و هو كافر ثم تجددت له بعد إسلامه، فيجب عليه الحج و يصح منه، و إذا استطاع و هو كافر و زالت استطاعته في حال كفره ثم أسلم و لم تتجدد له الاستطاعة بعد الإسلام، ففي سقوط وجوب الحج عنه بسبب إسلامه كما هو المشهور اشكال، و لعل قول الرسول (ص) في الحديث الشريف:

(الإسلام يجبّ ما قبله) انما يدل على أن الإسلام يمحو ما وقع من الكافر قبله من الكفر و الخطايا و الموبقات التي ارتكبها قبل إسلامه، و يرشد الى ذلك اقتران الإسلام بالتوبة و الهجرة في بعض موارد الحديث و أنها تجبّ ما قبلها، فلا يكون الحديث دالا على سقوط وجوب الحج بعد الإسلام بسبب الاستطاعة التي وجدت و زالت في حال الكفر.

المسألة 176:

لا تصح العبادة من الكافر، و قد ذكرنا هذا قبل مسألة، و نتيجة لذلك فإذا أحرم بالحج أو بالعمرة كان إحرامه باطلا، فإذا أسلم بعد إحرامه وجب عليه أن يرجع الى الميقات فيحرم منه، و لم يكفه أن يستمر في إحرامه الأول و لم يعتد بشي ء من أعماله من طواف أو سعي أو غيرهما إذا أوقعه في حال الكفر أو أوقعه في إحرامه الأول و لم يجدّده بعد الإسلام، و إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات رجع الى الموضع الذي يمكن له الرجوع إليه فأحرم منه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 90

فإن لم يقدر أحرم من موضعه الذي هو فيه.

المسألة 177:

يجب الحج على المرتد عن الإسلام إذا تحققت له الاستطاعة و تمت شروطها، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و سواء حصلت له الاستطاعة في حال إسلامه قبل الارتداد، أم في حال ردته بعد الإسلام، و لا يصح حجه إذا أتى به في حال ارتداده، و لا يقضى الحج عنه إذا مات قبل أن يتوب و يرجع الى الإسلام، و ان كان وجوب الحج قد استقر في ذمته.

المسألة 178:

إذا تاب المرتد و رجع الى الإسلام و كان قد استطاع للحج في حال ردته، أو في حال إسلامه السابق على الردة وجب عليه الحج، إذا كانت استطاعته لا تزال باقية، أو زالت ثم تجددت بعد التوبة، و كذلك إذا زالت استطاعته و قد تمت له شرائط استقرار الوجوب في ذمته، فيجب عليه الحج في هذه الفروض، و إذا حج بعد التوبة صح حجه سواء كان مليا أم فطريا بناء على ما هو الأقوى من قبول توبة المرتد و ان كان فطريا.

المسألة 179:

إذا أحرم المرتد في حال ردته عن الإسلام كان إحرامه باطلا، فإذا تاب بعد إحرامه وجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه كما في نظيره الكافر الأصلي، و قد سبق بيانه و بيان بعض الأحكام المتعلقة به في المسألة المائة و السادسة و السبعين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 91

المسألة 180:

إذا حج المكلف و هو مسلم ثم ارتد بعد الحج، و تاب بعد الارتداد لم يبطل بذلك حجه و لم تجب عليه اعادته، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة.

المسألة 181:

إذا أحرم الإنسان بالحج أو بالعمرة و هو مسلم ثم ارتد بعد إحرامه ثم تاب بعد ردته و رجع الى الإسلام لم يبطل إحرامه الذي أوقعه بسبب الارتداد الذي حصل له في الأثناء، فيجب عليه أن يستمر في إحرامه حتى يتم عمله، نعم يجب عليه تطهير بدنه و ثياب إحرامه من النجاسة التي قد تطرأ عليه حال الارتداد من رطوباته و غيرها في الموارد التي تجب فيها الطهارة من النجاسات، و يستحب في موارد الاستحباب و سيأتي تفصيل ذلك، و لا يبطل وضوئه و لا غسله اللّذان أوقعهما في حال الإسلام بعروض الارتداد ما لم يطرأ له أحد الأحداث التي تنقض الطهارة، و لا فرق بين المرتد الملي و الفطري في ذلك.

المسألة 182:

لا يبطل وضوء المسلم و لا غسله إذا ارتد عن دينه في أثناء وضوئه أو غسله، فإذا رجع الى الإسلام و تاب من ردته و لم تفت الموالاة في الوضوء و لم يحدث طهّر أعضائه من نجاسة الكفر و أتم وضوئه أو غسله و صحت طهارته، و لا يصح ذلك في الوضوء إذا هو أتم غسلاته ثم ارتد قبل المسح، فإنه لا يمكن له المسح ببلة الوضوء، و لذلك فلا بد له في هذه الصورة من إعادة الوضوء بعد أن يطهّر الأعضاء من النجاسة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 92

المسألة 183:

إذا ارتد المسلم في أثناء صلاته ثم رجع الى الإسلام و تاب من ردته، فإن وقع منه خلل في الصلاة في أجزائها أو شرائطها كانت صلاته باطلة للخلل المذكور، و مثال ذلك أن يرتد و هو مستمر في صلاته فيأتي بالقراءة أو بالأذكار أو ببعض الأعمال من الركوع و السجود و القيام في حال ارتداده، و لا ريب في بطلان صلاته لبطلان تلك الأجزاء، أو يحصل منه سكوت طويل يمحو صورة الصلاة، فتبطل صلاته لفوات الموالاة، أو تخرج منه رطوبة في حال ردته و كفره من عرق أو بصاق أو غيرهما فيتنجس بها جسمه أو ثيابه و لا يمكن له تطهيرها بعد رجوعه إلى الإسلام، فتكون صلاته باطلة للخل الواقع فيها.

و ان لم يقع منه أي خلل في صلاته، فارتد و أمسك في حين ردته عن القراءة و الذكر و العمل ثم عاد إلى الإسلام و تاب قبل أن تفوت الموالاة و من غير أن يحدث منه أي خلل في الشرائط، فالظاهر صحة صلاته إذا أتمها على الوجه المطلوب.

المسألة 184:

الصوم هو أن يمسك المكلف عن تناول جميع المفطرات الشرعية من أول طلوع الفجر الى أن يتحقق دخول الليل، فهو عام لجميع آنات الزمان المعين و أجزائه، و نتيجة لذلك فإذا ارتد المسلم الصائم في بعض أوقات النهار ثم رجع الى الإسلام بطل الصوم في تلك الآنات و إن قلّت، و يبطل الصوم في مجموع النهار لبطلان ذلك البعض، فإن المجموع عبادة واحدة لا تتبعض، فإذا بطل بعضها بطل جميعها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 93

المسألة 185:

إذا حج المسلم من غير الشيعة على وفق ما حدّد له مذهبه من الأحكام، ثم دخل بعد الحج في مذهب الشيعة كفاه حجه و إن كان ما أتى به مخالفا لمذهبنا و لم تجب عليه الإعادة، و كفاه ما أتى به أيضا إذا كان موافقا لمذهب الشيعة و مخالفا لمذهبه، إذا كان قد أتمّه بقصد القربة فلا تجب عليه الإعادة في كلتا الصورتين، و لكن يستحب ذلك، و في شمول الحكم في هذه المسألة للغلاة إشكال.

المسألة 186:

إذا ملك المسلم غير الشيعي نفقة الحج و تمت له جهات الاستطاعة و لم يحج، ثم دخل في مذهب الشيعة، وجب عليه أن يحج سواء كانت استطاعته لا تزال باقية، أم زالت عنه بعد ان استقر وجوب الحج في ذمته، و إذا حصلت له الاستطاعة وفق مذهبه و لم تتم له جهات الاستطاعة وفق مذهب الشيعة، و لم يأتي بالحج، ثم دخل في مذهب الشيعة لم يجب عليه الحج حتى تتوفر له الاستطاعة التامة على وفق هذا المذهب.

المسألة 187:

إذا تمت في المكلف شروط وجوب الحج و كملت له شروط الاستطاعة حسب ما تقدم من التفصيل، و لم يحج حتى انقضى الوقت الآتي بيانه استقر وجوب الحج عليه، و أصبح دينا ثابتا في ذمته، فيجب عليه امتثاله بأي وجه أمكن، و إذا مات و لم يؤدّه وجب على وارثه قضاؤه من أصل تركته، و قد تكرر منا ذكر هذا مرارا في عدة مناسبات، و نحن نذكره هنا تمهيدا للمسائل الآتية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 94

المسألة 188:

إذا استقر وجوب الحج على الإنسان، و توقف الإتيان بالفرض على أن يحج متسكعا، و كان ذلك موجبا للعسر و الحرج عليه، ففي سقوط وجوب الحج عنه بذلك إشكال، و الاحتياط لازم.

المسألة 189:

الظاهر أن الشروط التي اعتبرها الشارع في وجوب الحج على المكلف يختلف دخلها في استقرار الحج في ذمته و لزوم القضاء عليه حسب اقتضاء الأدلة الشرعية لذلك، و هي ليست على نسق واحد، فالأدلّة التي اشترطت في وجوب الحج على المكلّف أن يكون عاقلا إنما تدل على اعتبار وجود هذا الشرط فيه حتى يتم أعمال الحج لا أكثر من ذلك، فإذا وجدت جميع الشرائط في المكلّف و أهمل و لم يأتي بالحج حتى مضى الوقت الذي تتم فيه أعمال الحج و هو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة و الشرائط فيه مجتمعة، ثم عرض له الجنون بعد ذلك استقر وجوب الحج عليه، فيجب عليه امتثال الحج إذا أفاق من جنونه في العام المقبل و إن لم تبق له بقية شروط الاستطاعة، و إذا مات و لم يحج وجب على وارثه القضاء عنه.

و كذلك الحال في اعتبار حياة المكلف في استقرار وجوب الحج عليه، فيعتبر فيه أن يكون حيا الى الوقت الذي تتم فيه أعمال الحج، فإذا وجدت الشرائط في المكلف تامة و ترك امتثال الحج الى الوقت المذكور و هو حي استقر وجوب الحج عليه، فإذا مات بعد ذلك وجب القضاء عنه من أصل تركته.

المسألة 190:

يعتبر في استقرار وجوب الحج على المكلف المستطيع أن تبقى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 95

استطاعته المالية لذهابه الى الحج و رجوعه منه موجودة لديه حتى يعود الى وطنه بعد الحج، و إذا هو ترك الحج و لم يسافر اعتبر في استقرار الحج عليه أن تكون الاستطاعة موجودة لديه الى وقت رجوعه الى وطنه لو أنه حج و سافر، فإذا ذهبت استطاعته جميعا أو قصرت عن مقدار كفايته للذهاب

أو الإياب قبل ذلك الوقت لم يجب عليه، و إذا هو ترك الحج و لم يسافر و كانت شروط الوجوب متوفرة فيه جميعا الى أن حلّ الوقت المذكور ثم ذهبت الاستطاعة أو قصرت بعد ذلك استقر عليه وجوب الحج و لزمه أداء الحج إذا كان موجودا، و وجب على وارثه القضاء من تركته إذا مات.

و كذلك الحال في نفقة عياله مدة غيبته للحج حتى يعود إليهم، فيعتبر فيها أن تكون موجودة لديه الى الوقت الذي ذكرناه.

المسألة 191:

إذا ذهبت الاستطاعة المالية من المكلف بعد حضور أوان الحج أو تلف جميعها كذلك أو ذهب بعض استطاعته أو تلف، بحيث قصر الباقي منها عن مقدار كفايته، و كان ذهاب الذاهب من الاستطاعة و تلف التالف منها باختيار المكلف نفسه لذلك، وجب عليه الحج بأي وجه أمكن و لو متسكعا و لم يسقط الوجوب عنه، و إذا هو لم يحج في عامه استقر عليه الوجوب، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين، و في المسألة الرابعة و السبعين و ما بعدها فالتراجع، و يكون هذا من الاستثناء في المسألة المائة و التسعين.

المسألة 192:

يعتبر في وجوب الحج على المكلف المستطيع في ماله أن يكون مستطيعا في بدنه، صحيحا من العوارض التي تمنعه من أداء الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 96

في ذهابه اليه و رجوعه منه، كما أوضحناه في المسألة المائة و الثانية و العشرين، فإذا حدث له في بدنه أحد العوارض التي تمنعه من ذلك قبل ذهابه الى الحج أو بعد ذهابه و قبل إحرامه فلم يتمكن من أداء الفرض سقط عنه وجوبه في العام الحاضر، و روعي في وجوبه في الأعوام المقبلة أن توجد له شرائط الاستطاعة فيها.

و إذا عرض له العارض بعد احرمه فلم يتمكن من إتمام مناسكه جرت عليه أحكام المحصر، و سيأتي بيانها في فصل الإحصار و الصد، و يتحلل بذلك من احرمه، و لا يجب عليه الحج في الأعوام المقبلة، إلا إذا تحققت له الاستطاعة فيها، أو كان وجوب الحج قد استقر في ذمته من قبل هذا.

و إذا عرض له العارض بعد الحج فلم يتمكن من العود الى وطنه، كشف ذلك عن عدم استطاعته للحج من أول الأمر، فلا يكون

الحج الذي أتى به مجزيا عن الفرض لأنه غير مستطيع، و لم يستقر عليه الوجوب، و نتيجة لذلك فيشترط في استقرار الحج على المكلف أن يكون مستطيعا له في بدنه حتى يعود الى وطنه، كما قلنا في الاستطاعة في المال، و يجري مثل ذلك في شرط تخلية السرب، إذا كان المانع في الطريق مما لا يمكن معه الحج في الذهاب أو الإياب أو في الأثناء، فإذا عرض المانع و إن كان في العود، و صدق معه ان المكلف غير مخلى السرب كشف ذلك عن عدم استطاعته للحج من أول الأمر و أن الحج غير واجب عليه.

و هكذا في بقية الفروض التي ذكرناها في نظيره.

المسألة 193:

إذا اجتمعت في المكلف شروط وجوب الحج كلها، و كان العذر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 97

المانع له من الحج شرعيا خالصا، و قد ذكرنا في المسائل التي سنشير إليها أن العذر الشرعي ينحصر في ما إذا استلزم الإتيان بالحج ترك واجب فوري من الواجبات، أو استلزم فعل محرم من المحرمات، و كان ذلك الواجب أو المحرم المزاحم لأداء الحج أهم من امتثال الأمر بالحج نفسه، بحسب ما دلّت عليه السنة الأدلة الشرعية، أو هو محتمل الأهمية منه، فإذا كان المزاحم للحج كذلك سقط وجوب الحج عن المكلف، لعدم تمكنه من الجمع بين المتزاحمين. و إذا هو ترك الحج لهذا العذر الشرعي لم يستقر في ذمته وجوب الحج في الأعوام المقبلة إلا إذا حصلت له الاستطاعة التامة فيها و زالت عنه الأعذار، أو كان الحج مستقرا في ذمته من قبل.

و لا فرق بين أن يكون حدوث ذلك العذر الشرعي مانعا لذهاب المكلف الى الحج أو مانعا له من الإياب أو مانعا

له من الإتيان بالأعمال، و تلاحظ المسألة المائة و الثالثة و الثلاثون و ما بعدها.

المسألة 194:

إذا استلزم إتيان المكلف بالحج ترك واجب شرعي أو فعل محرّم، و كانا أهم من امتثال الحج أو كانا محتملي الأهمية منه، فقدم الإتيان بالحج على الواجب المزاحم أو على ترك المحرم كان بذلك آثما عاصيا، و صح حجه و كان مبرئا لذمته من حج الإسلام على الأقوى.

المسألة 195:

إذا كان الشخص ممن وظيفته حج القران أو حج الإفراد و العمرة المفردة، و وجدت له شروط الاستطاعة لكل من الحج و العمرة، و أهمل و لم يأت بما هو وظيفته من الحج و العمرة في عامه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 98

استقر في ذمته وجوب كل من الحج و العمرة، و لزمه أن يأتي بهما و ان كان متسكعا، و إذا أتى بأحدهما و أهمل الآخر صح ما أتى به و استقر عليه وجوب الآخر، و كذلك إذا استطاع للحج وحده أو للعمرة وحدها، و أهمل و لم يأت بالنسك الذي استطاع له استقر عليه وجوبه خاصة، و لزمه أن يأتي به و لو متسكعا، و إذا مات و لم يأت به وجب قضاؤه عنه من أصل تركته، و كذا في الفرضين السابقين.

المسألة 196:

إذا استقر حج الإسلام في ذمة المكلف و سافر ليؤدي الفرض الذي وجب عليه و مات بعد أن أحرم بنسكه و دخل الحرم، كفاه ذلك عن فرضه و برئت ذمته من التكليف الذي استقر فيها، فلا يجب على وارثه القضاء عنه، و إذا مات قبل أن يحرم بنسكه، أو بعد الإحرام به و قبل أن يدخل في الحرم، لم يكفه ذلك، فيجب القضاء عنه إذا كان الحج قد استقر عليه كما هو المفروض.

المسألة 197:

إذا مات بعد أن أحرم بنسكه و دخل الحرم كفاه ذلك كما قلنا، سواء دخل مكة أم لم يدخلها، و سواء تلبّس بعد الإحرام بشي ء من أعمال عمرة التمتع أو الحج أم لم يتلبس، فيجزيه ما أتى به عن الواجب، و تلاحظ المسألة المائتان و الثالثة.

المسألة 198:

يعتبر في جريان الحكم الآنف ذكره أن يكون إحرامه بالنسك المفروض عليه، فإذا استقر في ذمته حج التمتع مثلا، و لما وصل الى الميقات أحرم بعمرة مفردة و دخل الحرم ليتمها و يخرج بعدها الى الميقات ليأتي بعمرة التمتع الواجبة عليه، ثم مات بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 99

دخول الحرم في إحرامه الأول لم يكفه ذلك عن فرضه الذي استقر في ذمته، فيجب على وارثه قضاؤه عنه.

المسألة 199:

الظاهر أن الحكم الذي ذكرناه يجري في المكلف الذي لم يستقر الحج في ذمته من عام سابق، فإذا اجتمعت في الشخص شروط الوجوب و نواحي الاستطاعة في عامه، و خرج في أوان الحج ليؤدي فريضة الإسلام، و أحرم بنسكه المفروض عليه من الميقات، و دخل الحرم ثم مات في الحرم أجزأه ذلك عن حج الإسلام، فلا يجب على وارثه القضاء عنه، و إذا مات قبل أن يحرم، أو مات بعد الإحرام و قبل أن يدخل في الحرم سقط عنه الوجوب لعدم اتساع زمانه لأداء الفرض الواجب عليه فلا يكون مستطيعا من حيث الزمان، و لا يجب القضاء عنه.

المسألة 200:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع و دخل مكة و أتم عمرته، ثم مات بعد أن أحل من العمرة و قبل أن يحرم بالحج، أجزأه ذلك عن الفرض، و كذلك إذا مات بعد إحرامه للحج و قبل الموقفين، أو في موقف المشعر الحرام أو بعده فيكفيه ذلك عن الفرض الواجب عليه في جميع هذه الصور لإطلاق الأخبار، سواء كان ممن استقر الحج في ذمته، أم ممن استطاع للحج في عامه و لم يستقر عليه، و تلاحظ المسألة المائة و السابعة و التسعون الماضية و تراجع المسألة المائتان و الثالثة الآتية.

المسألة 201:

لا يختص الحكم الذي بيّناه بحج التمتع، بل يجري في حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 100

القران و حج الإفراد لمن وظيفته ذلك، فإذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف من أهل مكة و توابعها، و أحرم من ميقاته بالحج الواجب عليه قرانا أو إفرادا، ثم مات بعد ما دخل الحرم، كفاه ذلك عن فرضه، و كذلك إذا استطاع للحج في عامه و بادر ليمتثله، فيجزيه إذا أحرم و دخل الحرم ثم مات فيه، سواء أتى ببعض المواقف و الأعمال أم لم يأت بشي ء منها.

المسألة 202:

حج القران أو الإفراد الواجبان على أهل مكة و توابعها مع العمرة الواجبة لهما عملان مستقلان لا صلة لأحدهما بالآخر، و ليسا كعمرة التمتع و حج التمتع عملا واحدا يرتبط بعضه ببعض، فإذا مات في عمرة التمتع بعد الإحرام لها و دخول الحرم أجزأه ذلك عن عمرة التمتع و حجه كليهما و قد سبق بيان ذلك، و نتيجة لهذا الفرق، فإذا أحرم المكلف من أهل مكة و توابعها للعمرة الواجبة لحج القران أو الإفراد و دخل الحرم ليتم عمرته ثم مات لم يجزه ذلك عن حجه، فإذا كان ممن استقر الحج عليه وجب على وارثه أن يقضي الحج عنه من أصل تركته، و إذا كان ممن لم يستقر عليه الحج سقط الفرض عنه، لعدم استطاعته بحسب الزمان كما سبق في نظيره.

و إذا أحرم المكي لحج القران أو الإفراد و دخل الحرم ليتم نسكه ثم مات أجزأه ذلك عن حجه و لم يجزه عن عمرته إذا لم يكن قد أداها من قبل، و يجب قضائها عنه إذا كانت مستقرة في ذمته.

المسألة 203:

لعل الذي يظهر من النصوص الواردة في المسألة أنه يعتبر في الحكم بالإجزاء عن المكلف أن يكون موته في الحرم بعد أن يتلبس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 101

بالإحرام، فلا يشمل من كان موته في خارج الحرم و ان كان قد أحرم و دخل الحرم قبل موته، كما إذا خرج من الحرم بعد الدخول فيه لبعض الطواري أو الضرورات فمات في خارج الحرم، و كما إذا مات في موقف عرفات بعد أن دخل الحرم و هو محرم، و لا ريب في أن ذلك أحوط ان لم يكن هو الظاهر من النصوص كما ذكرنا، و أولى

من ذلك بعدم الإجزاء ما إذا أحرم المكلف بحج القران أو الإفراد و مضى الى عرفات ليقف بها قبل أن يدخل الحرم و مات فيها خارج الحرم.

المسألة 204:

لا يعم الحكم الذي ذكرناه العمرة المفردة، فإذا وجبت على المكلف من أهل مكة و توابعها، و أحرم من ميقاته للعمرة الواجبة عليه و مات بعد ما أحرم بها و دخل الحرم لم يكفه ذلك عن عمرته المفروضة عليه، فإذا كانت مستقرة في ذمته وجب على وارثه قضاؤها عنه.

و لا يشمل غير حج الإسلام من أنواع الحج الواجب على المكلف، فإذا وجب عليه الحج بسبب نذر أو عهد أو يمين و خرج ليؤدي ما وجب عليه و أحرم به من الميقات و دخل الحرم ثم مات لم يكفه ذلك عما وجب عليه، و وجب على الوارث قضاؤه إذا كان مما يقضى، و كذلك إذا وجب عليه الحج بسبب إفساده لحج سابق، فإذا كان الحج الثاني الذي يأتي به في السنة المقبلة هو العقوبة كما هو الأقوى لم يجر فيه الحكم، فإذا خرج ليأتي بحج العقوبة في العام المقبل و أحرم به من الميقات ثم مات بعد دخول الحرم لم يجزه ذلك عن الواجب، و إذا قلنا بأن الحج الثاني هو حج الإسلام كما يراه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 102

جماعة من الأصحاب رضي اللّٰه عنهم جرى فيه الحكم، و شمله إطلاق دليله، فإذا أحرم بالحج في السنة المقبلة و مات بعد دخول الحرم أجزأ عنه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 103

الفصل الرابع في الوصية بالحج

المسألة 205:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف، و مات و لم يؤدّها في حياته، وجب على وليّه قضاء الحجة عنه من أصل تركته، و المقدار المعلوم وجوبه من ذلك أن يقضى الحج عنه من الميقات لا من بلد الميت، و إذا اختلفت المواقيت في مقادير الأجرة للنيابة منها، فالواجب منها هو أقلّها مقدارا و

ان كان أبعدها مسافة عن مكة.

و إذا اتّفق ان بعض البلدان التي تقع قبل الميقات و التي يمكن للولي الاستئجار للنيابة عن الميت منها أقول و إذا كان بعض هذه البلاد أقل أجرة من الميقات، لكثرة من يمكن استنابته في ذلك البلد، و ندرته في الميقات، أو لتوفر وسائل النقل في البلد و هبوط أجرتها بسبب ذلك، فلا يبعد تعين الاستئجار من ذلك البلد و خصوصا إذا كان في الورثة صغار و قاصرون.

و هذا هو الحكم في ما إذا علم باستقرار وجوب الحج في ذمة الميت و لم يوص بالقضاء عنه بعد موته، و هو الفرض الثاني من فروض المسألة، و سيأتي بيان الحكم في ما إذا أوصى بذلك في حياته ثم مات و هو الفرض الثالث في المسألة، و قد سبق منا ذكر الحكم في المكلف المعذور إذا وجب عليه الحج و منعه مرض مستمر أو عذر آخر دائم لا يرجى زواله من ان يقوم بأداء الواجب بنفسه، فيجب عليه ان يستنيب من يحج عنه، و يكفيه ان تكون الاستنابة عنه من الميقات، و هذا هو الفرض الأول، و قد مرّ بيانه في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 104

و الثالثة و السبعين.

المسألة 206:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف ثم مات و لم يوص بقضاء الحجة عنه، وجب على الورثة قضاؤها عنه من أصل تركته كما قلنا في المسألة المتقدمة، من غير فرق بين ان يكون الحج الواجب عليه حج تمتع أو أن يكون حج قران أو إفراد، و مثله ما إذا استقرت عليه العمرة لحج القران أو الإفراد.

و كذلك الحكم إذا أوصى بأن يقضى عنه حج الإسلام أو العمرة لحج

الإفراد أو القران و لم يعين في وصيته ان القضاء من أصل التركة أو من الثلث، فيجب على الورثة قضاء ما أوصى به من أصل التركة.

المسألة 207:

إذا استقر الحج أو العمرة في ذمة المكلف كما تقدم و أوصى بقضائه عنه من ثلث ماله وجب على الورثة إنفاذ وصيته حسب ما عيّن، فيقضى الحج أو العمرة عنه من الثلث، و إذا قصر ثلث ماله عن الوفاء بالواجب أخذ الباقي من أصل التركة، و يلاحظ ما ذكرناه في أول هذا الفصل فإن الذي يؤخذ من أصل التركة انما هو نفقة الحج من الميقات.

المسألة 208:

إذا أوصى الإنسان بأن يقضى عنه حج الإسلام من البلد الذي يستوطنه أو من البلد الذي يموت فيه، وجب على وليه بعد موته أن يعمل بموجب وصيته، فيقضي عنه الحج من البلد الذي عيّنه و يخرج نفقة ذلك من ثلث ماله، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالوصية أخرجت نفقة الحج من الميقات من أصل تركته و أخرج ما زاد عليها من الثلث، و كذلك إذا أوصى بأن يقضى عنه من بلد خاص غير

كلمة التقوى، ج 3، ص: 105

بلده كالنجف و كربلاء مثلا.

و كذلك الحكم إذا أوصى بأن يقضى عنه حج الإسلام و قامت قرائن عامة أو خاصة على ان المقصود له من الوصية ان يقضى الحج عنه من البلد أو من بلد معين كما إذا كان المال كثيرا و كان المتعارف المعتاد من أمثاله ان يقضى الحج عنهم من البلد أو من بلد معين، فيعمل بموجب هذا الظاهر حسب ما ذكرنا في سابقه.

المسألة 209:

إذا حدّد في وصيته مبلغا من المال و أوصى بأن يقضى عنه بذلك المبلغ حج الإسلام و لم يعين بلدا خاصا، صح أن يقضي الولي الحج عنه من أي بلد أراد إذا لم يكن دون الميقات و الأحوط استحبابا أن يقضي من بلد الميت فإن لم يسع المال فمن الأقرب إليه فالأقرب.

المسألة 210:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته وجوب حجة الإسلام جاز للورثة قضاء الحج عنه من البلد و لا يتعين عليهم أن يكون القضاء من الميقات، و تخرج نفقة الحج من الميقات من أصل التركة، كما تقدم ذكره، و يحتسب الزائد على ذلك من حصص البالغين الراشدين من الوارث، و لا يحتسب من حصص غير البالغين منهم و لا من حصص غير الراشدين أو غير الراضين.

المسألة 211:

إذا تعدّد من يمكن استئجاره للحج عن الميت و اختلفوا في مقادير الأجرة تعين على الولي ان يستأجر أقلهم أجره إذا أحرزت صحة عمله و لو بأصالة الصحة، إلا إذا كان جميع الورثة بالغين كاملين و رضي الجميع باستئجار من يكون أكثر أجرة منه، أو احتسب الراشدون منهم زائد الأجرة من حصصهم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 106

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت استنابة ذلك الأجير توجب مهانة للميت عند الناس لضعة في منزلة النائب أو لقلة أجرته بالإضافة إلى المقدرة المالية لذلك الميت، فيتعين استئجار غيره ممن لا مهانة فيه و تخرج أجرته من أصل التركة و ان كانت أجرته أكثر من الأول، بل لا يبعد انصراف الأدلة إلى لزوم استئجار من يناسب الميت في شرفه و منزلته ممن يمكن استئجارهم لقضاء الحج عنه و ان كان أكثر أجرة من غيره و لم تكن في استنابة غيره مذلة و لا نقيصة على الميت و قد سبق نظير هذا في كفن الميت و واجبات تجهيزه بعد موته.

المسألة 212:

إذا تعذر الاستئجار للحج عن الميت إلا من البلد لعدم وجود من يصلح للنيابة في الميقات و البلدان التي يكون الاستئجار منها أقل من البلد أو لسبب آخر، وجب الاستئجار من البلد و ان كانت الأجرة منه أكثر و أخرجت من أصل التركة، و ان كان في الورثة أطفال و قاصرون، و كذلك إذا لم يمكن الاستئجار إلا من بلد آخر هو أكثر أجرة من الميقات، بل و ان كان أكثر أجرة من بلد الميت.

المسألة 213:

إذا مات الميت بعد أن ثبت وجوب حج الإسلام أو عمرة الإسلام في ذمته وجبت المبادرة إلى الاستئجار عنه في سنة موته، و لا يجوز التأخير عنها من غير عذر، و نتيجة لذلك فإذا لم يمكن الاستئجار عنه من الميقات وجبت الاستنابة عنه من البلد و أخرجت الأجرة من أصل التركة كما قلنا في المسألة السابقة، و لا يجوز التأخير إلى عام مقبل و ان علم بإمكان الحج عنه من الميقات و كان في الورثة صغار و قاصرون.

و كذلك إذا وجد من يمكن استئجاره للحج عنه من الميقات و طلب أكثر من أجرة المثل و تعذر وجود غيره فيجب استئجاره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 107

و تخرج الأجرة من أصل المال و لا يجوز التأخير إلى العام المقبل، و لا تجب المبالغة في الفحص في الفروض المذكورة، فيكفي الفحص المتعارف فإذا لم يجد رتّب الآثار التي تقدم ذكرها.

المسألة 214:

إذا مات الشخص و قد استقر في ذمته وجوب الحج أو العمرة، و وجب عليه خمس أو زكاة، فإن كان الخمس و الزكاة الواجبان عليه متعلّقين بأعيان التركة الموجودة بعده وجب تقديمهما على الحج، فإذا أخرجا من العين الموجودة، و بقي من التركة ما يفي بنفقة الحج من الميقات وجب قضاؤه عنه و ان استوعبت نفقته بقية التركة، و إذا قصر الباقي بعد إخراج الخمس و الزكاة عن الوفاء بالحج جرى فيه الحكم الآتي عند ما تضيق التركة عن الوفاء بالواجبات و الدّيون.

المسألة 215:

إذا مات المكلف و عليه حج الإسلام أو عمرة الإسلام و كان عليه خمس أو زكاة قد اشتغلت بهما ذمته و أصبحا دينا عليه، و ليسا متعلقين بأعيان التركة كما في الفرض المتقدم، أو كانت عليه ديون للناس قد اشتغلت بها ذمته كذلك، فإن وفت التركة بأداء الجميع وجب على الورثة وفاؤها، و ان استوعبت جميع التركة و لم يبق للوارث منها شي ء.

و إذا ضاقت التركة عن الوفاء بما عليه من واجبات و ديون، وجب توزيع المال الموجود عليها بالحصص كما توزع أموال المدين المفلس على غرمائه بنسبة ديونهم عند ما تضيق أمواله عن الوفاء بالديون، و قد فصّلنا هذا في كتاب الحجر.

فإذا وفت حصة الحج من التركة بأداء الواجب منه، وجب صرفها فيه، كما إذا وفت الحصة بالعمرة و الحج معا في حج التمتع أو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 108

وفت بحج القران، أو حج الإفراد وحده، أو بالعمرة وحدها في من تكون وظيفته ذلك، فيجب صرف الحصة في قضائه كما ذكرنا، و إذا قصرت حصة الحج أو العمرة عن الوفاء بجميع النسك سقط وجوب قضاء ذلك النسك و صرفت حصته

في أداء الخمس أو الزكاة أو الديون الأخرى، و ان كانت الحصة وافية ببعض أفعال ذلك النسك كالطواف و السعي و نحوهما.

المسألة 216:

قد ذكرنا فيما سبق ان العمرة مع الحج في حج التمتع عمل واحد في حكم الشريعة يرتبط بعضه ببعض، فلا يمكن التفكيك بين العمرة و الحج فيه، و نتيجة لذلك فإذا وزعت التركة في المسألة المتقدمة و كانت حصة الحج تكفي لعمرة التمتع وحدها دون الحج، أو لحج التمتع وحده دون عمرته، لم يكف ذلك، فيسقط وجوب قضاء حج التمتع كله و تصرف حصته من التركة في وفاء الخمس و الزكاة و الديون.

و ذكرنا ان حج القران أو الإفراد مع العمرة لأحدهما عملان يستقل أحدهما عن الآخر في الحكم و الآثار، و نتيجة لذلك فإذا وزعت التركة و كانت حصة الحج تكفي للحج خاصة أو للعمرة خاصة صح ذلك، و وجب على الولي قضاء النسك الذي تكفي الحصة لقضائه و سقط الآخر، و إذا كانت الحصة تكفي لواحد من الحج و العمرة، فلا يترك الاحتياط بتقديم الحج.

المسألة 217:

إذا مات الشخص و عليه حجة الإسلام فالظاهر انه لا يجوز للورثة ان يتصرفوا في التركة قبل الاستئجار للحج عنه، أو تأدية مقدار الأجرة لولي الميت، و هذا إذا كان مصرف الحج يستغرق جميع التركة الموجودة، فإذا كانت نفقة الحج لا تستوعب جميع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 109

التركة جاز لهم التصرف في ما زاد على مقدار الأجرة منها مع عزمهم على إخراجها سواء كان التركة واسعة أم لا.

المسألة 218:

إذا مات الشخص و هو مدين للناس فإن كان الدين الذي اشتغلت به ذمته لا يستوعب جميع التركة جاز للورثة التصرف فيما زاد على مقدار الدين من التركة، و لا يجوز لهم التصرف فيما يساوي الدين منها، الا إذا ضمنوا الدين للغرماء و رضي الغرماء بضمانهم، و كذلك الحكم إذا كان الدين مستغرقا للتركة، فإذا ضمنوا الدين للغرماء و رضي هؤلاء بالضمان جاز لهم التصرف في التركة، و إذا لم يضمنوا الدين أو لم يرض الغرماء بضمانهم لم يجز لهم التصرف فيها.

المسألة 219:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته حج الإسلام، و كانت تركته التي خلفها من بعده لا تفي بقضاء الحج عنه رجعت التركة ميراثا لورثته، و لا يجب عليهم ان يتموها من أموالهم و يستأجروا بها أحدا للحج عن مورثهم، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا كان مدينا للناس أو للخمس و الزكاة مع وجوب الحج عليه، و ضاقت التركة عن الوفاء.

و انما تعود التركة ميراثا لورثته في الفرض الذي ذكرناه، إذا كانت التركة لا تكفي للحج عنه حتى في المستقبل، فإذا احتمل عند العقلاء أنها تكفي لقضاء الحج عنه في المستقبل وجب حفظها حتى تتبين الحال، و كذلك إذا وجد من يتبرع ببقية النفقة للقضاء عن الميت، فيجب صرفها في ذلك.

المسألة 220:

يصح التبرع بقضاء الحج عن الميت، سواء كان المتبرع قريبا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 110

للميت أم أجنبيا عنه، و سواء وجدت للميت تركة تفي بقضاء الحج عنه أم لا، و سواء أوصى الميت بالقضاء عنه من بعده أم لم يوص.

فإذا تبرع أحد عن الميت فقضى الحج عنه برئت ذمة الميت من التكليف بالحج و سقط وجوب القضاء عنه من تركته، و عادت تركته ميراثا للورثة من بعده، و إذا استأجر الولي أو الورثة أحدا لقضاء الحج عن الميت، ثم تبرع أحد فحج عنه برئت ذمته كما ذكرناه و انفسخت الإجارة، و رجعت الأجرة ملكا للورثة، و إذا كان الميت قد أوصى قبل موته بقضاء حجة الإسلام عنه من ثلثه، ثم تبرع أحد فحج عنه حجة الإسلام بعد موته، وجب صرف مقدار الحج عنه من الثلث في وجوه البر و الخير عنه.

المسألة 221:

إذا كان الميت قد أوصى الى شخص أن يحج عنه بتركته كلها و لم يكن له وارث، وجب على الوصي أن ينفذ وصيته فيحج عنه بالتركة بالغة ما بلغت، فإذا قصرت التركة و لم تكف للحج حتى من مكة نفسها، تصدق بها عنه، و إذا وفت بالحج من مكة، فالأحوط أن يستنيب له أحدا من أهل مكة.

المسألة 222:

إذا وجب قضاء الحج عن الميت من تركته فأهمل ولي الميت أو وارثه، فلم يستأجر أحدا لذلك حتى تلفت التركة، أو قلّت قيمتها السوقية حتى أصبحت لا تفي بأداء الواجب عنه كان ضامنا، فعليه قضاء الحج من ماله، و كذلك إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه من ثلثه فأهمل الوصي إنجاز الوصية بالحج حتى تلف الثلث أو نقصت قيمته عن الوفاء بها، فيكون ضامنا كما ذكرنا في نظيره فيجب عليه القضاء من ماله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 111

المسألة 223:

إذا أوصى المكلف بقضاء الحج عنه من البلد أو دلّت القرائن على أن ذلك هو المقصود من الوصية بالحج عنه تعيّن ذلك على الوصي كما ذكرناه في المسألة المائتين و الثامنة فإذا تبرع أحد فحج عن الميت من الميقات برئت ذمة الميت من التكليف بالحج، و سقط وجوب القضاء عنه من البلد، و كذلك إذا خولفت الوصية فاستؤجر أحد للحج عنه من الميقات، و أتى النائب بالحج عنه كذلك و هو يجهل الحال فتبرأ ذمة الميت و يسقط وجوب القضاء عنه من البلد.

و الظاهر أن الولي يكون آثما بمخالفته للوصية إذا كان عالما مختارا فيها، و ان عقد الإجارة بينه و بين الأجير يقع باطلا، فإذا حج الأجير من الميقات لم يستحق الأجرة المسماة في العقد، و إذا حج كذلك و هو يجهل الحال صح حجه، و برئت ذمة الميت المنوب عنه كما ذكرنا، و استحق على الولي أجرة المثل لعمله، و قد يشكل الحكم بصحة حج النائب إذا كان عالما بوجوب الاستنابة من البلد، و ان حجه من الميقات يكون سببا لتفويت الواجب.

المسألة 224:

ذكرنا في أول هذا الفصل أن قضاء حج الإسلام عن الميت دين من ديونه التي تشتغل بها ذمته اشتغالا وضعيا، و يخرج من أصل تركته كما تخرج سائر الديون التي تستقر في ذمته، و ان المقدار المعلوم وجوبه من ذلك هو القضاء من الميقات، و إذا اختلفت المواقيت في مقادير الأجرة للاستنابة منها، فالواجب أقلها أجرة، و ذكرنا في المسألة المائتين و الثالثة عشرة: ان الاستئجار لقضاء الحج من الميقات إذا لم يمكن إلا بأكثر من أجرة المثل وجب ذلك و أخرج من الأصل، و إذا تعذر الاستئجار من الميقات مطلقا،

فلم يمكن الحج عن الميت إلا من بلده أو من بلد آخر وجب ذلك، و أخرجت الأجرة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 112

من الأصل، و نتيجة لذلك، فالأجرة لقضاء الحج عن الميت في جميع هذه الفروض المختلفة في المقادير تكون دينا على الميت تخرج من أصل تركته، و تزاحم سائر الديون التي تشتغل بها ذمته، فإذا تحقق بعض هذه الفروض، و كان الميت مدينا أيضا بخمس أو زكاة أو دين لبعض الناس و ضاقت تركته عن الوفاء بالواجبات و الديون التي عليه وزعت التركة عليها بالحصص، كما فصّلناه في المسألة المائتين و الخامسة عشرة و لحقتها أحكامها.

المسألة 225:

إذا أوصى المكلف أن يقضي الوصي حجة الإسلام عنه من بلده أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن ذلك هو المقصود من وصيته، وجب العمل بذلك، و المنساق من النصوص و المتعارف بين الناس في أمثال ذلك ان المراد الحج عنه من البلد الذي يستوطنه، الا أن تدل القرائن على انه يريد بلدا آخر، أو أنه يريد الحج عنه من أي بلد يكون قبل الميقات، و قد سبقت أمثلة من ذلك.

و إذا كان له بلدان يستوطنهما، فالمتبع ظهور الوصية في تعيين أي البلدين يريد الحج منه، فإذا لم يعين بلدا خاصا منهما و لم تدل القرائن على شي ء فالظاهر تخيير الوصي في الحج من أيهما شاء.

المسألة 226:

إذا أوصى الشخص بأن يحج عنه حج مندوب اخرج الوصي ذلك من ثلثه، و أتبع ظهور وصيته في تعيين ان الحج من البلد أو من الميقات على الوجه الذي تقدم في المسألة المائتين و الثامنة، و إذا عيّن مقدارا من ثلثه يحج به عنه ندبا وجب أن يحج عنه من حيث يسع ذلك المال، و إذا لم يكف للحج عنه حتى من مكة صرف المال في وجوه البر و لم يعد ميراثا على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 113

المسألة 227:

إذا اختلف المكلف الميت مع وارثه أو وليه في الحكم، فكان الميت يرى بحسب اجتهاده أو تقليده وجوب القضاء عنه من البلد مثلا، و كان الولي يرى كفاية القضاء من الميقات أو بالعكس فالمدار على اعتقاد الوارث أو الولي الذي يباشر الحج عن الميت أو الاستئجار له، فإذا كان يرى كفاية القضاء من الميقات جاز له ذلك و ان كان الميت ممن يرى وجوب البلدية.

المسألة 228:

إذا تبرع أحد بقضاء الحج عن الميت من الميقات و كان المتبرع ممن يرى كفاية ذلك في القضاء عن الميت بحسب اجتهاده أو تقليده برئت ذمة الميت من الفرض الواجب عليه و سقط وجوب القضاء عنه، و ان كان الميت نفسه و الوارث من بعده يعتقدان- بحسب اجتهادهما أو تقليدهما- بوجوب الحج من البلد.

المسألة 229:

إذا أوصى مكلف قد استقرت في ذمته حجة الإسلام بأن تقضى الحجة عنه من ثلثه بعد موته ثم تبرع عنه أحد بعد الموت فحج عنه من البلد أو من الميقات، برئت ذمة الميت من الحج الواجب عليه و سقط وجوب العمل بالوصية به، و وجب صرف مقدار اجرة الحج من ثلثه في وجوه البر على الأحوط، و لم يرجع الى الورثة.

المسألة 230:

إذا اختلف الورثة في ما بينهم في الحكم، فكان بعضهم يرى وجوب القضاء عن الميت من الميقات بحسب تقليده و بعضهم يذهب الى وجوب الحج عنه من البلد، عمل كل واحد منهم وفق تقليده فيؤخذ من حصته بمقدار ما يصيبها من الأجرة بمقتضى رأي الفقيه الذي يرجع اليه، فإذا لم يف مجموع ذلك بقضاء الحج من البلد،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 114

حج به من الأقرب الى البلد.

و إذا أدى ذلك الى التنازع و الخصام في ما بينهم، أو إلى التنازع و الخصام بينهم و بين الوصي الذي اعتمد عليه مورثهم، تعيّن الرجوع الى الحاكم الشرعي فيفصل الخصومة ما بينهم بمقتضى ما يذهب إليه في المسألة.

المسألة 231:

قد ذكرنا مرارا أن حجة الإسلام متى استقرت في ذمة المكلف أصبحت عليه دينا من الديون يقضى من أصل تركته إذا مات، و لا فرق في ذلك بين أن يوصي بقضائها من بعده أو لا يوصي، نعم يجوز له أن يوصي بإخراجها من ثلث تركته بعد موته فيصرح بذلك في وصيته أو يدل عليه بقرينة مفهمة، فإذا أوصى بها كذلك و وفى الثلث بها نفذت الوصية و لزم العمل بها، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها أخرج ما زاد عن الثلث من أصل التركة.

و إذا أوصى بأن يستأجر له أحد ليقضي عنه حجة الإسلام بعد موته، و عيّن لذلك مبلغا محدودا، وجب على الوصي أن يعمل بوصيته كذلك، فإذا كانت الأجرة التي عيّنها بمقدار أجرة المثل للحج من الميقات أو أقل منها أخرجت من أصل التركة، و إذا زادت على ذلك أخرج الزائد من الثلث.

المسألة 232:

إذا أوصى المكلف بأن يحج عنه بعد الموت، و عيّن لذلك مالا مخصوصا من التركة، و علم الوصي أن المال الذي عيّنه الموصى للحج قد تعلق به الخمس أو تعلّقت به الزكاة و لم يؤدهما المالك في حياته، وجب على الوصي إخراج الحق الواجب من المال أولا، ثم صرف الباقي منه في إنجاز الوصية بالحج، و إذا قصر الباقي عن نفقة الحج و كان الحج الذي أوصى به هو حج الإسلام أو حج واجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 115

بالنذر، وجب إتمام الناقص من أصل التركة، و إذا كان الحج الذي أوصى به غيرهما صرف الباقي من المال بعد إخراج الحق منه في وجوه البرّ على الأحوط بل الأقوى.

المسألة 233:

الحج الذي يجب على الإنسان بالنذر، إذا تمت شروط انعقاد النذر و وجب عليه الوفاء به يكون من الديون التي تشتغل بها ذمة الناذر اشتغالا وضعيا، فإذا مات الناذر بعد أن استقر عليه الوجوب، وجب قضاؤه من أصل تركته على الأقوى، فهو في ذلك نظير حج الإسلام و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

و إذا أوصى بقضاء حج النذر عنه و صرح في وصيته بإخراج أجرته من الثلث أو دلت القرائن على ذلك وجب العمل بموجب وصيته، و جرت فيه الفروض التي سبق ذكرها في الوصية بحج الإسلام و طبقت عليها أحكامها المتقدمة. و يشكل جريان الحكم في الحج الذي يجب على المكلف بسبب إفساده لحج سابق و في الحج الذي يجب عليه بالعهد أو اليمين.

المسألة 234:

إذا أوصى المكلف بالحج عنه بعد موته و لم يعيّن مقدارا مخصوصا للأجرة التي تصرف في الحج عنه، وجب أن يقتصر على أجرة المثل لذلك و لا يزاد عليها، و إذا وجد في الأشخاص الذين يمكن استئجارهم للحج من يرضى بأقل من أجرة المثل وجب استئجاره.

و إذا أوصى بالحج عنه و لم يعيّن مقدارا للأجرة كما ذكرناه، و احتمل في الأشخاص الذين وصفناهم من يرضى بأقل من أجرة المثل وجب الفحص عنه على الأقوى، إلا إذا رضي الورثة كلهم باستئجار غيره، و كانوا جميعا بالغين غير قاصرين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 116

المسألة 235:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته وجوب حج الإسلام، و وجد من يريد التبرع بالحج عنه لم تجب المبادرة على الولي أو الورثة إلى الاستئجار عن الميت، فإذا حج المتبرع عنه و كان عمله صحيحا، و لو بأصالة الصحة أجزأ ذلك عن الميت كما بيّناه في المسألة المائتين و العشرين، و إذا لم يتبرع أو لم يكن حجه صحيحا وجب الاستئجار عن الميت.

المسألة 236:

إذا أوصى الإنسان بأن يحج عنه بعد الموت، و عيّن في وصيته أجيرا خاصا يستأجره الوصي للحج عنه، وجب على الوصي أن يعمل بوصيته، فيستأجر ذلك الأجير بذاته بأجرة المثل و يخرجها من أصل تركة الميت إذا كان الحج الذي أوصى به حج الإسلام أو كان حجا واجبا عليه بالنذر كما ذكرنا في ما سبق، و إذا لم يقبل الأجير بأجرة المثل و طلب أكثر منها و كانت الزيادة التي يطلبها مما يفي بها ثلث الميت تعين استئجاره أيضا عملا بالوصية، و أخرج الزائد عن أجرة المثل من الثلث، و إذا كان الزائد الذي يطلبه الأجير لا يفي به الثلث و لم يجزه الورثة سقط وجوب العمل بالوصية و استأجر الورثة للحج عن الميت شخصا آخر بأجرة المثل، و هذا إذا كان الحج الموصى به حج الإسلام أو حج النذر.

المسألة 237:

إذا أوصى بأن يحج عنه بعد موته حج مندوب، و عيّن أجيرا مخصوصا لذلك كما قلنا في المسألة السابقة، و لم يقبل الأجير المعيّن بأصل الإجارة أو لم يقبل إلا بأكثر من الثلث و لم يجز الورثة ذلك استأجر الوصي شخصا آخر و اخرج بدل إجارته من الثلث، و إذا كان الموصى قد عيّن ذلك الأجير على وجه التقييد به دون غيره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 117

و لم يقبل بالإجارة أو لم يقبل بمقدار الثلث سقطت الوصية و رجع المال إلى الورثة.

المسألة 238:

إذا أوصى الإنسان بعد موته بحج مندوب و عيّن لذلك اجرة لا يرغب فيها أجير حتى من الميقات، و لا يرجى وجود راغب بها في المستقبل سقط وجوب الحج، و صرف المال الذي عيّنه في الوصية: في وجوه البرّ، و إذا علم من القرائن أن الموصى قد أراد الحج بالمال على وجه التقييد بالحج دون غيره من وجوه البرّ بطلت الوصية من أصلها و رجع المال إلى الورثة.

المسألة 239:

إذا علم الولي أن وجوب الحج قد استقر في ذمة مورثه في حال حياته، و شك في انه أدّى ما وجب عليه قبل موته أم لم يؤده، وجب على الولي قضاء الحج عنه و أخرجه من أصل تركته.

المسألة 240:

إذا علم الولي بأن ميّتة قد وجب عليه الخمس أو الزكاة في حال حياته و لم يعلم بأنه قد أدى الحق الواجب عليه أم لم يؤده، فإن كانت عين المال التي تعلق بها الخمس أو تعلّقت بها الزكاة لا تزال موجودة، وجب على الولي قضاء الحق عنه، و احتسبه من أصل تركته.

و إذا علم الولي بأن جميع المال الذي تعلق به الحق قد تلف في حياة المورث، و شك في أن ذمة الميت قد اشتغلت ببدل الحق، فلعل تلف المال كان بغير تعدّ، و لا تفريط منه فلا يكون ضامنا، و الظاهر عدم وجوب القضاء على الولي في هذه الصورة.

و إذا علم الولي بأن المال قد تلف في حياة المورث و ان ذمة المورث قد اشتغلت بالخمس أو الزكاة، لأن تلف المال كان بتعدّ منه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 118

أو تفريط، ثم شك في أن المورث الضامن قد ادّى ما اشتغلت به ذمته من الحق بعد تلف المال وجب عليه القضاء.

المسألة 241:

إذا علم ولي الميت بأن مورثه قد استطاع الحج في حياته استطاعة مالية و لم يعلم بأن بقية شرائط الاستطاعة و الوجوب قد تحققت له، فيجب القضاء عنه، أو لم تتحقق، فلا يجب، فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه، الا إذا دلت على حصول الشرط المشكوك أمارة شرعية من بيّنة و نحوها، أو كان ذلك مقتضى أصل شرعي، كما إذا كان صحيح البدن مخلى السرب ثم شك الولي هل عرض له بعد ذلك مرض أو مانع فمنعه عن أداء الحج.

المسألة 242:

لا يكفي في الحكم ببراءة ذمة الميت و سقوط وجوب القضاء عنه أن يستأجر الوارث أحدا للنيابة في الحج عنه حتى يؤدي الأجير الحج الذي استؤجر له، فإذا علم ان الأجير لم يؤد ما استؤجر له وجب على الوارث أن يستأجر من يؤدي عنه، و كذلك إذا شك في أنه أدى أو لم يؤد فيجب على الوارث الاستئجار.

و يكفي العلم العادي بأنه قد أدى ما استؤجر له، و العلم العادي هو المتعارف الذي يكتفي به الناس في معاملاتهم، و يرتبون الآثار عليه في أعمالهم و شؤونهم.

المسألة 243:

إذا أوصى الرجل قبل موته بأن يحج عنه حجة الإسلام من بلده أو من بلد معين آخر، و خالف الوارث أو الوصي تلك الوصية فاستأجر أحدا للحج عنه من الميقات و كانت إجارته من مال الميت فالظاهر بطلان الإجارة، و إذا حج الأجير من الميقات برئت ذمة الميت الموصى من الواجب و سقط وجوب العمل بالوصية لارتفاع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 119

موضوعها، و لم يستحق الأجير الأجرة المسماة لبطلان الإجارة- كما قلنا- و لكنه يستحق أجرة المثل لعمله إلا إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

المسألة 244:

الوصي أمين شرعي فإذا تلف بيده مال الإجارة قبل الاستئجار و لم يكن متعديا و لا مفرطا فلا ضمان عليه، فإذا كان الحج الموصى به هو حج الإسلام أو حج النذر وجب الاستئجار له من بقية التركة، و إذا كان حجا مندوبا وجب الاستئجار له من بقية ثلث الميت، و إذا اقتسم الورثة بقية المال استرد منهم المقدار المذكور من التركة بنسبة حصصهم منها، و كذلك إذا شك في كونه مقصرا أو لا، و قد تقدم الإشكال في الحج الواجب بسبب إفساد الحج أو بالعهد أو اليمين هل يخرج من ثلث التركة كالحج المندوب كما هو غير بعيد أو من أصل التركة و لا يترك الاحتياط في ذلك.

المسألة 245:

إذا استأجر الوصي أجيرا ليحج عن الميت الموصى و دفع اليه مال الإجارة ثم مات الأجير قبل ان يحج، و لم تكن له تركة فيسترد الوصي أو غيره منها المال، أو لم يمكن له أخذ المال من ورثة الأجير بعد موته، فلا ضمان على الوصي بذلك إذا لم يقع منه تقصير، بل عليه ان يستأجر شخصا آخر للحج عن الميت من بقية التركة أو من بقية الثلث على النهج الذي أوضحناه في المسألة السابقة.

المسألة 246:

إذا مات الوصي و شك ورثة الموصى في ان الوصي هل نفّذ الوصية لمّا كان حيا فاستأجر أحدا للحج عن مورثهم أو لم يستأجر له حتى مات، وجب عليهم أن يستأجروا أحدا من بقية تركة مورثهم إذا كان الحج الموصى به حج الإسلام أو حجا منذورا، و من بقية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 120

الثلث إذا كان حجا مندوبا، و ليس لهم ان يكتفوا بحمل أمر الوصي على الصحة فيتركوا العمل بالوصية اعتمادا على ذلك سواء مضت على الوصية مدة يمكن فيها الاستئجار أم لا.

و إذا وجد هؤلاء الورثة في تركة الوصي عين المال الذي قبضه منهم أو من مورثهم للاستئجار عنه جاز لهم أخذه، و إذا لم يجدوا المال فلا ضمان على الوصي لاحتمال ان يكون المال المدفوع اليه قد تلف في يده من غير تقصير.

المسألة 247:

لا تنفذ الوصية بالحج المندوب إذا كان المال الذي عيّنه الموصى لها يزيد على ثلث تركته أو كان مما تحتمل زيادته على الثلث، فإذا أوصى بذلك لم يجز صرف ما زاد أو ما تحتمل زيادته في الوصية إلا إذا أجاز الورثة ذلك، و كانوا بالغين رشيدين، و إذا اختلفوا في البلوغ أو الرشد صح في البالغ الرشيد بمقدار ما ينوب حصته، و إذا اختلفوا في الإجازة و عدمها صح في حصة من أجاز منهم و بطل في حصة من لم يجز.

المسألة 248:

إذا مات الشخص و قد اشتغلت ذمته بوجوب حجة الإسلام عليه، و كانت له وديعة عند بعض الثقات تكفيه لنفقة الحج عنه أو تزيد عليها، فإن علم من بيده الوديعة أو اطمأن بأن ورثة الميت صاحب الوديعة لا يؤدون الحج عن مورثهم إذا هو ردّ المال إليهم أو ثبت له ذلك بالبينة الشرعية، وجب عليه ان يحج بالمال عن الميت أو يستأجر به نائبا يحج عنه، فإذا فضل من المال شي ء بعد نفقة الحج ردّ الزائد على الورثة، كما دلت عليه صحيحة بريد بن معاوية، و إذا علم أو اطمأن بأن الورثة يقضون الحج عن الميت إذا قبضوا الوديعة فالظاهر وجوب ردها إليهم، و إذا لم يثبت له شي ء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 121

من أمرهم فالأقوى أيضا وجوب قضاء الحج عليه عن صاحب الوديعة و ردّ الزائد من المال إلى الورثة كما هو الحكم في الفرض الأول، عملا بإطلاق الصحيحة الآنف ذكرها، و خصوصا إذا ظن بأنهم لا يؤدون.

و لا تتوقف صحة حجه بالمال عن الميت على الاذن له من الحاكم الشرعي في كلتا الصورتين، و ان كان ذلك هو الأحوط له استحبابا

مع الإمكان.

المسألة 249:

الظاهر انه لا خصوصية للوديعة في ترتب الحكم الآنف ذكره و ان كانت الوديعة هي المذكورة في السؤال عن الحكم في الصحيحة، فإذا كانت للميت عند الشخص عارية أو عين مستأجرة أو كان له في ذمته دين أو كان له في يده مال قد استنقذه له من يد غاصب جرى فيه الحكم المذكور فإذا علم الشخص الذي بيده المال بأن الميت صاحب ذلك المال قد استقر في ذمته حج الإسلام جرت فيه الفروض التي ذكرناها في المسألة الماضية و ترتبت عليها الأحكام التي بيناها.

نعم يشكل انطباق الحكم إذا كان للميت في يد الشخص مال مغصوب و كان الشخص بذاته هو غاصب المال و قد عزم على ردّ المال إلى أهله، فإذا كان الميت صاحب المال ممن استقر الحج عليه، و احتمل الشخص الغاصب ان ورثة الميت من بعده يؤدّون الحج عنه إذا أخذوا المال و انهم لا يؤدّون أشكل الحكم بثبوت الولاية لذلك الغاصب على ان يحج عن الميت بالمال أو يستأجر من يحج عنه من غير مراجعة للورثة و للحاكم الشرعي في ذلك، و إذا علم أو اطمأن بأنهم لا يؤدون الحج عن الميت أشكل الحكم بجواز ذلك له من غير استئذان للحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 122

المسألة 250:

إذا علم من بيده الوديعة بأن الميت صاحب الوديعة قد استقر في ذمته حج منذور أو أنه مدين بخمس أو زكاة أو مظالم، أو أنه مدين لبعض الناس بمبلغ من المال، و علم أيضا بأن ورثة الميت لا يؤدون ما في ذمته من تلك الواجبات أو الديون، أو اطمأن بذلك أو قامت عليه بينة شرعية، وجب عليه أن يصرف ما في يده من الوديعة في

قضاء ما في ذمة الميت من الأمور المذكورة، و الأحوط لزوما أن يستأذن الحاكم الشرعي في تولي ذلك، و يشكل الحكم في غير هذه الصورة من الفروض.

و الظاهر أن هذا الحكم لا يختص بمن بيده مال وديعة بل يعم من كان للميت عنده مال عارية أو عين مستأجرة أو كان له عليه دين أو مال مغصوب قد أخذه للميت من غاصبه، إذا تم الفرض الذي سبق ذكره في الوديعة، و توفرت الأمور التي اشترطناها في ثبوت الحكم.

المسألة 251:

يصح للمكلف أن يوصي الى وارثه أو غيره بأن يقضي الحج عنه ماشيا أو حافيا من أول سفره الى الحج الى آخر اعماله مثلا، أو من ابتداء الإحرام من الميقات إلى نهاية الأعمال، و يجب على الوصي العمل بما أوصى، فإذا كان الحج الموصى به حجا مندوبا اخرج جميع أجرته من الثلث، و إذا كان حج الإسلام أو حجا منذورا أخرج مقدار أجرة المثل للحج من الميقات الى آخر الأعمال من أصل التركة- كما تقدم مرارا- و أخرج أجرة المشي و الحفاء مدة الحج و ما زاد على الواجب من الثلث، و كذلك كل خصوصية مشروعة يوصي بها الميت و هي تزيد على أصل الواجب فإنها تخرج من الثلث.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 123

المسألة 252:

إذا نذر الإنسان ان يحج البيت ماشيا أو يحجه حافيا و كان قادرا على ذلك وجب عليه الوفاء بنذره، فإذا لم يف به حتى مات وجب على ورثته قضاؤه عنه و أخرجت الأجرة من أصل تركته.

المسألة 253:

إذا أقرّ المكلف بأن عليه حجة الإسلام و حجة منذورة قد اشتغلت بهما ذمته صدّق إقراره، و وجب على الورثة قضاؤهما عنه و إخراجهما من أصل تركته، و كذلك إذا أقر بوجوب حجتين منذورتين أو أكثر.

و إذا أقر بشي ء من ذلك و هو في مرض الموت و كان متهما في إقراره أخرج ما أقر به من ثلثه خاصة لا من أصل تركته، و قد ذكرنا في فصل منجزات المريض من آخر كتاب الحجر: ان المراد بكونه متهما في إقراره ان توجد أمارات تدل على ان المريض يريد بإقراره تخصيص بعض الورثة أو غيرهم بشي ء من ماله، أو انه يريد حرمان بقية الورثة منه.

المسألة 254:

إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه بعد موته، و لم يذكر في وصيته انه يريد الحج عنه مرة واحدة أو مكررا، كفى في العمل بوصيته أن يحج الوصي عنه مرة واحدة بنفسه، أو يستأجر من يحج عنه مرة واحدة كذلك، و لا يجب تكرار الحج إلا إذا علم أو دلت القرائن على انه يريد التكرار، و إذا أوصى و عيّن انه يريد الحج عنه مرة واحدة أو مرتين أو أكثر اتبع ظهور وصيته في العدد الذي ذكره، فيحج عنه بمقدار ما عيّن، و إذا اوصى بأن يحج عنه مكررا كفى ان يحج عنه مرتين، إلا إذا علم أو دلت القرائن على انه يريد الحج عنه أكثر من ذلك، و مثاله ان يقول: حجوا عني مرارا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 124

متعددة، أو مرارا كثيرة أو يقول: حجوا عني ما وسع ثلث التركة.

المسألة 255:

إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه سنين متعددة معينة العدد أو غير معينة، و جعل لكل سنة مقدارا معلوما من المال يحج به فقال مثلا: حجوا عني خمس سنين، كل سنة بمائة دينار، و لم يكف المقدار الذي ذكره للحج عنه في كل سنة كما أراد صرف ذلك المقدار المعين على حسب ما يكفي له من السنين فيجعل نصيب سنتين لسنة واحدة أو نصيب ثلاث سنين لسنتين و هكذا.

و إذا علم أن مقصوده في وصيته ان يحج عنه بالمائة دينار حسب ما تكفي، فإن وفت للحج عنه من البلد حج عنه بها من البلد، و ان لم تكف الا للحج من الميقات حج بها من الميقات.

و إذا صرف المقدار الذي عينه للحج على احد الوجهين المذكورين، و بقيت منه زيادة لا تفي بالحج

صرفت في وجوه البر.

المسألة 256:

الطواف بالبيت الحرام عبادة مستقلة بنفسه، و ان لم يكن في ضمن حج أو عمرة فهو مستحب نفسي في ذاته، و تصح النيابة فيه عن الميت، و تصح النيابة فيه عن الحي أيضا إذا كان غائبا عن مكة، و تصح النيابة فيه عن الحي إذا كان حاضرا لا يتمكن ان يتولى الطواف بنفسه، و إذا أوصى المكلف ان يطاف عنه بالبيت بعد موته طوافا مستحبا وجب العمل بوصيته، و إذا نذر ان يطوف بالبيت انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به مع القدرة، فإذا مات و لم يف بنذره وجب القضاء عنه على الأحوط.

و لم يثبت استحباب الإتيان ببقية أعمال الحج استحبابا مستقلا، كالوقوف بعرفات أو عند المشعر الحرام و كالمبيت بمنى في ليالي التشريق و رمي الجمرات في أيامها، بل و حتى السعي بين الصفا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 125

و المروة، إذا أتي بهذه الاعمال مستقلة و ليست في ضمن اعمال الحج، و لذلك فلا تثبت لها الأحكام المذكورة.

المسألة 257:

إذا أوصى الرجل بان يحج عنه بعد موته حجتين جاز للوصي من بعده ان يستأجر عنه أجيرين ليأتيا بالحجتين الموصى بهما في عام واحد، سواء كانت الحجتان واجبتين أم مندوبتين، أم كانت إحداهما واجبة و الأخرى مندوبة، و كذلك إذا اوصى بحجات متعددة، فيصح للوصي أن يستأجر جماعة ينوبون عنه في الحجات كلها في عام واحد، و سنتعرض ان شاء اللّٰه تعالى لهذه المسألة في فصل الحج بالنيابة بوجه أكثر تفصيلا.

المسألة 258:

إذا أتم الأجير حجه عن الشخص المنوب عنه و فرغ من اعماله جاز له ان يطوف لنفسه، و ان يطوف عن غيره تبرعا أو بإجارة، و صح له كذلك ان يعتمر عمرة مفردة لنفسه أو بالنيابة عن غيره، تبرعا أو بالإجارة، و كذلك إذا كان أجيرا للعمرة المفردة، فإذا أتم اعمالها جاز له الطواف و الاعتمار لنفسه و لغيره، بل و يجوز له الحج لنفسه أو لغيره إذا اتفق ذلك في أوانه و تمكن من الإتيان به، و سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى بيان الحكم في الفصل ما بين العمرتين، و في الطواف له أو لغيره بعد عمرة التمتع و قبل الحج.

المسألة 259:

إذا دفع الوصي أو الوارث الى احد مقدارا من المال و وكله في ان يستأجر به أجيرا يحج عن الميت، فإن علم الوكيل بان المعطي يريد استئجار الوكيل نفسه، أو علم بأنه يريد استئجار احد يختاره الوكيل لذلك، و ان كان هو الوكيل نفسه، صح له أن يحج بنفسه، و الأحوط استحبابا له ان يوكل غيره في قبول الإجارة لذلك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 126

فلا يكون هو الموجب لعقد الإجارة و هو القابل، و إذا علم انه يريد استئجار غيره، أو شك في شمول وكالته لاستئجار نفسه لم يجز له أن يستأجر نفسه.

و إذا و كلّه في أن يستأجر شخصا معينا تعيّن استئجار ذلك الشخص، إلا إذا علم الوكيل بان الموكل انما ذكره لأنه أحد الأفراد الذين يمكن استئجارهم، فيجوز له ان يستأجر غيره، أو علم الوكيل بان ذلك الشخص ليس أهلا لذلك، فلا يستأجره، و يستأمر الموكل في استئجار غيره.

المسألة 260:

إذا كان المكلف يملك دارا أو بستانا، و ملّك رجلا غيره داره أو بستانه بالمصالحة معه على ذلك، و اشترط على الرجل في عقد المصالحة معه أن يحج عنه بعد موته، و قبل الرجل الصلح و الشرط، ملك الرجل الدار أو البستان بالصلح، و ملك المكلف على الرجل ان يحج عنه بعد موته، و أصبح ذلك دينا على الرجل يجب عليه وفاؤه، و لا يكون ذلك من الوصية بالحج، سواء كان الحج الذي اشترطه عليه حجا واجبا أم مندوبا، و لا تترتب عليه أحكام الوصية ليعتبر ان لا يزيد على الثلث، و لتتوقف صحته على اجازة الورثة إذا زاد على الثلث، كما يراه المحقق القمي (قدّس اللّٰه سرّه).

و من نظائر الفرض الآنف ذكره في

المسألة و مشاركاته في الحكم ان يملّك المكلف داره أو بستانه ذلك الرجل بالمصالحة- كما قلنا- و يشترط عليه في ضمن العقد ان يبيع الدار أو البستان الذي صالحه عليه بعد موت المكلف و يصرف ثمنه في الحج عنه، فإذا تمت المصالحة و قبل الرجل الشرط ملك الدار أو البستان و لم يبق فيها اي حق لورثة المكلف من بعده، و ملك المكلف عليه الشرط فيجب عليه ان يبيع الدار أو البستان بعد موت المكلف، و ان يصرف الثمن في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 127

الحج، و لم يكن ذلك من الوصية فتجري فيه أحكامها، كما قلنا في الفرض المتقدم.

و إذا لم يف الرجل بالشرط كان الخيار للحاكم الشرعي لا للورثة، فإذا فسخ الدار أو البستان باعهما و صرف ثمنهما في الحج عن الميت، و إذا زاد من الثمن شي ء صرفه في وجوه البر للميت.

المسألة 261:

إذا باع الرجل داره أو بستانه على أحد بثمن معين، و اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد أن يصرف الثمن المذكور في الحج عنه إذا مات، و قبل المشتري بالشرط، و لا ينبغي الإشكال في ان هذا من الوصية بعد الموت فتلزمه أحكامها، فإذا كان الحج المشروط على المشتري أن يأتي به هو حج الإسلام أو كان حجا منذورا لزم العمل بالشرط، و أخرج مقدار أجرة المثل له من أصل التركة، و أخرج ما زاد على ذلك من الثلث، و إذا كان الحج المشروط عليه حجا مندوبا، و كانت نفقته لا تزيد على الثلث لزم العمل بالشرط، و أخرجت نفقته من الثلث، و إذا زادت الأجرة على الثلث لم يلزم العمل بالشرط في ما زاد عليه، بل لم يجز

ذلك إلا إذا أجاز الورثة، و إذا لم يوف المشتري بما شرط عليه ثبت للورثة خيار تخلف الشرط، و الأحوط ان يكون فسخ الوارث للمعاملة بالاستئذان من الحاكم الشرعي.

المسألة 262:

إذا وجدت شروط وجوب الحج على المكلف، و تحققت له جهات الاستطاعة التي اعتبرتها الشريعة وجب عليه ان يبادر لحج البيت فورا، و لم يجز له أن يتأخر فيه أو يتهاون من غير عذر يبيح له ذلك، و كذلك الحكم في من استقر وجوب الحج في ذمته، فتجب عليه المبادرة في الامتثال، و لا يسوغ له التأخير، و قد تكرر بيان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 128

هذا في عدة من المناسبات، فإذا استقر وجوب حج الإسلام في ذمة المكلف و تمكن من أدائه، أو وجب عليه الحج في عامه، و تمكن من أدائه حرم عليه ان يحج عن غيره متبرعا أو أجيرا، و حرم عليه ان يحج لنفسه متطوعا، لانه يفوّت الحج الواجب الفوري عليه، و إذا حج كذلك كان عاصيا آثما، و لا ريب في ذلك، و كان حجه باطلا على القول المشهور بين الفقهاء، و لكن الأقوى الصحة إذا حج عن غيره، للنصوص المعتبرة الظاهرة في الدلالة على ذلك، و لا موجب لتأويلها.

و إذا حرم عليه ان يحج لغيره كما ذكرنا لم تصح إجارته لذلك على الأقوى لعدم قدرته شرعا على الفعل المستأجر عليه، فإذا استؤجر للحج عن غيره كانت الإجارة باطلة، و نتيجة لذلك فإذا حج عن الميت المنوب عنه صح حجه و ان كان آثما فتبرأ ذمة الميت من التكليف لصحة الحج و لم يستحق الأجرة المسماة لبطلان عقد الإجارة و لكنه يستحق اجرة المثل بفعله ما تبرأ به ذمة الميت إلا

إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 129

الفصل الخامس في النيابة للحج أو العمرة

المسألة 263:

تصح النيابة في الحج عن الإنسان بعد موته، سواء كان الحج المنوب فيه واجبا عليه أم مندوبا، و سواء أ كان الحج الواجب عليه هو حج الإسلام أم حجا منذورا، أم حجا وجب عليه بإجارة أو شرط في ضمن العقد أو بسبب إفساد حج سابق، فإذا وجب الحج على الإنسان و استقر في ذمته و لم يؤده حتى مات، صحت النيابة فيه عن الميت إذا كان ذلك الحج مما يقضى بعد الموت، و تصح النيابة عنه في العمرة الواجبة و المندوبة، و من أي أقسام العمرة الواجبة إذا كانت مما تقضى، و تصح النيابة عن الإنسان الحي في الحج المندوب و في حج الإسلام إذا استطاع اليه سبيلا، أو استقر في ذمته ثم عرض له مرض أو عذر مستمر لا يرجى زواله فمنعه عن مباشرة الحج بنفسه، و قد مرّ تفصيل أحكامه في الفصل الثالث، و لا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب في غير هذه الصورة.

و تصح النيابة عن الحي في الطواف إذا كان المنوب عنه غائبا عن مكة، أو كان حاضرا فيها و لا يمكنه أن يطوف بنفسه لبعض الأعذار، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و السادسة و الخمسين.

المسألة 264:

يشترط في النائب أن يكون بالغا، فلا تصح نيابة الصبي عن غيره و إن كان مميزا و هذا هو القول المشهور بين الأصحاب (قدّس اللّٰه أنفسهم)، و للمناقشة في ما أقاموه من الأدلة لإثبات هذا القول مجال واسع، و لكن في هذا القول احتياطا لا يترك، فلا يجتزى بحجه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 130

و لا بعمرته عن غيره على الأحوط سواء حج أو اعتمر عنه متبرعا أم أجيرا، و سواء

أذن له وليه بذلك أم لا، و سواء كان الحج و العمرة واجبين أم مندوبين.

المسألة 265:

يشترط في النائب أن يكون عاقلا، فلا تصح نيابة المجنون المطبق، و لا الذي يعترضه الجنون أدوارا إذا كانت نيابته في دور جنونه، و تصح نيابته إذا وقعت في دور إفاقته من الجنون و كان دور الإفاقة يفي بجميع الأعمال، و يصح للولي أو الوصي أن يستأجره لذلك إذا اطمأن بأن دور إفاقته يفي بالاعمال جميعا.

المسألة 266:

يشكل الحكم بصحة نيابة المجنون إذا كان مميزا، و لا يترك الاحتياط بعدم الاجتزاء بفعله، إلا إذا كان تام التمييز، بحيث يلحق بالعقلاء عرفا، و تصح نيابة السفيه، و لكنّ إجارته للنيابة لا تصح إلا بإذن وليه.

المسألة 267:

يشترط في النائب أن يكون مؤمنا، فلا تصح نيابة غير المؤمن و إن اعتقد بوجوب الحج، و أتى بالاعمال موافقة للمذهب الحق، و أتى بجميع ذلك بقصد القربة.

المسألة 268:

يشترط في النائب أن يكون ممن يوثق به و بمعرفته و بصحة أدائه للأعمال ليحرز بذلك أنه قد أتى بالعمل المستناب فيه على الوجه الصحيح، و لا يعتبر فيه أن يكون عادلا، و يكفي في معرفته للأعمال و الأحكام أن تكون له مصادر صحيحة يرجع إليها إذا شك أو احتاج إلى التعلم، أو يكون له مرشد موثوق يوجهه إلى الفعل الصحيح و الحكم الصحيح متى احتاج، و إذا علم المستنيب أن النائب قد أتى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 131

بالعمل و شك في صحة فعله بنى على أصالة الصحة فيه، فإذا أحرزت بجميع ما ذكرناه صحة عمل النائب حكم ببراءة ذمة المنوب عنه من التكليف الواجب عليه.

المسألة 269:

يشترط في صحة استئجار النائب للحج، و في مطلق استنابته فيه- و لو بنحو الصلح أو الشرط في ضمن العقد- أن يكون النائب غير مشغول الذمة بحج واجب في عام الاستنابة، فلا تصح استنابته إذا كان ممن وجب عليه الحج في ذلك العام مع تمكنه من أدائه، أو كان قد استقر وجوب الحج في ذمته مع تمكنه من الأداء، فإذا استؤجر للنيابة في هذا الحال كانت إجارته باطلة، و إذا خالف و حج عن المنوب عنه كان آثما، و إن كان حجه صحيحا على الأقوى، فتبرأ بفعله ذمة المنوب عنه، و لا يستحق الأجرة المسمّاة له بالعقد و لكنه يستحق أجرة المثل، و قد سبق بيان هذا في آخر الفصل المتقدم.

و لا فرق في جريان هذه الأحكام بين أن يكون الحج الفوري الذي وجب على النائب في ذلك العام حج إسلام، أو حج نذر معين، أو حجا معينا آخر وجب عليه في ذلك العام بإجارة أو عهد أو

يمين أو شرط في ضمن العقد، أو وجب عليه بإفساد حج سابق.

و يستثنى من ذلك ما إذا آجر الشخص نفسه لحج في ذمته، يوقعه في ذلك العام و لم يقيد إجارته بأن يتولى الحج بنفسه، فيجوز له في هذه الصورة أن يؤجر نفسه لحج آخر يتولاه بالمباشرة، و يستأجر شخصا آخر للنيابة في الحج الأول.

المسألة 270:

إذا كان النائب ممن وجب عليه الحج في ذلك العام أو ممن استقر وجوب الحج في ذمته و تمكن من أدائه، و كان جاهلا أو غافلا عن وجوب الحج عليه، فآجر نفسه للحج عن غيره في ذلك العام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 132

صحّت إجارته إذا كان قاصرا معذورا في جهله أو غفلته، و بطلت إجارته إذا كان مقصرا غير معذور، و تصح إجارته و استنابته أيضا إذا لم يتمكن من أداء الواجب لنفسه لبعض الأعذار.

المسألة 271:

تصح نيابة العبد المملوك في الحج و العمرة عن غيره إذا أذن له مولاه بذلك، و إذا أذن له بأن يؤجر نفسه لهما صحّت إجارته و صح حجه أجيرا و إذا لم يأذن له لم يصح.

المسألة 272:

تصح النيابة عن الصبي المميّز في قضاء الحج أو العمرة عنه كما تصح النيابة عن البالغ فقد ثبت أن عبادات الصبي المميّز شرعية تامة و أنها بذاتها هي العبادات التي يأتي بها المكلف بعد البلوغ، فصلاته و صومه و حجه و عمرته هي نفس الحقائق التي يأتي بها البالغ، و إن لم تجب عليه الا بعد البلوغ لحديث رفع القلم، فإذا أتى بها النائب و قصد بها امتثال الأمر المتوجّه إلى الصبي فقد ناب عنه في فعلها و شملتها أدلة النيابة و ترتبت عليها آثارها و أحكامها.

المسألة 273:

يشكل الحكم بصحة النيابة عن المجنون فيما يفوته حال جنونه من الحج أو العمرة، و إذا استقر وجوب الحج أو العمرة عليه في حال عقله ثم عرض له الجنون، و مات و هو مجنون صحّت النيابة عنه فيهما و وجب الاستئجار عنه، و على هذا فإذا أفاق المجنون ذو الأدوار من جنونه في دور يسع الحج و لم يحج ثم مات صحّت النيابة عنه، فإن كان قد اجتمعت له شروط الوجوب حج عنه وجوبا، و إن لم يجب عليه حج بالنيابة عنه ندبا.

المسألة 274:

يشترط في المنوب عنه أن يكون مسلما، فلا تصح النيابة في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 133

الحج أو العمرة عن الكافر، سواء كان ملحدا أم مشركا أم غير مشرك، و كتابيا أم غير كتابي، و إن كان وارثه مسلما و أراد النيابة عنه أو الاستئجار له من تركته.

المسألة 275:

تصح نيابة الولد المؤمن في الحج عن أبيه إذا كان ناصبا، و تمنع إذا كان خارجيا أو مغاليا.

المسألة 276:

لا يعتبر في صحة النيابة أن يكون النائب مماثلا للمنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة الرجل عن المرأة و تصح نيابة المرأة عن الرجل، و تصح كذلك أن يكون أحدهما خنثى، أو يكون كلاهما خنثيين.

المسألة 277:

لا يمنع من استنابة الصرورة، سواء أ كان رجلا أم امرأة، و سواء أ كان المنوب عنه رجلا أم امرأة، و الصرورة هو الذي لم يحج من قبل، و لعل المراد من النهي عن استنابة الصرورة الوارد في الأدلة: أن الصرورة في الغالب يكون غير عارف بأحكام الحج، فيكون المدار على المعرفة بالأحكام، و على هذا فلا تكون الروايات دالة على كراهة استنابة الصرورة، و قد تقدم في حكم المكلف المستطيع الذي يطرأ له مرض ملازم أو عذر آخر دائم فيمنعه عن امتثال الحج أن الأحوط له أن يستنيب عنه في الحج رجلا و صرورة إذا كان المكلف المعذور نفسه رجلا، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و السبعون.

المسألة 278:

لا تتحقق النيابة من النائب حتى يعيّن الشخص الذي ينوب عنه، و ينوي العمل المعيّن الذي ينوب عن ذلك الشخص فيه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 134

و يقصد بفعله امتثال الأمر المتوجّه الى المنوب عنه بذلك الفعل، فإذا حصل ذلك من النائب تحققت منه النيابة و أغناه ذلك عن قصد مفهوم النيابة نفسها، و يكفي في تعيين المنوب عنه أن يستخصه بقصده على سبيل الإجمال، فيقصد الرجل الذي استأجرني فلان للحج عنه مثلا، أو المكلف الذي تبرعت عنه بالعمرة، و لا يشترط أن يذكر اسمه و اسم أبيه و مشخّصاته الخاصة، و إن كان ذلك أحوط، و يستحب ذكره في كل عمل و في كل موطن.

المسألة 279:

إذا آجر الرجل نفسه ليصحب بعض الحجاج في الطريق و يخدمهم فيه بحيث كان مسيره في الطريق مملوكا لهم و مستحقا عليه بعقد الإجارة، لم يصح له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره من البلد أو من الميقات، فإن القصد من الميقات إلى البيت الحرام أحد الواجبات كما دلت عليه آية الحج الكريمة فإذا ملّكه لغيره بالإجارة لم يكن له عليه سلطان ليؤجر نفسه للحج، فلا تصح إجارته للحج، و لا يكفي تبرعه بالحج عن غيره، فإذا تبرع به في الفرض المذكور لم تبرأ بفعله ذمة المنوب عنه، و قد تقدم ذكر هذا و ذكر بعض الفروض و الأحكام التي تتعلق به في المسألة المائة و السادسة و ما بعدها فلتراجع.

المسألة 280:

إذا آجر الرجل نفسه للنيابة عن غيره بحجة من البلد أو من الميقات فلا مانع له من أن يؤجر نفسه للخدمة أو لغيرها و هو في طريق الحج.

المسألة 281:

يشترط في النائب أن يكون قادرا على أن يأتي بالأعمال الاختيارية للحج غير مضطر إلى الإتيان بوظيفة المعذور فيها، فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 135

تصح نيابته إذا كان في حال الاستنابة عاجزا يضطر إلى ترك بعض الأعمال في الحج أو إلى الإتيان بإبدال اضطرارية لها تصح من العاجز و لا تكفي القادر.

فإذا كان المكلف المنوب عنه ممن يجب عليه حج التمتع، فلا يصح له أو لوليّه بعد موته أن يستأجر نائبا لا يقدر على ذلك لضيق الوقت مثلا فلا يمكنه أن يأتي بعمرة التمتع قبل الحج و يضطر إلى العدول إلى حج الإفراد، أو يستأجر امرأة يعلم أنها لا تستطيع الإتيان بعمرة التمتع، لأن حيضها أو نفاسها لا ينقطع عنها قبل الوقوف بعرفات، أو يستأجر نائبا يعلم أنه لا يدرك الوقوف بعرفات أو الوقوف عند المشعر الحرام إلا في وقته الاضطراري، أو يستأجر أحدا لا يمكنه المبيت في منى في ليالي التشريق، أو يستنيب رجلا لا يمكنه الطواف أو السعي إلا محمولا، أو لا يؤدي صلاة الطواف إلا جالسا أو متيمما، و نحو ذلك من ذوي الأعذار، و إذا تبرع هذا الرجل المعذور فحج عن المكلف بعد موته أشكل الحكم ببراءة ذمته و سقوط الفرض عنه.

المسألة 282:

إذا استأجر ولي الميت أو وصيه أجيرا للحج عن الميت و كان الأجير بحسب الظاهر قادرا على الإتيان بأعمال الحج الاختيارية غير عاجز عنها، ثم طرأ له العجز عن بعض الأعمال، و اضطر إلى الإتيان بالبدل الاضطراري الذي جعله الشارع للعمل الذي عجز عنه، صحت نيابته على الأقوى، و جاز له بعد طروء العجز أن يعدل إلى وظيفة المعذور فيأتي بالبدل الاضطراري لذلك العمل الذي عجز عنه و

يصح بذلك حجه، و تبرأ بإتمامه ذمة المكلف المنوب عنه على الأصح، و يستحق عليه الأجرة المسماة إذا كانت الإجارة قد أوقعت بينه و بين الولي على الإتيان بالعمل المبرئ للذمة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 136

و من أمثلة ذلك أن يستأجر الولي نائبا قادرا على حج التمتع في سعة من الوقت، ثم يتفق للنائب لبعض الأمور غير المقصودة أن يضيق عليه الوقت عن إتمام عمرة التمتع، فيضطر إلى أن يعدل إلى حج الإفراد ليدرك الحج، فيجوز له العدول و يتم حجه، و يأتي بعد إتمامه بعمرة مفردة، و يكفيه ذلك في تصحيح حجه عن الميت المنوب عنه، و إسقاط الفرض عنه، و في استحقاق الأجرة المسماة له في العقد.

و كذلك الحكم في المرأة إذا استنابها وليّ الميت و هي قادرة على حج التمتع، ثم طرأ لها الحيض أو النفاس من غير علم سابق بالأمر، و اضطرت بسببه إلى العدول إلى حج الإفراد فتعمل مثل ذلك، و في الأجير إذا اضطر بعد الاستنابة فلم يدرك الوقوف إلا في وقته الاضطراري، أو حدث له مرض فاضطره الى الطواف محمولا، أو إلى الصلاة جالسا أو متيمما أو بوضوء الجبيرة، و هكذا في بقية الأعمال و الأعذار التي قد تحدث للمكلف من غير علم سابق، و إنما يستحق الأجرة على عمله في هذه الفروض إذا كانت الإجارة على العمل الذي تحصل به براءة الذمة للمنوب عنه.

المسألة 283:

إذا استأجر الولي أو الوصي النائب على أن يأتي بالحج التام، بأعماله الاختيارية التامة، و كان النائب قادرا على ذلك، ثم حصل له العجز عن بعض الأعمال، و اضطر إلى أن يأتي بوظيفة الحاج المعذور، و هي إبدالها الاضطرارية، و أتى بها كما

ذكرناه في المسألة المتقدمة، بطلت الإجارة التي وقعت بينه و بين المستأجر، و ان كان عمل النائب الذي أتى به صحيحا على الأقوى، و مبرئا لذمة الميت الذي ناب عنه، و لذلك فهو لا يستحق على عمله الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، و يستحق عليه اجرة المثل إلا إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 137

و إذا كانت الإجارة قد وقعت بينهما على الإتيان بالأعمال الاختيارية للحج على نحو تعدد المطلوب، قسّمت الأجرة المسماة على الأعمال كلّها، و استحق النائب من الأجرة بمقدار ما أتى به من الأعمال، و سقط نصيب الباقي الذي اضطر إلى تركه من الأعمال و إن جاء ببدله.

المسألة 284:

إذا كان العمل الذي عجز النائب عنه في المسألة المتقدمة مما ليس له بدل اضطراري، فاضطر إلى تركه لا إلى بدل، بطلت الإجارة و بطل العمل و لم يستحق عليه شيئا، و مثال هذا أن يعجز النائب عن إدراك الوقوفين معا في الحج فيتركه و لا بدل لهما فيبطل بذلك حجه، و تبطل إجارته، و لا يستحق على عمله شيئا.

المسألة 285:

تصح نيابة المعذور في ارتكاب بعض محرمات الإحرام كالرجل الذي لا يقدر أبدا على المشي في الشمس و في الحر و البرد و المطر، و لا يستطيع المكوث فيها في أثناء المسير لبعض العوارض الموجبة، و لذلك فهو يضطر إلى التظليل في أثناء إحرامه للحج أو للعمرة، و كالمعذور الذي يضطر إلى تغطية رأسه، أو إلى ارتكاب بعض ممنوعات الإحرام الأخرى، فتصح نيابته و استيجاره.

المسألة 286:

إذا كان الأجير عارفا بالأحكام الشرعية التي تقتضيها التقيّة عند اختلاف الحكم في الأهلّة و مواعيد أعمال الحج، و قادرا على الإتيان بالعمل المبرء للذمة فيها، صحت نيابته و صح استئجاره لذلك، فيستأجره ولي الميت أو وصيه للإتيان بالحج المبرء للذمة حسب ما يقتضيه الحكم الشرعي في المواقف و الأعمال، فإذا أتى النائب بالحج كذلك صح عمله و أبرأ ذمة الميت المنوب عنه من التكليف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 138

الذي استقر فيها، و استحق النائب الأجرة المسماة لقيامه بالعمل المستأجر عليه.

المسألة 287:

إذا استأجره الولي للحج عن الميت على وفق مذهب الشيعة و إن خالف ما تقتضيه أحكام التقيّة، و لم يستطع النائب أن يأتي بالعمل كذلك، و أتى بالحج عن الميت طبقا لما يقتضيه الحكم الشرعي في حال التقيّة بطلت الإجارة لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه، فلا يستحق الأجرة المسماة و صح حجه الذي أتى به، و برئت بذلك ذمة الميت المنوب عنه من التكليف، و الأحوط للولي أن يدفع له أجرة المثل، أو يرجع معه إلى المصالحة، إذا لم يقصد التبرع.

المسألة 288:

إذا مات الشخص و قد استقر في ذمته حج الإسلام أو عمرة الإسلام أو كلاهما وجب على وليه أو وارثه أن يبادر بعد موته إلى الاستنابة للقضاء عنه، و إذا أخّر و لم يبادر في السنة الأولى لعذر أو لغير عذر وجبت عليه المبادرة بعدها، و هكذا.

و كذلك الحكم إذا وجب عليه الحج أو العمرة أو كلاهما بالنذر و لم يف بنذره حتى مات، فتجب المبادرة إلى الاستنابة عنه ما أمكن، بل و كذلك إذا أوصى الميت بالحج و العمرة عنه بعد موته أو بكليهما فعلى الوصي بعد الموت أن يبادر ما أمكن إلى الاستنابة عنه، على الأحوط لزوما.

المسألة 289:

لا يصح استئجار النائب عن الميت للحج حتى يعيّن المستأجر في عقد الإجارة معه نوع الحج الخاص الذي اشتغلت به ذمة الميت من أنواع الحج، و الذي يستأجر النائب لقضائه من تمتع أو قران أو إفراد، أو النوع الذي يختار المستأجر نفسه عقد الإجارة عليه من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 139

الأنواع المذكورة، فيما إذا كان الحج عن الميت مندوبا أو منذورا مطلقا، فإذا أوقع الولي أو الوصي عقد الإجارة مع النائب على أحد أنواع الحج الثلاثة مرددا بينها من غير تعيين لأحدها كانت الإجارة باطلة.

و يصح له أن يستأجر النائب على أن يأتي بأحد أفراد الحج المذكورة على وجه التخيير ما بينها فيكون النائب مخيرا في وفائه بالإجارة بأي الأنواع الثلاثة أراد، و أيّها أتى به أجزأه في صحة عمله و استحق عليه الأجرة المسماة في العقد، و لا يتعين عليه أن يأتي بالنوع الأفضل منها، و هذا في ما إذا لم يتعين على الميت المنوب عنه واحد منها على الخصوص، كما إذا كان الحج

عنه مندوبا أو منذورا على سبيل الإطلاق أو كان الميت ذا منزلين تتساوى إقامته فيهما أحدهما في مكة و الآخر في بلد ثان يبعد عنها بثمانية و أربعين ميلا.

و إذا عيّن المستأجر نوعا خاصا منها في عقد الإجارة تعين على النائب أن يأتي به و لم يجز له العدول عنه إلى غيره، إلا إذا كان الحج مندوبا، أو حجا منذورا على وجه الإطلاق، أو كان الميت ذا منزلين تتساوى إقامته فيهما في مكة و في خارجها كما ذكرنا في الفرض المتقدم، فإذا استأجر الولي أو الوصي أجيرا في إحدى هذه الصور ليحج عن الميت حج إفراد جاز للنائب فيها أن يعدل إلى ما هو أفضل كحج التمتع أو حج القران، و إذا عدل إليه و أتم حجه استحق الأجرة المسماة، و الأحوط استحبابا أن يكون ذلك برضى المستأجر.

المسألة 290:

لا يعتبر في صحة الإجارة للحج أن يعين المستأجر الطريق الذي يسلكه الأجير حتى إذا كان الحج المستأجر عليه من البلد،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 140

و إذا عيّن له طريقا مخصوصا جاز للأجير أن يعدل عنه إلى غيره إلا إذا علم أن للمستأجر غرضا خاصا في سلوك الطريق الذي عيّنه، و هذا الحكم هو ما دلت عليه صحيحة حريز بن عبد اللّٰه، و هي ظاهرة في الحكم بالجواز، و بصحة الحج في مورد السؤال، و هو الحج المستأجر عليه مع عدول الأجير عن البلد و الطريق الذي عيّنه المستأجر، و لا موجب للحمل و التأويل فيها.

و أما صورة العلم بوجود غرض للمستأجر في سلوك الطريق المعيّن، فالصحيحة منصرفة عنها انصرافا تاما.

المسألة 291:

إذا استأجر الولي أجيرا للحج عن الميت في سنة معينة وجب على الأجير أن يحج عنه في تلك السنة، و لم يجز له التقديم عليها و لا التأخير عنها، إلا إذا رضي المستأجر بذلك، فإذا تأخر عنها بغير رضي المستأجر و لم يكن له عذر يبيح له ذلك كان آثما، فإن كان المستأجر قد قيّد إجارته بأن يكون الحج في تلك السنة و أخّر الأجير حجة عنها بطلت الإجارة فلا يستحق من الأجرة شيئا، و في الحكم ببراءة ذمة الميت المنوب عنه بحجه إشكال، و إن كان المستأجر قد اشترط في العقد أن يوقع الحج في السنة المعينة و لم يقيّد الإجارة بذلك، و لم يأت الأجير بالشرط فلم يحج عن الميت في تلك السنة ثبت للمستأجر خيار الفسخ بسبب ذلك، فإن هو أجاز العقد و لم يفسخه استحق الأجير الأجرة المسماة له بالعقد إذا أتى بالحج بعد ذلك، و إن فسخ المستأجر العقد

لم يستحق الأجير الأجرة المعيّنة، و إذا كان قد أتى بالحج بعد السنة فالأحوط الرجوع إلى المصالحة بينهما.

المسألة 292:

إذا استأجر الولي أحدا للحج أو العمرة عن الميت و أطلق إجارته و لم يعين للعمل وقتا فمقتضى الإطلاق حلول وقت العمل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 141

فتجب على الأجير المبادرة له، سواء طالبه المستأجر أم لم يطالب، إلا إذا وجدت قرينة تدل على التأخير، كما إذا استأجره للحج و هما في موسم الحج أو بعده بقليل، و كما إذا استأجره للعمرة المفردة و هما في شهر ربيع الأول و كان التعارف يدل على أن المراد العمرة في شهر رجب، و كذلك إذا دلت قرينة على رضي المستأجر بالتأخير، و إذا تباطأ الأجير و لم يبادر لم تبطل الإجارة، و في ثبوت خيار الفسخ للمستأجر لذلك إشكال.

المسألة 293:

إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد في سنة معيّنة على أن يتولى أعمال الحج عنه بنفسه لم يصح له أن يؤجر نفسه للحج عن شخص آخر في تلك السنة المعينة على أن يتولى الحج بنحو المباشرة أيضا لعدم قدرته على الثانية، و إذا آجر نفسه لحجتين في سنة واحدة يقوم بأعمالهما بنفسه لم يصح ذلك و ان كانت الحجتان عن شخص واحد، فإذا تقارنت الإجارتان في الوقت بطلتا معا، و إذا تقدمت إحداهما على الثانية في الوقت صحت الأولى و بطلت الثانية.

المسألة 294:

يصح للرجل أن يؤجر نفسه لحجتين عن شخصين أو عن شخص واحد في سنة واحدة إذا هو لم يشترط على نفسه المباشرة في كلتا الحجتين، فيستأجر لكل واحدة منهما أجيرا يأتي بها، أو يحج بنفسه إحداهما و يستأجر غيره للثانية، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين في سنة واحدة إذا شرط على نفسه المباشرة في إحدى الحجتين و لم يشترط ذلك في الأخرى.

و يصح أن يؤجر نفسه لحجة في سنة معينة، و يؤجر نفسه لحجة ثانية في سنة معينة أخرى و إن اشترط على نفسه المباشرة في كلتيهما، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين موسّعتين في الوقت فيأتي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 142

بإحداهما في عام و يأتي بالثانية في عام آخر، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين و يعيّن السنة لإحداهما و يوسّع الوقت في الحجة الأخرى، فتصح الإجارة و النيابة منه في جميع هذه الفروض، لعدم التنافي، و قدرته على الوفاء بالإجارتين.

المسألة 295:

ذكرنا في المسألة المائتين و الثانية و التسعين أن إطلاق عقد الإجارة للحج يقتضي حلول وقت الحج المستأجر عليه، و وجوب مبادرة الأجير إلى الإتيان به و نتيجة لهذا الحكم فلا يصح للرجل أن يؤجر نفسه لحجتين مطلقتين، لعدم القدرة على المبادرة إليهما في عام واحد.

إلا إذا دلت القرائن على رضي المستأجر بالتأخير في الحجتين أو في إحداهما، و لا يصح له أن يؤجر نفسه لحجة مطلقة ثم يؤجر نفسه بعدها لحجة ثانية مقيدة بالتعجيل، إلا مع القرينة الدالة على الرضا- كما قلنا.

المسألة 296:

إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد في سنة معينة على أن يأتي بالحج بنفسه، و آجره وكيله لحجة ثانية في تلك السنة نفسها على أن يأتي بها بنحو المباشرة أيضا، صحت السابقة من الإجارتين و إن كانت هي إجارة الوكيل و بطلت اللاحقة، و إذا وقعت الإجارتان في وقت واحد بطلتا معا، و قد تقدم هذا الفرض في المسألة المائتين و الثالثة و التسعين، و نظير ذلك في الحكم إذا آجره وكيلان مفوضان عنه لحجتين في سنة واحدة كذلك.

المسألة 297:

تجري الفضولية في الإجارة للحج كما تجري في سائر الإجارات و العقود، فإذا آجر الفضولي أجيرا للحج عن ميت كان الأمر في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 143

تصحيح تلك الإجارة إلى الأجير الأصيل نفسه، فإن أجاز إجارة الفضولي صحت و وجب عليه الوفاء بها، و إن ردّها كانت باطلة لا أثر لها.

و إذا آجره فضوليان للحج عن شخصين، صح له أن يجيز إجارة أحدهما و يلغي الأخرى، و إن وقعت الإجارتان في زمان واحد، و كانتا للحج في سنة واحدة.

و إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد، ثم علم أن فضوليا قد آجره للحج عن ميت آخر، لم يجز له أن يجيز إجارة ذلك الفضولي، و إن كانت سابقه في وقتها على إجارته لنفسه، و لا يكون لإجازته أثر لو أنه خالف فأجازها.

المسألة 298:

إذا صدّ الأجير عدوّ أو ظالم قاسي فمنعه عن الحج أو عن العمرة، أو أحصره مرض فعاقه عنهما ثبت له حكم المصدود و المحصر- و سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى-، و انفسخت بذلك إجارته إذا كانت مقيدة بالحج في ذلك العام، و بقيت ذمته مشغولة بالحجة أو العمرة إذا كانت الإجارة مطلقة غير مقيدة، و إذا كان المستأجر قد اشترط على الأجير في ضمن العقد أن يأتي بالحج في تلك السنة و لم يكن ذلك على وجه التقييد في الإجارة ثبت للمستأجر خيار تخلّف الشرط، فإذا هو فسخ إجارته بطلت، و إذا هو أمضى الإجارة و لم يفسخ بقيت ذمة الأجير مشغولة بالحجة فإذا أتى بها في القابل برئت ذمته و ذمة المنوب عنه، و استحق الأجرة المسماة.

المسألة 299:

إذا أتى الأجير في أثناء إحرامه بالحج أو بالعمرة بما يوجب الكفارة وجب ذلك عليه في ماله لا في مال الميت أو المستأجر، و كذلك إذا كان حجه أو عمرته عن الغير بجعالة أو بصلح أو بغيرهما من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 144

المعاوضات أو الشرط في ضمن العقد أو كان متبرعا.

المسألة 300:

يجب في الحج إذا كان من البلد- كما إذا أوصى به الميت- أن ينوب فيه شخص واحد يسافر من البلد بقصد الحج عن الميت حتى يحرم من الميقات و يتم الأعمال، و لا يكفي أن يتقاسم السفر من البلد أجراء متعددون فيقطع كل واحد منهم بعضا من الطريق الى الميقات حتى يتموه، و ينوب الأخير من أول الإحرام الى أن يتم الأعمال، فلا يكفي ذلك و إن استوعبوا الطريق كله و ترتبوا في السفر واحدا بعد واحد.

المسألة 301:

إذا نقصت الأجرة المعينة للأجير عن الوفاء بنفقته في الحج لم يجب على المستأجر أن يتمّها له، و يستحب له إتمامها إذا استبان له قصور الأجرة عن الوفاء بها قبل العمل أو في أثنائه و كان في الدفع إليه إعانة له على البر و التقوى، و إذا زادت الأجرة على النفقة لم يجز للمستأجر أن يسترد الزائد منها.

المسألة 302:

إذا تم العقد ملك الأجير مال الإجارة فعلا، و إذا شرط الأجير تعجيل دفع المال إليه وجب على المستأجر دفعه اليه عملا بالشرط، و مثله ما إذا دلّت على التعجيل قرينة عامة أو خاصة من انصراف أو عادة متبعة بين الناس فيلزم التعجيل لتلك القرينة، و إذا لم يشترط الأجير تعجيل الدفع و لم تدل عليه قرينة ظاهرة لم يجب على المستأجر تسليم الأجرة إلا بعد إتمام العمل.

المسألة 303:

إذا ملك الأجير الأجرة بالعقد و كانت عينا خارجية ملك جميع نمائها الذي يتجدد لها بعد العقد و إن لم يجب على المستأجر تسليمها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 145

كما ذكرنا، فإذا أتم الأجير العمل المستأجر عليه وجب على المستأجر دفع العين و دفع نمائها للأجير، و قد فصّلنا ذكر هذا في كتاب الإجارة.

المسألة 304:

إذا كان المكلف ممن تجب عليه الاستنابة للحج عنه في حياته لبعض الأعذار التي ذكرناها في المسألة المائة و الستين و ما بعدها، فوكّل أحدا يستأجر من يحج عنه، لم يجز للوكيل أن يسلّم الأجرة للأجير إلا بإذن موكّله، و إذا أذن له في أصل التسليم لم يجز له تعجيل التسليم إليه قبل أن يتم العمل المستأجر عليه، إلا إذا تعذّر استئجار الأجير بغير ذلك أو أذن له الموكّل به، و إذا لم يتعذر الاستئجار و لم يأذن له الموكّل، و سلّم الأجرة قبل إتمام العمل كان ضامنا للأجرة إذا لم يأتي الأجير بالعمل أو أتى به باطلا.

و مثله الحكم في وكيل الولي أو الوصي إذا وكّله في الاستئجار عن الميت، فليس له أن يدفع الأجرة أو يعجّل تسليمها للأجير قبل أن يتم العمل إلا بإذن موكله كما سبق في نظيره.

و إذا أوصى الميت الى أحد بأن يستأجر بعد موته أجيرا يحج عنه، صح للوصي أن يستأجر الأجير و يسلمه الأجرة بعد إتمام عمله عملا بالوصية، و لا يجوز له أن يدفعها اليه قبل العمل إلا إذا تعذّر استئجار الأجير بغير ذلك أو كان الميت قد أوصى به، و إذا عجّل له التسليم بدون ذلك كان ضامنا كما في الوكيل.

المسألة 305:

لا يصح للوكيل أن يشترط في عقد الإجارة تعجيل تسليم الأجرة للأجير أو يقبل من الأجير هذا الشرط إلا بإذن الموكل له في ذلك.

و كذلك الحال في وصي الميت، فإذا استأجر أحدا للحج عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 146

الميت لم يجز له أن يشترط تعجيل تسليم الأجرة للأجير أو يقبل منه هذا الشرط إلا إذا كان الميت قد أوصاه بذلك، و إذا كان الحج

واجبا تخرج نفقته من أصل التركة، و كانت التركة ضعف أجرة الحج أو أكثر، لم يجز للوصي أن يشترط ذلك الشرط إلا بإذن الوارث له، فلعلّ الأجير لا يؤدي الحج و لا يمكن استرجاع الأجرة منه و يحتاج إلى إخراج أجرة الحج من التركة مرة ثانية، و يوجب ذلك نقصا على الوارث، و من أجل وجود هذا الاحتمال فلا يصح اشتراط التعجيل في هذه الصورة إلا بإذن الوارث.

المسألة 306:

إذا استأجر الرجل الأجير و لم يدفع إليه الأجرة المسماة، فتعذر على الأجير أن يأتي بالحج لعدم قدرته المالية، كان الأمر في ذلك الى المستأجر، فيجوز له أن يدفع الأجرة للأجير فيمكّنه من العمل و تتم الإجارة، و يجوز له أن لا يدفعها إليه، فيعجز عن الوفاء و ينفسخ بذلك عقد الإجارة لانعدام المنفعة فإن الإجارة لا تقع و لا تصح إلا مع وجودها.

المسألة 307:

الظاهر ثبوت عادة مستقرة بين الناس على دفع أجرة الحج للأجير قبل السفر إلى الحج، أو دفع قسط منها على الأقل، فيكون ذلك عرفا متبعا ينصرف اليه عقد الإجارة، و يكون دليلا على المقصود منه عند الإطلاق و عدم التبيين، و لذلك فيجوز للأجير بعد العقد أن يطالب المستأجر بتسليم الأجرة أو بقسط منها حسب ما يتعارف بين أهل البلد.

و إذا وكّل المستأجر وكيلا في الاستئجار أو أوصى الرجل إلى وصي به، اتبع الوكيل أو الوصي ذلك لهذه القرينة الدالة على المراد، و جاز لهما دفع الأجرة اعتمادا على ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 147

المسألة 308:

إذا استأجر الشخص أجيرا للحج عن ميت أو عن حي، و أطلق عقد الإجارة معه اقتضى إطلاق الإجارة أن يتولى الأجير بنفسه الحج عن المنوب عنه، فلا يصح له أن يستأجر غيره للنيابة، و لا يكفيه ذلك في الوفاء بالعقد، إلا أن يدل على ذلك قول صريح من المستأجر أو قرينة ظاهرة الدلالة عليه، أو يأذن المستأجر له بذلك بعد العقد معه أو يجيز إجارته لمن استنابه.

المسألة 309:

إذا مات النائب بعد أن أحرم بحج النيابة و بعد أن دخل الحرم أجزأ ذلك عن النائب، فتبرأ به ذمته من حج الإجارة، و ان لم يأتي بعد بشي ء من الاعمال، و أجزأ عن المنوب عنه فتتبرأ به ذمته من الحج إذا كان واجبا عليه سواء كان حج الإسلام أم غيره من الحج الذي يجب قضاؤه عنه، و كفاه أيضا إذا كان حجا مندوبا عنه، و لا فرق في جميع ذلك بين أن يكون النائب أجيرا أو متبرعا.

المسألة 310:

إذا مات الأجير بعد ما أحرم بالحج و دخل الحرم و كان قد آجر نفسه للعمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه استحق جميع الأجرة المسماة بحصول العمل المستأجر عليه كما قلنا، فلا يسترد المستأجر من الأجرة شيئا إذا كان قد دفعها إليه من قبل، و يجب عليه أن يدفعها إلى وارثه إذا لم يكن قد دفعها إليه.

و إذا كان الأجير قد آجر نفسه للمجي ء بأعمال الحج المخصوصة، و كانت الإجارة على نحو التقييد و وحدة المطلوب لم يستحق من الأجرة شيئا لعدم حصول المقصود، و إذا كانت الإجارة للإتيان بالأعمال على وجه تعدّد المطلوب، استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال المستأجر عليها، و منها السفر و قطع المسافة إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 148

كان قد لاحظه جزءا من العمل المستأجر عليه، و ستأتي الإشارة إليه.

المسألة 311:

إذا مات النائب بعد إحرامه بحج النيابة و قبل أن يدخل في الحرم ففي إجزاء ذلك عن المنوب عنه اشكال، و الأحوط عدم الإكتفاء به فلا بد من الاستنابة عنه مرة ثانية على الأحوط، و لذلك فيشكل الحكم باستحقاق النائب الأول الأجرة إذا كان قد آجر نفسه للعمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه كما في المسألة المتقدمة، و إذا كان قد آجر نفسه للإتيان بأعمال الحج المخصوصة استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الإحرام وحده إلى مجموع الأعمال، و هذا إذا لاحظ الأعمال في الإجارة بنحو تعدد المطلوب، و بنسبة الإحرام و معه السفر إذا كان قد لاحظ السفر جزءا من الأعمال المستأجر عليها، و إذا كان قد لاحظ الأعمال بنحو وحدة المطلوب لم يستحق من الأجرة شيئا على إحرامه و لا

على سفره.

المسألة 312:

إذا مات النائب قبل أن يأتي بشي ء من مناسك حجه فالأحوط بل الأقوى عدم إجزاء ذلك عن المكلف المنوب عنه فلا تبرأ ذمته من الحج إذا كان واجبا عليه، و ما ورد من الأخبار الدالة على أن الأجير ضامن للحج، فلعل المراد منه ان اللّٰه سبحانه يتفضل على المنوب عنه بثواب الحج إذا مات الأجير أو قصّر فلم يأت بالعمل المستأجر عليه، و لذلك فلا بد من الحج عن المنوب عنه.

المسألة 313:

إذا مات الأجير قبل أن يبدأ بشي ء من أعمال الحج المستأجر عليه، لم يستحق من الأجرة شيئا، سواء كان المستأجر عليه هو العمل المبرئ لذمة المنوب عنه، أم كانت هي الأعمال كلها على نحو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 149

وحدة المطلوب، أو على سبيل تعدد المطلوب، فإن المفروض أن الأجير لم يأت بشي ء من ذلك.

و إذا كان قد سافر ليحج و قطع بعضا من الطريق و كان السفر بعضا من الأعمال المستأجر عليها، استحق من الأجرة بنسبة سفره إلى مجموعة الأعمال إذا كانت ملحوظة في عقد الاستئجار بنحو تعدد المطلوب.

المسألة 314:

الظاهر- و لو بمعونة القرائن العامة التي توضح المراد- ان الحج المستأجر عليه إذا كان هو الحج من البلد فالسفر منه إلى الحج و قطع المسافة داخل في الأعمال المستأجر عليها على نحو الجزئية فإذا مات الأجير قبل الإحرام من الميقات استحق من الأجرة ما يقابل سفره من البلد الى حين موته، و إذا كان المستأجر عليه هو الحج من الميقات، فالسفر إليه قبل الميقات غير داخل فيه فلا يستحق عليه شيئا.

المسألة 315:

إذا جامع الأجير زوجته في أثناء حجه عن المنوب عنه و قبل وقوفه في المشعر الحرام لزمه ما يلزم الحاج عن نفسه إذا ارتكب مثل هذا المحرّم، فيجب عليه أن يتم الحج الذي بيده، و يلزمه التكفير عن فعله الذي ارتكبه بنحر بدنة، و يجب عليه الحج من قابل على التفصيل الآتي بيانه في مبحث محرمات الإحرام، و الأقوى- كما دلت عليه النصوص الواردة هنا في حج النائب و في حج المكلف عن نفسه- أن الحجة التي ارتكب فيها ذلك الفعل هي الحجة الواجبة عليه، و أن الحج الثاني الذي يأتي به في القابل إنما يجب عليه عقوبة له على ما فعل، و نتيجة لهذا فيكون حجة الأول مجزيا للمنوب عنه و موجبا لبراءة ذمته من التكليف، و بإتمامه يستحق الأجير الأجرة المسماة له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 150

في العقد، سواء أتى بالحج من قابل أم عصى هذا التكليف و لم يأت به، و سواء كانت إجارته للحج في سنة معينة أم كانت مطلقة غير معينة في الوقت، و سواء كان الحج المستأجر عليه واجبا أم مندوبا، بل و إن كان النائب متبرعا بالحج عن المنوب عنه، و الفارق أن المتبرع لا

يستحق على عمله أجرة.

المسألة 316:

يجوز للمكلف أن يتبرع عن الميت فيحج عنه بنفسه، من غير فرق بين أن يكون الحج الذي يتبرع به واجبا على الميت أو مندوبا، و سواء كان الحج الواجب هو حج الإسلام أم غيره من الواجب الذي يجب قضاؤه، و يجوز له أن يتبرع عن الميت بحج مندوب و إن كان الميت ممن استقر في ذمته حج واجب، و يجوز له أن يتبرع من ماله فيستأجر أجيرا ينوب عن الميت في حج واجب أو حج مندوب في كل الفروض التي تقدم ذكرها.

و يجوز للمكلف أن يتبرع عن إنسان حي فيحج عنه بنفسه حجا مندوبا، و إن كان على المنوب عنه حج واجب قد اشتغلت به ذمته، سواء كان متمكنا من أداء الواجب أم لا، فيصح التبرع عنه بالحج المندوب في كل أولئك على الأقوى، و يجوز له أن يتبرع من ماله فيستأجر من يحج عن ذلك الإنسان الحي حجا مندوبا في الفروض الآنف ذكرها.

و لا يصح التبرع عن إنسان حي في حج واجب عليه، حتى إذا كان معذورا لا يستطيع الإتيان بالحج لمرض أو هرم أو لعذر آخر لا يرجى زواله، على الأحوط لزوما في المعذور، و على الأقوى في غيره، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و السبعون.

المسألة 317:

إذا استأجر ولي الميت أو وصيّه أجيرا ليؤدي الحج عن الميت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 151

إن شاء بنفسه و إن شاء بغيره، جاز للأجير أن يستأجر شخصا آخر للنيابة فيه، سواء كانت إجارة المستأجر الأول له على عمله الخارجي أم على الحج في ذمته، فإذا استأجر شخصا آخر للنيابة في الحج كان هذا الشخص نائبا عن النائب، و يكفي في صحة عمله أن يقصد الحج

عن الميت المنوب عنه امتثالا للأمر المتوجه إليه، فإذا أتم حجه كذلك برئت ذمة الميت من التكليف بالحج إذا كان واجبا عليه، و برئت ذمة الأجير الأول و الأجير الثاني من الحج الذي وجب عليهما بالإجارة، و استحق كل واحد منهما الأجرة المسماة له بالعقد معه.

المسألة 318 [الصورة الأولى]

إذا استأجر الإنسان أجيرا للحج أو العمرة عن شخص ثم مات الأجير قبل أن يأتي بالعمل الذي استؤجر عليه، فللمسألة صور تختلف باختلاف الفروض التي تقع عليها مضامين الإجارة بين المتعاقدين، و لكل صورة منها أحكام تجري فيها.

الصورة الأولى: أن يكون مضمون العقد الذي وقع بينهما تمليك نفس العمل الذي يعمله الأجير في الخارج و هو الحج أو العمرة للمستأجر، فيكون العمل المستأجر عليه هو أن يحج أو يعتمر بنفسه في الخارج عن الشخص المنوب عنه، و تكون هذه المنفعة الخاصة من منافع الأجير مملوكة للمستأجر بالعقد، فإذا مات الأجير قبل أن يأتي بالحج أو العمرة انفسخت الإجارة بموته، فإن عمل الإنسان بنفسه لا يمكن أن يقع من غيره، و لذلك فلا يستحق الأجير من الأجرة المسماة شيئا إذا كانت الإجارة على العمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا مات بعد أن سافر و قطع بعض الطريق، و كان السفر جزءا من العمل المستأجر عليه، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و الثالثة عشرة.

و كذلك الحكم إذا كان الأجير معذورا لا يستطيع أن يؤدي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 152

العمل الذي استؤجر عليه لبعض الأحداث التي أوجبت له عدم القدرة على ذلك.

المسألة 319: الصورة الثانية:

أن يكون مضمون عقد الإجارة مع الأجير هو أن يصبح الحج أو الاعتمار عن المنوب عنه دينا للمستأجر على الأجير يستقر في ذمته، و يجب عليه وفاؤه في الوقت المعين، سواء أتى بالعمل بنفسه أم استأجر له شخصا آخر يأتي به بالنيابة عنه، فإذا مات الأجير في هذه الصورة أو تعذّر عليه الإتيان بالعمل المستأجر عليه لم تنفسخ الإجارة الواقعة بينه و بين المستأجر، لإمكان صدور العمل

من غيره بحسب الفرض، فيجب على وارث الأجير بعد موته أن يستأجر أحدا ينوب عن مورّثه في العمل المستأجر عليه، و يكون هذا الأجير الثاني نائبا عن الأجير الأول و يأتي بالحج أو العمرة عن المنوب عنه الأول، فإذا أتم العمل و قام بالنيابة كما هو المطلوب صح عمله و برئت ذمم الجميع و استحق كل واحد من الأجيرين أجرته التي سميت له في العقد الخاص معه.

و إذا كان الأجير الأول لا يزال موجودا و تعذر عليه العمل وجب عليه أن يستأجر غيره ممن يقوم بالنيابة عنه، فتصح نيابته و تجري أحكامها الآنف ذكرها.

المسألة 320: الصورة الثالثة:

أن يكون مضمون الإجارة مع الأجير هو أن يصبح مدينا للمستأجر بالحج أو العمرة المستأجر عليهما- كما فصّلنا في المسألة المتقدمة-، ثم يشترط المستأجر على الأجير في ضمن العقد أن يأتي بالحج أو العمرة بنفسه، فإذا مات الأجير في هذه الصورة أو تعذر عليه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه، لم تنفسخ الإجارة بين المتعاقدين بذلك، و ثبت للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط، فإذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 153

اختار فسخ العقد استرد الأجرة من الأجير إذا كان موجودا، و من وارثه إذا كان ميتا، و إذا اختار إمضاء العقد فأمضاه، وجب على الأجير أو على وارثه إذا كان ميتا، أن يستأجر شخصا ينوب عنه في العمل من ابتدائه، و لا تكفي الاستنابة من موضع التعذر، إذا حدث الموت أو التعذر في الأثناء.

و قد بيّنا في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و ما بعدها حكم ما إذا مات الأجير بعد أن أحرم بحج النيابة و دخل في الحرم فلتراجع.

المسألة 321:

إذا وجب الحج على المكلف للاستطاعة أو للنذر أو لسبب آخر، وجب عليه أن يأتي بحج تام مستقل في النيّة و في الأعمال، و لا يكفيه في الامتثال أن يأتي بحج يشرّك فيه مكلّفا غيره، فيكون الحج الواحد أصليا للمكلف نفسه و نيابيا للمكلف الآخر الذي شركه معه، فلا يصح ذلك سواء كان حج الآخر الذي شركه معه واجبا على ذلك الشخص أم مندوبا، و لا يكفيه في الامتثال أن يأتي بحج واحد يشرّك فيه مع ذلك الحج الواجب عليه حجا آخر عن نفسه أيضا، فيكون الحج الواحد امتثالا لكليهما، فلا يصح ذلك سواء كان الحج الثاني واجبا أيضا عليه أم مندوبا.

فإذا مات المكلف و كان الحج مما

يجب قضاؤه، وجب أن يكون القضاء عنه تاما مستقلا كذلك، فلا يجوز أن ينوب شخص واحد عن شخصين أو عن أشخاص في قضاء مثل ذلك الواجب، إذا كان القضاء في سنة واحدة، فيأتي بحج النيابة الواحد عنهم جميعا، و سيأتي ذكر صورة خاصة تستثنى من عموم هذا الحكم.

المسألة 322:

يجوز بل يستحب للإنسان إذا حج لنفسه حجا مندوبا أن يشرك معه أباه و أمه، و أقاربه و غيرهم من الأولياء و الصلحاء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 154

و المؤمنين في حجه، فينوي الحج لنفسه و النيابة عنهم في عمله و قد ورد الحث و التأكيد على ذلك في عديد من النصوص، ففي الحديث عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (ع) في الرجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه، فقال (ع): (إذن يكتب لك حجا مثل حجهم، و تزداد أجرا بما وصلت)، و عن أبي الحسن (ع) قال قال أبو عبد اللّٰه (ع): (لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد واحد حجة من غير أن تنقص حجتك شيئا) و يجوز له أن يأتي بالحج المندوب و هدي الثواب إليهم، بل يستحب له ذلك أيضا.

المسألة 323:

يجوز لشخص واحد أن ينوب عن شخصين أو أشخاص متعددين في الحج المندوب في سنة واحدة، فيأتي بحج واحد ينوي به النيابة عنهم جميعا، يمكن له أن يتبرع بذلك الحج عنهم، و يصح لهم أن يستأجروه لذلك، و يجوز له أن يحج ثم يهدي الثواب إليهم.

المسألة 324:

إذا نذر الرجل أن يحج و يشرّك معه أباه أو أمه أو غيرهما في حجه انعقد نذره، و لزمه الوفاء به مع القدرة، فإذا تمكن من الوفاء و لم يف به حتى مات وجب قضاء ذلك عنه بعد موته على حسب نذره، فيأتي النائب بحج واحد يشرّك فيه ما بين الناذر المنوب عنه و الأشخاص الذين نذر تشريكهم معه في حجه.

و إذا نذر رجلان أن يستأجرا أحدا يأتي بحج واحد عنهما معا على نحو التشريك بينهما انعقد نذرهما و وجب عليهما الوفاء به، فإذا استأجرا أحدا لذلك وجب على الأجير الحج عنهما كما استأجراه له، و كما عيّنا في نذرهما، فيأتي بحج واحد ينوب به عنهما معا على وجه التشريك بينهما.

و هذان الموردان هما الصورة المستثناة التي تصح فيها النيابة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 155

من شخص واحد في حج واجب واحد عن أكثر من شخص واحد، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و الحادية و العشرون.

المسألة 325:

يصح أن ينوب أشخاص متعددون في الحج عن شخص واحد في عام واحد إذا كان الحج مندوبا، سواء كان الشخص المنوب عنه ميتا أم حيا، فيأتي كل واحد من أولئك النواب بحجة تامة مستقلة عن ذلك الشخص المنوب عنه، و يمكن أن يقع ذلك منهم على وجه التبرع، و على نحو الاستئجار و يمكن أن يتبرع البعض منهم و يستأجر البعض، و يجوز ذلك أيضا إذا كان الحج واجبا، فإذا كانت على الميت حجة إسلام و حجة نذر أو أكثر مثلا، أو كانت عليه حجتان وجبتا عليه بالنذر، أو أكثر أمكن أن يستأجر أو يتبرع بها أشخاص متعددون فيأتي كل واحد منهم بحجة تامة عما في ذمة الميت.

و كذلك إذا

استقرت في ذمة المكلف حجتان أو أكثر بالاستئجار، و أوصى بأن تقضى عنه من ثلثه، فيمكن لوصيه بعد موته أن يستأجر نوابا متعددين في عام واحد، فيأتي كل نائب منهم بحجة خاصة منها.

و قد لا يتصور جريان هذا الحكم في النيابة عن الإنسان الحي في قضاء الحج الواجب عنه، فقد تقدم أن النيابة في الحج الواجب عنه لا تصح إلا إذا كان معذورا لا يقدر على الحج بنفسه لمرض أو هرم أو لعذر مستمر آخر لا يرجى زواله، و قد ذكرنا أن هذا لا يجري على الأحوط لزوما في غير حجة الإسلام من أقسام الحج الواجب، و حجة الإسلام إذا وجبت عليه فإنما هي حجة واحدة لا تعدد فيها، و من أجل ذلك فلا يتصور في الإنسان الحي تعدد حج واجب يصح قضاؤه بالنيابة عنه ليفرض تعدد النائب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 156

و يمكن تصحيح الفرض فيه إذا وجبت عليه حجة الإسلام للاستطاعة و تعذر عليه الإتيان بها كما ذكرنا، و أراد أن يستنيب عنه أجيرين في عام واحد ليحجا عنه حجتين تامتين للاحتياط، فلعل إحدى الحجتين تقع باطلة فتكفيه الثانية، فيصح الفرض على هذا الوجه و تجوز له الاستنابة.

المسألة 326:

يستحب للنائب إذا حج عن غيره متبرعا عنه أو أجيرا أن يذكر اسمه في المواطن و المواقف، و لا يجب عليه ذلك إذا كان قد عيّنه في نيته حينما قصد النيابة عنه، و قد ذكرنا في ما تقدم انه يكفي في صحة النيابة أن يعين الشخص المنوب عنه على وجه الإجمال.

و يستحب له أن يقول عند إحرامه: (اللّهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فآجر فلانا فيه و آجرني في قضائي عنه).

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 157

الفصل السادس في الحج الواجب بالنذر أو بالعهد أو باليمين

المسألة 327:

لا ينعقد نذر الصبي غير البالغ للحج و لا لغير الحج و ان كان مميزا أو بلغ عشر سنين بل و ان كان مراهقا، فلا يجب عليه الوفاء بنذره و لا تلزمه الكفارة إذا خالفه و لم يف به، و لا تترتب عليه الآثار الأخرى من قضاء و غيره، و ان قلنا بأن عبادات الصبي صحيحة شرعية، و لا تنعقد يمينه و لا عهدة إذا حلف باللّٰه ليحجنّ أو عاهد اللّٰه على ذلك و لا تلزمه أحكامهما.

و لا ينعقد نذر المجنون، سواء كان جنونه مطبقا أم كان ذا أدوار إذا أوقع النذر أو كان وقت الوفاء به في دور جنونه، و لا تنعقد يمينه و لا عهده كذلك و لا تترتب عليهما الآثار و الأحكام.

و لا ينعقد النذر و لا اليمين و لا العهد من المكره غير المختار في فعله، و لا من الغافل و الهازل و السكران غير القاصد، و قد بيّنا جميع هذا مفصلا في كتاب الأيمان و النذور و العهود، فليرجع اليه من أراد المزيد.

المسألة 328:

قال جماعة من الأعلام (قدس اللّٰه أنفسهم): لا ينعقد نذر الكافر إذا نذر للّٰه على نفسه حجا أو برأ أو صدقة، و نسب ذلك الى القول المشهور، و ذكروا له أدلة لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات القول، و البحث في هذه المسألة قليل الجدوى، فإن الكافر إذا نذر الحج مثلا و قلنا بصحة نذره و انعقاده لا يمكنه الوفاء بالنذر في حال كفره لأن الحج عبادة لا تصح من الكافر، و ان كان قادرا على الإتيان به بسبب قدرته على الدخول في الإسلام، و إذا خالف النذر لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 158

يكفه الإتيان بالكفارة

في حال كفره، فإن العتق و الصيام و الصدقة عبادات لا تصح من الكافر، و إذا أسلم سقطت الكفارة و سقط وجوب القضاء عنه بعد إسلامه، نعم، إذا أسلم و وقت الوفاء بالنذر لا يزال باقيا أشكل الحكم بسقوط الوفاء عنه بسبب إسلامه، و قد تقدم الإشكال في دلالة قول الرسول (ص) في الحديث المشهور:

(الإسلام يجبّ ما قبله)، على ذلك و لتراجع المسألة المائة و الخامسة و السبعون.

المسألة 329:

لا يصح نذر العبد المملوك في حج و لا عمرة و لا زيارة، و لا غير ذلك من الاعمال و النذور إلا بإذن سيده، و لا تصح يمينه كذلك و لا عهده بدون إذن، فإذا نذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من القربات، أو حلف باللّٰه أو عاهده ليأتين بشي ء منها، و كان نذره أو يمينه أو عهده بغير اذن سيده لم ينعقد، و لم تترتب عليه آثار الصحة و توابعها.

و يشكل الحكم بالصحة أو بعدمها إذا نذر العبد شيئا أو حلف أو عاهد اللّٰه عليه بغير اذن سابق من مولاه ثم أجاز المولى فعله، فلعل النذر و العهد و اليمين من الأمور التي لا تجري فيها أحكام الفضولي.

المسألة 330:

لا يشترط على الأقوى في صحة يمين الولد أن يأذن له والده باليمين، و لا يشترط في صحة يمين الزوجة أن يأذن لها زوجها، فإذا حلف الولد يمينا أن يحج البيت أو يعتمر أو يزور، أو يفعل شيئا من الأشياء الراجحة انعقدت يمينه، و وجب عليه الوفاء بها، على ما أوضحناه في كتاب الأيمان و النذور، و ان لم يأذن له والده، و إذا سبق الوالد فنهى ولده عن اليمين ثم حلف الولد لم تنعقد يمينه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 159

بعد نهي أبيه عنها، و لم يجب عليه الوفاء بها، و لا تجب عليه الكفارة إذا حنث بها، و إذا لم يسبق من الوالد نهي و لا اذن باليمين انعقدت يمين الولد كما ذكرنا، و جاز للوالد ان يحلّ يمينه بعد انعقادها، فإذا حلّها بطلت و لم يجب عليه الوفاء بها، و لم تلزمه الكفارة إذا خالفها.

و مثله الحكم في الزوجة مع زوجها على

الأقوى، فتنعقد يمين الزوجة إذا حلفت بغير اذنه، و يجوز له حلّها و إبطالها إذا حلفت بغير اذنه، و إذا سبق الزوج فنهاها عن اليمين لم يصح لها الحلف بعد نهيه.

المسألة 331:

ورد في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (لا يمين للولد مع والده و لا للملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية و لا يمين في قطيعة)، و هذا الصحيح هو مستند الحكم في المسألة الماضية، و انما وقع الاختلاف بين الفقهاء في الحكم لسبب اختلافهم في تقريب المراد من الحديث، و مورد الاستدلال هي الجمل الثلاث في أوله.

و لا يجدي شيئا في توضيح المراد من الحديث بل و يصح أن نقدر كلمة (وجود) في كل واحدة من الجمل المذكورة كما يراه جماعة من الأعلام فيكون حاصل التقدير في الجملة الأولى: لا يمين للولد مع وجود والده، و هكذا في الجملتين بعدها، فإن نتيجة ذلك أن يمين الولد لا تنعقد مع وجود والده و ان أذن له والده في اليمين و كذلك الزوجة و المملوك فلا تنعقد يمينهما مع وجود الزوج و المالك و ان أذنا لهما، و هذا المعنى غير مراد بل هو بيّن البطلان.

و لا يتضح المراد منه الا أن نقدر كلمة (إلّا بإذن) في كل جملة من الجمل المذكورة و يكون حاصل التقدير: لا يمين للولد الا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 160

مع اذن والده، و لا للمملوك الا مع اذن مولاه و لا للزوجة إلا مع اذن زوجها، فيكون الحديث على هذا دالا على قول جماعة من الأكابر، أو نقدّر كلمة (منع) و يكون تقديره:

لا يمين للولد مع منع والده، و لا للمملوك مع منع مولاه و لا للزوجة مع منع زوجها، و يكون دالا على القول الذي ارتضيناه، و قال به فريق من الفقهاء، و قيل أنه الرأي المشهور بينهم، و لا ريب في أن التقدير الثاني أقل مؤنة و أقرب الى التفاهم بين أهل اللسان من ألفاظ الحديث الشريف.

و إذا تردد الأمر بين التقديرين المذكورين و لم يمكن استيضاح أحدهما وجب الأخذ بالمتيقن منهما في تقييد المطلقات من أدلة وجوب الوفاء باليمين، و تكون النتيجة هي القول المختار أيضا، و قد أطلنا الكلام في المسألة لما فيه من التنبيه، و الحكم الذي ذكرناه انما يجري في الولد و الزوجة و أما المملوك فقد بيّنا حكمه في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و العشرين، و قد دلت عليه الآية الكريمة الواردة في العبد المملوك.

المسألة 332:

لا يشترط في صحة نذر الولد و لا في صحة عهده أن يأذن له أبوه، فإذا نذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من الأعمال و الأمور الراجحة في الدين أو الدنيا، أو عاهد اللّٰه على فعله انعقد نذره و عهده، و وجب عليه الوفاء به و ان لم يأذن له والده، و إذا نهاه الأب عن النذر أو عن الفعل المنذور لم يجز له النذر بعد سبق نهي أبيه و كذلك الحكم في العهد، و يشكل الحكم بإلحاق الأم بالأب في الأحكام المذكورة و لا تترك مراعاة الاحتياط في الموارد و هي مختلفة كما هو واضح، و إذا نذر الولد أن يفعل شيئا راجحا أو عاهد اللّٰه عليه ثم نهاه أبوه عنه بعد النذر أو العهد، ففي صحتهما إشكال.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 161

المسألة 333:

لا تجري الأحكام المذكورة في الوالد إذا كان كافرا، فلا اعتبار بنهيه إذا نهى ولده المسلم عن اليمين قبل أن يحلف، و لا أثر لحلّه إذا حلّ يمينه بعد الحلف، و لا اعتبار به إذا كان مجنونا.

المسألة 334:

لا فرق في جريان الأحكام الآنف ذكرها للولد بين أن يكون ذكرا أو أنثى في كل من النذر و العهد و اليمين، و في شمول الأحكام لولد الولد أو انصرافها عنه إشكال.

المسألة 335:

لا فرق في جريان أحكام النذر و العهد و اليمين بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها فلا ينعقد نذرها إذا نذرت بغير اذن زوجها، و لا تنعقد يمينها إذا سبق الزوج فنهاها قبل أن تحلف و إذا سبقت هي فحلفت بغير اذنه انعقدت يمينها و لزمها الوفاء بها، و جاز للزوج حل يمينها، فإذا حلّها بطلت و لم تجب عليها الكفارة بمخالفتها.

المسألة 336:

لا فرق في المملوك بين أن يكون عبدا أو أمة فتجري فيه الأحكام السابقة في كل من النذر و العهد و اليمين، و لا فرق بين أن يكون المالك له رجلا أو امرأة و واحدا أو متعددا و إذا كانت الأمة متزوجة جرت عليها أحكام الأمة لسيدها و أحكام الزوجة لزوجها.

المسألة 337:

إذا أذن السيد لمملوكه فنذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من القربات أو حلف أو عاهد اللّٰه على فعل ذلك انعقد نذره أو يمينه و لزمه الفعل، و لم يجز للسيد أن يرجع بإذنه أو يحلّ نذر العبد أو يمينه بعد الانعقاد، و إذا باع المولى عبده أو وهبه فانتقل العبد الى مالك آخر، أو مات المولى فانتقل المملوك الى الوارث لم ينحل بذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 162

نذر العبد و لا عهده و لا يمينه، و لم يسقط عنه وجوب الوفاء، و ان لم يأذن المالك الجديد له بفعله.

المسألة 338:

إذا أذن الرجل لامرأته فنذرت حجا أو عمرة أو غيرهما انعقد نذرها و وجب عليها الوفاء به و لم يجز للزّوج أن يرجع باذنه لها و لا ينحل نذرها برجوعه إذا رجع، و إذا أذن لها باليمين فحلفت فليس له أن يرجع بإذنه أو يحلّ اليمين، و كذلك الحكم في الولد، فإذا أذن له والده فحلف أن يحج أو يعتمر أو يزور وجب عليه أن يبر بيمينه و لم يجز للوالد أن يرجع بإذنه أو يحلّ يمينه بعد ان انعقدت.

المسألة 339:

إذا أقسم الولد يمينا على فعل أمر راجح و لم يسبق له من الوالد اذن فيه و لا منع منه انعقدت يمينه كما قلنا سابقا، و جاز لأبيه أن يحلّ يمينه، و يجوز للولد على الأظهر أن يطلب من والده حل تلك اليمين، فإذا أجابه و حلّ يمينه بطلت و سقط حكمها، و كذلك إذا حلفت الزوجة على شي ء من غير اذن و لا منع من زوجها، فتنعقد يمينها و يجوز للزوج حلّها و يسوغ للمرأة أن تطلب من الزوج حلّ اليمين و إبطالها.

المسألة 340:

إذا نذرت المرأة و هي خلية لم تتزوج بعد: أن تحج البيت أو تعتمر أو تصوم يوما معيّنا من كل أسبوع انعقد نذرها، و إذا حلفت على شي ء من ذلك انعقدت يمينها، و لزمها البر بما نذرته أو حلفت عليه، فإذا تزوجت بعد ذلك لم يسقط نذرها و لا يمينها و ان لم يأذن لها الزوج به، بل و ان منعها منه، أو كان منافيا لحقه من الاستمتاع، و لا يحق له أن يمنعها من أدائه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 163

و مثله ما إذا كانت ذات بعل و أذن لها بعلها فنذرت أو حلفت باذنه فيلزمها الوفاء بنذرها و حلفها، و إذا فارقها الزوج بموت أو بطلاق و تزوجت غيره لم يسقط الوجوب عنها و جرت الأحكام السابقة، و ان لم يأذن لها الزوج الثاني أو منعها من العمل الذي نذرته أو كان منافيا لحقه.

المسألة 341:

إذا نذرت المرأة قبل أن تكون ذات بعل- كما هو المفروض في المسألة السابقة- أو حلفت شملتها أدلة وجوب الوفاء بالنذر أو اليمين من عامّات و مطلقات من غير معارض كما هو المفروض، و وجب عليها الحج أو الصوم الذي نذرته أو أقسمت عليه، و إذا تزوجت بعد ذلك و وجبت عليها اطاعة الزوج و تمكينه من استيفاء حقه، فإنما يجب عليها ذلك في غير زمان الحج المنذور، و في غير أيام الصوم المنذورة فقد ثبت وجوب الحج و الصوم عليها شرعا، و لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، فيكون وجوب الحج و الصوم عليها رافعا للموضوع في وجوب طاعة الزوج و ثبوت حقه.

و إذا نذرت المرأة ذلك نذرا مشروطا بالتزويج، فقالت: للّٰه علي ان تزوجت زيدا أن أحج البيت

أو أن أصوم يوم الخميس من كل أسبوع أشكل الحكم بانعقاد نذرها أو حلفها، فإن الحج أو الصوم لا يجب عليها الا بعد تزويجها بزيد حسب ما اشترطت، و إذا تزوجت به وجبت عليها طاعة الزوج كذلك فيكون وجوب الوفاء بالنذر و وجوب طاعة الزوج كلاهما في وقت واحد و لا يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر كما في الفرض المتقدم، و لعل الأقرب عدم انعقاد النذر إذا لم يأذن به الزوج، و خصوصا إذا منع منه، و إذا كان الزوج نفسه قد نذر أو حلف أيضا ان تزوج بها أن يجامعها في كل خميس كان انعقاد نذر المرأة أشد إشكالا و أولى بالحكم بالعدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 164

المسألة 342:

قد ينذر الإنسان أن يحج البيت من مكان خاص يعيّنه في نذره، فإذا قصد نذر الفرد الخاص من مطلق الحج، و هو الحج من ذلك الموضع، تعيّن عليه العمل بنذره، و كفاه في صحة نذره رجحان أصل الحج بقصد هذا الفرد منه، و كذلك إذا كانت للمكان الذي عيّنه مزية توجب رجحان العمل المنذور أو مزيد الإخلاص و التقرب فيه، فينعقد النذر و يجب العمل به، فإذا حج من موضع آخر لم تبرأ ذمته بذلك حتى يحج من المكان الذي عيّنه، فإذا حج من ذلك الموضع في سنة ثانية كفاه ذلك في الوفاء بالنذر و لم تجب عليه الكفارة.

و إذا نذر الحج من مكان معيّن- كما تقدم- في سنة معيّنة لزمه ذلك، فإن هو حج في تلك السنة من موضع آخر لم يكفه ذلك و وجبت عليه كفارة النذر، و لا تبرأ ذمته إذا حج من ذلك الموضع في سنة أخرى لأنه غير الحج المنذور، و

هذا كله إذا كان نذره للحج من المكان الخاص على احدى الصورتين المذكورتين.

و إذا نذر ان وفقه اللّٰه للحج أن يجعل حجه من المكان المعيّن، و لم يكن على احدى الصورتين الآنف ذكرهما لم ينعقد نذره، لعدم الرجحان في متعلق النذر، فإذا حج من مكان آخر أو من بلد آخر كان حجه صحيحا، و لا كفارة عليه لعدم انعقاد نذره.

المسألة 343:

إذا نذر المكلف أن يحج حجة الإسلام من بلد خاص أو من مكان خاص- على أحد الوجهين الآنف ذكرهما في المسألة الماضية- انعقد نذره، و وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام من البلد أو الموضع الذي عيّنه، فإذا خالف نذره و أتى بحجة الإسلام من موضع آخر صحت حجته، و برأت ذمته من الفرض، و لزمته الكفارة لمخالفة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 165

النذر، و الأحوط استحبابا اعادة حجة الإسلام من الموضع المعيّن مع الكفارة.

و مثله ما إذا نذر للّٰه حجة مطلقة و لم يعيّن لابتداء حجته بلدا أو مكانا خاصا، ثم نذر نذرا آخر أن يحج حجته المنذورة من مكان معين على احدى الصورتين الآنف ذكرهما، فينعقد النذران و يجب عليه أن يأتي بحجته المنذورة من ذلك الموضع، فإذا أتى بالحجة من غير ذلك الموضع صح عمله و برأت ذمته من النذر الأول و وجبت عليه الكفارة لمخالفة النذر الثاني، و الأحوط إعادة الحج من ذلك الموضع مع الكفارة كما سبق في نظيره.

المسألة 344:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 165

إذا نذر المكلف أن يحج البيت أو يعتمر، و لم يقيد حجته أو عمرته بوقت معيّن وجب عليه ان يفي بنذره وجوبا مطلقا كما نذر، و لذلك فيجوز له تأخير الامتثال حتى يظن عروض الموت له، أو يظن حدوث بعض العوارض التي يفوت بها الامتثال، و تمنعه من أداء الواجب من مرض أو هرم أو ضعف أو غير ذلك، فتجب المبادرة إلى الأداء حين ذلك، و لا يجوز له التأخير إذا استلزم تهاونا بأمر الله، أو استخفافا

بحكم الشريعة.

و إذا نذر الحج و عيّن له سنة خاصة وجب عليه الحج في تلك السنة و لم يجز له أن يتأخر عنها، و إذا ترك الحج فيها من غير عذر كان آثما عاصيا بذلك و وجبت عليه الكفارة، و الظاهر عدم وجوب قضاء هذا الحج عنه إذا كان حيا و لا على وارثه أو وليه إذا كان ميتا، و ان كان القضاء أحوط فلا ينبغي له تركه.

المسألة 345:

إذا نذر الشخص أن يحج البيت نذرا مطلقا و لم يعيّن لحجته المنذورة وقتا، و تمكن من الوفاء بنذره و لم يتمثل حتى مات،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 166

فالأحوط لزوما وجوب القضاء عنه بعد موته، بل هو الأقوى.

و الظاهر أن قضاء حجته المنذورة الآنف ذكرها يكون من أصل تركته، و لا تخرج كفارة مخالفة النذر من أصل التركة و إن وجبت عليه إذا تعمد المخالفة، فإذا أوصى بها أخرجت من ثلثه، و إذا لم يوص بها سقطت و لزمته الآثام.

المسألة 346:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت و لم يستطع الوفاء بالنذر، سقط عنه الوجوب، بل كشف ذلك عن عدم انعقاد نذره من أول الأمر، فلا يجب على وليه القضاء عنه إذا مات، سواء كان نذره مطلقا أم مقيدا بسنة معيّنة.

المسألة 347:

إذا نذر المكلف للّٰه حجا أو عمرة- أو غيرهما من القربات أو الأمور الراجحة- و علّق نذره على حصول شي ء، فقال: للّٰه عليّ حج البيت ان شفى اللّٰه زيدا من مرضه، أو ان رجع علي من سفره، و مات الناذر قبل ان يتحقق له الأمر الذي علّق عليه نذره، بطل النذر و لم يجب قضاء الحج عنه و ان حصل الشرط بعد موته، فإن الفعل المنذور غير مقدور له بعد الموت، فلا يكون واجبا عليه و لذلك فلا يجب القضاء على وليه، من غير فرق بين ان يكون النذر من الوجوب المشروط، أو الواجب المعلق.

المسألة 348:

إذا نذر الرجل أن يحج البيت و تمكن بعد النذر من الوفاء به و لم يف به، استقر الحج المنذور في ذمته، فإذا عرض له بعد التمكن من الأداء و استقرار الوجوب في ذمته مرض أو هرم أو عذر آخر مستمر لا يرجى زواله و لا يتمكن معه من الإتيان بالحج بنفسه، لم تجز له الاستنابة عنه في حال حياته، و قد تقدم في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 167

و السادسة و الستين ان جواز الاستنابة عند طروء مثل هذه الحالة يختص بحج الإسلام، و لا يعم الحج الواجب بالنذر و لا غيره من أنواع الحج الواجب، فإذا مات وجب القضاء عنه من أصل تركته.

و إذا نذر الحج ثم عرض له العذر المانع من الأداء قبل أن يتمكن من الوفاء بنذره، أو قبل أن يوجد الشرط الذي علّق عليه نذره، أو نذر الحج و هو مريض أو معذور بأحد الأعذار المذكورة، لم ينعقد نذره لعدم القدرة، فلا تجب عليه الاستنابة في حياته، و لا يجب القضاء عنه بعد

وفاته.

المسألة 349:

إذا نذر الرجل أن يبذل نفقة الحج لأحد ليحج بها، و قيد نذره في سنة معيّنة، فخالف نذره- مع قدرته على الوفاء به- و لم يبذل النفقة للشخص المنذور له حتى انقضى الوقت، ففي وجوب القضاء عليه إذا كان حيا، و وجوب قضاء الوارث عنه إذا كان ميتا تأمل و اشكال، و لا يترك الاحتياط بالقضاء، و تجب عليه الكفارة لمخالفة النذر، و إذا مات فإن كان قد اوصى بها، أخرجت من ثلث التركة، و ان لم يوص بها سقطت.

المسألة 350:

إذا نذر أن يحج أحدا من ماله- كما في الفرض المتقدم- و لم يقيّد ذلك بسنة معيّنة، فإن تمكن من الوفاء بنذره و لم يف به حتى مات، وجب على الورثة القضاء عنه من أصل تركته، و إذا هو لم يتمكن من الوفاء به حتى مات أشكل الحكم بوجوب القضاء عنه، و الوجوب أحوط.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا نذر أن يدفع الى الفقراء أو الى اليتامى- مثلا- مبلغا معيّنا من المال و مات قبل ان يفي بنذره، فإن كان قد تمكن من الوفاء بالنذر في حياته و لم يف به حتى مات وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 168

القضاء عنه من أصل تركته، و ان لم يتمكن من الأداء في حياته فالأحوط القضاء عنه بعد الموت.

المسألة 351:

إذا نذر الرجل ان يحج أحدا من ماله و علّق نذره على حصول شرط، و مات الناذر ثم حصل الشرط بعد موته، فالظاهر عدم وجوب قضاء الولي عنه بعد الموت، و مثال ذلك أن يقول: لهّٰ عليّ ان رزقني اللّٰه ولدا ذكرا أن أدفع لزيد نفقة الحج من مالي و أحجه بها، و يموت الناذر ثم يولد له ولد ذكر بعد موته، فلا يجب على الوارث أن يدفع لزيد نفقة الحج من التركة قضاء عن الميت، و الرواية التي دلت على القضاء عنه مما ترك غير صالحة للاعتماد عليها في المورد.

المسألة 352:

إذا نذر المكلف المستطيع للحج أن يحج حجة الإسلام انعقد نذره على الظاهر، و ان كانت حجة الإسلام واجبة عليه بالفعل بسبب الاستطاعة، و أفاد نذره إياها تأكد الوجوب عليه من الناحيتين، فإذا أتى بالحج مرة واحدة فقد امتثل كلا الأمرين، و برئت ذمته من التكليف الواحد المؤكد، و إذا ترك الحج ثم مات، وجب القضاء عنه من أصل تركته، و لزمته الكفارة لمخالفة النذر، فإذا اوصى بها أخرجت من الثلث، و ان لم يوص بها سقطت.

و إذا نذر أن يحج حجة الإسلام في السنة الاولى من استطاعته تعيّن عليه ذلك من الناحيتين أيضا، فإذا ترك الحج في تلك السنة عصى لمخالفته تكليف الحج و تكليف النذر، و سقط نذره لمخالفته، و انقضاء وقته، و لزمته كفارة النذر على الوجه الذي سبق بيانه، و لم يسقط عنه التكليف بحجة الإسلام في العام المقبل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 169

المسألة 353:

إذا كان المكلف مستطيعا للحج وجبت عليه المبادرة إلى الحج في عامه، و لم يجز له التأخير إلا لعذر يسوّغ له ذلك، و قد تقدم ذكر هذا مرارا، فإذا نذر المكلف المستطيع أن يحج حجة الإسلام في سنة تتأخر عن عام الاستطاعة لم ينعقد نذره، و كان باطلا لعدم الرجحان، و وجب عليه ان يبادر للإتيان بحج الإسلام.

المسألة 354:

إذا نذر المكلف ان يحج حجة الإسلام، و كان نذره قبل ان يستطيع للحج استطاعة مالية انعقد نذره، و وجب عليه ان يسعى لتحصيل مقدمة الواجب، و هي الاستطاعة الشرعية للحج فإذا حصلت له بالكسب، أو بالهبة من أحد، أو بالبذل، وجب عليه ان يؤدي التكليف بالحج و الوفاء بالنذر بحجة واحدة كما تقدم، إلا إذا قصد في نذره ان الاستطاعة شرط في النذر كما هي شرط في وجوب حجة الإسلام، فلا يجب عليه تحصيلها في هذا الفرض، و إذا كان قد أخّر حج الإسلام عن عام الاستطاعة عامدا و وجب عليه ان يحج و لو متسكعا، ثم نذر ان يأتي بحجة الإسلام انعقد نذره و لزمه ان يحج كذلك و لو متسكعا بسبب النذر و بسبب التكليف الأصلي بالحج.

المسألة 355:

يشترط في صحة النذر و انعقاده ان يكون الفعل المنذور مقدورا للناذر في وقت الوفاء، فلا ينعقد النذر إذا كان متعلقة غير مقدور له في ذلك الحين، و قد فصّلنا هذا في كتاب الأيمان و النذور، و تلاحظ المسألة التاسعة و الستون و ما بعدها من الكتاب المذكور، و لا فرق في هذا الشرط بين نذر الحج و غيره، فإذا نذر المكلف للّه حجا أو عمرة و كان قادرا على الإتيان به في وقت الوفاء انعقد نذره و وجب عليه الحج أو العمرة، و لا تعتبر فيه الاستطاعة المالية و غيرها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 170

التي اشترطتها الشريعة في وجوب حجة الإسلام، إلا إذا نذر حجة الإسلام كما ذكرنا في المسائل المتقدمة.

المسألة 356:

إذا كان الرجل مستطيعا لحج الإسلام، و نذر و هو في عام الاستطاعة أن يحج فيه غير حجة الإسلام، لم ينعقد نذره، لوجوب حجة الإسلام عليه في عام الاستطاعة فلا يكون غيرها مقدورا للناذر، إلا إذا قيد نذره بزوال استطاعته للحج، فقال: للّٰه عليّ ان أحج في هذا العام غير حجة الإسلام إذا زالت استطاعتي للحج، فينعقد نذره، و يجب عليه عند زوال استطاعته أن يفي بحجة النذر، و إذا لم تزل استطاعته وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام.

المسألة 357:

إذا نذر الرجل ان يحج البيت في ذلك العام، و كان في حال نذره غير مستطيع لحج الإسلام انعقد نذره، و ان اتفق ان حدثت له الاستطاعة للحج بعد النذر، فيحج الحجة المنذورة في تلك السنة، ثم ينتظر الى العام المقبل، فإن كانت استطاعته للحج لا تزال باقية، أو زالت ثم تجددت له قبل موسم الحج وجبت عليه حجة الإسلام، و ان زالت استطاعته و لم تعد لم تجب عليه الحجة.

و كذلك الحال إذا نذر الحج، و قيّد نذره بأن يأتي به فورا، فيجري فيه جميع ما تقدم من الأحكام.

المسألة 358:

إذا نذر و هو غير مستطيع ان يحج البيت، و لم يعيّن لحجة المنذور سنة خاصة أو عيّن له سنة متأخرة عن العام الحاضر، ثم حصلت له الاستطاعة بعد النذر وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام في سنة الاستطاعة، ثم يأتي بحجة النذر بعدها متى شاء إذا كان نذرها مطلقا، و في السنة التي عيّنها إذا كان النذر معينا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 171

و إذا أهمل في هذا الفرض، فترك حجة الإسلام في عام الاستطاعة عصى و أثم بذلك، و وجب عليه أن يأتي بها في السنة الثانية إذا كان النذر مطلقا، و أخّر حجة النذر عنها، و إذا كان قد عيّن تلك السنة لحجة النذر أتى بها كما نذر و أخّر حجة الإسلام الى ما بعدها.

المسألة 359:

إذا نذر الإنسان ان يحج البيت، و قيّد نذره بأن يأتي بالحج فورا، و كان غير مستطيع لحج الإسلام في حين نذره ثم حصلت له الاستطاعة بعد النذر انعقد نذره- كما قلنا قبل مسألة- و وجب عليه تقديم حجة النذر، فإذا أهمل و ترك حجة النذر في عامه الأول أثم بتأخيرها و عصى، و وجب عليه أن يأتي بها في السنة الثانية، و أخّر حجة الإسلام الى ما بعدها.

و إذا نذر ان يحج في السنة الاولى ثم حصلت له الاستطاعة لحجة الإسلام بعد نذره قدّم حجة النذر- كما ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و السابعة و الخمسين-، فإذا ترك حجة النذر في السنة المعيّنة لها أثم، و وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام في السنة الثانية، و قد بيّنا في المسألة الثلاثمائة و الرابعة و الأربعين ان النذر الموقت في سنة معيّنة مما لا يجب قضاؤه على الأقوى، و

ان كان القضاء أحوط و لا ينبغي تركه.

المسألة 360:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت الحرام نذرا مطلقا، و كان في حين نذره مستطيعا للحج أو حصلت له الاستطاعة بعد النذر، اتبع قصده، فإن قصد في نذره ما يعمّ حجة الإسلام كفاه في امتثال الواجب عليه أن يأتي بحجة واحدة، فتكون هي بذاتها حجة الإسلام و حجة النذر، و لا يكون ذلك من التداخل، و ان قصد بنذره حجا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 172

غير حجة الإسلام وجب عليه ان يحج حجة الإسلام للاستطاعة، و ان يحج حجة أخرى للنذر، و يقدم منهما حجة الإسلام إذا كانت استطاعته لها سابقه على النذر أو كان النذر موسّعا في الوقت و ان كان سابقا على الاستطاعة، و يقدم حجة النذر إذا كانت مضيّقة في الوقت و كان النذر سابقا على الاستطاعة.

المسألة 361:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت ان شفى اللّٰه مريضه مثلا، و كان غير مستطيع للحج في حال نذره ثم حصلت له الاستطاعة قبل ان يوجد الشرط الذي علق عليه نذره، قدم حجة الإسلام على حجة النذر، و ان كان النذر سابقا، لعدم وجوب الوفاء بالنذر قبل حصول شرطه، و يشكل الحكم بتقديم حجة الإسلام إذا كان نذره مقيدا بالفور، و حصل الشرط الذي علّق عليه نذره بعد الاستطاعة و قبل خروج الرفقة، أو بعد خروجهم و أمكنه أن يفي بالنذر.

المسألة 362:

إذا وجبت على المكلف حجة الإسلام و حجة منذورة و استطاع أن يأتي أما بحجة الإسلام أو بالحجة المنذورة خاصة، و لم يمكنه الإتيان بهما معا لبعض الأعذار المانعة، تعيّن عليه أن يأتي بحجة الإسلام، لأنها أهم في نظر الشارع، أو هي محتملة الأهمية على الأقل، و ان كان النذر سابقا على الاستطاعة، فلا يلتفت الى السبق و اللحوق في هذا المورد بخلاف الفروض المتقدمة.

و إذا مات المكلف و قد استقرت في ذمته حجة الإسلام و حجة النذر المطلق معا، و قصرت تركته عن الوفاء بكلتا الحجتين، و لم تف الا بقضاء إحداهما دون الأخرى، قدمت حجة الإسلام كذلك و ان كان النذر سابقا على الاستطاعة، فلا يلتفت الى السبق و اللحوق كما في المورد المتقدم، و إذا وفت التركة بقضاء الحجتين معا، وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 173

إخراجهما من التركة و لو باستئجار أجيرين للنيابة في قضائهما في عام واحد.

المسألة 363:

يجوز للمكلف الذي وجب عليه حج منذور و كان النذر موسعا:

أن يحج قبل الوفاء به حجا مندوبا لنفسه أو لغيره، و يجوز له إذا كان الحج المنذور الذي استقر في ذمته مقيدا بسنة متأخرة، أن يحج حجا مندوبا في السنة المتقدمة عليها، لنفسه أو لغيره كذلك.

المسألة 364:

إذا نذر الشخص ان يحج البيت بنفسه، أو يحج أحدا غيره بأن يدفع له نفقة كافية و يحمله على الحج بها، انعقد نذره و كان في الوفاء مخيرا بين الأمرين المذكورين، فأيهما أتى به كان وفاء للنذر، و إذا طرأ له عذر مانع عن أحد الأمرين المنذورين فأصبح ذلك الأمر غير مقدور له، تعيّن عليه أن يأتي بالمنذور الآخر المقدور له، كما هو الحكم في خصال الكفارة المخيرة متى عجز عن بعض خصالها وجب عليه أن يأتي بالخصلة المقدورة منها.

و إذا مات الناذر قبل أن يفي بنذره الآنف ذكره وجب على وليه أو وصيه ان يقضي ذلك من أصل تركته وجوبا تخييريا بين الأمرين كما هو الحال في أصل النذر، فأيهما قضاه عنه أجزأه عن نذره في كلتا الحالتين اللتين تقدم ذكرهما، فإذا كان أحد المنذورين قد تعذر على الناذر في حياته و تعيّن عليه أن يأتي بالمنذور الآخر ثم مات و لم يأت به تخير الولي بعد موته في القضاء عنه بين الأمرين، و لا تتعيّن عليه الخصلة التي كانت مقدورة للناذر في حياته.

المسألة 365:

إذا علم ولي الميت ان على ميّته حجا واجبا قد استقر في ذمته، و تردد الولي بين ان يكون هو حج الإسلام أو حجا وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 174

عليه بالنذر، وجب عليه قضاء الحج عن الميت من تركته، و يكفيه في القضاء حج واحد ينوي به ما في ذمة الميت من غير تعيين، و لا يجب عليه قضاء كفارة النذر عنه.

المسألة 366:

تكاثرت الأحاديث الدالة على استحباب المشي على القدم في حج البيت، و تضافرت في الدلالة عليه، حتى ورد فيه: (ما عبد اللّٰه بشي ء أشدّ من المشي و لا أفضل) و روي انه (ما تقرب العبد الى اللّٰه عز و جل بشي ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين)، و (ان الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة)، الى غير ذلك من الروايات، و لا ريب في ان المقصود من هذه الأدلة الحث على المشي الذي يكون راجحا في الشريعة، و هو ما يقصد به الحاج الماشي على قدميه تعظيم اللّٰه و إجلاله و إظهار شدة العبودية له و كمال الانقطاع اليه، أو يريد به اعظام شعائر اللّٰه و تقديس شريعته و أحكامه، أو يريد به إظهار حرمة البيت و المشاعر الكريمة، أو ينوي به نيل مزيد القرب منه و المثوبة لديه، فإن أفضل الأعمال أحمزها كما في الحديث، و أشباه هذه الغايات، فإذا نذر الإنسان ان يمشي على قدميه في حجة الإسلام الواجبة عليه، أو في حجته المنذورة، أو في حجه المندوب لإحدى الغايات المذكورة، انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به، و كذلك إذا نذر المشي في الحج لأصل رجحان المشي و استحبابه الذي دلت عليه مطلقات الأحاديث المشار إليها، فينعقد

نذره و يلزمه الوفاء به.

و إذا نذر أن يحج ماشيا فكان نذره لأصل الحج و الإتيان به ماشيا انعقد نذره لوجود الرجحان المشترط في كل من الحج و المشي و هو واضح.

و قد ورد في الاخبار أيضا ما ينافي ذلك في بعض الحالات،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 175

فقد روي عن أبي بصير انه سأل الصادق (ع) عن المشي أفضل أو الركوب، فقال (ع): (إذا كان الرجل موسرا، فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل)، و من البيّن ان المشي بهذا القصد لا رجحان فيه أصلا، فإذا نذر الإنسان المشي لهذه الغاية أشكل الحكم بانعقاد نذره، بل الوجه عدم الصحة.

المسألة 367:

قد يبدو للإنسان أن يحج ماشيا لتكون نفقته أقل من نفقة الحج راكبا كما تقدم في رواية أبي بصير، فينذر ان يحج كذلك لهذه الغاية، و قد ذكرنا ان المشي في مثل هذا الفرض لا رجحان فيه أصلا، و يظهر من بعض العلماء ان ذلك من النذر الصحيح، فإن الناذر انما ينذر فردا من أفراد العبادة الصحيحة، فيكفيه في صحة نذره رجحان أصل الحج و ان لم يكن القيد الذي قيّد به النذر و هو المشي راجحا لتلك الغاية التي لاحظها.

و لا ريب في صحة النذر إذا تعلق بفرد من افراد العبادة و كان الفرد من الأفراد المتعارفة لتلك العبادة، و ان لم يشتمل على مزية تزيد على أصل العبادة في الرجحان، كما إذا نذر المكلف ان يحج راكبا، أو نذر ان يحج مع أول قافلة تسير من البلد، و قد تقدم في المسألة الثلاثمائة و الثانية و الأربعين و ما بعدها حكم ما إذا نذر الإنسان ان يحج البيت من مكان خاص يعيّنه في نذره و

ما يتفرع على ذلك و يتصل به، و لا أظن ان التعميم للأفراد المرجوحة من العبادة أو التي لا رجحان فيها أصلا لبعض الجهات التي توجب النقصان فيها عن الافراد المتعارفة مما يمكن الالتزام به كما يراه ذلك البعض من العلماء، فيحكم بانعقاد النذر و بوجوب الوفاء به إذا نذر مثلا أن يحج و هو مكتوف اليدين بعد الإحرام و في المواقف و عند الإتيان بالاعمال، و يلزمه الوفاء إذا نذر ان يحج في سيارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 176

بيضاء أو من نوع و طراز مخصوص، أو أن يحرم في ثياب من صنع بلد خاص أو معمل معين، و يجب عليه الوفاء إذا نذر الصلاة في ساتر يستر العورتين خاصة، و هكذا، و الظاهر أن أدلة صحة النذر للعبادة لا تشمل ذلك، فإذا نذر الناذر مثل هذه النذور فلا بد من الالتزام بإلغاء القيد إذا كان نذر الناذر له على نحو تعدّد المطلوب، و ببطلان النذر من أصله إذا كان على وجه وحدة المطلوب.

المسألة 368:

إذا نذر الرجل أن يحج البيت راكبا انعقد نذره، و وجب عليه الوفاء به كما قلنا في المسألة السابقة، فلا يجوز له المشي على القدمين في طريق الحج، و في الموارد التي يلزمه الركوب فيها كالمسافات ما بين المشاعر وفاء بنذره، و يتبع قصده إذا نذر أن يكون راكبا في حال الوقوفين و عند المسير الى الجمار و في حال الرمي، و على وجه الإجمال يتبع قصده في تحديد أمكنة الركوب و أزمنته.

المسألة 369:

يصح للمكلف أن ينذر المشي في بعض طريقه الى الحج، فإذا نذر أن يمشي في كل يوم ساعة أو ساعتين مثلا، أو فرسخا أو فرسخين، أو نذر أن يمشي من الميقات إلى مكة، أو من مكة إلى الموقفين، أو الى أن يتم أعمال الحج اتبع نذره و قصده في جميع ذلك، و وجب عليه العمل بمقتضى ذلك.

المسألة 370:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت ماشيا حافي القدمين، أو نذر أن يمشي الى البيت حافيا انعقد نذره في كلتا الصورتين على الأقوى، و وجب عليه الوفاء به، فلا يكفيه أن يحج راكبا و لا يكفيه أن يمشي و هو منتعل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 177

المسألة 371:

يشترط في صحة نذر الإنسان للمشي أو الحفاء ان يكون الناذر قادرا على الوفاء بنذره، من غير فرق بين صور النذر التي ذكرناها، فلا ينعقد النذر في شي ء منها، إذا كان الناذر عاجزا غير قادر على المشي أو الحفاء الذي تعلق به نذره، و يشترط في صحته ان لا يكون المشي أو الحفاء مضرا ببدنه بحيث يكون محرما مرجوحا، فلا ينعقد نذره إذا أوجب له ذلك.

و إذا نذر المشي أو الحفاء و كان ذلك يوجب له حرجا و مشقة شديدة و لكنها لا تبلغ الضرر المحرم، فإن كان الناذر في حال نذره يعلم بأن ما نذره يوجب له الحرج من أول الأمر أو يعلم بأنه يوجب له الحرج بعد ذلك، انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به لإقدامه على ما يوجب له الحرج مختارا و ان حصل له الحرج بالفعل فلا يبطل نذره بذلك، و إذا نذر و هو يجهل بأن المشي أو الحفاء يوجب له الحرج ثم وجده بعد ذلك بطل نذره و سقط عنه وجوب الوفاء به.

المسألة 372:

إذا نذر الرجل ان يحج البيت ماشيا، أو أن يحجه ماشيا حافيا، أو نذر أن يمشي، أو أن يمشي حافيا في حجه الواجب أو المندوب، و عيّن في نذره موضعا خاصا لابتداء مشيه و حفائه، وجب عليه اتباع ما عيّنه، فيبدأ في مشيه و حفائه من الموضع الذي نذره، و كذلك إذا عيّن لنهاية المشي أو الحفاء موضعا مخصوصا من مكة أو المسجد أو المشاعر، أو عيّن عملا مخصوصا من أعمال الحج، فيجب عليه اتباع ما عيّنه.

و إذا نذر و لم يعيّن موضعا للبداءة و النهاية، فالظاهر لزوم المشي أو المشي و الحفاء عليه من ابتداء

سفره الى الحج، و الأحوط أن تكون النهاية في آخر أعمال الحج بمنى و هو رمي الجمرات في أيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 178

التشريق.

المسألة 373:

إذا نذر الرجل أن يحج ماشيا أو أن يمشي في سفره الى البيت وجب عليه أن يسلك طريق البر الى الحج، و لا يجوز له أن يسافر إليه في طريق البحر فإنه ينافي ما نذره، و لذلك فلا يصح لمن ينحصر طريقه الى الحج بركوب البحر ان ينذر المشي إلى الحج لعدم قدرته على ذلك، الا ان يريد المشي في المواضع التي يمكنه المشي فيها.

و إذا نذر المشي إلى الحج و كان قادرا على سلوك طريق البر ثم طرأ له ما يمنعه منه، و انحصر طريقه الى الحج بركوب البحر، بطل نذره و سقط وجوب الوفاء به، الا إذا كان نذره مطلقا و تمكن من طريق البر و المشي فيه في سنة أخرى، و إذا تيسّر له الطريق و عجز عن المشي لم يجب عليه الوفاء.

المسألة 374:

إذا نذر الإنسان المشي على احد الوجوه التي تقدم ذكرها، و كان في طريقه الى الحج نهر أو شط أو خليج لا يمكنه العبور فيه الا بسفينة و نحوها جاز له أن يركب المركب و العبور فيه، و لزمه القيام فيه أثناء عبوره مع الإمكان على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى، فإن لم يمكنه القيام فيه و لو مع الاعتماد سقط وجوبه عنه.

المسألة 375:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت ماشيا و لم يعيّن في نذره للحج سنة خاصة ثم حج راكبا، لم يكفه ذلك، و وجب عليه ان يفي بنذره فيحج ماشيا، فإذا ترك الإعادة و هو غير معذور في ترك الوفاء بنذره حتى ظن الوفاة وجبت عليه كفارة الحنث بنذره، و إذا لم يف بنذره حتى مات وجب على وليه القضاء عنه على الأحوط لزوما كما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 179

سبق، و أما الكفارة فإذا أوصى بها وجب على وصيه قضاؤها بعد موته من ثلثه، و إذا لم يوص بها لم يلزم الوصي قضاؤها، و لزم الميت عقابها، و قد تقدم بيان هذا جميعا.

و إذا نذر أن يحج ماشيا و عيّن لذلك سنة خاصة ثم حج راكبا في تلك السنة المعيّنة أو لم يحج أصلا وجبت عليه الكفارة لمخالفته النذر، و لم يجب عليه القضاء بعد تلك السنة إذا كان حيا، و لا على وارثه بعد موته، و ان كان القضاء أحوط و قد تقدم نظير هذا في المسألة الثلاثمائة و الرابعة و الأربعين.

المسألة 376:

إذا كان على المكلف حج واجب في سنة معيّنة قد وجب عليه بنذر أو شبهه، ثم نذر أن يأتي بذلك الحج ماشيا، وجب عليه ذلك، فإذا خالف هذا النذر و أتى بالحج المعين الواجب عليه راكبا وجبت عليه الكفارة لمخالفته نذر المشي، و الظاهر صحة الحج الذي أتى به، فتبرأ ذمته من نذر أصل الحج إذا كان منذورا و من الحلف أو العهد إذا كان محلوفا أو معاهدا عليه.

و كذلك إذا كان الحج الواجب عليه بالأصل مطلقا غير معيّن الوقت، ثم نذر المشي فيه، فإذا ترك المشي و أتى بالحج راكبا، صح

الحج و وجبت على المكلف الكفارة لمخالفة نذره للمشي، و لكن الأحوط استحبابا في هذه الصورة إعادة الحج ماشيا و لا تسقط عنه الكفارة بذلك.

المسألة 377:

إذا نذر الرجل المشي على أحد الفروض التي قدمنا ذكرها ثم ركب في بعض الطريق عامدا و مشى في بعضه، فقد خالف النذر و لزمته أحكام المخالفة في جميع الطريق و قد بسطناها في المسائل الماضية، فلتراجع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 180

المسألة 378:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت ماشيا، أو ان يمشي في حجه الى البيت على الفروض الآنف ذكرها و كان قادرا على الوفاء بنذره، ثم عجز عن المشي سقط عنه وجوب المشي، و وجب عليه أن يحج راكبا، سواء طرأ له العجز و عدم التمكن من المشي قبل السفر الى الحج أم في أثناء الطريق و قبل الإحرام أم بعده، و سواء كان نذره مقيدا في سنة معينة أم كان مطلقا غير معيّن الوقت، فيسقط عنه وجوب المشي في جميع هذه الصور، و يجب عليه الحج راكبا، و الأحوط لزوما أن يمشي ما استطاع فإذا عجز ركب، و يستحب له أن يسوق بدنة و لا يجب عليه ذلك.

و إذا عجز عن المشي و كان نذره مطلقا لم تعيّن فيه سنة مخصوصة، ثم تجددت له القدرة في بعض السنين و أمكن له المشي فيها، فالأحوط له لزوم الحج ماشيا بل لا يخلو ذلك عن قوة.

المسألة 379:

الظاهر أنه لا فرق في جريان الحكم الآنف ذكره بين أن يكون السبب المانع للمكلف عن المشي و الموجب لعجزه و عدم استطاعته، ضعفا في قواه عن المشي على القدمين، أو مرضا طارئا، أو حرا أو بردا شديدين لا يقوى معهما على المشي، أو خشونة في حجارة الأرض، أو أشواكا لا يستطيع معهما السير على القدم، أو حشرات أو هوام ضارة تمنعه من ذلك، و أمثال هذه الموانع الموجبة للعجز و عدم الطاقة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 181

الفصل السابع في الحج المندوب

المسألة 380:

يستحب للمكلف الذي لم تجتمع له شروط وجوب الحج: أن يحج البيت الحرام ما أمكنه، ففي الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال:

قال أبو جعفر (ع): (ان العبد المؤمن إذا أخذ في جهازه لم يرفع قدما و لم يضع قدما الا كتب اللّٰه له بها حسنة، حتى إذا استقل لم يرفع بعيره خفا و لم يضع خفا الا كتب اللّٰه له بها حسنة، حتى إذا قضى حجه مكث ذا الحجة و المحرم و صفر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيئات الا أن يأتي بكبيرة)، و روي عنهم (ع) أضعاف ذلك و أضعاف أضعافه، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (الحاج و المعتمر وفد اللّٰه ان سألوه أعطاهم، و ان دعوه أجابهم، و ان شفعوا شفّعهم، و ان سكتوا ابتدأهم، و يعوّضون بالدرهم ألف درهم)، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (الحاج ثلاثة، فأفضلهم نصيبا رجل غفر اللّٰه له ذنبه ما تقدم منه و ما تأخر، و وقاه اللّٰه عذاب القبر، و أما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه تقدم منه و يستأنف العمل في ما بقي من عمره، و اما

الذي يليه فرجل يحفظ في اهله و ماله)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) و قد سأله رجل في المسجد الحرام من أعظم الناس وزرا؟ فقال (ع): (من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة، و سعى بين هذين الجبلين ثم طاف بهذا البيت و صلى خلف مقام إبراهيم ثم قال في نفسه و ظن أن اللّٰه لم يغفر له فهو من أعظم الناس وزرا)، و عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): ما يصنع اللّٰه بالحاج؟، قال: (مغفور و اللّٰه لهم لا أستثني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 182

فيه).

و يستحب لمن كلّف بالحج و قضى ما عليه من حج واجب ان يحج مندوبا، و يستحب له ان يكرر الحج ما قدر على ذلك، فعن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (الحج و العمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان اللّٰه، إن أبقاه أدّاه إلى عياله، و إن أماته أدخله الجنة، و عن عيسى بن أبي منصور قال: قال لي جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا عيسى إن استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل، و عن عمر بن يزيد، قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): أحج رسول اللّٰه (ص) غير حجة الوداع، قال: (نعم، عشرين حجة)، و في الرواية أن الحسن (ع) حج عشرين حجة ماشيا على قدميه، و روي أنه (ع) حج خمسا و عشرين حجة، و أن علي ابن الحسين (ع) حج أربعين حجة، و عن أبي جعفر (ع): (كان لعلي بن الحسين (ع) ناقة قد حج عليها اثنتين و عشرين حجة ما قرعها قرعة قط، و قد حج الامام جعفر بن محمد (ع) و

كرر الحج حتى كبر و ضعف بدنه، و حتى قال له أبو الورد: رحمك اللّٰه، انك لو كنت أرحت بدنك من المحمل، فقال (ع): يا أبا الورد إني أحب أن أشهد المنافع التي قال اللّٰه عز و جل، (لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ)، أنه لا يشهدها أحد إلا نفعه اللّٰه، أما أنتم فترجعون مغفورا لكم، و أما غيركم فيحفظون في أهاليهم و أموالهم، و هكذا دأب آبائه و أبنائه المطهّرين)، و ورد عن أبي عبد اللّٰه (ع): من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا، و عن أبي جعفر (ع): إن للّٰه مناديا ينادي ان عبدا أحسن اللّٰه اليه و أوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله أن ذلك لمحروم، و بمعناه روايات متعددة أخرى.

المسألة 381:

تقدم منّا في المسألة السابعة عشرة ان البلوغ في الصبي و الصبية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 183

شرط في وجوب الحج عليهما، و ليس شرطا في صحة الحج و مشروعيته منهما، و لذلك فيستحب لهما الإتيان بالحج المندوب إذا كانا مميزين و أحسنا أن يأتيا به على الوجه المطلوب، فإذا تبرع لهما أحد بالنفقة و حجّا صح حجهما، و ترتّب عليه الثواب المرغّب فيه و الآثار المطلوبة في الحج المندوب، و لم تتوقف صحته على اذن الولي الشرعي لهما، و إذا أراد أحدهما أن يحج حجا مندوبا من ماله توقفت صحة حجه على إذن وليه له بالتصرف في المال، فلا يصح بغير اذنه، و ذكرنا في المسألة الثامنة عشرة و ما بعدها أنه يستحب للولي أن يحج الصبي و الصبية غير المميّزين، و ذكرنا في المسألة و ما بعدها بعض التفاصيل التي تتعلّق بحجهما و

احجاجهما.

المسألة 382:

يصح للعبد المملوك أن يأتي بالحج المندوب إذا أذن له مولاه بذلك و يستحب له، و لا يصح حجه بغير إذنه، و لا فرق بين أن تكون النفقة من مال العبد نفسه و أن تكون من مال المولى و من مال شخص آخر و إذا أذن له سيده بالحج فأحرم به وجب عليه أن يتم عمله و إن رجع السيد عن إذنه، و لا تجوز للعبد إطاعته في ذلك و لا يصح ذلك للسيد، و تلاحظ المسألة الرابعة و الثلاثون و ما بعدها، و كذلك الحكم في الأمة المملوكة.

المسألة 383:

لا يصح للزوجة أن تحج حجا مندوبا إلا بإذن بعلها، فإذا أذن لها صح منها و استحب لها، سواء كانت نفقة الحج من مالها أم من مال زوجها أم من مال شخص آخر، كما إذا تبرع لها بالنفقة أبوها أو أحد أرحامها، و سواء كان نكاح الزوجة دائما أم موقتا، و سواء كان حجها منافيا لحقوق الزوج الواجبة عليها أم لا، و كذلك الحكم في المطلقة الرجعية ما دامت في العدة، و إذا أحرمت المرأة بإذن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 184

الزوج وجب عليها إتمام الحج و ان منع منه، و لا يجوز له المنع و لا الرجوع عن اذنه بعد تلبسها بالإحرام، و تراجع المسألة السادسة و العشرون في حكم الولد البالغ إذا أراد الحج المندوب بغير إذن أبيه، و إذا نهاه أحد أبويه عن ذلك لسبب يوجب النهي، أو كان سفره موجبا للعقوق و الإيذاء لهما لخطر و نحوه.

المسألة 384:

يشترط في صحة الحج المندوب أن لا يكون في ذمة المكلف حج واجب مضيّق، فإذا كان عليه حج الإسلام- مثلا- و تمت له جهات الاستطاعة وجب عليه أن يأتي به فورا، و لم يجز له تأخيره أو التسامح فيه، و لذلك فلا يجوز له أن يحج متطوعا لنفسه أو لغيره، و إذا حج كذلك كان آثما عاصيا، و كذلك إذا وجب عليه حج مضيّق آخر، و قد تقدم بيان هذا الحكم في المسألة المأتين و الثانية و الستين، فلتلاحظ.

المسألة 385:

يستحب لمن دخل مكة في حج واجب أو مندوب و أراد الخروج منها- بعد انقضاء حجه- أن ينوي العود الى الحج، و يكره له أن ينوي في نفسه عدم الرجوع له، و إذا صدر ذلك منه استخفافا بشأن الحج أو استصغارا لأمره كان محرّما، و ربما أدّى ذلك الى ما هو أشدّ و أعظم جرما، و قد ورد في الحديث عن عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و عن الرسول (ص): (من أراد الدنيا و الآخرة فليؤم هذا البيت، و من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكة و لا ينوي العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه)، و بمضمونه أحاديث أخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 185

المسألة 386:

يستحب للإنسان أن لا يترك الحج المندوب، و إن لم يكن له زاد و راحلة، فيستقرض و يحج بمال القرض إذا كان قادرا على الوفاء، ففي خبر يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل يحج بدين و قد حج حجة الإسلام، قال: نعم ان اللّٰه سيقضي عنه إن شاء اللّٰه، و في رواية موسى بن بكر الواسطي قال: سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يستقرض و يحج، فقال: إن كان خلف ظهره مال إن حدث به حدث أدى عنه فلا بأس، و عن أبي عبد اللّٰه (ع)- و قد قال له الراوي: إني رجل ذو دين، أ فأتدين و أحج؟-، فقال (ع): نعم هو أقضى للدين.

المسألة 387:

تكاثرت الروايات و تنوعت في الدلالة على ان الحج أفضل من الصدقة بنفقته، بل و بأضعافها، ففي الرواية عن أبي عبد اللّٰه (ع):

(حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق به حتى يفنى، و عنه (ع) قال: درهم تنفقه في الحج أفضل من عشرين ألف درهم تنفقها في حق) و روي أكثر من ذلك، و في خبر إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اني أحج سنة و شريكي سنة، قال: ما يمنعك من الحج يا إبراهيم؟، قلت: لا أتفرغ لذلك جعلت فداك أتصدق بخمسمائة مكان ذلك؟، قال: الحج أفضل، قلت: ألف؟، قال:

الحج أفضل، قلت: ألف و خمسمائة؟، قال: الحج أفضل، قلت ألفين؟، قال: في ألفيك طواف البيت؟ قلت: لا، قال: أ في ألفيك سعي بين الصفا و المروة؟، قلت: لا، قال: أ في ألفيك وقوف بعرفة؟، قلت: لا قال: أ في ألفيك رمي الجمار؟، قلت: لا، قال: أ في ألفيك المناسك؟، قلت: لا،

قال: الحج أفضل.

و في حديث معاوية بن عمّار عنه (ع) قال: لما أفاض رسول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 186

اللّٰه (ص) تلقاه أعرابي بالأبطح، فقال: يا رسول اللّٰه اني خرجت أريد الحج ففاتني، و أنا رجل مميل يعني كثير المال، فمرني أصنع في مالي ما أبلغ به ما يبلغ به الحاج، فالتفت رسول اللّٰه (ص) الى أبي قبيس فقال: (لو أن أبا قبيس لك زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه ما بلغت ما بلغ الحاج.)، الى غير ذلك من الأحاديث، و اختلافها في مقادير الاضعاف ينشأ من اختلاف مراتب الناس في حجهم و قرباتهم، و تفاوتهم في درجات الإخلاص في طاعاتهم، و تكاثرت الروايات أيضا في فضل الحج على العتق أضعافا، و قد عقد له في كتاب الوسائل بابا يحتوي على تسعة احاديث.

المسألة 388:

يستحب للرجل ان يكثر الإنفاق في الحج إذا كان ممن يقدر على ذلك، و لا يكون سببا في ان يمل الحج و لا ينشط له، أو يوجب عدم المكنة من العود إليه، ففي الحديث عن الرسول (ص): ما من نفقة أحب الى اللّٰه عز و جل من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلا في الحج و العمرة، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال لراوي الحديث: يا فلان أقلل النفقة في الحج تنشط للحج، و لا تكثر النفقة في الحج فتمل الحج، و عنه (ع) انه قال لعيسى بن أبي منصور: يا عيسى ان استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل، و قال (ع) لعيسى بن أبي منصور أيضا يا عيسى اني أحب ان يراك اللّٰه في ما بين الحج الى الحج و أنت تتهيأ

للحج.

المسألة 389:

يجب ان تكون نفقة الحج من المال الحلال سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، و لا يجوز ان تكون من المال الحرام، فقد ورد عنهم (ع): من حج بمال حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي و لا سعديك، و عن الرسول (ص): من اكتسب مالا حراما لم يقبل اللّٰه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 187

منه صدقة و لا عتقا و لا حجا و لا اعتمارا، و كتب اللّٰه له بعدد اجزاء ذلك أوزارا، و ما بقي منه بعد موته كان زاده الى النار، و عن أبي جعفر (ع): لا يقبل اللّٰه عز و جل حجا و لا عمرة من مال حرام، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال: اربع لا يجزن في أربع، الخيانة و الغلول و السرقة و الربا لا يجزن في حج و لا عمرة و لا جهاد و لا صدقة و تراجع المسألة المائة و الحادية و العشرون في ما يتعلق بصحة الحج و بطلانه.

و يجوز الحج و العمرة بجوائز السلطان و نحوها إذا لم يعلم بأنها محرمة بعينها، و تلاحظ المسألة الرابعة و الأربعون من كتاب التجارة.

المسألة 390:

يجوز لمالك المال ان يدفع الى المستحق من زكاة ماله ليحج به حجا واجبا أو حجا مندوبا إذا كان المقدار المدفوع من سهم سبيل اللّٰه، فإذا قبضه المستحق حجّ به، و تلاحظ المسألة السادسة و الثمانون.

المسألة 391:

يستحب للشخص أن يتبرع عن أرحامه و عن اخوانه من المؤمنين في حج واجب عنهم إذا كانوا أمواتا، و قد سبق بيان هذا في فصل النيابة في المسألة المائتين و الثالثة و الستين و المسألة الثلاثمائة و السادسة عشرة، و يستحب له ان يتبرع عنهم في الحج المندوب، سواء كانوا أمواتا أم أحياء، ففي الحديث عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب اللّٰه له حجتين و عمرتين، و كذلك من حمل عن حميم يضاعف له الأجر ضعفين، و عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال: سألته عن الرجل يحج، فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 188

و هو عنه غائب ببلد آخر، قال فقلت: فينقص ذلك من أجره؟، قال: لا هي له و لصاحبه، و له سوى ذلك بما وصل، قلت و هو ميت، هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه، فيغفر له، أو يكون مضيّقا عليه فيوسّع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟، قال: (نعم)، و في رواية موسى بن القاسم البجلي قال قلت لأبي جعفر الثاني (ع):. ربما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن أبي، و ربما حججت عن الرجل من إخواني، و ربما حججت عن نفسي فكيف اصنع؟، فقال: (تمتع).

و يستحب له ان يطوف عن الأموات من أرحامه و غيرهم،

و عن الاحياء الغائبين منهم عن مكة، فقد روي عن أبي عبد اللّٰه (ع)، من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا، و للذي طاف عنه مثل أجره، و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر، و عن معاوية بن عمار عنه (ع) قال: قلت له: فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟، فقال: نعم، يقول حين يفتتح الطواف. اللّهم تقبل من فلان للذي يطوف عنه، و عنه (ع)- و قد قال له الراوي الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة؟، قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة، فقال له: و كم مقدار الغيبة؟، قال (عشرة أميال).

و يجوز له أن يشرك بين اثنين و أكثر في حجة مندوبة واحدة، و ان يتطوع بطواف واحد عن رجل واحد و عن رجلين و عن أكثر من ذلك بل و عن جماعة كثيرة، و يجوز له الطواف عن الحي الحاضر إذا كان معذورا.

المسألة 392:

يستحب للإنسان أن يتطوع بالحج المندوب و بالعمرة المندوبة عن المعصومين من الأموات (ع) و عن المعصوم الحي (ع)، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 189

تقدمت رواية موسى بن القاسم عن الإمام أبي جعفر الجواد (ع) في المسألة السابقة، و يستحب أن يتطوع بالطواف عن أمواتهم و أحيائهم (ع)، ففي الحديث عن موسى بن القاسم قال قلت لأبي جعفر الثاني (ع): قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك فقيل لي: أن الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى طف ما أمكنك فإن ذلك جائز، ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: اني كنت استأذنتك في الطواف عنك و عن أبيك فأذنت لي في

ذلك فطفت عنكما ما شاء اللّٰه، ثم وقع في قلبي شي ء فعملت به، قال و ما هو؟ فقلت طفت يوما عن رسول اللّٰه (ص) فقال ثلاث مرات: صلى اللّٰه على رسول اللّٰه، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (ع)، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (ع)، و الرابع عن الحسين (ع)، و الخامس عن علي بن الحسين (ع)، و اليوم السادس عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع)، و اليوم السابع عن جعفر بن محمد (ع)، و اليوم الثامن عن أبيك موسى (ع)، و اليوم التاسع عن أبيك علي (ع)، و اليوم العاشر عنك يا سيدي، و هؤلاء الذين أدين اللّٰه بولايتهم فقال: إذا و اللّٰه تدين اللّٰه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره فقلت و ربما طفت عن أمك فاطمة (ع) و ربما لم أطف، فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله ان شاء اللّٰه.

المسألة 393:

يستحب للمكلف أن لا يدع الحج ما أمكنه ذلك فيأتي به و لو بأن يؤجر نفسه للنيابة في الحج عن غيره، ففي رواية عبد اللّٰه بن سنان، قال كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ دخل عليه رجل، فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن إسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة إلى الحج الا اشترط عليه، حتى اشترط عليه ان يسعى في وادي محسّر، ثم قال: يا هذا إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله، و كانت لك تسع بما أتعبت من بدنك، و عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 190

ابن مسكان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل يحج عن آخر ماله من الثواب، قال: للذي يحج عن رجل

أجر و ثواب عشر حجج، و لعل هذه الرواية واردة في من يتبرع بالحج عن غيره فيكون له ثواب عشر حجج، و في رواية أخرى عنه (ع) مثل ذلك ثم قال: و يغفر له و لأبيه و لأمه و لابنه و لابنته و لأخيه و لأخته و لعمه و لعمته و لخاله و لخالته، إن اللّٰه واسع كريم.

المسألة 394:

يجوز للرجل بعد أن يفرغ من الحج المندوب أن يهدي ثواب حجته الى أحد من أقاربه أو من غيرهم، فعن الحارث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع)- و أنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة- إني أردت أن أحج عن ابنتي، فقال: اجعل ذلك لها الآن، و عنه (ع) و قد قال له رجل: جعلت فداك اني كنت نويت أن أدخل في حجي العام أبي أو بعض أهلي فنسيت، فقال (ع) الآن فأشركه، و يجوز له أن يقصد إهداء ثواب حجه لمن يريد قبل الشروع في العمل، و كذلك في العمرة و الطواف و الزيارة.

المسألة 395:

يستحب للإنسان إذا كان متمكنا ان يتبرع بنفقة الحج لبعض إخوانه من المؤمنين ليحجوا بماله حجا واجبا أو مندوبا، فعن الحسن بن علي الديلمي قال: سمعت الرضا (ع) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّٰه عز و جل بالثمن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 191

الفصل الثامن في أقسام الحج و العمرة

المسألة 396:

ينقسم الحج إلى ثلاثة أنواع: حج تمتع، و حج قران، و حج افراد، و حج التمتع فريضة تختص بكل مكلّف مستطيع للحج و لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و هو من يبعد منزله عن مكة المكرمة بثمانية و أربعين ميلا أو أكثر من جميع جوانبها، فلا يجزيه عن فرضه غير حج التمتع، و حج القران أو الافراد فريضة كل مكلف مستطيع من أهل مكة و توابعها الذين لا تبلغ منازلهم الى الحد المذكور من البعد عنها، و لا يجزي هؤلاء عن فرضهم غير حج القران أو حج الافراد، و يتخيّر المكلف أيهما شاء.

المسألة 397:

المراد بالميل هنا هو الميل الشرعي، و هو أربعة آلاف ذراع بذراع اليد من الشخص المتوسط الخلقة، فإذا كان أقل الأذرع المتوسطة يبلغ خمسة و أربعين سنتيمترا- كما ذكرنا في المسألة الألف و المائة و الرابعة و السبعين من كتاب الصلاة-، فإن مجموع المسافة الآنف ذكرها يبلغ ستة و ثمانين كيلو مترا و أربعمائة متر، و هو ستة عشر فرسخا تامة.

و الظاهر أن المدار في الحكم ان يبعد المكلف عن المسجد الحرام نفسه بالمقدار المذكور لا عن آخر عمارة مكة، و هل المراد ان يبعد منزل المكلف عن المسجد بالمقدار المذكور أو أن تبعد عنه حدود بلده، فيه إشكال، فإذا اختلفا فلا بد من مراعاة الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 192

المسألة 398:

إنما يتعيّن حج التمتع على البعيد النائي عن مكة في حج الإسلام خاصة، فإذا وجب عليه حج البيت باستطاعة أو ببذل من أحد وجب عليه أن يحج متمتعا و لم يكفه أن يحج قارنا أو مفردا كما ذكرنا، و لا يتعيّن عليه فيما سوى ذلك، فإذا أراد النائي عن مكة أن يحج حجا مندوبا جاز له أن يحج متمتعا و أن يحج قارنا و أن يحج مفردا، و كذلك إذا نذر أن يحج البيت نذرا مطلقا و لم يعيّن واحدا من الأنواع فيكفيه أن يأتي بأي الأنواع شاء، و مثله ما يجب بالعهد أو اليمين، و إذا عيّن في نذره أو عهده أو يمينه واحدا من الأنواع الثلاثة وجب عليه في الوفاء أن يتبع ما عيّنه على نفسه منها.

و كذلك في الحج الذي يجب عليه بالاستئجار، و تراجع المسألة المائتان و التاسعة و الثمانون من فصل حج النيابة، و أمّا الحج الذي يجب عليه

بإفساد حج سابق فلا بد من أن يكون مطابقا في النوع للحج الأول الذي أفسده.

المسألة 399:

و لا يتعيّن حج القران أو حج الإفراد على المكلفين من أهل مكة و من قاربها إلا في حج الإسلام فحسب، فإذا استطاع المكلف منهم للحج أو بذل احد له الزاد و الراحلة وجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا و لم يجزه أن يحج متمتعا، و لا يعم الحكم غير ذلك، فإذا أراد أن يحج حجا مندوبا أو وجب عليه حج مطلق بنذر أو عهد أو يمين من غير تعيين تخير بين أن يحج متمتعا أو قارنا أو مفردا، كما تقدم في حكم البعيد عن مكة، و تجري فيه أيضا أحكام الفروض التي ذكرناها في المسألة الماضية في الحج المعيّن و في الحج الواجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 193

بالاستئجار أو بالإفساد.

المسألة 400:

إذا تخيّر الإنسان بين أنواع الحج الثلاثة كما في الفروض المتقدم ذكرها، فالأفضل له أن يختار حج التمتع، و إذا تردّد أمره بين حج القران و حج الإفراد فالأفضل له أن يختار حج القران.

المسألة 401:

إذا كان الرجل ذا منزلين يسكنهما بالفعل و أحد المنزلين في مكة أو في المواضع التي تتبعها في الحكم، و الثاني في بلد يبعد عنها ثم استطاع حج البيت، فإن كان توطنه في أحد المنزلين أكثر من الآخر لحقه حكم ذلك المنزل، فيجب عليه حج القران أو الإفراد إذا غلبت عليه سكنى مكة، و يلزمه حج التمتع إذا غلبت عليه سكنى البلد النائي، سواء حصلت له الاستطاعة في كلا البلدين أم في أحدهما أم في غيرهما، و ان تساوى توطنه في البلدين تخيّر بين الأنواع الثلاثة و ان كان التمتع أفضل و من بعده القرآن، و لا فرق في الحكم أيضا بين أن تكون استطاعته من كلا البلدين أو من البلد النائي أو القريب أو من غيرهما.

المسألة 402:

إذا خرج المكلف من أهل مكة أو بعض توابعها الى أحد البلاد البعيدة عن مكة ثم رجع في أيام الحج، و مرّ في رجوعه ببعض مواقيت الإحرام للبعيد وجب عليه ان يحرم من ذلك الميقات، فإن كان إحرامه بحج مندوب أو بحجة منذورة بنذر مطلق لا تعيين فيه، تخيّر بين ان يحج متمتعا أو قارنا أو مفردا، كما بيّنا في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و التسعين، و اتبع ما ذكرناه في المسألة المذكورة إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 194

الحج معينا عليه بالنذر و شبهه، أو بالإجارة، و ان كان الحج الواجب عليه هو حج الإسلام أشكل الحكم فيه، و لا يترك الاحتياط بأن يحرم قارنا في حجه أو مفردا.

المسألة 403:

إذا أعرض البعيد النائي عن وطنه و نوى السكنى الدائمة في مكة، أصبح من أهل مكة و من حاضري المسجد الحرام منذ ابتداء سكناه بها و لم يتوقف ذلك على مضي أشهر أو مدة، و لزمته أحكام حاضري المسجد الحرام، فإذا استطاع حج البيت وجب عليه أن يحجه قارنا أو مفردا و لم يجز له أن يحج متمتعا، و كذلك إذا كان مستطيعا للحج في وطنه الأول و قبل انتقاله إلى مكة و لم يؤد حجة الإسلام، فيلزمه القران أو الافراد على الأقوى، و يكفيه في الاستطاعة التي تحصل له بعد سكناه مكة ما يكفي المكلف من أهلها، فلا يعتبر في استطاعته أن يملك نفقة السفر من بلده الأول و العود إليه.

المسألة 404:

إذا أعرض المكي عن وطنه و قصد الاستيطان الدائم في بلد يبعد عن مكة كان منذ أول سكناه في ذلك البلد من أهل الأمصار، و لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فإذا استطاع الحج بعد انتقاله، و لم يكن قد أتى بحج الإسلام قبل ذلك وجب عليه أن يحج متمتعا، و لا يكفيه القران أو الإفراد، و إذا كان قد استطاع الحج قبل انتقاله من مكة و لم يحج حتى استقر الحج في ذمته وجب عليه ان يحج و ان كان متسكعا، و يجب ان يكون حجه متمتعا، و إذا حدثت له الاستطاعة بعد انتقاله الى الوطن الجديد اعتبر فيها ما يعتبر في استطاعة البعيد من نفقة الذهاب و الإياب و غيرها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 195

المسألة 405:

إذا حصلت للمكي نفقة الحج بمقدار يكفيه للسفر من مكة إلى المشاعر و الرجوع منها إلى مكة له و لعياله حتى يرجع إليهم، ثم خرج من مكة قبل حضور موسم الحج و توطّن في بلد يبعد عنها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة و كانت النفقة التي حصلت له لا تحقق له الاستطاعة في وطنه الجديد لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة.

المسألة 406:

إذا أقام المكلف من أهل الأمصار البعيدة في مكة بقصد المجاورة بها لا بقصد التوطن لم يتغير حكمه بسبب مجاورته فيها، فإذا كان مستطيعا للحج قبل المجاورة أو حصلت له الاستطاعة بعد المجاورة فيها وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام متمتعا، كما هو حكم النائي البعيد عن مكة.

فإذا استمرت مجاورته فيها سنتين كاملتين و دخل في السنة الثالثة ثم استطاع بعد ذلك و أراد الحج كان له حكم أهل مكة، فيجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا.

و يعتبر في استطاعته ما يعتبر في استطاعة غيره، فإذا كان في مكة نفسها كفى في تحقق استطاعته أن يحصل له من النفقة ما يسافر به من مكة إلى المشاعر فيؤدي مناسكه ثم يعود إلى مكة، و إذا اتفق ان كان في المدينة مثلا أو في بلده لم تتحقق له الاستطاعة حتى تحصل له نفقة الذهاب إلى مكة و أداء المناسك و العود إلى مكة، و إذا كان من عزمه الرجوع الى وطنه بعد أداء الحج فلا بد له من نفقة العود و هكذا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 196

المسألة 407:

إذا أقام المكي في المدينة أو في غيرها من البلاد البعيدة عن مكة بقصد المجاورة لا بقصد التوطن فيها لم يتغير حكمه الذي تقدم ذكره في المسألة الثلاثمائة و السادسة و التسعين و ان استمرت مجاورته في ذلك البلد سنين متعددة، كما إذا سكنه للتجارة أو للدراسة أو لبعض الأعمال، فإذا حصلت له استطاعة الحج في ذلك البلد و أراد أن يحج حجة الإسلام وجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الثانية.

المسألة 408:

إذا أقام البعيد النائي في مكة للمجاورة لا للتوطن و كان مستطيعا للحج قبل مجاورته فيها، أو حصلت له استطاعة الحج في مكة و قبل أن تنقضي له في مجاورته سنتان وجب عليه أن يحج متمتعا كما ذكرنا قريبا، فإذا أراد الحج وجب عليه أن يخرج إلى أحد المواقيت التي عيّنها الرسول (ص) لإحرام الحجاج من أهل البلاد البعيدة، فيحرم بعمرة التمتع منه، و الأحوط استحبابا أن يخرج الى الميقات الخاص الذي عيّنه الرسول (ص) لإحرام أهل بلده، فإذا كان من أهل المدينة خرج الى مسجد الشجرة، و إذا كان من أهل نجد خرج إلى العقيق و إذا كان من أهل الشام خرج الى الجحفة و هكذا، و الأحوط استحبابا كذلك أن يجدّد نية الإحرام و التلبية في أدنى الحل عند وصوله إليه.

و إذا لم يمكنه الخروج الى بعض المواقيت لضيق الوقت أو لبعض الأعذار المانعة، فلا يترك الاحتياط بأن يخرج إلى ما يمكنه الخروج إليه في طريق الميقات خارج الحرم، فيحرم من ذلك الموضع،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 197

فإن لم يقدر أحرم من أدنى الحلّ و إلّا خرج الى ما يمكنه، فإن لم يتمكن من الخروج أصلا

أحرم من موضعه.

و يجري الحكم الذي ذكرناه في المسألة في كل من يكون في مكة من الواردين إليها إذا أراد حج التمتع، سواء كان حجه مندوبا أم واجبا فعليه الخروج إلى أحد المواقيت و الإحرام منه و تجري جميع التفاصيل التي ذكرناها، و كذلك المكي على الأحوط إذا أراد التمتع في حج مندوب أو منذور فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه، ثم يجدد نية الإحرام و التلبية في مكة إذا دخلها على الأحوط أيضا.

المسألة 409:

تنقسم العمرة إلى عمرة مفردة عن الحج و عمرة يتمتع بها إلى الحج، و تنقسم أيضا الى عمرة واجبة و عمرة مندوبة، و تنقسم العمرة الواجبة إلى واجبة في أصل شريعة الإسلام و واجبة بالعارض بسبب نذر أو يمين أو عهد أو إجارة أو شرط في ضمن عقد.

المسألة 410:

تجب العمرة في أصل الشريعة على كل مكلف تكمل فيه شروط الوجوب و شروط الاستطاعة، و شروط الوجوب و الاستطاعة في العمرة هي بذاتها شروط الوجوب و الاستطاعة في الحج، و قد تقدم بيانها في الفصل الثاني و الفصل الثالث، فإذا اجتمعت الشروط المعتبرة كلها وجبت العمرة على المكلف مرة واحدة في حياته و لا يجب تكرارها، و وجب الإتيان بها فورا على الأحوط، كما هو الحكم في الحج سواء بسواء، و إذا لم تتوفر الشروط في المكلف كانت العمرة مندوبة في الشريعة إذا لم يوجبها المكلف على نفسه بنذر أو شبهه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 198

المسألة 411:

تقدم منا في أول هذا الفصل أن كل مكلف تبعد داره عن المسجد الحرام بثمانية و أربعين ميلا إذا هو استطاع الحج و كملت له شروطه وجب عليه ان يحج البيت متمتعا، و لا يجزيه في فرضه غير حج التمتع، و المعنى الواضح لهذا الحكم أن العمرة الواجبة على المكلف المستطيع البعيد عن مكة هي عمرة التمتع، فهي ترتبط بالحج و لا تنفصل عنه، و يرتبط بها الحج كذلك و لا ينفصل عنها، و قد علمنا أن المكلف لا يجب عليه في الشريعة أكثر من عمرة واحدة، فإذا اتى بحج التمتع تاما فقد امتثل فرض الحج و فرض العمرة معا.

و اللازم الصريح لهذا الحكم أيضا ان استطاعة المكلف البعيد عن مكة للحج هي عين استطاعته للعمرة فلا يكون مستطيعا للحج إذا لم يكن مستطيعا للعمرة.

و هذا هو المقدار المعلوم من وجوب العمرة على البعيد النائي من المكلفين، فلا تجب عليه العمرة المفردة إذا استطاع لها و لم يستطع للحج، و لا تجب عليه العمرة المفردة لنفسه إذا حج

أجيرا عن غيره بعد أن يتم حج النيابة، أو اعتمر أجيرا عن غيره كذلك بعد أن يتم عمرة النيابة و ان كان مستطيعا للعمرة بعد أن دخل مكة، و الأحوط استحبابا الإتيان بها في الفروض المذكورة.

المسألة 412:

الحج و العمرة للمكلف من أهل مكة و توابعها نسكان يستقل أحدهما عن الآخر و لا يرتبط به، و لذلك فلا يشترط في وجوب العمرة عليه أن يكون مستطيعا للحج و العمرة معا كما في عمرة التمتع على البعيد، فإذا استطاع للحج وحده و لم يستطع للعمرة وجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 199

الحج وحده و لم تجب عليه العمرة، و إذا استطاع للعمرة وحدها و لم يستطع للحج وجبت عليه العمرة و لم يجب عليه الحج.

المسألة 413:

يعتبر في الاستطاعة لوجوب العمرة المفردة على المكلف من أهل مكة و توابعها كل ما اعتبرناه في الاستطاعة للحج حتى الرجوع الى كفاية، و تخلية السرب، و الصحة في البدن، من غير فرق بينهما، و تراجع المسائل المتعلقة بالاستطاعة في الفصل الثالث.

المسألة 414:

تجب العمرة المفردة على المكلف إذا نذرها و كان قادرا على الوفاء بها، فينعقد نذره و يلزمه اتباع ما ذكره في صيغة نذره من إطلاق أو تعيين، فإذا نذر للّٰه أن يعتمر عمرة مطلقة و لم يعيّن لها وقتا و لا وصفا، كفاه أن يأتي بالعمرة كما نذر، و أمكن له أن يؤخرها ما شاء، ما لم يظن الموت أو فوت الواجب أو يؤدي التأخير إلى التهاون بحكم الشرع، و إذا نذر أن يعتمر في شهر رجب مثلا أو في وقت آخر راجح وجب عليه ان يفي بالنذر حسبما عيّن، و تجب العمرة أيضا إذا أوجبها على نفسه بيمين أو عهد أو إجارة أو بشرط على نفسه في ضمن العقد، و يتبع ما حدده كذلك من إطلاق أو تقييد.

المسألة 415:

تجب العمرة المفردة بإفساد عمرة سابقه عليها، فإذا أحرم المكلف بعمرة واجبة أو مندوبة و جامع زوجته أو غيرها قبل أن يتم طوافه و سعيه فسدت عمرته بذلك، و لا يترك الاحتياط بأن يتم العمرة التي أفسدها، و وجب عليه أن ينحر بدنة كفارة لما فعل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 200

سواء كان الجماع قبل طواف العمرة أم في أثنائه أم بعده أم في أثناء السعي و قبل أن يتمه، و وجب عليه أن يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته و يخرج بعده الى أحد المواقيت و يحرم منه بعمرة مفردة، و سيأتي بيان حكم مثل هذا إذا وقع في عمرة التمتع في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين، و يراجع ما بعد المسألة المذكورة في حكمه إذا جامع بعد السعي و قبل أن يتم طواف النساء.

المسألة 416:

الإحرام شرط شرعي في جواز دخول مكة، فلا يجوز للمكلف أن يدخلها و هو محلّ غير محرم، و الإحرام عبادة شرعية لا يمكن حصولها شرعا إلا إذا وقعت جزءا في حج أو عمرة، و لذلك كله فإذا أراد المكلف أن يدخل مكة في غير أيام الحج، فلا بد و أن يكون دخوله بعمرة مفردة، و لا يحلّ له بدون ذلك، و لا يترك الاحتياط لمن أراد الدخول الى الحرم خاصة و لا يريد دخول مكة، بأن يكون محرما بعمرة مفردة أيضا و يستثنى من ذلك ما إذا دخل مكة محرما بحج أو بعمرة و أتم نسكه فيها ثم خرج منها، فيجوز له أن يدخلها بغير إحرام بعد ذلك إذا لم ينقض الشهر الذي أوقع فيه إحرامه الأول، و إن تكرر الدخول منه مرارا و سيأتي

بيان ذلك إن شاء اللّٰه، و تستثنى من ذلك الحطّابة و الحشّاشة و الرّعاة و الجصّاصة و الحجارة و من ينقل الميرة إلى البلد و يتخذ ذلك مهنة له، فيتكرر دخوله و خروجه إلى مكة بسبب ذلك فيجوز لهؤلاء دخولهم بغير إحرام، و لا يلحق بهم في الحكم من يتكرر دخوله و خروجه من مكة لغير ذلك، كالتلاميذ و المدرسين و العمال و غيرهم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 201

المسألة 417:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب عليه أو مندوب ففاته الحج و لم يتمكن من إدراكه لبعض الطواري و الأحداث التي أوجبت له ذلك وجب عليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

المسألة 418:

تستحب العمرة المفردة ففي الخبر عن النبي (ص) قال:

(الحجة ثوابها الجنة، و العمرة كفارة لكل ذنب)، و عن الامام الرضا (ع): (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، و يتأكد استحباب العمرة في شهر رجب على غيره من بقية الأشهر، فعن النبي (ص):

(أفضل العمرة عمرة رجب)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): (المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء و أفضل العمرة عمرة رجب)، و عنه (ع): (إذا أهلّ بالعمرة في رجب و أحلّ في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهلّ في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب)، و في حديث عنه (ع) أنه سئل عن رجل أحرم في شهر و أحلّ في آخر فقال:

(يكتب في الذي قد نوى، أو يكتب له في أفضلهما)، و يتأكد بعده استحبابها في شهر رمضان. و يستحب تكرارها ففي الخبر عن الامام الصادق (ع) قال: (في كتاب علي (ع) في كل شهر عمرة)، و عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (ع): السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة، و يستحب أن يعتمر ماشيا، ففي الخبر عن علي بن جعفر قال: خرجنا مع أخي موسى (ع) في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بأهله و عياله واحدة منهن مشى فيها ستة و عشرين يوما، و أخرى خمسة و عشرين يوما، و أخرى أربعة و عشرين يوما، و أخرى أحد و عشرين يوما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 202

المسألة 419:

الظاهر من قول المعصومين (صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين) في الأحاديث التي تقدم بعضها: في كل شهر عمرة أو لكل شهر عمرة: أن العمرة وظيفة خاصة في الشهر تترتب عليها بعض الآثار الشرعية، فيتأكد على المكلف

استحباب العمرة في كل شهر، و إذا أتى المكلف بها جاز له أن يدخل مكة محلا بعدها مرة أو مرارا ما دام الشهر الذي اعتمر فيه، و لا يفتقر فيه الى إحرام بعمرة جديدة، و إذا أتم المكلف عمرة التمتع ثم خرج من مكة الى بعض النواحي لضرورة أحوجته الى الخروج، و رجع الى مكة قبل انتهاء شهر عمرة لم يفتقر إلى عمرة تمتع أخرى و كفته عمرته الأولى، و إذا أفسد المكلف عمرته المفردة بالجماع قبل أن يتم السعي في العمرة وجب عليه أن يقيم في مكة حتى يخرج شهر عمرته الفاسدة و يعتمر في الشهر المقبل، و هذه كلها أحكام خاصة لعمرة الشهر ثبتت لأدلتها الخاصة، و قد سبق ذكر بعضها، و أما أن المكلف لا يشرع له أن يأتي بعمرة مفردة ثانية في الشهر إذا كان قد اعتمر فيه عمرة مفردة قبلها، فلا دلالة في الأحاديث المذكورة على ذلك، و لا دلالة لها على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين لتكون مقيدة للمطلقات الدالة على استحباب العمرة.

و أما خبر علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي الحسن (ع) الدال على أن في كلّ عشرة أيام عمرة، فالظاهر ضعف سنده و لذلك فلا يصلح أن يكون مقيدا للمطلقات المذكورة، و إذا فرضنا سلامة سنده فسبيله سبيل الأحاديث المعتبرة التي تقدم الكلام فيها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 203

و على وجه الاجمال فتستحب العمرة بعد العمرة و ان لم يفصل بينهما فاصل من الأيام، و يتأكد استحبابها إذا اعتمر المكلف عمرته الأولى في شهر هلالي ثم أعتمر الثانية في شهر هلالي بعده، و أقل منه تأكدا أن يفصل ما بينهما بعشرة أيام.

المسألة 420:

يجوز بل يستحب للإنسان

أن يأتي بعمرة مفردة بعد أن يتم أعمال الحج، سواء كان حجه تمتعا أم قرانا أم افرادا، فعن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن المعتمر بعد الحج، قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 204

الفصل التاسع في صور أنواع الحج على نحو الإجمال

[النوع الأول: حج التمتع]
المسألة 421:

النوع الأول من الحج حج التمتع و هو أفضل أنواعه جميعا، و هو كما قلنا في أول الفصل الثامن فريضة كل مكلف تبعد داره عن مكة المكرمة بثمانية و أربعين ميلا فأكثر إذا استطاع الى الحج سبيلا، و هو يتألف من نسكين مترتبين يرتبط أحدهما بالآخر و لا يسقط الفرض عن المكلّف إلا بالإتيان بهما معا على الترتيب الشرعي بينهما، و وفقا للشروط المعتبرة فيهما و في إعمالهما.

[النسك الأول من هذا النوع هو عمرة التمتع]
المسألة 422:

النسك الأول من هذا النوع هو عمرة التمتع و تجب فيها خمسة أعمال:

(الأول:) أن يحرم المكلف من أحد المواقيت الآتي ذكرها بعمرة التمتع لحج التمتع، و أن يكون إحرامه في أحد أشهر الحج و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة.

(الثاني:) أن يأتي مكة بعد الإحرام فيطوف بالبيت الحرام سبعة أشواط طواف العمرة.

(الثالث:) أن يصلي بعد ذلك في مقام إبراهيم ركعتين صلاة الطواف.

(الرابع:) أن يسعى بعدهما بين الصفا و المروة سبعة أشواط سعي العمرة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 205

(الخامس:) أن يقصّر فيأخذ شيئا من شعره، أو يقلّم شيئا من أظفاره.

فإذا فعل ذلك حلّ من إحرامه، و جاز له أن يأتي بأي عمل حرم عليه بسبب الإحرام، و لا يحلّ له أي شي ء حرم عليه بسبب الحرم، و سيأتي تفصيل ذلك (ان شاء اللّٰه تعالى).

المسألة 423:

لا يجب على المكلف طواف النساء في عمرة التمتع على الأقوى، و الأحوط استحبابا ان يأتي به بعد السعي و قبل التقصير و أن يكون الإتيان به برجاء المطلوبية.

[النسك الثاني من هذا النوع هو الحج،]
المسألة 324:

النسك الثاني من هذا النوع هو الحج، و قد يطلق عليه بالخصوص اسم حج التمتع، و تجب فيه ثلاثة عشر عملا:

(الأول:) أن يحرم بحج التمتع من مكة، و الأفضل أن ينشئ إحرامه في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو يوم التروية، و يكفيه أن يحرم في وقت يمكن معه ان يدرك الوقوف بعرفات في اليوم التاسع حين الزوال.

(الثاني):

أن يقف في عرفات من زوال الشمس في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى غروب الشمس منه، و يراد بالوقوف في الموضع المذكور: أن يكون فيه جميع المدة المذكورة على ما سيأتي بيانه، و عرفة موضع يقع في طريق مكة إلى الطائف و على بعد أربعة فراسخ من مكة.

(الثالث:) أن يبيت ليلة العاشر من ذي الحجة في المزدلفة عند المشعر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 206

الحرام و يقف فيها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم الأضحى، و المزدلفة واد يقع ما بين عرفة و مكة قبل أن يصل الى منى.

(الرابع:) أن يرمي جمرة العقبة في يوم الأضحى. و تقع العقبة في آخر وادي منى مما يلي مكة.

(الخامس:) أن يذبح هديه إذا كان من البقر أو الغنم، و ينحره إذا كان من الإبل، و هو الواجب الثاني من واجبات منى في يوم العيد.

(السادس:) أن يحلق شعره أو يأخذ من طول شعره أو يقلّم أظفاره على التفصيل الآتي ذكره و هو الواجب الثالث منها، فإذا أتمّ هذه الأعمال حلّ له جميع ما حرمه الإحرام عليه ما عدا

الطيب و النساء، و ما عدا الصيد أيضا، و هو من محرمات الحرم فلا يحل له ما دام فيه.

المسألة 425:

يتخير المكلف بعد ان يتم أعمال منى في يوم العيد بين أن يعود إلى مكة فيأتي بأعمالها في ذلك اليوم و أن يؤخرها إلى اليوم الثاني، و يجوز له أن يؤخرها الى ما بعد أيام التشريق، و الأفضل ان يأتي بها في يومه، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عن اليوم الثاني.

المسألة 426:

(السابع:) من واجبات حج التمتع ان يطوف بالبيت إذا رجع الى مكة كما ذكرنا طواف الحج سبعة أشواط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 207

(الثامن:) أن يصلي صلاة الطواف و هي ركعتان خلف المقام.

(التاسع:) أن يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط، فإذا أتمّ سعيه حل له الطيب.

(العاشر:) أن يطوف بالبيت طواف النساء سبعة أشواط.

(الحادي عشر:) أن يصلي بعده صلاة الطواف و هي ركعتان خلف المقام، فإذا أتمهما حلّت له النساء.

(الثاني عشر:) أن يبيت في منى ليالي التشريق و هي ليلة الحادي عشر و ليلة الثاني عشر إذا كان قد اتقى النساء و الصيد في أيام إحرامه فلم يرتكب منها شيئا، و إذا كان قد خالف و لم يتق وجب عليه ان يبيت ليلة الثالث عشر أيضا، و سيأتي تفصيل ذلك.

(الثالث عشر:) أن يرمي الجمار الثلاث في منى في كل من اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر و في اليوم الثالث عشر أيضا إذا بات ليلته في منى، فإذا أتمّ الأعمال الثلاثة عشر المذكورة بعد عمرة التمتع على الوجه المطلوب صح حجه تمتعا و برئت ذمته من التكليف به إذا كان واجبا.

[شروط حج التمتع:]
[الأول: النية،]
المسألة 427:

يشترط في صحة حج التمتع ان تتوفر فيه عدة أمور:

(الأول):

النية، و هي أن يقصد المكلف الإتيان بهذا النوع الخاص من الحج متقربا به الى اللّٰه، و يكفيه ان يقصد الإتيان بمجموعة الأعمال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 208

الخاصة التي أمره اللّٰه بها على وجه الإجمال و ان لم يعلم بها على التفصيل في وقت النية، و موضع النية هو أول إحرامه بالعمرة من الميقات، فإذا قال في ذلك الوقت: أحرم بعمرة التمتع في حج الإسلام- مثلا- حج التمتع قربة الى اللّٰه، ثم تابع أعماله

في العمرة و الحج على هذه النية أجزأه ذلك و هذه المتابعة الإجمالية للنية في الأعمال هي الاستدامة الحكمية للنية التي يشترطها الفقهاء في صحة كل عبادة حتى تتم أجزاؤها، و قد تقدم ذكرها في الصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات.

المسألة 428:

إذا اعتمر الشخص عمرة مفردة حتى أتمها كذلك، و كانت عمرته في أشهر الحج جاز له ان يعود بعدها إلى أهله، و جاز له أن يجعل عمرته المفردة التي أتى بها عمرة تمتع و يبقى في مكة و يحج بعدها حج تمتع، و إذا أقام بعد عمرته المفردة في مكة إلى هلال ذي الحجة استحب له ان يجعلها عمرة تمتع و يحج بعدها حج تمتع، و إذا أقام في مكة الى أيام الحج و يوم التروية تأكد له استحباب ذلك، و إذا حج بعدها متمتعا كفاه ذلك في جميع الصور المذكورة إذا كان حجه مندوبا، و لا يكفيه على الأصح إذا كان الحج واجبا عليه لاستطاعة أو نذر أو غير ذلك لعدم نية حج التمتع من أول الأمر، و انما يصح مندوبا للأدلة الخاصة المحمولة على ذلك.

المسألة 429:

يظهر من بعض الروايات الواردة في المسألة المتقدمة أن عمرته المفردة التي أتى بها ثم أقام بعدها الى أيام الحج تنقلب بنفسها إلى عمرة تمتع، و هو مشكل فيتعيّن حمل تلك الاخبار على أن المكلف ينوي التمتع بالعمرة المتقدمة فيجعلها عمرة تمتع كما ذكرنا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 209

(الشرط الثاني:) [أن تكون العمرة و الحج في أشهر الحج]
المسألة 430:

أن يكون كلّ من عمرة التمتع و حجه في أشهر الحج، و أشهر الحج هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فلا يصح إذا وقعت العمرة أو وقع بعضها قبل هذه الأشهر، فإذا أحرم بالعمرة في آخر يوم من شهر رمضان مثلا كانت عمرة مفردة، و لم يجز له ان يتمتع بها الى الحج، و ان وقعت بقية إعمالها في شهر شوال.

المسألة 431:

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ)،- كما تقول الآية الكريمة- و كما دلت عليه أحاديث عديدة من السنة، و لذلك فأشهر الحج الثلاثة كلها- و منها شهر ذي الحجة- أشهر هلالية كاملة على الأصح، و ليست شهرين و بضعة أيام من الشهر الثالث كما يراه بعض الفقهاء، و ان لم يصح عقد الإحرام لعمرة التمتع بعد يوم التروية من شهر ذي الحجة، لعدم اتساع الوقت لهذه العمرة، أو لعدم بقاء وقتها لحضور أيام الحج، و سيأتي أن بعض أعمال الحج يجوز الإتيان به الى آخر شهر ذي الحجة، و من أجل ذلك قال بعض الأكابر: إن النزاع في هذه المسألة لفظي لا أثر له.

المسألة 432:

إذا اعتمر الإنسان في غير أشهر الحج، و قصد بعمرته التمتع بها الى الحج لم تصح عمرة تمتع كما قلنا آنفا، و يشكل الحكم بصحتها عمرة مفردة كما يراه بعض العلماء لانه لم ينو العمرة المفردة، و خبر أبي جعفر الأحول و خبر سعيد الأعرج اللذان اعتمد عليهما القائلون بالصحة من العلماء غير واضحي الدلالة على ذلك، فلا يترك الاحتياط بأن يتم المكلف عمرته المذكورة برجاء المطلوبية، و لا يكتفي بها إذا كانت عليه عمرة واجبة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 210

(الشرط الثالث:) [وقوعهما في سنة واحدة،]
المسألة 433:

أن يوقع المكلف عمرة التمتع و حجه كليهما في سنة واحدة، و هذا هو القول المشهور بين الأصحاب (قدس اللّٰه أرواحهم)، و ما ذكروه لهذا الشرط من الأدلة كلها قابلة للمناقشة، و لكن اعتضاد بعض هذه الأدلة ببعض و الاحتياط يقتضي اشتراط ما ذكروه، و لذلك فلا يصح للمكلف أن يأتي بعمرة التمتع في سنة و يأتي بحجة في سنة أخرى بعدها، و أن أقام بمكة إلى العام الثاني حتى أدى الحج فيه، و سواء أحلّ من إحرام عمرته بعد ما أتمها أم بقي محرما حتى أتمّ عمرته في السنة الثانية و حج فيها، و لا يصح له أن يأتي بعمرة التمتع للحج في آخر ذي الحجة و يأتي بالحج في أيام الحج المقبلة، و ان لم تفصل ما بينهما سنة كاملة.

(الشرط الرابع:) كون الإحرام بحج التمتع من مكة نفسها
المسألة 434:

أن يكون إحرام المكلف بحج التمتع من مكة نفسها، و المراد بها مكة الأصلية، فيكفيه ان يحرم في أي محلة شاء من محلاتها القديمة، أو شعب من شعابها، أو شارع من شوارعها، أو مسجد من مساجدها، و لا يجزيه ان يحرم في المحلات و الأحياء الجديدة التي أضيفت إليها بعد الاتساع.

و أفضل مواضع مكة للإحرام منه هو المسجد الحرام، و أفضله مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل، و في بعض النصوص ما بين الركن و المقام.

و إذا تعذر على المتمتع أن يحرم بحجه من مكة لضيق الوقت عليه، أو لبعض الطواري التي أوجبت له التعذر أحرم من الموضع الذي يتمكن منه، و يجب عليه أن يختار الموضع الأقرب الى مكة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 211

فالأقرب، فيرجع اليه و يحرم منه مع الإمكان.

المسألة 435:

إذا أحرم المكلف بحج التمتع من غير مكة مختارا متعمدا في ذلك وقع إحرامه باطلا، فيجب عليه ان يعود إلى مكة و يجدّد الإحرام فيها، و لا يكفيه ان يعود إلى مكة و هو محرم من غير ان يجدّد الإحرام فيها و إذا لم يعد إلى مكة أو لم يجدّد الإحرام و حج بإحرامه الأول كان حجه باطلا.

و إذا ضاق عليه الوقت عن الرجوع فلم يعد إلى مكة لضيق الوقت، و جدّد إحرامه بعد ذلك في الموضع الذي يمكنه صح إحرامه و حجه، و ان كان آثما عاصيا بتركه الإحرام في مكة مختارا.

المسألة 436:

إذا أحرم بحج التمتع من غير مكة جاهلا أو ناسيا، ثم علم بالحال أو تذكره بعد إحرامه، وجب عليه ان يعود إلى مكة و يجدّد إحرامه فيها إذا أمكن له ذلك، و لا يصح إحرامه و لا حجه بغير ذلك، فإن لم يتمكن من الرجوع وجب عليه أن يحرم من المكان الذي يمكنه الإحرام فيه، و ان كان في عرفات نفسها و يصح حجه بذلك، و يجب عليه أن يختار الأقرب الى مكة فالأقرب مع الإمكان كما سبق في نظيره.

(الشرط الخامس:) [اشتباك العمرة و الحج]
المسألة 437:

يعلم من مجموع الأدلة و النصوص الواردة في حج التمتع ان العمرة و الحج في هذا النوع من الحج و ان كانا عبادتين تنفرد كل واحدة منهما عن الأخرى بإحرام و أعمال خاصة بها، إلا أنهما مشتبكتان مترابطتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، و قد شبّك الرسول (ص) أصابعه و قال: (دخلت العمرة في الحج هكذا الى يوم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 212

القيامة) و تكرّر هذا القول من خلفائه المعصومين (ع).

و من النتائج الواضحة لذلك: ان لا يقوم بهذا العمل الواحد شخصان فيأتي أحدهما بعمرة التمتع وحدها، و يأتي الثاني بحج التمتع وحده و ان كانا في عملهما نائبين عن شخص واحد، فإن هذا التفكيك بين أجزاء العمل الواحد المترابط الأجزاء غير مشروع، أو هو مشكوك الشرعية في الإسلام على أقل الاحتمالات، و لا يصح ان يقوم بحج التمتع شخص واحد فيأتي بعمرة التمتع بالنيابة عن أحد و يأتي بحج التمتع بالنيابة عن شخص آخر.

[مسائل]
المسألة 438:

ورد في الخبر عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه (ع)، في رجل تمتع عن امه و أهلّ بحجة عن أبيه؟ قال (ع): (ان ذبح فهو خير له، و ان لم يذبح فليس عليه شي ء لأنه إنما تمتع عن أمه، و أهلّ بحجة عن أبيه)، و الرواية غير ظاهرة الدلالة على خلاف الحكم الذي ذكرناه في المسألة الماضية، فمن المحتمل القريب ان الرجل قد أتي بعمرة مفردة عن أمه قبل الحج ثم أتي بحجة مفردة بعدها عن أبيه و من أجل ذلك فلا يجب عليه الهدي كما قال له الامام (ع) في الجواب، لأنه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج، و ليس المراد ان الرجل أتى بعمرة التمتع عن

أمه و أتى بحج التمتع عن أبيه، فالرواية غامضة الدلالة على ذلك.

و أما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع، فقال (ع): نعم المتعة له و الحج عن أبيه، فهي أكثر غموضا و أخفى دلالة على ذلك، فإن الراوي يسأل الامام عمن يحج عن أبيه أ يجوز له أن يعتمر لنفسه عمرة مفردة قبل حجه عن أبيه أو بعده، فقال له الامام: نعم يجوز له ذلك، و تكون العمرة له و الحجة لأبيه، و هي غير ما نحن فيه، أو يسأله عمن يحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 213

عن أبيه و هو ميت أ يجوز له أن يحج عن أبيه حج التمتع مع ان الميت لا يتلذذ بالإحلال بين الإحرامين؟، فقال الامام له: نعم، يجوز له ذلك و يكون التمتع و التلذذ بين الإحرامين له و حج التمتع كله لأبيه، و على كلا الاحتمالين فلا دلالة في الصحيحة على أن تكون عمرة التمتع للرجل و حج التمتع لأبيه.

المسألة 439:

إذا اعتمر الإنسان عمرة التمتع وجب عليه البقاء في مكة بعد الإحلال من العمرة، و لم يجز له الخروج من مكة حتى يأتي بحج التمتع، و إذا دعته الى الخروج منها حاجة وجب عليه أن يحرم بالحج قبل خروجه، ثم يخرج الى حاجته و هو محرم حتى يعود إلى مكة و يأتي بالحج، و إذا لم يتمكن من العود إلى مكة مضى من وجهه الى عرفات و المشاعر ليؤدي الحج فلا يفوته.

و لا فرق في حرمة خروج المتمتع من مكة بين ان يكون خروجه إلى جهة تبلغ المسافة الشرعية الموجبة لقصر الصلاة أو تزيد عليها أو تنقص

عنها، إذا كان ذهابه الى ذلك الموضع يعدّ خروجا عن مكة، فلا يجوز له ذلك، و لا بأس بالذهاب أو التردّد أو السكنى في المواضع التي تعدّ من بلد مكة عرفا، و لا يعدّ الذهاب إليها خروجا عن مكة في نظر العقلاء، و لا اعتبار بأقوال المتسامحين و المتهاونين في الحدود من الناس.

المسألة 440:

إذا خرج المكلف من مكة بعد إحلاله من عمرة التمتع عامدا من غير عذر و لم يحرم بالحج، كان عاصيا آثما بخروجه كذلك، و لا تبطل عمرته و متعته بمجرد ذلك، و إذا كان جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه، فإذا رجع الى مكة بعد خروجه منها، فإن كان رجوعه إليها قبل ان ينقضي الشهر الهلالي الذي أتمّ عمرته فيه كفته عمرته تلك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 214

و لم يفتقر في دخوله إلى مكة و لا في صحة حجه الى استئناف عمرة أخرى، و ان كان رجوعه إلى مكة بعد أن انقضى شهر عمرته و دخل شهر هلالي آخر وجب عليه أن يأتي بعمرة تمتع اخرى، و عليه ان يحرم بها من أحد المواقيت، و لم تكفه عمرته السابقة في جواز دخوله إلى مكة، و لا في صحة حجه متمتعا، فإذا دخل مكة محلا كان آثما بدخوله كذلك و إذا حج متمتعا بانيا على متعته الأولى كان حجه باطلا.

المسألة 441:

إذا خرج المتمتع من مكة بعد إحلاله من العمرة و قبل الإحرام بالحج لعذر أو لغير عذر- كما فرضنا في المسألة الماضية- و أراد الرجوع الى مكة بعد انقضاء الشهر الهلالي لعمرته، و قد تعذر عليه العود من موضعه الى الميقات ليحرم منه بعمرة ثانية يدخل بها الى مكة، أو كان رجوعه الى الميقات موجبا للعسر و الحرج الشديد الذي لا يتحمل، فإن لم يتضيق عليه وقت الحج و علم انه إذا بقي في موضعه مدة أخرى ارتفع عذره و أمكن له ان يعود الى الميقات و يحرم منه من غير عسر و لا مشقة، وجب عليه الصبر في موضعه حتى يرتفع العذر و يأتي بالواجب

و يدخل مكة، و ان يئس من ذلك أو ضاق عليه وقت أدراك الحج، رجع بالمقدار الذي يمكن له من طريق الميقات و أحرم من ذلك الموضع بالعمرة و دخل مكة محرما معتمرا متمتعا، و ان لم يقدر أحرم من موضعه، و لعلنا نتعرض لنظير هذه المسألة في مبحث أحكام المواقيت.

المسألة 442:

إذا أحلّ المتمتع من عمرة التمتع و عرضت له حاجة دعته الى الخروج من مكة الى بعض النواحي القريبة أو البعيدة عنها و لم يكن يعلم بها من قبل، جاز له الخروج الى موضع حاجته بعد أن يحرم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 215

من مكة بالحج كما بيّنا في بعض المسائل المتقدمة، و يكفي في جواز ذلك ان تعرض له حاجة عادية لمثله تدعوه اليه و لا يشترط ان تكون ضرورة لا بد منها أو يكون فقدها موجبا للعسر أو الحرج.

فإذا أحلّ المقاول مثلا من عمرة التمتع و دعته الحاجة الطارئة الى الخروج إلى منى أو الى المشعر أو الى عرفات لارتياد أمكنة لحجاجه، و نصب خيام لهم، جاز له ان يخرج لذلك بعد أن يحرم بالحج، و كذلك إذا عرضت له الحاجة أن يخرج الى جدة لاستقبال الحجاج، أو ان يسافر إلى المدينة لترحيلهم إلى مكة، أو تيسير أمر سفرهم و إحرامهم، و ان كان له من ينوب عنه في ذلك.

و هذا كله إذا عرضت له الحاجة بعد إحلاله من العمرة و لم يكن يعلم بها قبل اعتماره، و إذا علم قبل إحرامه بعمرة التمتع بأنه يحتاج الى الخروج من مكة بعد العمرة أشكل الحكم لذلك.

و يمكن للمقاول و شبهه إذا كان يعلم قبل الاعتمار بأن الحاجة تدعوه الى الخروج بعد عمرته، أن

يحرم أولا بعمرة مفردة يدخل بها الى مكة، ثم يخرج بعد الإحلال منها إلى حوائجه، فإذا أنجزها عاد إلى مكة، و إذا فرغ خرج الى الميقات و أحرم بعمرة التمتع و خرج بعدها الى الحج.

المسألة 443:

إنما يجوز للمتمتع ان يخرج من مكة بعد إحلاله من العمرة، لطروء الحاجة الداعية الى ذلك إذا لم يخف فوات الحج بخروجه، فيحرم بالحج و يخرج لحاجته محرما كما تكرر ذكره، و إذا خاف فوات الحج بذلك لم يجز له، و لا يجوز لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ان يترك الحج اختيار، أو يفعل ما يؤدي الى تركه، و ان كان الحج مندوبا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 216

المسألة 444:

إذا اتفق ان عرضت للمكلف المتمتع ضرورة لا بد له منها الى الخروج من مكة، كما إذا أمره الحاكم بشي ء و لم يمكنه التأخير، أو طرأت له حاجة يلزمه العسر أو الحرج إذا فقدها، و كان الإحرام بالحج من ذلك الحين يوجب له العسر و الحرج الشديد أيضا، جاز له الخروج محلا من غير إحرام، فإذا رجع الى مكة بعد خروجه منها اتّبع الأحكام التي مرّ ذكرها، فإذا كان رجوعه قبل ان ينقضي شهر العمرة دخل مكة محلا، و إذا كان رجوعه بعد انقضاء الشهر وجب عليه ان يحرم من الميقات بعمرة ثانية للتمتع، لانفصال عمرته الأولى.

المسألة 445:

تجري الأحكام الأنف ذكرها في حج التمتع سواء كان واجبا على المكلف أم مندوبا، و لا يختلفان في شي ء عدا ما سيأتي استثناؤه، فالصورة الإجمالية لحج التمتع المندوب هي الصورة الإجمالية التي ذكرناها للحج الواجب، و الاعمال فيه هي الأعمال التي عددناها في أول هذا الفصل، و الشروط فيه هي الشروط، و إذا أتمّ المتمتع في الحج المندوب عمرته و أحلّ من إحرامها حلّ له كل شي ء حرّمه عليه إحرامها الى ان يحرم بعدها بالحج من مكة كما في التمتع الواجب، و حرم عليه كذلك ان يخرج من مكة حتى يحج، و إذا طرأت له حاجة تدعوه الى الخروج من مكة بعد إحلاله من العمرة لم يخرج إلا إذا أحرم بالحج، الى غير ذلك من الاحكام التي بسطنا ذكرها في المسائل الماضية.

و الفارق الأول بين حج التمتع الواجب و المندوب في النية، فإذا أراد المكلف ان يأتي بحج التمتع المندوب قصد عند إحرامه بالعمرة من الميقات: انه يحرم بعمرة التمتع للحج المندوب حج التمتع قربة الى اللّٰه، ثم

يتابع أعمال العمرة و أعمال الحج على هذه النية، و قد سبق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 217

ذكر النية في الحج الواجب في المسألة الأربعمائة و السابعة و العشرين.

و الفارق الثاني بينهما في الحكم، في ما إذا خرج المكلف من مكة بعد عمرة التمتع و هو محلّ غير محرم بالحج، ثم عاد بعد انتهاء شهر العمرة، فإذا كان حجه واجبا وجب عليه ان يدخل مكة ليتم حجه، و لذلك فيجب عليه ان يحرم بعمرة ثانية يدخل بها مكة يتمتع بها ثم يحج بعدها، فإن عمرته السابقة قد انفصلت عن الحج شرعا بعد انقضاء شهرها، و قد بيّنا هذا في ما مضى، و إذا كان حجه مندوبا جاز له بعد خروجه من مكة محلا و انقضاء شهر عمرته ان يرجع الى وطنه فلا يحج، فإن حجه مندوب حسب الفرض، و عمرته الأولى قد انفصلت عن الحج بعد انقضاء شهرها، فلا حكم لها، و لذلك فلا يكون المكلف مرتهنا بالحج و لا يجب عليه دخول مكة حتى يجب عليه الاعتمار لدخولها، و لكنه إذا تطوع فرجع الى الميقات و أحرم بعمرة التمتع ثانيا و أتمّ عمرته الثانية ارتهن بعدها بالحج و وجب عليه ان يحج متمتعا.

المسألة 446:

إذا خرج المتمتع من مكة و هو محل بعد عمرته و انقضى شهر العمرة ثم أراد الرجوع بعد الشهر إلى مكة وجب عليه ان يجدد عمرة ثانية كما سبق في المسألة الأربعمائة و الأربعين و كانت الثانية هي عمرة التمتع، و لذلك فهو لا يحتاج فيها الى طواف النساء، و كانت عمرته الأولى بعد الحكم بانفصالها شرعا عن حج التمتع، عمرة مفردة، و لذلك فالأحوط لزوما بل الأقوى أنها تفتقر الى

طواف النساء فلا تحل له النساء الا به و عليه ان يأتي به قضاء بعد ان يتم عمرته الثانية، فإذا أتى بالطواف قبل التقصير في العمرة صح لأنه لا يزال محرما، و إذا لم يأت به حتى قصّر و أحلّ من إحرامه لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 218

يصح حتى يأتي به و هو محرم بإحرام آخر.

المسألة 447:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع و دخل مكة بهذا القصد، فالظاهر حرمة خروجه من مكة حتى يتم متعته و يتم حجه، و لا ريب في ان غالب النصوص الواردة في المسألة انما تعرضت في السؤال و الجواب للخروج من مكة بعد إتمام العمرة و الإحلال من إحرامها، و لذلك لم يتعرض الفقهاء لحكم الخروج في أثناء العمرة و من تعرض لذلك منهم افتى بجواز الخروج، و لكن الإطلاق في صحيحة حماد بن عيسى يكفي في الدلالة على التحريم، فإن الروايات الأخرى قد دلّت على تحريم الخروج بعد إتمام العمرة لأن ذلك مورد الفرض في الرواية أو محل السؤال و لم تقيّد الحكم بذلك فلا موجب لتقييد الصحيحة الدالة على الحرمة.

المسألة 448:

إذا دخل مكة و هو محرم بعمرة التمتع ثم عرضت له ضرورة لا بد منها للخروج من مكة في أثناء عمرته أو طرأت حاجة توجب له العسر أو الحرج إذا فقدها جاز له الخروج و هو محرم بالعمرة فإذا قضى حاجته و عاد إلى مكة جاز له دخولها لانه محرم و ان طالت مدة إحرامه فيتم عمرته و يأتي بالحج بعدها.

المسألة 449:

إذا خرج المكلف من أهل مكة أو المجاورين فيها الى بعض المواضع القريبة أو البعيدة عن مكة ثم أراد الدخول إليها وجب عليه الإحرام بحج أو بعمرة و لم يجز له ان يدخلها محلا، إلا إذا كان من الحطّابة أو الحشاشة أو الرعاة أو نقلة الميرة إلى البلد الذين يتخذون ذلك عملا و مهنة لهم، إلا إذا كان قد دخل مكة قبل ذلك و هو محرم بحج أو بعمرة تمتع أو بعمرة مفردة و أتم نسكه فيها، ثم خرج منها،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 219

فيجوز له ان يدخلها بغير إحرام إذا كان دخوله قبل ان ينقضي شهر نسكه السابق، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و السادسة عشرة، و قد سبق منا انه لا يعتبر الفصل بين العمرتين بفاصل من الأيام، و نتيجة لذلك فيجوز لمن خرج من مكة و أراد الدخول فيها ان يحرم بعمرة جديدة و ان لم تفصل بينها و بين عمرته الاولى مدة.

المسألة 450:

يجوز للمتمتع ان ينزل في ضواحي مكة التابعة لها عرفا و التي لا يعد الذهاب إليها خروجا من مكة، فإذا أقام بها في أثناء عمرته أو بعد الإحلال منها لم يضره ذلك و جاز له الغدو و الرواح إلى منزله فيها و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و التاسعة و الثلاثين.

[النوع الثاني: حج الإفراد،]
المسألة 451:

النوع الثاني من الحج هو حج الإفراد، و قد بيّنا في أول الفصل الثامن ان حج الإفراد أو حج القران فريضة كل مكلف يستطيع الحج ممن يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و هم أهل مكة نفسها و من يحيط بها من أهل الضواحي و الديار القريبة التي لا تبعد عن المسجد الحرام بستة عشر فرسخا تامة، أو بستة و ثمانين كيلو مترا و نصفا على وجه التقريب، فيتخير المكلف المستطيع للحج منهم ان يأتي بأي هذين النوعين من الحج أراد، و أفضلهما هو حج القران.

و قد سبق أيضا ان الحج في كل من النوعين ينفرد عن العمرة و لا يرتبط بها في العمل و لا في الاستطاعة و لا في التكليف، فإذا استطاع المكلف للحج وحده وجب عليه و لم تجب عليه العمرة، و إذا استطاع للعمرة وحدها وجبت عليه و لم يجب الحج، و إذا استطاع لهما معا وجب عليه كل واحد منهما على انفراده و لم تتوقف صحته على ان يأتي بالآخر.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 220

المسألة 452:

أعمال حج الإفراد بذاتها هي أعمال حج التمتع ما عدا الهدي فإنه غير واجب في حج الإفراد و قد تقدم تعداد الاعمال في المسألة الأربعمائة و الرابعة و العشرين و ما بعدها و ذكرها هنالك يغنينا عن التكرار.

المسألة 453:

يشترط في صحة حج الإفراد أولا النية كما تشترط في غيره من العبادات، و هي كما قلنا في نظيره ان يقصد المكلف الإتيان بالنوع الخاص من الحج متقربا به الى اللّٰه و موضعها عند الإحرام به، و يكفي ان يقصد الإتيان بالأعمال على وجه الاجمال كما ذكرنا في حج التمتع و ان يجري على مقتضى نيته هذه حتى يتم الاعمال و تراجع المسألة الأربعمائة و السابعة و العشرون.

و يشترط فيه ثانيا ان يكون الإتيان بإحرامه و اعماله في أشهر الحج، فلا يصح إذا أحرم به قبل أشهر الحج و ان بقي على إحرامه في مكة أو في غيرها حتى أتم الحج في أيامه، و يشترط فيه ثالثا ان يحرم به من احد المواقيت الآتي ذكرها أو من دويرة أهله إذا كانت أقرب الى مكة من الميقات على ما يأتي بيانه في فصل المواقيت.

المسألة 454:

إذا استطاع المكلف من حاضري المسجد الحرام للحج و العمرة في سنة واحدة وجب عليه الإتيان بهما و المبادرة لهما، و الأحوط ان يقدم الحج، فإذا أتى بحج الافراد و أتمه فالأحوط له لزوما أن يأتي بعده بالعمرة المفردة من ادنى الحلّ، و لكنها لا ترتبط بالحج كما هو الحكم في عمرة التمتع، فإذا أخرها لغير عذر أثم بتأخيره، و إذا أخرها لعذر لم يأثم و لا يبطل حجه في الصورتين، و تلزمه المبادرة للإتيان بها و هكذا، و لا يشترط في صحتها أن يأتي بها في أشهر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 221

الحج.

[النوع الثالث: حج القران،]
المسألة 455:

النوع الثالث من الحج هو حج القران، و هو الثاني من النوعين اللذين يتخير بينهما المكلف من أهل مكة و توابعها في الحكم إذا استطاع الحج كما تقدم، و اعمال حج القران هي أعمال حج الافراد التي ذكرناها، و شروطه و أحكامه هي بذاتها شروط حج الافراد و احكامه.

و الفارق الأول بينهما هو ان القارن يسوق معه هديا عند إحرامه بالحج، فيتعين عليه ان يذبح ذلك الهدي أو ينحره في يوم النحر بمنى، و ان المفرد لا يجب عليه الهدي كما قلنا في المسألة الأربعمائة و الثانية و الخمسين.

و الفارق الثاني بينهما ان القارن يتخير عند إحرامه بالحج بين ان يعقد إحرامه بإشعار الهدي الذي ساقه معه أو تقليده، و سيأتي بيان المراد منهما، و ان يعقد إحرامه بالتلبية بعد الإحرام، و ان المفرد يتعيّن عليه ان يعقد إحرامه بالتلبية خاصة.

و الفارق الثالث بينهما ان القارن لا يجوز له بعد انعقاد إحرامه ان يعدل من الحج إلى عمرة التمتع سواء كان حجه واجبا أم مندوبا، و ان الحاج المفرد إذا دخل

مكة و كان إحرامه بحج مندوب، يصح له ان يعدل عن حج الإفراد الى عمرة التمتع إذا كان قبل الوقوف بعرفات، فيتم نسكه عمرة تمتع ثم يحرم بعدها بحج التمتع.

[مسائل]
المسألة 456:

الإشعار هو ان يشق القارن سنام البدنة التي يسوقها معه هديا عند إحرامه، فيقوم عن جانبها الأيسر و هي معقولة و يشق سنامها من جانبه الأيمن و يلطخ صفحته بالدم، و يختص الاشعار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 222

بالهدي إذا كان من الإبل، و لا يجري فيه إذا كان من البقر أو الغنم، و التقليد ان يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلّى فيه، و يجوز التقليد في كلّ من الإبل و البقر و الغنم، و ستأتي بقية الاحكام في فصل الإحرام.

المسألة 457:

يفترق حج التمتع عن حج الإفراد و حج القران في عدة جهات:

الفارق الأول: يشترط في عمرة التمتع و حجه ان يكونا متصلين فيجب ان يقعا في أشهر الحج من سنة واحدة و قد تكرر منا ذكر هذا، و لا يعتبر ذلك في حج الافراد و حج القران مع العمرة المفردة حتى إذا استطاع المكلف للحج و العمرة في عام واحد و قد أوضحنا هذا من قبل و تراجع المسألة الأربعمائة و الرابعة و الخمسون، و حكم حج القران في هذا و في غيره حكم حج الافراد.

الفارق الثاني: يشترط في صحة عمرة التمتع و في صحة حجه ان يأتي المكلف بالعمرة قبل الحج و في عامه كما قلنا و لا يشترط ذلك في حج الإفراد و القران مع العمرة المفردة، فيصح كل من الحج و العمرة إذا أتي المكلف به منفردا عن الآخر أو مقدما عليه أو متأخرا عنه.

الفارق الثالث: يجب في حج التمتع ان يكون الإحرام به من مكة نفسها، و يجب في حج الإفراد و في حج القران ان يكون الإحرام بهما من أحد المواقيت الآتي ذكرها أو من دويرة أهل

المكلف إذا كانت أقرب من المواقيت إلى مكة.

الفارق الرابع: يجب على المكلف في حج التمتع ان ينحر أو يذبح ما استيسر من الهدي، و يجب ذلك على المكلف في حج القران إذا ساق الهدي معه عند إحرامه، و لا يجب عليه شي ء من ذلك في حج الإفراد.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 223

الفارق الخامس: لا يجوز للمكلف في حج التمتع ان يقدم الطواف و السعي الواجبين على الوقوف بعرفات و المشعر الحرام و مناسك منى يوم النحر إلا إذا كان مضطرا الى التقديم، و يجوز ذلك في حج الإفراد و في حج القران مع الاختيار.

المسألة 458:

يجوز للمكلف إذا دخل مكة و هو محرم بحج الإفراد أو بحج القران ان يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل ان يخرج الى الموقفين، و الأحوط له ان يجدد التلبية بعد صلاة الطواف، و إذا تكرر منه الطواف فلا يترك الاحتياط بأن يجدد التلبية بعد صلاة كل طواف.

و الأحوط للمتمتع إذا أحرم بحج التمتع ان لا يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل الموقفين و أعمال منى في يوم النحر و ان كان الأقوى جواز ذلك على كراهة.

المسألة 459:

إذا أحرم الإنسان بحج الإفراد و كان حجه مندوبا، جاز له ان يعدل بنيته عن حج الإفراد الى عمرة التمتع، فإذا دخل مكة بعد عدوله طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة ثم أحلّ من إحرامه، فإذا حضرت أيام الحج أحرم بحج التمتع و أتم نسكه، و كذلك إذا دخل مكة بعد إحرامه بحج الإفراد، أو طاف بالبيت بعد دخوله و سعى بين الصفا و المروة، فيجوز له العدول بنيته إلى عمرة التمتع في جميع هذه الصور، فيقصّر بعد السعي و يحلّ من إحرامه و يأتي بحج التمتع.

و لا يجوز له العدول إلى عمرة التمتع إذا جدّد التلبية بعد ان أتم السعي، و لا يجوز له العدول إلى عمرة التمتع و حج التمتع بعد الوقوف بعرفات و ان كان قد طاف و سعى قبل الوقوف، و لا يجوز

كلمة التقوى، ج 3، ص: 224

للمكلف ان يعدل إلى عمرة التمتع إذا أحرم بحج القران و ساق معه الهدي و ان كان حجه مندوبا.

المسألة 460:

لا يجوز لمن يحرم بعمرة التمتع ان يعدل بنيّته بعد الإحرام بها الى حج الإفراد أو حج القران أو الى العمرة المفردة، سواء كان ممن يتعيّن عليه حج التمتع قبل الإحرام أم كان ممن لا يتعيّن عليه، كما إذا كان حجه مندوبا أو منذورا مطلقا.

و يستثنى من ذلك ما إذا ضاق عليه الوقت، فإذا هو أتم عمرة التمتع فاته الحج و لم يدركه، فيجوز له العدول في هذه الصورة بنيّته الى حج الإفراد، فإذا أتم أعمال الحج أتى بعده بعمرة مفردة يحرم بها من أدنى الحلّ، و يتحقق للمكلف ضيق الوقت الذي يفوت بعده الحج و يجوز معه العدول بأن لا يبقى

له من الفرصة ما يمكنه ان يطوف فيها و يصلي ركعتي الطواف و يسعى و يحل من إحرامه، ثم يحرم بالحج و يدرك مسمى الوقوف بعرفات قبل ان تغرب الشمس من اليوم التاسع، و هو الركن الاختياري من الموقف بعرفات، فإذا ضاق الوقت عن ذلك جاز له العدول، و إذا عدل بنيّته الى حج الإفراد و عمل على ما ذكرناه صح حجه و كفاه إذا كان مندوبا، و أجزأه في براءة ذمته من التكليف إذا كان واجبا.

المسألة 461:

إذا عدل المتمتع بنيّته عن عمرة التمتع الى حج الإفراد كما ذكرنا في المسألة السابقة و أتمها حجة مفردة، فإن كانت عمرة التمتع التي عدل عنها واجبة عليه، وجب عليه أن يأتي بعد الحج بعمرة مفردة يأتي بها من ادنى الحلّ بدلا عن عمرة التمتع التي فاتته، و ان كانت مندوبة لم يجب عليه الاعتمار بعد الحج، و استحب له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 225

المسألة 462:

إذا دخل المتمتع مكة في سعة من الوقت و أكمل عمرة التمتع و أحرم بعدها بحج التمتع في حال السعة، ثم عرض له بعض الموانع حتى فاته الركن من الموقف الاختياري في عرفات كفاه ان يدرك الموقف الاضطراري فيها و سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه في فصل الوقوف بعرفات، و كذلك إذا عرض له بعض الموانع فلم يتمكن من الإحرام بحج التمتع في حال السعة و أمكن له ان يحرم بالحج بعد الوقت الاختياري فيجب عليه ان يبادر فيحرم بالحج و يدرك الموقف الاضطراري و يجزيه ذلك عند العذر.

المسألة 463:

إذا كان المكلف ممن يتعيّن عليه في حج الإسلام ان يأتي بحج التمتع، و هو البعيد الذي لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و علم قبل إحرامه بأن الوقت ضيق لا يقدر فيه على إتمام عمرة التمتع و أدراك الموقف الاختياري في الحج، لم يجز له ان يحرم من أول الأمر بحج الإفراد، فإنه غير وظيفته التي تتعيّن عليه و لا يكون حكمه حكم من طرأ له العذر بعد الإحرام، فإن كان الوقت متسعا أولا و لكن المكلف أخر الإحرام باختياره حتى ضاق الوقت استقر الحج في ذمته و وجب عليه الإتيان به في العام المقبل، و ان كان الوقت ضيقا منذ البداءة فلا يمكنه الإحرام إلا في الوقت الضيق، فالظاهر سقوط الفرض عنه لعدم قدرته على حج التمتع، و أما حج الإفراد أو القران فإنما هو فرض القريب.

المسألة 464:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع في سعة من الوقت، و دخل مكة كذلك، و لكنه أخر الطواف و السعي لعمرته عامدا مختارا حتى ضاق الوقت، و أصبح إتمام العمرة غير ممكن له لأنه يفوت عليه الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 226

بفوات الركن الاختياري من وقوف عرفات، فالظاهر وجوب العدول عليه الى حج الإفراد و إتمامه كذلك و ان كان آثما عاصيا بتأخيره أفعال العمرة باختياره.

المسألة 465:

إذا دخل المكلف المتمتع مكة و اعتقد ان الوقت واسع يستطيع ان يتم فيه اعمال عمرته و يحل منها ثم يحرم بعدها للحج و يدرك الموقف، فأتم طوافه و سعيه بهذا القصد، ثم استبان له انه مخطئ في اعتقاده و قد فاته الموقف الاختياري بعرفات، فالظاهر بطلان طوافه و سعيه و انه باق على إحرامه الأول، و لذلك فيجب عليه ان يعدل بنيّته الى حج الافراد و ان يبادر لإدراك الموقف الاضطراري في عرفات في ليلة العاشر، فإن لم يقدر على إدراكه أدرك الموقف الاختياري في المشعر الحرام، و بذلك يصح حجه مفردا، و عليه أن يأتي بعمرة مفردة بعد فراغه من الحج إذا كان حج التمتع واجبا عليه.

المسألة 466:

إذا أحرمت المرأة بعمرة التمتع و هي حائض أو نفساء، و قدمت مكة و هي كذلك وجب عليها ان تنتظر، فإن هي طهرت من حدثها في سعة من الوقت اغتسلت ثم طافت بالبيت طواف العمرة وسعت و أحلّت من إحرامها، ثم أحرمت بحج التمتع في موعده، و ان استمر بها الدم حتى ضاق الوقت و لم يمكن لها الطواف لتتم العمرة، وجب عليها ان تعدل بنيتها الى حج الافراد و تخرج الى المشاعر لتؤدي المناسك، فإذا تم الحج وجب عليها ان تعتمر عمرة مفردة إذا كانت عمرة التمتع واجبة عليها، و كفاها حج الافراد و العمرة المفردة اللذان أتت بهما عما في ذمتها من حج التمتع و عمرته، و المدار على ان تدرك الركن من الوقوف الاختياري

كلمة التقوى، ج 3، ص: 227

كما ذكرنا في ما تقدم.

المسألة 467:

إذا أحرمت المرأة بعمرة التمتع و هي طاهرة، ثم حاضت أو نفست بعد الإحرام، أو بعد دخول مكة أو قبل الإتيان بأعمال العمرة، وجب عليها ان تنتظر، فإن طهرت من حدثها قبل أوان الحج اغتسلت و أتت بأعمال عمرتها كما تقدم، ثم أحرمت بالحج في موعده، و ان استمر بها الدم حتى ضاق عليها الوقت، تخيرت على الأقوى بين ان تعدل بنيتها الى حج الافراد فتخرج الى عرفات و المشاعر و تتم اعمال الحج و تأتي بعده بعمرة مفردة كما سبق في المسألة الماضية، و ان تغتسل و تحتشي، ثم تسعى بين الصفا و المروة و تقصّر و تحل من إحرام العمرة، و تحرم بعدها بحج التمتع فإذا طهرت من حدثها بعد اعمال منى اغتسلت و طافت طواف عمرة التمتع أولا، ثم طافت طواف حج التمتع ثانيا وسعت

سعي الحج، و طافت طواف النساء، و الأحوط استحبابا لها ان تختار العدول الى حج الإفراد.

المسألة 468:

إذا حاضت المرأة المتمتعة في أثناء طوافها بعمرة التمتع و لم تتجاوز نصف الطواف و هو ثلاثة أشواط و نصف بطل طوافها على الأصح، و وجب عليها الخروج من المسجد، فإن كانت في سعة من الوقت وجب عليها ان تتربص حتى تطهر من حدث الحيض و تغتسل و تستأنف طوافها من اوله و تتم اعمال العمرة و تحل منها، ثم تحرم بعدها بحج التمتع، و ان ضاق عليها الوقت و لم تطهر من الحيض، تخيرت- كما قلنا في المسألة الماضية- بين ان تعدل بنيتها الى حج الافراد و تعتمر بعده عمرة مفردة، و بين ان تسعى بين الصفا و المروة، و تقصّر فتحل من العمرة ثم تحرم لحج التمتع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 228

كما فصّلنا في المسألة المشار إليها، و قد قلنا: ان الأحوط لها ان تختار العدول الى حج الإفراد.

المسألة 469:

إذا حاضت المرأة المتمتعة بعد ان تجاوزت النصف من طواف عمرة التمتع، وجب عليها أن تحفظ عدد الأشواط التي قطعتها، و الموضع الذي انقطع فيه طوافها، و ان تخرج من المسجد، فإن كانت في سعة من الوقت صبرت حتى تطهر من الحيض، فإذا اغتسلت منه وجب عليها ان تتم طوافها بالبيت سبعة أشواط من الموضع الذي قطعته، ثم تصلي صلاة الطواف و تسعى و تقصّر، و تحرم بعد ذلك بحج التمتع، و ان ضاق عليها الوقت من قبل ان تطهر من الحيض، وجب عليها ان تسعى بين الصفا و المروة ثم تقصّر، و تحرم بعده بالحج، فإذا طهرت من الحيض بعد مناسك منى مضت إلى مكة، و أتمّت ما نقص من طواف العمرة من الموضع الذي قطعته حين حاضت و صلّت صلاة الطواف

ثم طافت بعده طواف الحج و صلّت صلاته وسعت سعي الحج و طافت بعده طواف النساء.

المسألة 470:

إذا أكملت المرأة المتمتعة طواف العمرة سبعة أشواط ثم حاضت قبل ان تصلي صلاة الطواف، وجب عليها ان تخرج من المسجد، فإذا كان الوقت واسعا انتظرت حتى تطهر من الحيض فإذا هي اغتسلت من حدثها صلت صلاة الطواف ثم سعت و أتمت اعمال العمرة و أحرمت بعدها بالحج، و إذا كان الوقت ضيّقا أخّرت صلاة الطواف و سعت بين الصفا و المروة و أتمت العمرة و أحرمت للحج، فإذا طهرت بعد اعمال منى اغتسلت و مضت الى البيت و صلّت صلاة طواف العمرة أولا و طافت طواف الحج و سعت له، و طافت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 229

طواف النساء.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 230

الفصل العاشر في المواقيت

[الأول: ذو الحليفة،]
المسألة 471:

المواقيت المبحوث عنها في كتاب الحج هي المواضع الخاصة التي عيّنت في الشريعة لإحرام المسلمين بالحج و بالعمرة أو بأحدهما خاصة، و مجموع ما يذكره الفقهاء من هذه المواضع عشرة:

الأول:

ذو الحليفة، و يسميه عامة الناس في هذه الأعصار (آبار علي)، و قد أطلق عليه في بعض النصوص اسم الشجرة، و لا يختص موضع الإحرام بمسجد الشجرة نفسه على الأقوى، فيصح الإحرام من خارجه مما يسمى بالشجرة و بذي الحليفة، و ان كان الإحرام من المسجد الذي صلّى فيه الرسول (ص) و أحرم فيه أفضل بل و أحوط، و لكنه لا يتعيّن و خصوصا لذوي الأعذار كالحائض و المريض في أوقات الازدحام و شبه ذلك، و لا تلحق الزيادة التي أضيفت الى المسجد بالمسجد الأصلي في الفضيلة، و يصح الإحرام منها و أداء صلاة الإحرام فيها.

و ذو الحليفة ميقات وقّته الرسول (ص) لأهل المدينة و لكلّ من يمرّ عليها في طريقه الى مكة في حج أو عمرة من أهل الأمصار الأخرى،

و ان كان لأهل مصره ميقات آخر قد عيّنه الرسول (ص) لهم إذا مرّوا به في طريق بلادهم الخاص إلى مكة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 231

المسألة 472:

يمرّ الحجاج و المعتمرون من أهل المدينة و أهل الأمصار الذين يحجون أو يعتمرون من طريق المدينة بذي الحليفة و بالجحفة و هي الميقات الثالث الذي سيأتي ذكره، و لا يجوز لهم على الأقوى أن يؤخروا الإحرام من ذي الحليفة الى أن يصلوا إلى الجحفة إذا كانوا مختارين في ذلك غير معذورين، و يجوز ذلك لمن اضطر اليه لمرض أو ضعف يمنعه من تقديم الإحرام، و كذلك إذا لزمه ضرر شديد.

أو حرج لا يتحمل عادة من الإحرام من الشجرة، فيجوز له تأخير الإحرام إلى الجحفة، و لا يتعدى في الحكم بالجواز الى الموانع الأخرى كالحرّ و البرد و المطر و شبه ذلك إذا لم يلزم منها ضرر أو حرج كما ذكرنا.

المسألة 473:

لا يتعيّن على الحاج أو المعتمر من أهل المدينة أن يسلك في سفره الى مكة طريق أهل المدينة المعروف، فيجوز له أن يسلك طريقا آخر لا يمرّ بمسجد الشجرة أو يحج و يعتمر من بلد آخر فيحرم من ميقات ذلك البلد، و كذلك الحجاج و المعتمرون من أهل الأمصار إذا دخلوا المدينة و أرادوا السفر إلى مكة من غير طريق المدينة، عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية، و إذا دخل الحاج أو المعتمر المدينة و مرّ بالشجرة ثم أراد العدول الى طريق آخر غير طريق المدينة فلا يترك الاحتياط بأن يحرم من الشجرة ثم يخرج محرما الى أي طريق أراد فلا يجتاز الشجرة الا و هو محرم.

المسألة 474:

يستثنى من الحكم المتقدم من دخل المدينة من حجاج الأمصار و أقام فيها شهرا أو نحوه و هو يريد الحج ثم بدا له أن يسلك في سفره الى مكة غير طريق مسجد الشجرة فيجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 232

يحرم عند محاذاة مسجد الشجرة في البيداء على ستة أميال من المدينة كما دلت عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان.

المسألة 475:

قد ذكرنا أن ميقات ذي الحليفة لا يختص بمسجد الشجرة، بل يعم الموضع كله، و ان كان الإحرام من المسجد الذي أحرم فيه الرسول (ص) أفضل، و لذلك فيصح للحائض و النفساء و الجنب الذي لا يمكنه الاغتسال لمرض و شبهه أو لا يجد الماء ليغتسل به و لا يمكنه التيمم، يصح لهؤلاء جميعا و لغيرهم أن يحرموا من خارج المسجد، و يمكن للحائض و النفساء و الجنب أن يحرموا من المسجد نفسه في حال الاجتياز في داخله و العبور منه، و الاجتياز هو أن يدخل الإنسان من أحد أبواب المسجد و يخرج من باب آخر من غير مكث و لا تردّد و لا طواف في المسجد، فيدخل الجنب المعذور و الحائض فيه و يعقدان إحرامهما و يهلان بالحج أو بالعمرة و هما مجتازان من غير صلاة.

[الثاني من مواضع الإحرام: العقيق،]
المسألة 476:

الثاني من مواضع الإحرام:

العقيق، و هو واد واحد مستطيل جدا أو عدة أودية متصلة قد عقّها السيل أي شقّها و أنهرها و وسّعها-، كما يقول بعض اللغويين في وجه تسميته بالعقيق-، وسيلة يصب في غور تهامة، و هذا الموضع ميقات وقّته الرسول (ص) لأهل العراق و أهل نجد و من يحج أو يعتمر على طريقهما من أهل الأمصار الأخرى.

و أول هذا الميقات من جهة العراق و نجد، موضع يقال له المسلخ و أوسطه غمرة و آخر ذات عرق، و الأفضل للمكلف أن يحرم من المسلخ، و الأحوط أن لا يؤخر إحرامه إلى ذات عرق إلا إذا اقتضته ضرورة أو تقية، و ان كان الأظهر جواز ذلك كما هو المشهور.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 233

المسألة 477:

إذا لم يعلم المكلف بحدود الميقات الذي يحرم منه أخّر إحرامه حتى يعلم بدخوله في الميقات الشرعي، و يجوز له أن يقدّم إحرامه عليه بالنذر.

المسألة 478:

إذا اقتضت خصوصية ملزمة من التقية أن يؤخر الرجل إحرامه الى ان يصل الى ذات عرق جاز له أن يحرم سرا من المسلخ، فينزع ثيابه و يلبس ثوبي الإحرام و يعقد إحرامه و يلبي سرا، ثم ينزع الثوبين و يلبس ثيابه حتى يصل ذات عرق فينزع ثيابه و يظهر إحرامه و يجهر بتلبيته، و يلزمه الفداء على الأحوط للبس المخيط، و قلت: إذا اقتضت ذلك خصوصية ملزمة من التقية، لأن ظاهر مذاهب الجمهور أنهم متفقون على جواز تقديم الإحرام قبل الميقات، و لذلك فلا بدّ و أن تكون التقية في المورد لا تتأدى إلا بذلك.

[الثالث: الجحفة]
المسألة 479:

الثالث من المواضع المعيّنة للإحرام:

الجحفة بالجيم ثم الحاء، و هو منزل بين مكة و المدينة يقرب من رابغ، و يقول بعض اللغويين: هي قرية كانت جامعة فأجحف بها السيل، و من أجل ذلك سميت جحفة، و قد أصبحت خربة غير آهلة و تسمى المهيعة، و هي موضع وقّته الرسول لإحرام أهل الشام و أهل مصر و المغرب، و من يحج أو يعتمر على طريقهم إلى مكة من أهل البلاد الأخرى.

المسألة 480:

الظاهر أن الجحفة غير معروفة المعالم في الوقت الحاضر، و ان حددها بعضهم بأنها تقرب من رابغ، أو بأنها تقع بين بدر و خليض، و بأنها على سبع مراحل من المدينة، و على ثلاث مراحل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 234

مكة، و انها مرحلة تكون بين قديد و الأبواء.

و قد قال في ملحق كتاب أخبار مكة للأزرقي: الجحفة في طريق الساحل الشمالي من الحجاز، و الجحفة مندثرة اليوم، و يحرم الحاج في الوقت الحاضر من رابغ، و لا اعتبار و لا غناء بجميع ذلك في تعيين الموضع أو تعيين موضع محاذاته، و حتى إذا أخبر بعض سكان تلك النواحي بشي ء فلا دليل على اعتبار قوله، فإنه إنما يعتمد على أمور حدسية أو ظنية لا تغني شيئا، و لذلك فلا بد للحاج أو المعتمر من أن يقصد أحد المواقيت الأخرى فيحرم منه، أو يقدّم إحرامه على الجحفة بالنذر، إلا إذا حصل له العلم بموضع الميقات من تلك الأقوال، أو من قرائن أخرى أو حصل له العلم بمحاذاته.

و قد ورد من طرق الشيعة و من طرق سائر المسلمين في حديث الغدير المتواتر بينهم: أن الرسول (ص) لما رجع من حجة الوداع و بلغ الجحفة جمع المسلمين

عند الظهيرة أو بعد صلاة الظهر و خطب فيهم خطبته المعروفة، و التي قال فيها: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه، و بمقتضى هذه الأحاديث أن مسجد الغدير الموجود- الذي يذكره كثير من الثقات المترددين في طريق المدينة- من الجحفة، و قد ورد أيضا في جملة من تلك الأحاديث أن الغدير قبل الجحفة بثلاثة أميال، و على هذا فلا يكون مسجد الغدير من الجحفة و ان كان قريبا منها، و بعد، فالنصوص المذكورة ليست واردة في مقام بيان هذه الجهة فلا يستفاد منها تعيين موضع الجحفة، و قد جمع العلامة الثقة الأميني (قدس سره) من هذه الأحاديث ما يغني عن غيره في كتاب الغدير فليرجع اليه من أراد.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 235

[الرابع: يلملم،]
المسألة 481:

الرابع من مواضع الإحرام:

يلملم، و هو جبل يكون على مرحلتين في طريق مكة إلى صنعاء، و المرحلة الأولى بعد مكة هي الملكان كما يقول المؤرخ اليعقوبي في كتاب البلدان، و الثانية هي يلملم، و يسمى في الأيام الحاضرة السعدية، و هو ميقات عيّنه الرسول (ص) لأهل اليمن، و من يحج أو يعتمر على طريقهم من أهل البلاد الأخرى.

[الخامس: قرن المنازل،]
المسألة 482:

الخامس من مواقيت الإحرام:

قرن المنازل، و هي قرية تتبع مدينة الطائف تعرف بهذا الاسم، و هي ميقات وقّته الرسول (ص) لإحرام الحجاج و المعتمرين من أهل الطائف و من يحج أو يعتمر على طريقهم إلى مكة من أهل البلاد الأخرى، و لا يختص الميقات بالجبل الموجود في القرية و لا بالمساجد التي بنيت على الجبل أو في القرية، فيصح الإحرام من أي موضع يكون من القرية المعروفة بهذا الاسم.

[السادس: مكة المكرمة]
المسألة 483:

السادس من مواضع الإحرام:

مكة المكرمة، و هي ميقات للإحرام بحج التمتع الواجب منه و المندوب، سواء كان المتمتع من أهل الأمصار البعيدة أم القريبة، و يختص الميقات بمكة الأصلية و لا يعم المحلات و الأحياء في مكة الجديدة فلا يصح للمكلف الإحرام فيها، و قد بيّنا هذا مفصلا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين فليرجع إليها.

[السابع: منزل المكلف]
المسألة 484:

السابع من مواضع الإحرام:

من كان من المكلفين منزله الذي يتوطنه أقرب إلى مكة من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 236

الميقات، فميقاته منزله، فإذا أراد الحج أو العمرة أحرم من منزله و خرج الى نسكه في مكة أو في عرفات، و يجوز له أن يخرج الى أحد المواقيت الأخرى فيحرم منه و لا يحرم من منزله.

المسألة 485:

إذا كان منزل الرجل أقرب الى مكة من الميقات، و كان في طريقه الى مكة ميقات آخر أقرب إليها من منزله لم يكفه أن يحرم من منزله، و وجب عليه أن يحرم من الميقات الذي يكون في طريقه إذا وصل اليه، و مثال ذلك: أن يكون منزل الرجل بعد مسجد الشجرة و قبل الجحفة، فلا يكون ميقاته دويرة أهله، بل يخرج من منزله محلا حتى يصل الجحفة فيحرم منها أو يخرج الى العقيق أو غيره من المواقيت فيحرم منه.

المسألة 486:

إذا كان ميقات الرجل دويرة أهله فأحرم منها و خرج الى مكة كفاه إحرامه كما ذكرنا، و لا يجب عليه تجديد الإحرام إذا اتفق له أن مرّ بعد الإحرام ببعض المواقيت لبعض الحاجات.

المسألة 487:

لا يترك الاحتياط للمكلف من أهل مكة إذا هو أراد الإحرام بحج الإفراد أو القران أن يخرج من مكة إلى الجعرانة، فيحرم منها ثم يعود إلى مكة، و يجدد إحرامه و تلبيته في مكة نفسها و كذلك من سكن مكة من أهل الأمصار البعيدة و قصد التوطن فيها و من أقام فيها بقصد المجاورة و تمت له فيها سنتان أو أكثر فيكون حكمهما حكم أهل مكة، و يلزمهما الاحتياط المذكور، و إذا أقام فيها بقصد المجاورة و لم تكمل له سنتان، و أراد الإحرام بحج الإفراد أو القران خرج كما ذكرنا إلى الجعرانة و أحرم منها، و لم يحتج إلى تجديد إحرامه في مكة، و قد بيّنا حكم أهل مكة و المقيمين فيها إذا أرادوا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 237

حج التمتع في المسألة الأربعمائة و الثامنة و سيأتي ذكر ميقاتهم في العمرة المفردة.

المسألة 488:

الجعرّانة بكسر الجيم و العين و تشديد الراء و يخففها بعضهم، موضع في طريق الحجاج المقبلين من العراق، و هي تبعد عن مكة بخمسة عشر كيلو مترا، و قد نزلها الرسول (ص) بعد رجوعه من الطائف في غزوة حنين، و قسّم فيها غنائم الغزوة، و أحرم منها للعمرة في شهر ذي القعدة سنة ثمان للهجرة، و على رأس هذا الموضع تقع أنصاب الحرم من هذه الجهة، و تسمى هذه الأنصاب المستوفرة، و تبلغ سعة الحرم من هذه الجهة تسعة أميال من مكة.

و في صحيحة أبي الفضل قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّٰه (ع): من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّٰه (ص) من الجعرّانة، أتاه في ذلك المكان فتوح، فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح.

[الثامن: فخ، أو بطن مر، أو العرج، أو الجحفة،]
المسألة 489:

الثامن من مواضع الإحرام:

فخ، أو بطن مر، أو العرج، أو الجحفة، و هو ميقات خاص بالأطفال و الصبيان الذين يخشى أولياؤهم عليهم من الحر أو البرد إذا أحرموا بهم من مسجد الشجرة، فيؤخرون الإحرام بهم الى أن يصلوا الى أحد هذه المواضع، و يتخيّرون منها ما ترتفع به الضرورة بحسب الزمان و حال الطفل.

و فخ واد معروف قريب من مكة و يقع في مدخلها من طريق جدّة، و بين وادي فاطمة و طريق التنعيم، و يعرف أيضا بالشهداء، و لعله إشارة إلى واقعة فخ المشهورة التي قتل فيها الحسين بن علي بن الحسن شهيد فخ، و بطن مرّ موضع في مرّ الظهران، و يسمى مر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 238

الظهران في الأيام الحاضرة وادي فاطمة، و العرج موضع يكون على أقل من سبع مراحل من المدينة و يكون قبل الجحفة.

المسألة 490:

ذهب بعض الأجلة من العلماء (قدس اللّٰه أسرارهم) في المسألة السابقة الى عدم الفرق بين الصبيان و غيرهم في الميقات، فيتعيّن عندهم على ولي الصبي إذا أراد الإحرام به أن يحرم به من الميقات، نعم، يجوز له أن يؤخر تجريده من الثياب المخيطة الى أن يصل الى فخ، أو الى أحد المواضع الأخرى التي مر ذكرها، و حملوا النصوص الواردة في المسألة على ما يقولون، و بعض هذه النصوص صريح في أن المراد تأخير الصبيان في الإحرام الى هذه المواضع و بعضها ظاهر فيه و لا موجب لحملها على ما ذهب إليه هؤلاء الأجلة، و نتيجة لذلك، فإذا أحرم الولي بالصبي من الميقات و أخر تجريده من الثياب الى فخ أو غيره وجب عليه الفداء للبس المخيط.

[التاسع: محاذاة إحدى المواقيت الخمسة]
المسألة 491:

التاسع من مواقيت الإحرام:

الموضع الذي يحاذي المكلف فيه أحد المواقيت الخمسة الأولى الآنف ذكرها، و هي ذو الحليفة، و العقيق، و الجحفة، و يلملم، و قرن المنازل، و موضع المحاذاة ميقات للحاج و المعتمر الذي لا يمرّ في طريقه بأحد المواقيت المذكورة، فإذا بلغ الى موضع يحاذي فيه أحد المواقيت أحرم من ذلك الموضع.

و يراد من موضع المحاذاة: المكان الذي إذا استقبل المكلف فيه القبلة كان الميقات موازيا له في نظر أهل العرف على يمينه أو على يساره، و لا يعتبر فيه الموازاة بالدقة العقلية، و لذلك فيعتبر في المحاذاة أن يكون الميقات قريبا من موضع المكلّف كما إذا كان بينه فرسخان أو ثلاثة أو نحو ذلك، و لا تكفي موازاته إذا كان الفاصل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 239

بينهما كثيرا، فإن الموازي للشي ء مع البعد الكثير عنه لا يكون محاذيا له عرفا.

المسألة 492:

يشترط في صحة إحرام المكلف من الموضع المذكور أن يحصل له العلم بمحاذاة الموضع للميقات، أو تشهد له بها بيّنة عادلة، أو يحصل له الاطمئنان الكامل بها من القرائن و الأمارات الموجبة للاطمئنان، فلا يصح الإحرام إذا لم تتوفر له هذه الأمور، و يمكنه أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فيصح بذلك إحرامه في جميع الفروض و يتخلص من الإشكال.

المسألة 493:

إذا سافر المكلف إلى مكة للحج أو العمرة في طريق يحاذي فيه ميقاتين أو أكثر وجب عليه أن يحرم عند محاذاة أوّلهما، و مثال ذلك: أن يخرج من المدينة على طريق البيداء، فيحاذي مسجد الشجرة و الجحفة، فيجب عليه أن يحرم عند محاذاة مسجد الشجرة، و لا يجوز له تأخير إحرامه إلى أن يحاذي الجحفة، و كذلك إذا خرج على طريق يحاذي فيه الجحفة و العقيق، فيجب عليه الإحرام عند محاذاة أول الميقاتين و أبعدهما عن مكة، و إذا كان الميقات الأول بعيدا لا تحصل معه المحاذاة العرفية لبعده أحرم عند محاذاة الميقات الثاني، و كذلك إذا شك في صدق المحاذاة عرفا، فيؤخر إحرامه إلى أن يحاذي الميقات الثاني، و يمكنه أن ينذر الإحرام في موضع الشك و يتخلّص من الإشكال.

المسألة 494:

إذا أحرم الشخص للحج أو العمرة عند محاذاة الميقات عرفا على النهج الذي فصّلناه، صح إحرامه و كفاه، و ان أمكن له أن يذهب الى الميقات نفسه فيحرم منه، و صح إحرامه و كفاه و ان كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 240

يمرّ في طريقه بميقات آخر بعد ذلك، و ان كان الأحوط في هذه الصورة ان يجدّد إحرامه و تلبيته عند وصوله الى الميقات الثاني.

المسألة 495:

إذا قطع المكلّف بأنه قد بلغ الى موضع يحاذي فيه الميقات محاذاة عرفية، فأحرم بالحج أو بالعمرة، ثم ظهر له بعد ذلك إنه قد أخطأ في الاعتقاد و إنه أحرم قبل المحاذاة، كان إحرامه باطلا، فإذا ظهر له ذلك و هو في موضع المحاذاة وجب عليه أن يجدّد إحرامه في موضعها و لا يعتدّ بإحرامه السابق، و كذلك إذا استبان له ذلك قبل أن يصل الى موضع المحاذاة، فعليه أن يجدّد الإحرام إذا وصل الى الموضع، و إذا انكشف له إنه قد أحرم قبل المحاذاة بعد أن تجاوز موضع المحاذاة، وجب عليه أن يرجع الى موضع المحاذاة و يحرم منه إذا أمكن له الرجوع إليه، فان لم يمكنه الرجوع اليه وجب عليه أن يجدّد إحرامه في موضعه الذي هو فيه، و لا يعتدّ بإحرامه الأول في جميع الصور.

و كذلك الحكم إذا شهدت له البينة بأنه قد حاذى الميقات، فأحرم اعتمادا على قول البيّنة، ثم علم بخطإ قول البيّنة، فتجب عليه إعادة إحرامه على التفصيل الآنف بيانه، و نظيره ما إذا حصل له الاطمئنان بالمحاذاة لقول بعض الخبراء أو لبعض القرائن فأحرم، ثم تبيّن له خطأ ذلك فتجب عليه إعادة الإحرام على نهج ما سبق ذكره.

المسألة 496:

إذا حصل له العلم بمحاذاة الميقات، أو شهدت له بها البيّنة أو حصل له الاطمئنان بها لبعض القرائن الموجبة- كما فرضنا في المسألة المتقدمة- فأحرم بالحج أو بالعمرة من ذلك الموضع، ثم تبيّن له خطأ ذلك و انه قد تأخر في إحرامه عن موضع المحاذاة الصحيح،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 241

فان كان بعد تبين الخطأ له قادرا على الرجوع الى موضع المحاذاة للميقات وجب عليه أن يرجع الى الموضع و

يجدّد الإحرام فيه، و ان لم يستطع العود بالفعل نظر في حاله المتقدم في وقت إحرامه، فإن كان في ذلك الوقت قادرا على الذهاب الى الميقات و الإحرام منه فلم يذهب اليه و أحرم من الموضع الذي اعتقد بمحاذاته كان إحرامه السابق باطلا، و لذلك فيجب عليه أن يجدّد الإحرام في موضعه الذي هو فيه، و ان كان في وقت إحرامه لا يقدر على الوصول الى الميقات كان إحرامه من ذلك الموضع صحيحا و ان تبيّن له أنه أحرم بعد تجاوز موضع المحاذاة، و لذلك فلا يجب عليه أن يجدّد الإحرام.

المسألة 497:

إذا تحققت للمكلّف المحاذاة العرفية للميقات على الوجه الذي بيّناه في كيفيتها و ما يعتبر فيها و ما يثبتها صح له الإحرام من ذلك الموضع، سواء كان الطريق الذي يسلكه في البر أم في البحر، بل و يصح إحرامه في الجوّ إذا أحرز و هو في الطائرة أنه قد حاذى الميقات محاذاة عرفية، و أمكن له الإحرام من موضع المحاذاة، و لا يعتبر في هذه الحالة أن يكون الميقات عن يمينه أو يساره إذا استقبل مكة، بل يكفي أن يوازي الميقات من أعلى.

المسألة 498:

إذا سافر الإنسان إلى مكة للحج أو العمرة في طريق لا يمرّ فيه على المواقيت و لا يحاذي شيئا منها وجب عليه أن يقصد أحد المواقيت الشرعية فيحرم منه، و إذا تعذّر عليه الوصول إلى أحدها و الى موضع يحاذي فيه بعضها، وجب عليه أن يرجع في طريق الميقات ما أمكنه الرجوع فيحرم من الموضع الذي يمكنه الوصول اليه، فإذا تعذر عليه ذلك أحرم من أدنى الحلّ، و سيأتي في فصل أحكام المواقيت، حكم من ترك الإحرام من الميقات جاهلا أو ناسيا،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 242

و تذكره بعد ذلك، أو كان غير قاصد للنسك ثم قصده بعد ذلك.

[العاشر: أدنى الحلّ،]
المسألة 499:

العاشر من مواضع الإحرام:

أدنى الحلّ، و هو ميقات للإحرام بالعمرة المفردة التي يأتي بها الإنسان بعد حج الإفراد أو حج القران، و هو ميقات للعمرة المفردة للواردين إلى مكة حجاجا أو معتمرين بعد أن يتموا نسكهم، ثم يريدون الإحرام بعمرة مفردة، و هو على الأحوط ميقات العمرة المفردة لأهل مكة و أهل الحرم و المجاورين فيها، فإذا أرادوا العمرة المفردة خرجوا إلى أدنى الحل و أحرموا منه على الأحوط.

و أما النائي من أهل الأمصار فيحرم بالعمرة المفردة من مهلّ أرضه، أو من أحد المواقيت الأخرى إذا مرّ به في طريقه الى مكة، و إذا خرج النائي من أهل الأمصار من بلده و هو غير قاصد لعمرة حتى وصل أدنى الحل أو ما يقرب منه ثم بدا له أن يعتمر، أحرم بعمرته من أدنى الحلّ، و قد اعتمر رسول اللّٰه (ص) بعد انتهائه من غزوة حنين من الجعرّانة، و من كان منزله أقرب الى مكة من الميقات أحرم من دويرة أهله.

المسألة 500:

أدنى الحل هي الحدود الفاصلة بين الحرم المحيط بمكة المكرمة من جميع جوانبها و بين الخارج عنه، و من هذه الحدود الحديبية، و هي في الأصل بئر تقع في طريق جدة إلى مكة ثم سمي بها الموضع كلّه و هي تقع على بعد عشرة أميال من مكة، و في الحديبية مسجد الشجرة التي وقعت عندها بيعة الرضوان المنوه بها في الكتاب الكريم.

و منها التنعيم و هو موضع يقع في طريق المدينة على ثلاثة أميال من مكة، و فيه مسجد عائشة لما أمر الرسول (ص) أخاها عبد الرحمن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 243

بن أبي بكر أن يخرج بها لتعتمر من هذا الموضع بعد حجة الوداع.

و

منها الجعرّانة و قد تقدم ذكرها في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الثمانين، و هي تبعد عن مكة بتسعة أميال، و أبعد حدود الحرم عن مكة هي ذات السليم و تقع في طريق عرفات و الطائف، و أنصاب الحرم فيها على جبل نمرة، و هي تبعد عن مكة أحد عشر ميلا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 243

و من حدود الحرم إضاءة لين و هي موضع في طريق اليمن و أنصاب الحرم فيها على جبل غراب و هي تبعد عن مكة سبعة أميال، و منها القطع و هو جبل في طريق نجد و العراق، و أنصاب الحرم على ثنية خلّ بالقطع و هي أيضا على سبعة أميال، و الحدود المذكورة معلومة معروفة بين أهل البلاد و يصح الإحرام من أيّها شاء.

المسألة 501:

لا يتعيّن على الحاج أو المعتمر أن يحرم من الميقات الخاص الذي عيّنه الرسول (ص) لأهل بلاده، فيجوز له أن يحج على طريق آخر لا يصل فيه الى ميقات أرضه، و إذا حج أو اعتمر على طريق آخر و مرّ على ميقات وجب عليه أن يحرم من ذلك الميقات، و إذا حاذى أحد المواقيت محاذاة عرفية وجب عليه الإحرام من موضع المحاذاة.

المسألة 502:

إذا نذر الإنسان أن يحرم في حجه أو عمرته من ميقات معيّن وجب عليه أن يحرم من ذلك الميقات الذي عيّنه، و يستثنى من ذلك ما إذا حج أو اعتمر على طريق يمرّ فيه بميقاتين، فلا يصح له أن ينذر الإحرام من الميقات الثاني، و مثال ذلك: أن يحج المكلف على طريق المدينة و ينذر أن يكون إحرامه من الجحفة فيبطل نذره، فقد سبق أنه يجب عليه الإحرام من الميقات الأول و هو ذو الحليفة،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 244

و يستثنى من ذلك أن ينذر الإحرام بحج التمتع من أحد المواقيت غير مكة، فلا يصح له ذلك فقد تقدم ان الإحرام بحج التمتع يجب أن يكون من مكة، فإذا نذر الإحرام من غيرها كان نذره باطلا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 245

الفصل الحادي عشر في أحكام المواقيت

المسألة 503:

لا يشرع للحاج و لا للمعتمر أن يحرم قبل أن يصل الى الميقات، و إذا هو أحرم قبل وصوله اليه لم يصح إحرامه و لم يكفه ذلك لحجة أو عمرته، و ان مرّ على الميقات بعد ذلك و هو محرم، بل يجب عليه أن ينشئ إحراما آخر بعد وصوله الى الميقات، و لا يعتدّ بإحرامه الأول.

[الصورة الأولى:]
المسألة 504:

تستثنى من الحكم الذي ذكرناه في المسألة السابقة صورتان:

الصورة الاولى:

أن ينذر المكلف أن يحرم من موضع معيّن قبل الميقات، فيجب عليه الإحرام من ذلك الموضع وفاء بنذره سواء كان الموضع الذي نذر الإحرام منه بعيدا عن الميقات أم قريبا منه، فينذر الإحرام من بلده مثلا أو ينذر الإحرام من المدينة قبل أن يصل الى مسجد الشجرة، و سواء كان نذره متقدما على إحرامه بمدة طويلة أم بفترة قليلة متّصلة به، و قد وردت النصوص بذلك و لا وجه بعد ورودها للتشكيك في الحكم أو للمنع منه و قد نقل ذلك عن بعض الأصحاب.

المسألة 505:

إذا نذر الرجل أن يحرم بالحج أو بالعمرة من موضع معين قبل الميقات و أحرم من ذلك الموضع وفاء بنذره صح إحرامه و كفاه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 246

و لم يجب عليه أن يحرم مرة أخرى عند وصوله الى الميقات أو يجدد النية فيه، بل و لا يجب عليه المرور بالميقات، فيجوز له العدول الى طريق آخر لا يمرّ به.

المسألة 506:

لا يبعد إلحاق العهد و اليمين بالنذر في الحكم الآنف ذكره، فيجوز للرجل أن يعاهد اللّٰه سبحانه أو يقسم به يمينا على أن يحرم قبول الميقات، و يكون حكمه حكم الناذر الذي مرّ بيانه، اعتمادا على موثقة أبي بصير الدالة على ذلك، و لكن الاحتياط لا يترك بأن يحرم أولا من الموضع الذي عيّنه في عهده أو يمينه، ثم يجدّد الإحرام عند وصوله الى الميقات.

المسألة 507:

يشترط في صحة نذر الإحرام قبل الميقات أن يعيّن الناذر في صيغة نذره موضعا يوقع إحرامه منه، فيقول: للّٰه علي إن رزقني هذه النعمة أو إن دفع عني هذه البلية أن أحرم بالحج أو بالعمرة من النجف مثلا، أو يقول: للّٰه علي أن أحرم من المدينة، أو أن أنشئ إحرامي من المسجد الجامع في الكوفة، و لا يصح نذره إذا لم يذكر موضعا خاصا أو بلدا معيّنا، فقال: للّٰه علي أن أحرم بالحج أو بالعمرة قبل الميقات من غير تعيين، أو قال: للّٰه علي ان أحرم اما من النجف أو من كربلاء، على الترديد بين البلدين، أو قال: للّٰه علي أن أحرم من أي موضع ألتقي فيه بصاحبي زيد.

المسألة 508:

لا فرق في جريان الأحكام الآنف ذكرها بين أن يكون الإحرام في حج أو في عمرة، و لا بين أن يكون النسك الذي يحرم له واجبا أو مندوبا، و لا بين حج الإسلام و عمرة الإسلام و غيرها من أقسام الحج و العمرة الواجبين، فلا يصحّ الإحرام فيها جميعا قبل أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 247

يصل الى الميقات، و يصح ذلك مع النذر على الوجه الذي أوضحناه، و إذا استؤجر الرجل أن يحج أو يعتمر بالنيابة عن أحد، و اشترط المستأجر عليه أن يحرم من الميقات تعيّن عليه الإحرام منه، و لم يجز له أن يقدم الإحرام عليه بالنذر، و إذا اشترط عليه أن يحرم من ميقات خاص تعيّن عليه ذلك و لم يجز له إبداله.

المسألة 509:

لا يشرع للإنسان أن يحرم بعمرة التمتع قبل أشهر الحج، و قد سبق منا ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و الثلاثين و ما بعدها و ما يليهما، و لذلك فلا يشرع له أن ينذر الإحرام بها قبل أشهر الحج، و إذا نذر ذلك لم ينعقد نذره و لم يصح إحرامه، و لا تشمله الأدلة التي أشرنا إليها في نذر الإحرام قبل الميقات، و كذلك الحكم في حج القران و حج الإفراد، فلا يصح الإحرام بهما قبل أشهر الحج، و لا ينعقد نذر ذلك إذا نذره المكلف، و لا تشمله نصوص نذر الإحرام قبل الميقات، و أما حج التمتع فالحكم فيه أوضح.

المسألة 510:

إذا نذر الإنسان أن يحرم من موضع معيّن قبل الميقات ثم نسي نذره و أحرم بعد وصوله الى الميقات لم يبطل إحرامه بمخالفة النذر و لم تجب عليه الكفارة، و إذا ترك الإحرام من الموضع المنذور عامدا و أحرم بعد وصوله الى الميقات كان آثما بمخالفته للنذر و وجبت عليه الكفارة، و لم يبطل إحرامه على الأقوى فيصح حجه و عمرته بذلك الإحرام، و الأحوط له استحبابا اعادة الحج و العمرة إذا كانا واجبين، و إذا أراد الإعادة أحرم من الموضع المعيّن للإحرام إذا كان نذره مطلقا.

[الصورة الثانية:]
المسألة 511:

الصورة الثانية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 248

مما يجوز الإحرام فيه قبل الوصول الى الميقات: أن يقصد المكلف الاعتمار في شهر رجب، و يخاف إن هو أخّر الإحرام الى أن يصل الميقات أن يهلّ شهر شعبان و تفوته بذلك عمرة رجب، فيجوز له ان يحرم قبل الميقات ليدرك فضل العمرة في رجب، ففي موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان، قال (ع): (يحرم قبل الوقت لرجب، فإن لرجب فضلا)، و في خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن عمرة رجب ما هي، قال: (إذا أحرمت في رجب و ان كان في يوم واحد فقد أدركت عمرة رجب و ان قدمت في شعبان).

المسألة 512:

إذا أحرم الشخص قبل الميقات ليدرك عمرة رجب- كما هو الفرض السابق- ثم وصل الى الميقات، لم يجب عليه أن يجدّد الإحرام في الميقات على الأقوى، إذا كان وصوله الى الميقات بعد هلال شهر شعبان، و الأحوط استحبابا أن يجدده، و إذا وصل الى الميقات قبل هلال شعبان فالأحوط لزوم تجديده، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 513:

إذا علم الرجل أنه لا يدرك العمرة في رجب إذا هو أخّر الإحرام الى ان يبلغ الميقات لطول المسافة ما بينه و بين الميقات، جاز له أن يحرم بالعمرة قبل الميقات ليدركها و ان لم يتضيق عليه وقت هلال شعبان، و كذلك إذا علم أنه لا يدرك العمرة في الفرض المذكور فأراد أن يقدّم الإحرام قبل الميقات قبل أن يتضيّق عليه الوقت لتكون مدة إحرامه في أيام رجب أطول فيجوز له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 249

المسألة 514:

يجري الحكم المذكور في عمرة رجب المندوبة، و الظاهر جريانه كذلك في عمرة رجب الواجبة بالنذر أو العهد أو اليمين، إذا كان قد نذر عمرة رجب أو حلف أو عاهد اللّٰه عليها، و يشكل جريان الحكم في غير ذلك من أقسام العمرة الواجبة.

[مسائل]
المسألة 515:

ذكرنا في أول هذا الفصل أنه لا يشرع للحاج أو المعتمر ان يحرم بنسكه قبل أن يصل الى الميقات، و هذا الحكم انما يثبت إذا كان الموضع الذي يعقد إحرامه فيه ليس من المواقيت، فإذا كان ميقاتا جاز له الإحرام منه بل وجب، و لا إشكال في ذلك، و مثال ذلك: أن يخرج المكلف الذي يكون ميقاته الجحفة إلى مسجد الشجرة فيحرم منه قبل أن يصل الى الجحفة، و مثال ذلك أيضا: أن يخرج الرجل من أهل مكة الى بعض المواقيت الأخرى فيحرم منه بالعمرة المفردة قبل أن يصل الى ميقاته و هو أدنى الحل.

المسألة 516:

لا يجوز للمكلّف إذا مرّ بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الا و هو محرم منه، الا إذا كان معذورا في تأخير الإحرام، و ان كان أمامه ميقات آخر، و قد سبق منّا في المسألة الأربعمائة و الثانية و السبعين أنه لا يجوز للحاج أو المعتمر من أهل المدينة، و أهل البلاد الّذين يحجّون أو يعتمرون من طريق المدينة، أن يؤخر إحرامه عن ذي الحليفة الى أن يصل الى الجحفة إلا إذا كان مضطرا إلى تأخير الإحرام لمرض أو ضعف، أو لزمه من الإحرام من الميقات الأول ضرر شديد أو حرج بالغ لا يتحمّل عادة، فيجوز له التأخير حين ذلك الى الميقات الثاني.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 250

و كذلك الحكم إذا مرّ بالميقات و هو يريد الدخول إلى مكة فلا يجوز له تأخير إحرامه عن ذلك الميقات و ان كان أمامه ميقات آخر إلا إذا كان معذورا، و مثله على الأحوط من يريد دخول الحرم خاصة من غير أن يدخل إلى مكة، و قد سبق منا

ذكر هذا الاحتياط له في المسألة الأربعمائة و السادسة عشرة، فعليه أن لا يؤخر إحرامه عن الميقات إذا كان مختارا غير معذور.

المسألة 517:

ذكرنا في المسألة الأربعمائة و الحادية و التسعين أن الموضع الذي يحاذي المكلّف فيه بعض المواقيت الخمسة ميقات شرعي للإحرام، فإذا حاذى المكلّف في طريقه ميقاتا منها محاذاة عرفية و هو يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم بنسكه من ذلك الموضع، و لم يجز له أن يؤخر إحرامه إلى موضع آخر، و ان كان أمامه ميقات آخر أو موضع يحاذي فيه ميقاتا آخر.

و لا يترك الاحتياط لمن يريد الدخول إلى مكة أو يريد الدخول في الحرم، أن يحرم من موضع المحاذاة كذلك و لا يؤخر إحرامه إلى موضع آخر.

المسألة 518:

إذا مرّ المكلف بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أو يريد دخول مكة، و لم يحرم من الميقات عامدا أثم بذلك و وجب عليه ان يرجع الى ذلك الميقات و يحرم منه و لا يكفيه مع إمكان ذلك أن يحرم من موضع غيره أو من ميقات آخر يمرّ به أو من موضع يحاذي فيه ميقاته الأول، فإذا هو أحرم من بعض هذه المواضع التي ذكرناها و هو قادر على الرجوع الى الميقات الأول كان إحرامه باطلا، و إذا حج أو اعتمر بهذا الإحرام كان نسكه باطلا، و إذا كان مستطيعا للحج لم تبرأ ذمته من التكليف بذلك و وجب عليه الحج في العام المقبل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 251

و كذلك إذا كان الحج واجبا عليه بنذر أو غيره و كان مما يقضى، و مثله العمرة الواجبة إذا كانت مما تقضى.

و إذا كان مريدا دخول مكة و لم يقصد حجا و لا عمرة ثم دخلها بذلك الإحرام كان آثما بدخوله لبطلان إحرامه و لم يجب عليه قضاء النسك أو الإحرام.

المسألة 519:

إذا مرّ المكلف بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أو يريد الدخول إلى مكة و ترك الإحرام منه عامدا و هو يعلم بالميقات و بوجوب الإحرام منه كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ثم تعذّر عليه بعد ذلك أن يرجع الى الميقات ليحرم منه لضيق وقت النسك أو لطروء عارض يمنعه من الرجوع إليه، أثم بترك الإحرام كما قلنا و وجب عليه العود في طريق الميقات بالمقدار الممكن فيحرم من الموضع الذي يمكنه الوصول اليه و إذا لم يستطع شيئا من ذلك أحرم من موضعه و إذا كان قد دخل الحرم صنع كذلك فيخرج

ما أمكنه و لو الى خارج الحرم أو بعض طريقه فيحرم منه و الا أحرم من موضعه، فيصح إحرامه بذلك و يصح حجه أو عمرته و ان كان آثما بتركه الإحرام قبل العذر.

المسألة 520:

إذا مرّ بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة و ترك الإحرام منه متعمدا و هو يعلم بأنه الميقات الذي يلزمه الإحرام منه، ثم أحرم بعد أن تجاوزه و هو يقدر على الرجوع الى الميقات، لم يصح إحرامه كما تقدم، و لا يصح حجه و لا عمرته بذلك الإحرام و ان تعذر عليه الرجوع الى الميقات بعد إحرامه، فإذا كان الحج أو العمرة الذي قصده مما يلزمه الإتيان به وجب عليه أداؤه بعد ذلك، و إذا كان من غير ذلك لم يلزمه القضاء لمجرد تلبّسه به أو لمجرد قصده دخول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 252

مكة.

المسألة 521:

الذي يظهر من الأدلة المخصوصة ان وجوب الإحرام على كل من يريد الدخول إلى مكة انما هو حكم خاص شرعه اللّٰه تعالى لتعظيم هذه البقعة المكرمة في الإسلام، فلا يجوز أن يدخلها أحد و هو محلّ غير محرم، و ليس ذلك لوجوب حج أو عمرة على كلّ من يدخلها من الناس، و هو في ذلك نظير استحباب صلاة التحية لمن دخل أحد المساجد، و انما وجب على من دخل مكة محرما أن يكون حاجا أو معتمرا، لأن الإحرام لا يكون الّا جزءا أو شرطا في حج أو عمرة، و لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلّا بأحدهما.

و نتيجة لذلك فإذا مرّ الشخص بالميقات و هو يريد دخول مكة و لم يحرم منه، أو أحرم بعد أن تجاوز الميقات متعمدا، ثم دخل مكة كان آثما كما قلنا و لم يجب عليه قضاء حج أو عمرة لعدم وجوبهما عليه.

المسألة 522:

الظاهر أنه لا فرق بين العمرة المفردة و الحج و عمرة التمتع في الحكم المذكور، فلا يجوز لمن قصد العمرة المفردة أن يؤخر إحرامها عن الميقات إذا مرّ به الا إذا كان معذورا، و إذا ترك الإحرام لها من الميقات عامدا أثم و لا بدّ له من الرجوع اليه مع الإمكان و إذا تركه متعمدا ثم تعذّر عليه الرجوع الى الميقات أحرم لها من أدنى الحلّ.

المسألة 523:

إذا مرّ الرجل بالميقات و نسي أن يحرم منه حتى تجاوزه ثم تذكر وجب عليه أن يعود الى ذلك الميقات و يحرم منه مع إمكان ذلك له، و لا يكفيه في هذه الصورة أن يحرم من ميقات آخر يمرّ به أو من موضع هو دون الميقات، و إذا تعذر عليه أن يرجع الى الميقات

كلمة التقوى، ج 3، ص: 253

رجع الى المقدار الذي يمكنه من طريق الميقات و أحرم من ذلك الموضع على الأحوط، و إذا تعذر عليه كل ذلك و خشي أن يفوته الحج أحرم من موضعه الذي هو فيه، و كذلك إذا ترك الإحرام من الميقات لجهله بالميقات أو لجهله بوجوب الإحرام منه فيأتي فيه التفصيل الذي بيّناه.

المسألة 524:

لا يجب على الشخص أن يحرم إذا مرّ بالميقات و لم يكن مريدا للنسك بحج أو عمرة، و لا قاصدا دخول مكة أو دخول الحرم، و ان قصد الوصول الى بعض البلاد أو المنازل القريبة من الحرم لبعض الغايات، فإذا مرّ كذلك من غير إحرام ثم بدا له أن يعتمر عمرة مفردة، وجب عليه أن يحرم من أدنى الحلّ، و قد مرّ الرسول (ص) على الميقات و هو يقصد الطائف في غزوة حنين حتى فرغ منها، ثم اعتمر بعدها من الجعرّانة و أحرم منها و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الثمانين، و المسألة الأربعمائة و التاسعة و التسعين.

و إذا مرّ المكلف على الميقات و هو لا يريد النسك فلم يحرم حتى تجاوزه، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر عمرة تمتع، فالأحوط له أن يرجع الى ميقات أهل بلده فيحرم منه و ان جاز له أيضا أن يحرم من أحد المواقيت

الأخرى و ان لم يمكن له ذلك رجع بمقدار ما يمكن له الرجوع اليه من طريق الميقات على الأحوط فأحرم منه و إذا تعذر عليه جميع ذلك أحرم من موضعه.

المسألة 525:

تقدم في المسألة الأربعمائة و الثامنة حكم النائي البعيد من أهل الأمصار إذا أقام بمكة للمجاورة فيها و أراد أن يأتي بعمرة التمتع فيلزمه الخروج منها الى أحد المواقيت الخمسة، و الأحوط له أن يختار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 254

الخروج الى ميقات أهل بلده، و إذا تعذر عليه الوصول الى الميقات جرى فيه نظير الحكم الذي قدمناه لمن ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا ثم تعذر عليه الرجوع اليه و قد سبق بيانه في المسألة الخمسمائة و الثالثة و العشرين.

المسألة 526:

إذا بلغ الحاج أو المعتمر الميقات و لم يمكنه الإحرام منه لمرض أو ضعف، أو كان الإحرام من ذلك الموضع يوجب له ضررا شديدا أو حرجا لا يتحمل عادة جاز له أن يؤخر إحرامه إلى ميقات آخر يمرّ به في طريقه، و ان لم يكن في طريقه ميقات آخر أخّر إحرامه إلى أدنى الحلّ.

و إذا زال عذره بعد تجاوز الميقات الأول فالأحوط له أن يعود الى الميقات و يحرم منه، و ان لم يستطع ذلك رجع في طريق الميقات ما أمكنه الرجوع و أحرم من ذلك الموضع فإن لم يمكن أحرم من موضعه الذي هو فيه، و تراجع المسألة الأربعمائة و الثانية و السبعون، و كذلك الحكم في من يريد دخول مكة إذا جرى له مثل ذلك.

المسألة 527:

إذا أغمي على المكلّف في الميقات أو جنّ فلم يحرم منه حتى تجاوزه ثم أفاق وجب عليه أن يعود الى الميقات و يحرم منه، و إذا تعذر عليه الرجوع الى الميقات جرى فيه الحكم السابق في نظائره، فيرجع في طريق الميقات ما استطاع و يحرم في الموضع الذي يستطيع الوصول اليه، و ان لم يمكن أحرم من موضعه.

المسألة 528:

إذا أحرم الشخص من الميقات ثم رجع الى ما قبل الميقات لبعض الغايات التي دعته الى ذلك لم يبطل إحرامه، و مثال ذلك: أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 255

يصل الى مسجد الشجرة فيحرم منه، ثم يبدو له بعد الإحرام أن يرجع الى المدينة، فلا يبطل إحرامه، و لا يجب عليه تجديد الإحرام إذا عاد الى مسجد الشجرة أو الى موضع يحاذيه، و إذا عدل عن ذلك الطريق الى غيره و مرّ بميقات آخر غير ميقاته الأول، ففي وجوب تجديد الإحرام منه تأمّل، و لكن في تجديد الإحرام في هذه الصورة احتياطا لا يترك.

المسألة 529:

إذا قصد المسافرون في الطائرة الوصول الى جدة و من بعدها إلى المدينة لزيارة الرسول (ص) قبل الحج، فلا يجب عليهم الإحرام و إن مرّوا و هم في الجوّ على بعض المواقيت و حاذوه محاذاة عرفية، فإذا وصلوا إلى المدينة و ارتحلوا بعد الزيارة إلى مكة، وجب عليهم الإحرام من الميقات الذي يمرّون به في طريقهم.

و إذا سافروا الى جده في الطائرة و كان من قصدهم الوصول إلى مكة بحيث كانت جدة مرحلة من مراحل سفرهم إليها وجب عليهم الإحرام من موضع يحاذون فيه الميقات من الجوّ محاذاة عرفية إذا أمكن لهم ذلك، و يجوز لهم أن ينذروا الإحرام من موضع معيّن قبل الميقات فيحرموا من ذلك الموضع.

و إذا وصل المسافر منهم أو من غيرهم و لم يمرّ في طريقه بالميقات و لم يحاذه محاذاة عرفية و لم يحرم قبلها بالنذر وجب عليه أن يتوجه الى أحد المواقيت الخمسة و يحرم منه، أو يحرم قبل الميقات و قبل محاذاته بالنذر، فينذر الإحرام من رابغ مثلا، فإنه يقع قبل الجحفة للآتي من

طريق المدينة، و إذا تعذّر عليه ذلك أحرم من جدة بالنذر ثم جدّد نيّته و تلبيته في أدنى الحلّ.

المسألة 530:

يجب على المكلف تحصيل العلم بالوصول الى الميقات الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 256

يحرم منه، فلا يصح له الإحرام مع الشك في وصوله الى الميقات، و يكفيه في صحة الإحرام أن تشهد به البيّنة العادلة، و إذا لم يحصل له ذلك كفاه الاطمئنان الكامل الذي يحصل من إخبار العارفين بالموضع، و إذا لم يحصل له الاطمئنان أمكن أن يحرم من ذلك الموضع بالنذر.

المسألة 531:

يكفي في جواز دخول المكلّف إلى مكة و الى الحرم أن يكون محرما بإحرام صحيح، سواء كان إحرامه بحج تمتع أم بحج قران أم إفراد، أم بعمرة تمتع أم بعمرة مفردة، و سواء كان النسك الذي أحرم به واجبا عليه باستطاعة أم بنذر و شبهه، أم بإجارة أم بإفساد، أم كان متبرعا به عن غيره أم مندوبا، أم أتى به على سبيل الاحتياط اللازم أو غير اللازم، فإذا أحرم بالنسك على أحد هذه الفروض جاز له دخول الحرم و دخول مكة و دخول الكعبة المعظمة.

المسألة 532:

إذا وصل النائي من أهل الأمصار البعيدة إلى الميقات قبل ان يهلّ هلال شوال، لم يصح له أن يحرم بعمرة التمتع، و قد بيّنا من قبل أنّ الإحرام بعمرة التمتع لا يجوز قبل أن تدخل أشهر الحج، فإذا احتاج الى دخول مكة تعيّن عليه أن يحرم بعمرة مفردة لنفسه أو عن غيره فإذا دخل مكة و أتمّ عمرته و عزم من بعدها على حج التمتع وجب عليه أن يعود الى الميقات بعد دخول أشهر الحج ليحرم منه بعمرة التمتع.

المسألة 533:

إذا وصل النائي الذي وظيفته التمتع الى الميقات في شهر شوال أو في غيره من أشهر الحج و كان وقته متسعا، جاز له أن يحرم من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 257

الميقات بعمرة مفردة لنفسه أو عن غيره، فإذا دخل مكة و أتمّ عمرته رجع بعدها الى الميقات و أحرم منه بعمرة التمتع، و يجوز له أن يكرّر العمرة المفردة بعدها من أدنى الحل أو من الميقات إذا كان وقته يتسع لذلك و لا يضيق عن عمرة التمتع الواجبة عليه.

و بذلك يمكن للمقاولين ان يتردّدوا من المدينة إلى مكة لاستئجار المنازل و تهيئة المواضع و المعدّات لحجاجهم في مكّة ثم يعودوا إلى المدينة و يحرموا من الميقات مع الحجاج بعمرة التمتع.

المسألة 534:

يجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يكون إحرامه بحج التمتع من مكة، و قد فصّلنا هذا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين، و أشرنا إليه في المسألة الأربعمائة و الثالثة و الثمانين، و لا يكفي المتمتع أن يحرم بحجه من غير مكة في حال الاختيار، فإذا هو أحرم من غير مكة متعمدا و هو يعلم بالحكم، لم يصح، و لا يصح إحرامه أن يدخل مكة بعده و هو محرم قبل خروجه الى عرفات، بل يجب عليه تجديد الإحرام فيها مع الإمكان، و إذا لم يجدّده و حج بإحرامه الأول بطل حجه.

و إذا تعذر عليه أن يحرم من مكة لبعض الطواري التي أوجبت له عدم القدرة، كما إذا خرج من مكة مضطرا و لم يستطع الرجوع حتى ضاق عليه الوقت، فإن هو رجع الى مكة ليحرم منها لم يدرك الركن الاختياري لموقف عرفات، و كما إذا لم يجد الوسيلة للرجوع إلى مكة،

أو كان مريضا أو سجينا لا يمكنه الوصول إليها، فيكفيه في هذه الصورة أن يحرم من الموضع الذي يمكنه الإحرام فيه، و يجب عليه أن يختار الموضع الأقرب فالأقرب إلى مكة مع إمكان ذلك له، فإذا أحرم منه صح إحرامه و حجه و إذا لم يحرم كذلك لم يصح.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 258

المسألة 535:

إذا نسي المتمتع فلم يحرم بحج التمتع لا من مكة و لا من غيرها و خرج الى المشاعر محلا ثم تذكر بعد خروجه، وجب عليه أن يعود إلى مكة و يحرم منها و ان وصل الى عرفات، و هذا إذا أمكن له أن يرجع منها إلى مكة و يحرم فيها ثم يعود الى عرفات و يدرك الوقوف فيها قبل غروب الشمس من اليوم التاسع، فإن لم يمكن له ذلك لضيق الوقت، أو لعدم الوسيلة، أو لفقد القدرة أحرم في عرفات نفسها، و لا يترك الاحتياط بأن يقول مع إحرامه (اللّهم على كتابك و سنة نبيك)، كما ورد في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع)، فإذا فعل كذلك صح إحرامه و حجه، و إذا ترك الإحرام بعد ما تذكر بطل حجه.

و كذلك حكمه إذا نسي وجوب الإحرام من مكة فأحرم من غيرها ثم تذكر بعد الإحرام، فيجب عليه الرجوع و الإحرام من مكة و ان كان في عرفات مع القدرة عليه على الوجه الذي تقدم بيانه، و إذا لم يمكن له ذلك أحرم من موضع تذكره فيصح بذلك حجه، و إذا ترك الإحرام بعد ما تذكر كان حجه باطلا، و إذا اتفق لهذا المكلف في حال نسيانه و إحرامه من غير مكة انه كان غير قادر على الوصول إلى مكة

لبعض الاعذار صح إحرامه من غير مكة، و لم يفتقر الى تجديد بعد تذكره.

المسألة 536:

إذا جهل المتمتع وجوب الإحرام عليه فلم يحرم بحج التمتع و خرج من مكة إلى المشاعر و هو محل، ثم علم بوجوب الإحرام وجب عليه العود إلى مكة و الإحرام فيها مع الإمكان و ان بلغ الى عرفات كما قلنا في صورة النسيان، فإن لم يمكن له العود إلى مكة أو خشي فوت الوقوف إذا هو عاد إلى مكة أحرم من موضعه، و نظيره في الحكم ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 259

إذا جهل وجوب الإحرام من مكة فأحرم من سواها، فيجري فيه التفصيل الذي بيّناه و تنطبق الأحكام التي ذكرناها.

المسألة 537:

إذا نسي المتمتع فلم يحرم بحج التمتع و خرج من مكة إلى المشاعر و هو محلّ، و لم يتذكر إلا في المشعر الحرام صح وقوفه بعرفات و جرى فيه الحكم الذي سبق بيانه، فإذا استطاع العود إلى مكة و الإحرام فيها، بحيث لا يفوته الوقوف في المشعر الحرام بعد الإحرام من مكة وجب عليه أن يفعل ذلك و يدرك الوقوف، و ان تعذر عليه الرجوع أحرم في موضعه و أتمّ أعماله و كذلك إذا نسي وجوب الإحرام في مكة فأحرم من غيرها أو جهل وجوب الإحرام فلم يحرم أو أحرم بحجه من غير مكة، فيجري فيه التفصيل الذي مرّ بيانه و بتطبيق الأحكام الآنف ذكرها يصح عمله.

و نظيره في الحكم ما إذا طرأ للمكلف بعض الفروض المذكورة من النسيان أو الجهل فلم يحرم أو أحرم من غير مكة، و لم يتذكر الّا بعد الإفاضة من المشعر الحرام قبل الإتيان بأعمال منى في يوم النحر أو في أثنائها، فإذا تذكر فعليه الرجوع و الإحرام من مكة مع التمكن، و الإحرام من موضعه مع التعذر و

يتم عمله، و تصح أعماله التي أتى بها و هو محل قبل أن يتذكر في جميع الصّور الآنف ذكرها، و تصح أعماله التي يأتي بها بعد التذكر إذا أحرم لها من مكة أو في موضعه مع التعذر، و لا تصح إذا ترك الإحرام عامدا بعد تذكره.

المسألة 538:

إذا نسي المتمتع أن يحرم لحج التمتع أو جهل الحكم بوجوبه فلم يحرم، و لم يتذكر حتى أتم جميع أعمال الحج فالظاهر صحة حجه، من غير فرق بين أن يكون الحج واجبا عليه أو مندوبا، و من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 260

غير فرق بين أقسام الحج الواجب تمتعا، و يشكل شمول الحكم المذكور لحج القران أو الإفراد، بل و لعمرة التمتع أيضا، فلا يترك الاحتياط فيها كافة، و أشدّ منها اشكالا القول بشمول الحكم للعمرة المفردة الواجبة أو المندوبة.

المسألة 539:

إذا بطلت عمرة التمتع لبعض الجهات التي أوجبت فسادها شرعا وجب على المكلف أن يستأنفها مع القدرة على ذلك في عامه، و إذا لم يعدها في ذلك العام لضيق الوقت أو لسبب مانع آخر لم يصح حجه تمتعا، و لم يجز له أن يحج في ذلك العام قارنا أو مفردا، و لزمه إعادة عمرة التمتع و حجه في العام المقبل.

المسألة 540:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب أو مندوب، أو بعمرة واجبة أو مندوبة، لنفسه أو عن غيره، فلا يجوز له أن يحرم بحج آخر أو بعمرة أخرى حتى يحلّ من إحرامه السابق، و الأحوط لزوما أن يكون تحلّله منه تحللا كاملا، فإذا كان نسكه الأول الذي أحرم به حجا أو عمرة مفردة فلا يحرم بالنسك الثاني حتى يأتي بطواف النساء، و لا فرق بين أن يكون النسك الثاني واجبا أو مندوبا لنفسه أو عن غيره، و حتى إذا أتى بالنسك الأول أو الثاني أو بكليهما احتياطا لازما أو غير لازم.

المسألة 541:

لا يجوز لمن أحرم بعمرة التمتع أن يحرم بعمرة مفردة قبل أن يحلّ من عمرته الأولى، فإنه من إدخال نسك على نسك، و قد تقدم المنع منه في المسألة السابقة، و لا يجوز لمن أحرم بحج التمتع أن يحرم أيضا بعمرة مفردة قبل ان يتم أعمال حجه و يتحلل من إحرامه حتى بطواف النساء على الأحوط فيه كما ذكرنا، و كذلك إذا أتم المكلف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 261

عمرة التمتع و أحلّ من إحرامها فالأحوط له لزوما أن لا يفصل ما بينها و بين حج التمتع بعمرة مفردة يأتي بها بينهما، بل لا يخلو ذلك من قوة، و ان اتفق للمكلف أنه خرج من مكة بعد إحلاله من عمرة التمتع جاهلا بحرمة خروجه، أو خرج لضرورة لا بدّ له منها ثم عاد إلى مكة قبل أن ينقضي شهر متعته، و أما إذا انقضى شهر المتعة قبل أن يعود فقد سبق أنه يجب عليه الإحرام بعمرة تمتع ثانية، و تلاحظ المسألة الأربعمائة و الأربعون.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 262

الفصل الثاني عشر في مقدمات الإحرام و آدابه

المسألة 542:

يستحب لمن عزم على الحج في عامه أن يترك شعر رأسه و لحيته، فلا يأخذ منه شيئا بحلق و لا بتقصير و لا بغيرهما من أول شهر ذي القعدة، و ان كان إحرامه بالحج يقع في شهر ذي الحجة، من غير فرق بين أن يكون الحج الذي قصد الإتيان به تمتعا أو قرانا أو إفرادا، و واجبا أو مندوبا، لنفسه أو لغيره، و لا يجب ذلك عليه على الأقوى ما لم يحرم بالفعل، و لا تلزمه الكفارة إذا خالف ذلك فحلق رأسه في ذي القعدة أو بعده قبل أن يحرم، فلا يجب عليه أن يهريق دما

كما يراه بعض العلماء.

و يستحب لمن أراد العمرة أن يترك شعره ثلاثين يوما، فلا يأخذ من شعر رأسه و لا من لحيته شيئا في هذه المدة حتى يحرم، سواء كانت عمرته في أشهر الحج أم في غيرها من الشهور، و سواء كانت واجبة أم مندوبة و سواء كانت عمرة تمتع أم عمرة مفردة.

المسألة 543:

إذا عزم المكلف على حج التمتع استحب له أن يوفر شعر رأسه و لحيته من أول شهر ذي القعدة- كما قلنا-، و يكفيه ذلك لعمرة التمتع و لحج التمتع، و لا ينافي هذا الحكم أن يجب عليه التقصير بعد أن يتم العمرة ليحلّ منها، فيبقى استحباب ترك الباقي من شعره حتى يتم حجه و يحلق أو يقصر في يوم النحر، بل الأحوط لزوما أن يترك الشعر في هذه الصورة حتى يتم حجه، اعتمادا على صحيحة جميل بن دراج الواردة في من حلق رأسه في مكة بعد عمرة التمتع في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 263

المدة التي أمر بتوفير الشعر فيها.

و إذا أحرم بعمرة التمتع في شهر شوال حرم عليه أن يأخذ من شعره ما دام محرما، فإذا أتم أعمال عمرته و أحلّ منها جاز له حلق رأسه و الأخذ من شعره قبل أن يحرم بالحج، فإذا هلّ عليه هلال ذي القعدة استحب له ترك شعره و توفيره حتى يحج، و لزمته مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه.

المسألة 544:

ذكرنا أنه يستحب لمن يريد العمرة أن يترك شعره لها ثلاثين يوما، و ان هذا الحكم يعم عمرة التمتع، و ظاهر النصوص أن المستحب إعفاء الشعر ثلاثين يوما قبل إحرام العمرة، و نتيجة لهذا فإذا أراد المكلف عمرة التمتع في أول شهر ذي القعدة استحب له أن يعفي شعره للعمرة من أول شهر شوال، فإذا تمتع بالعمرة في هلال ذي القعدة و أحل من عمرته بالتقصير استحب له اعفاء شعره بعدها حتى يحج، و يلزمه الاحتياط المتقدم.

المسألة 545:

يستحب للمكلف قبل أن يحرم بالحج أو بالعمرة أن يقلم أظافر يديه و رجليه، و أن يأخذ من شاربه، و أن يزيل شعر إبطيه بالطلي و هو الأفضل، أو بالحلق و هو أقل من الطلي فضلا، أو بالنتف و هو أدناها، و ان يزيل شعر عانته، و لا يبعد أن تكون ازالته بالاطلاء أفضل، لأنه طهور كما في الروايات ثم بالحلق، و لكن هذا الترتيب بينهما في إزالة شعر العانة لا يختصّ بالإحرام، و ينبغي له تنظيف الجسد من الأوساخ، و ان لم يرد به دليل في الإحرام، و يستحب له أن يستاك، و يجوز له ان يبدأ من المستحبات المذكورة بما شاء فلا ترتيب ما بينها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 264

المسألة 546:

إذا كان الشخص قد اطّلى قبل وقت الإحرام، فإن كان اطلاؤه السابق لا بقصد التهيؤ للإحرام استحب له أن يعيد الإطلاء للإحرام و ان مضى عليه يومان أو ثلاثة أو نحوها، و ان كان قد اطّلى بقصد التهيؤ للإحرام كفاه اطلاؤه السابق و لم يحتج إلى الإعادة إلا إذا مضى عليه خمسة عشر يوما أو نحوها، بحيث لا يعدّ اطلاؤه المتقدم تهيؤا للإحرام، فتستحب اعادته.

المسألة 547:

يستحب له استحبابا مؤكدا أن يغتسل غسل الإحرام، و موضع الغسل هو الميقات الذي يحرم منه إذا وجد فيه الماء، فإذا خاف عدم الماء فيه أو إعوازه لكثرة المحرمين مثلا، أو عدم تمكنه من الغسل فيه لبعض الأعذار، قدّم الغسل على الميقات، و إذا خشي إعواز الماء في الميقات أو عدم تمكنه من الغسل فيه، فقدّم الغسل قبله ثم وجد الماء عند وصوله اليه و أمكنه الغسل فيه استحبت له الإعادة.

المسألة 548:

يجوز للإنسان أن يغتسل غسل الإحرام قبل الميقات في حال الاختيار و ان لم يخش إعواز الماء في الميقات أو عدم إمكان الغسل فيه، فيصح له أن يغتسل في المدينة مثلا قبل أن يخرج الى الميقات في ذي الحليفة و إن أمكنه الغسل فيه، و الأفضل له في هذه الصورة أن يلبس ثوبي الإحرام بعد غسله في المدينة و ان لا يتناول ما يحرم أكله على المحرم حتى يأتي الميقات و يعقد إحرامه منه، و إذا لبس المخيط أو أكل ما يحرم على المحرم أو تطيّب قبل الميقات و عقد الإحرام فالأفضل له إعادة الغسل، و لا يتعيّن عليه ذلك، و كذلك إذا فعل شيئا من المحرمات الأخرى للإحرام على الأحوط.

و مثله ما إذا خاف إعواز الماء في الميقات، أو عدم تمكنه من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 265

الغسل فيه فقدّم الغسل عليه، فالأولى له أن يلبس ثياب الإحرام و يجتنب محرماته حتى يأتي الميقات و يعقد الإحرام، و إذا فعل شيئا من ذلك أعاد الغسل استحبابا كما تقدم سواء بسواء.

المسألة 549:

لا يختلف غسل الإحرام عن باقي الأغسال الشرعية في الكيفية، و لا في الأحكام التي تعمّها، فيصح أن يأتي به المكلف مرتبا بين أعضائه كما يرتب في غسل الجنابة و غيره، و يصح أن يأتي به ارتماسا على التفاصيل التي ذكرناها في مباحث الغسل من كتاب الطهارة.

و هو كباقي الأغسال المندوبة و الواجبة يغني عن الوضوء للصلاة و غيرها من الأعمال المشروطة بالوضوء، و ان كان الأحوط للمكلف أن يأتي معه بالوضوء احتياطا لا ينبغي تركه، كما قلنا في المسألة الثمانمائة و العاشرة من كتاب الطهارة و في مسائل أخرى، و الأفضل أن يأتي

بالوضوء قبل الغسل.

المسألة 550:

إذا اغتسل الإنسان غسل الإحرام في الميقات أو قبله ثم نام قبل أن يحرم لم يكفه ذلك الغسل، و استحبت له الإعادة، و كذلك إذا أحدث أحد الأحداث الأخرى على الأقوى فعليه إعادة الغسل استحبابا.

المسألة 551:

إذا كان الشخص مجنبا أو كان عليه أحد الأحداث الأخرى الموجبة للغسل و أراد الغسل للإحرام كفاه غسل واحد لحدثه و إحرامه، فيصح له أن ينوي الجميع بهذا الغسل، و يصح له أن يقصد امتثال الأمرين المتوجهين اليه بالغسل، و يصح له أن ينوي أحد الغسلين على التعيين، فيصح منه ذلك الغسل و يكفي عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 266

الجميع، و تراجع المسألة الخمسمائة و الثالثة من كتاب الطهارة، و إذا أراد الإحرام، و كان في يوم الجمعة، و أراد في يومه دخول الحرم، و دخول مكة، و دخول المسجد الحرام، كفاه أن ينوي الجميع بغسل واحد.

المسألة 552:

إذا اغتسل الإنسان في أول النهار كفاه ذلك في أداء وظيفة الإحرام في ذلك اليوم و ان لم يحرم إلا في آخر النّهار، و إذا اغتسل في أول الليل كفاه للإحرام في تلك الليلة و ان لم يحرم إلا في آخرها، بل يكفيه غسل النهار و ان لم يحرم إلا في آخر ليلته المقبلة، و يكفيه غسل الليل و ان لم يحرم إلا في آخر نهاره المقبل، و هذا كله إذا هو لم ينقض غسله بنوم أو حدث بعده حتى أحرم كما قلنا في المسألة الخمسمائة و الخمسين.

المسألة 553:

إذا لم يقدر الشخص أن يغتسل غسل الإحرام، و وجد له بعض مسوغات التيمم التي ذكرناها في مباحث التيمم، و توفّرت شرائط صحته جاز له التيمم بدلا عنه، و كفاه ذلك لإحرامه، و تراجع المسألة التسعمائة و الثامنة و ما بعدها من كتاب الطهارة.

المسألة 554:

إذا اغتسل الرجل غسل الإحرام ثم مسح رأسه بمنديل و نحوه قبل عقد الإحرام فلا شي ء عليه و لا يعيد الغسل، و إذا اغتسل ثم قلّم أظفاره بعد الغسل استحب له أن يمسحها بالماء و لا اعادة عليه.

المسألة 555:

الذي يستفاد من ملاحظة مجموع الأدلة الواردة في غسل الإحرام أن هذا الغسل من المستحبات المؤكدة، تأكيدا شديدا، كما أشرنا إليه في المسألة الخمسمائة و السابعة و الأربعين، و ليس شرطا في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 267

صحة الإحرام و لا واجبا فيه، و لذلك فإذا أحرم المكلف بغير غسل كان إحرامه صحيحا، و لكنه ناقص الفضيلة، فاقد المزية و الخصوصية لعدم الغسل، و قد ورد في صحيح الحسن بن سعيد قال: كتبت الى العبد الصالح أبي الحسن (ع): رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي أن يصنع؟ فكتب (ع) يعيده.

و الظاهر من ضم هذا الدليل الى مجموع الأدلة السابقة أنه يستحب لهذا الرجل ان يغتسل و يعيد إحرامه مع الغسل ليستدرك بإحرامه الثاني ما فقده إحرامه الأول من الخصوصيّة، و أن هذه الخصوصية المذكورة مطلوبة في الإحرام على نحو تعدّد المطلوب و قابلة للاستدراك، و من أجل ذلك أمره الإمام بالإحرام الثاني، فالإحرام الثاني متمم للنقص الذي دخل على الإحرام الأول و محقق للمرتبة الكاملة التي كان فاقدا لها، و ليس إحراما مستقلا في قبال الأول، و كذلك الحكم إذا أحرم بغير صلاة كما ورد في الصحيح، فيستحب له أن يصلي صلاة الإحرام ثم يعيد إحرامه بعد الصلاة على النهج المتقدم في الغسل.

و يتفرع على صحة إحرامه السابق وجوب الكفارة عليه إذا ارتكب ما يوجب الكفارة

بين الإحرامين، و يشكل جريان الحكم باستحباب الإعادة في ما إذا نسي فأحرم بغير غسل أو أحرم بغير صلاة.

المسألة 556:

يستحب للرجل أن يقول في أثناء غسله أو بعد أن يتم غسله:

(بسم اللّٰه و باللّه اللّهم اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و أمنا من كلّ خوف، و شفاء من كل داء و سقم، اللّهم طهّرني و طهّر قلبي، و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبّتك و مدحتك و الثناء عليك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 268

فإنه لا قوة إلا بك، و قد علمت ان قوام ديني التسليم لأمرك و الاتّباع لسنة نبيك صلواتك عليه و آله).

المسألة 557:

يجوز للإنسان أن ينشئ إحرامه بالحج أو بالعمرة في أي وقت يشاء من الليل و النهار، و الأفضل له أن يكون عند الزوال، ففي صحيح معاوية بن عمّار و الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): (لا يضرك بليل أحرمت أو نهار، الا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس) و بمضمونة روايات عديدة أخرى.

و يستحب استحبابا مؤكدا أن يكون الإحرام بعد أداء صلاة فريضة حاضرة، و لذلك فالأفضل في غير حج التمتع أن يكون إحرامه بعد أداء صلاة الظهر في أول وقتها و هو الزوال فيدرك الفضيلتين، و يتحقق له ذلك أيضا إذا صلى الظهر و العصر معا بعد الزوال ثم أحرم بعدهما، و سيأتي بيان حكم الإحرام لحج التمتع في موضعه ان شاء اللّٰه تعالى.

و دون ذلك في الفضل أن يحرم بعد صلاة فريضة حاضرة أخرى، فإن لم يتفق إحرامه في وقت فريضة استحب له أن يصلي قبل إحرامه ست ركعات ثم يحرم بعدها، و دونها في الفضل أن يصلي أربع ركعات، و أقلها أن يصلي ركعتين و يحرم بعدها.

المسألة 558:

يجوز للمكلف أن يصلي نافلة الإحرام في أي وقت يشاء و يحرم بعدها، و لا تكره في الأوقات التي تكره فيها النوافل المبتدأة، و لا يمنع منها حتى في وقت الفريضة إذا حضرت، و قد دلت النصوص على أن صلاة الإحرام احدى الصلوات التي تصلّى في كل وقت و لا تترك على حال.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 269

المسألة 559:

يستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى من نافلة الإحرام الحمد و سورة التوحيد، و يقرأ في الركعة الثانية منها الحمد و سورة الجحد و هي قل يا أيها الكافرون، بل ينبغي أن يقرأ كذلك في كل ركعتين من نافلة الإحرام إذا صلّاها ست ركعات، أو صلّاها أربعا، و لا يشمل هذا الاستحباب الفريضة الحاضرة إذا صلّاها و هو يريد الإحرام بعدها.

المسألة 560:

الأحوط لزوما أن لا يختضب الرجل أو المرأة بالحنّاء و هما يريدان الإحرام بعد ذلك إذا كان لون الحنّاء يبقى الى حال الإحرام و كان مما يعدّ زينة في الكف أو في الشعر، سواء قصدا به التزين أم لا، و كذلك الخضاب بغير الحناء إذا كان مما يبقى أثره و يعد زينة، بل لا يبعد القول بوجوب إزالة الأثر بعد الإحرام إذا أمكن ذلك.

المسألة 561:

قد تستعمل الحنّاء علاجا لتشقق الأصابع و الكفين و القدمين و نحو ذلك، فإذا اضطر الرجل أو المرأة الى ذلك جاز له أن يستعملها قبل الإحرام و ان بقي اللون الى حال الإحرام، و إذا لم يبلغ درجة الضرورة كره استعمالها للمرأة قبل الإحرام إذا كان الأثر مما يبقى، و أشكل القول بالكراهة للرجل فإن النص إنما ورد في المرأة، و هذا إذا كان الأثر الباقي لا يعدّ زينة و الّا جرى فيه الاحتياط المتقدم.

و إذا اختضب و هو لا يريد الإحرام ثم أراد الإحرام بعد ذلك لم يحرم و لم يكره، و إذا كان الأثر الباقي بعد الإحرام مما يعد زينة أزاله مع الإمكان و ان لم يمكن ذلك فلا شي ء عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 270

الفصل الثالث عشر في الإحرام و واجباته و آدابه

المسألة 562:

إذا أراد الإنسان الإتيان بنسك حج أو عمرة واجب عليه أو مندوب، لنفسه أو بالنيابة عن غيره، وجب عليه عند وصوله الى الميقات أن يعزم في نفسه على اجتناب جملة من المنهيات المخصوصة منذ ذلك الوقت الى أن يتم أعمال نسكه الذي أراد القيام به، و هو بهذا العزم المستقر في نفسه ينشئ لنفسه صفة الإحرام الذي يجب عليه في تأدية النسك، فالصفة التي تحصل للإنسان من عزمه المتقدم ذكره و من التزامه النفساني بترك المنهيات هي الإحرام، و المنهيات الخاصة التي يلتزم باجتنابها في تلك المدة هي محرمات الإحرام، و سيأتي بيانها ان شاء اللّٰه.

و يتضح مما بيّناه أن الإحرام صفة اختيارية للإنسان لا يمكن أن تحصل له الا بالقصد، و لا بدّ فيها من النية، لأنها مسببة من الالتزام النفساني المذكور، و إذا حصلت للإنسان صفة الإحرام و تم له إنشاؤها بعزمه على ترك المحرمات

و التزامه بذلك، حكم الشارع بثبوتها و بقائها، فلا ينتقض إحرامه و لا يتحلّل منه الّا بمحلّل شرعي عند إتمام النسك و إنهاء أعماله، و لا يبطل الإحرام ان يرتكب المحرم بعض المحرمات أو يرتكب جميعها بعد عزمه السابق و التزامه به، بل تجب عليه كفاراتها و سيأتي بيانها.

المسألة 563:

الإحرام من الأمور القصدية كما أوضحناه و لذلك فلا بدّ فيه من النية منذ ابتدائه و سيأتي لها مزيد بيان و إيضاح ان شاء اللّٰه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 271

و أما التلبية و لبس ثوبي الإحرام فهما واجبان في الإحرام، و لكنهما ليسا دخيلين في مفهومه، و سنذكر أن التلبية شرط في تحريم المحرمات على الناسك، فلا يحرم عليه شي ء منها قبل ان يلبي.

المسألة 564:

يكفي في تحقق نية الإحرام من المكلف أن يعزم على اجتناب محرمات الإحرام على وجه الاجمال و ان لم يحط بها علما حين إحرامه على التفصيل، فيجزيه أن يقصد ترك كل شي ء حرمة اللّٰه عليه ما دام ناسكا، ثم يجتنب عن أي شي ء ذكره الفقيه الذي يقلّده في رسالته، أو أي شي ء يذكره المرشد الثقة في تعليمه.

و يجب في نية الإحرام أن يعيّن النسك الذي يحرم له، أ حجا هو أم عمرة، و حج إسلام أم حج نذر أم حجا مندوبا، و حج تمتع أم قران أم إفراد، و عمرة تمتع أم عمرة مفردة، و أن النسك الذي يأتي به لنفسه أو بالنيابة عن غيره، فلا يصح الإحرام لنسك مردّد غير معيّن، و لا يصح الإحرام لنسك سيختار تعيينه في ما بعد من حج أو عمرة، و لا يصح الإحرام لحج أو لعمرة غير معيّنة حين الإحرام ثم يعيّنها بعد أن يتم العمل، و من ذلك يتبيّن أن نية الإحرام بذاتها هي نية الحج أو العمرة التي يريد الإحرام لها، فهي نية لهما معا، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و التاسعة و الستون الآتية.

المسألة 565:

إنما يعتبر في نية الإحرام قصد الوجوب أو الندب إذا توقف على ذلك تعيين النسك الذي يحرم له المكلف كما في الأمثلة التي ذكرناها في المسألة السابقة، و لا يجب قصد الوجوب أو الندب إذا كان العمل متعيّنا لا يتوقف على ذلك كما في سائر العبادات التي يكون فيها العمل المنوي متعيّنا فلا تجب فيها نية الوجه من الوجوب أو الندب، و لا يجب في نية الإحرام إخطار صورة العمل في الذهن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 272

إذا كان متعيّنا، و يكفي

الداعي في قصد التقرب به، و لكن ذكر هذه الأمور أحوط و أولى.

المسألة 566:

يعتبر في نية الإحرام أن يقصد المحرم التقرب بإحرامه و بنسكه الذي يحرم به الى اللّٰه سبحانه، و ان يخلص للّه في نيته، فلا رياء و لا سمعة، كما يعتبر ذلك في سائر العبادات و قد فصّلنا ذلك و ذكرنا فروعه و أحكامه في مباحث النية من كتاب الصلاة و كتاب الطهارة و كتاب الصوم و غيرها، فإذا لم يتقرب العبد بإحرامه أو بعمله الذي يحرم به الى اللّٰه أو لم يخلص له في نيته كان إحرامه باطلا.

المسألة 567:

الإحرام- كما قلنا أكثر من مرة- من الأمور التي لا يتحقق وجودها الا بالقصد، فإذا لم تحصل النية من المكلف لم يتحقق الإحرام منه و وجب عليه تجديده، سواء أخلّ بالنية عامدا أم جاهلا أم ناسيا، و قد تقدمت أحكام من ترك الإحرام من الميقات متعمدا أو جاهلا أو ناسيا في فصل أحكام المواقيت فليرجع إليها، و لا فرق في حصول الخلل بالإحرام بذلك بين ان لا ينوي المكلف ترك المحرمات من أول الأمر عامدا أو ساهيا كما ذكرنا و بين أن يقصد من أول أمره أن يرتكب بعض المحرمات أو جميعها من غير عذر.

المسألة 568:

إذا عزم الإنسان في نفسه عزما مستقرا على ترك محرمات الإحرام جميعها من وقته هذا الى أن يتم أعمال حجه أو عمرته و التزم في نفسه باجتنابها التزاما نفسانيا حصلت له صفة الإحرام كما قلنا في أول هذا الفصل، و تمّ له بهذا العزم المستقر و الالتزام القلبي إنشاء الإحرام، ثم لا ينتقض إحرامه و لا يبطل إذا خالف عزمه الأول فارتكب بعض ما حرّم اللّٰه عليه أو ارتكب جميعها، و انما تجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 273

الكفارات بسبب مخالفته، و لا منافاة بين الأمرين المذكورين.

فإن عزمه المستقر في نفسه على ترك المحرمات في جميع المدة المذكورة سبب تام لحدوث صفة الإحرام له و قد تمّ السبب كما فرضنا و حصل الإنشاء و تحقق له الإحرام، و لا ينافي ذلك ان يتبدّل عزمه السابق بعد الإحرام بعزم آخر، فيرتكب المحرّم فإن وجود العزم الأول سبب في حدوث الإحرام و ليس بقاء العزم شرطا في بقاء الإحرام، و لذلك فلا يبطل الإحرام بذلك و تلزمه الكفارة للمخالفة.

و الفارق في

ذلك واضح بين الإحرام و الصوم، فإن الصوم هو إمساك الصائم عن المفطرات من أول النهار الى دخول الليل قربة الى اللّٰه و معنى ذلك ان المفطرات منافيات للصوم في حدوثه و في بقائه فإذا تناول الصائم أي مفطر منها في نهاره بطل صومه و ليس الإحرام كذلك.

المسألة 569:

إذا تعدّد ما في ذمة الشخص من الحج أو من العمرة و كان مختلفا في النوع أو في الأحكام وجب عليه تعيين ما يحرم له، و مثال ذلك أن تجب عليه حجة تمتع بسبب النذر و حجة تمتع أخرى بسبب الاستطاعة، فيجب عليه أن يعيّن عند إحرامه أن ما يأتي به هي الحجة المنذورة مثلا أو انها حجة الإسلام، و مثال ذلك أيضا أن تشتغل ذمته بحجة تمتع منذورة، و حجة قران أو افراد بالاستطاعة فيلزمه التعيين.

و إذا تعدّد ما في ذمته و كان متحدا في النوع و الحكم لم يجب عليه التعيين، و مثال ذلك: أن تجب عليه حجتان بسبب النذر و كلتاهما من حج التمتع أو من حج القران أو الإفراد، فلا يجب عليه ان يعيّن في نية الإحرام أنه يحرم للحجة المنذورة أولا، أو للمنذورة ثانيا، فإذا أحرم بعمرة التمتع لحج التمتع المنذور في المثال الأول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 274

و أتى بالعمل تاما برئت ذمته من احدى الحجتين المنذورتين و بقيت الثانية و هكذا في باقي الأمثلة.

المسألة 570:

إذا نوى المكلف اجتناب جميع محرمات الإحرام، و عقد عزمه على ذلك حتى يتم نسكه، و أنشأ إحرامه من الميقات بذلك صح إحرامه و ان كان في ذلك الوقت معذورا لا يستطيع ترك بعض المحرمات، و مثال ذلك أن ينوي الإحرام كذلك من الميقات و هو مريض لا يقدر على ترك التظليل مثلا، فيصح إحرامه و يجوز له التظليل لوجود العذر و تلزمه الكفارة بسببه و يجب عليه اجتناب باقي المحرّمات.

المسألة 571:

إذا وجب على الرجل نسك معيّن من حج أو عمرة باستطاعة أو نذر مثلا أو غيرهما، و نوى الإحرام بنسك آخر غيره، لم يكفه ما نواه عن الواجب الذي لزمه، لأنّه لم ينوه، و هل يصح إحرامه و الإتيان بالعمل الذي قصده؟، فيه اشكال و تردّد.

المسألة 572:

إذا قصد الرجل في ضميره الإحرام بنسك معيّن لا تردّد فيه و نوى الإتيان به و نطق بلسانه انه يحرم بنسك آخر غيره، صح إحرامه لما قصده في نفسه، و لغي اعتبار ما نطق به بلسانه.

المسألة 573:

قد تقدم ان الإحرام من الأمور القصدية التي تتقوّم بالنية و لا تتحقق الا بها، و لذلك فإذا شرع المكلف في نوع من النسك حج أو عمرة، ثم شك في أثنائه، هل نواه عند الإحرام أم لم ينوه ففي صحته اشكال بل منع، فإن قاعدة الصحة و قاعدة التجاوز انما تثبتان صحة العمل إذا شك في صحته بعد إحراز أصل عنوانه، لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 275

في مثل ذلك مما يكون الشك في النية شكا في أصل عنوان العمل و لم يحرز فيه عنوانه.

المسألة 574:

الحج و العمرة عبادتان مستقلّتان، و لذلك فلا بدّ في كل واحدة منهما من إحرام خاص تنفرد به و من نية مستقلة تختص بها، حتى عمرة التمتع مع حج التمتع، فهما نسكان متميزان يختص كلّ واحد منهما بإحرامه و نيته و آثاره، و ان ارتبط أحدهما بالآخر و دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة كما في الحديث، فلا تكفي فيهما نية واحدة تجمعهما معا و لا يصح ذلك، و إذا قرن المكلف بينهما في النية كذلك كان باطلا لأنه نوى ما لا يشرع، فيجب عليه التجديد على حسب ما أمرت به الشريعة، من غير فرق بين أن يقع ذلك منه في أشهر الحج و غيرها.

نعم، يصح له أن ينوي الإتيان بعمرة التمتع ليأتي بعدها بحج التمتع بعد الإحلال من العمرة كما أمره اللّٰه به، و هذا ليس من القران بين النسكين في النية، و انما هو نية عبادة حتى يتمها ثم نية عبادة أخرى تترتب عليها في إحرامها و أعمالها و لا ريب في صحة ذلك.

[الصورة الأولى:]
المسألة 575:

إذا أحرم الرجل لنسك معيّن من الحج أو العمرة ثم نسي النسك الذي عيّنه و لم يتذكره ليأتي بأعماله، فهنا صور تجب ملاحظتها لتطبيق أحكامها.

الصورة الاولى:

أن يتردد النسك الذي عيّنه ثم نسيه بين ما هو صحيح و ما هو باطل، و مثال ذلك: أن يكون إحرامه بالنسك في غير أشهر الحج، ثم ينسى ما أحرم به فلا يدري أ هو عمرة مفردة فيكون صحيحا في غير أشهر الحج، أم هو حج أو عمرة تمتع فيكون باطلا لأنهما لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 276

يصحان فيها.

و الحكم في هذه الصورة أن يجدّد إحرامه بنية العمرة المفردة، و ذلك لأن

إحرامه السابق ان كان للعمرة المفردة كان إحرامه الثاني تأكيدا له لا عدولا عنه فيصح، و ان كان لحج أو لعمرة تمتع كان باطلا في غير أشهر الحج و لا مانع من الإحرام بعده، فإذا جدّد إحرامه للعمرة المفردة و أتمّها لم يبق في ذمته من قبل الإحرام شي ء.

و من أمثلة ذلك أن يكون الرجل قد دخل مكة بعمرة تمتع و أتمّها و أحل منها، ثم عقد الإحرام من مكة و نسي هل أنه أحرم بحج التمتع فيكون صحيحا، أم أحرم بعمرة مفردة فيكون إحرامه باطلا، لأن الإحرام بالعمرة المفردة يجب أن يكون من أدنى الحل، و لأن الإحرام بالعمرة المفردة لا يجوز على الأحوط لزوما بعد عمرة التمتع و قبل الإحرام بالحج كما تقدم في المسألة الخمسمائة و الحادية و الأربعين، فعليه أن يجدد إحرامه من مكة لحج التمتع لعين ما ذكرناه في المثال الأول.

الصورة الثانية:
المسألة 576:

أن يكون النسك الذي قصده المكلف في إحرامه معلوم الصحة ثم ينساه على التعيين، و يكون الاحتياط في ما أحرم به ممكنا، و مثال ذلك: أن يحرم في أشهر الحج ثم ينسى النسك الذي أحرم به، فلا يعلم أ هو حج إفراد أم عمرة مفردة، و كلاهما مما يصح الإحرام به في أشهر الحج، فيحكم بصحة إحرامه و يلزمه الاحتياط لإتمامه، فيخرج الى المشاعر أولا لاحتمال أنه قد أحرم بالحج، فيقف في عرفات و في المشعر الحرام، و يرمي جمرة العقبة بمنى في يوم النحر، ثم يعود إلى مكة في يومه فيأتي بالطواف و السعي و طواف النساء بنية أداء ما في ذمته من أعمال الحج أو العمرة المفردة، ثم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 277

يرجع في يومه إلى

منى فيقصر فيها لما في ذمته من تقصير الحج أو العمرة، و يتم بعدها أعمال منى في أيام التشريق.

و يجوز له أن يقدم أعمال العمرة على الحج فيطوف بالبيت أولا، و يسعى لاحتمال أنه قد أحرم بالعمرة و لا يقصّر بعدهما، ثم يذهب الى المشاعر فيقف في عرفات و في المشعر و يرمي جمرة العقبة ثم يقصّر في منى لما في ذمته من تقصير للحج أو العمرة، ثم يعود إلى مكة فيأتي بطواف الحج و سعيه، ثم يطوف طواف النساء لما في ذمته، و يتم أعمال منى.

المسألة 577:

إذا أحرم الرجل في أشهر الحج ثم نسي أن النسك الذي أحرم به هو عمرة التمتع أو العمرة المفردة، و هذا المثال مما يمكن فيه الاحتياط أيضا، فيلزمه الطواف و السعي و التقصير لما في ذمته من احدى العمرتين، فإذا أحل من إحرامه بالتقصير حرم عليه الخروج من مكة حتى يأتي بحج التمتع، فإذا أحرم به و أتمّ أعماله، و أتى بأعمال مكة للحج أتى بطواف النساء بقصد ما في ذمته في العمرة المفردة أو حج التمتع.

الصورة الثالثة:
المسألة 578:

أن يكون النسك الذي قصده المكلف في الإحرام معلوم الصحة كما تقدم، و ينساه و يكون الاحتياط التام فيه غير ممكن، و مثال ذلك: أن يحرم في أشهر الحج، و ينسى النسك الذي أحرم به أ هو عمرة التمتع أو حج الإفراد، و الاحتياط في هذا الفرض غير ممكن كما ذكرنا، فإن ما أحرم به إذا كان هو عمرة تمتع وجب عليه التقصير بعد الطواف و السعي فيها ليحلّ من إحرامه، و يحرم بعدها بحج التمتع، و إذا كان حج افراد حرم عليه التقصير حتى يقف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 278

الموقفين و يرمي جمرة العقبة في يوم النحر، فإذا دار الأمر بين المحذورين و لم يمكن الاحتياط وجب عليه الرجوع الى الموافقة الاحتمالية، و متى صنع كذلك فأتمّ عمرة التمتع و قصّر بعدها و أحرم بعدها لحج التمتع و أتم أعماله برئت ذمته من ناحية إحرامه، و لزمته الكفارة لمخالفته الاحتمالية بسبب تقصيره بعد العمرة.

المسألة 579:

يستحب التلفظ بنية الإحرام و نية الحج أو العمرة التي يحرم بها و لا يجب ذلك، فيصح إحرامه و يصح نسكه إذا قصد العمل المعيّن في نفسه متقربا به الى اللّٰه و ان لم يتكلم بشي ء، و استحباب النطق بالنية مما يختص به الإحرام و النسك الذي يحرم به، دون سائر العبادات فلا يستحب التلفظ بنيّاتها، و قد ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و الأربعين من كتاب الصلاة حكم التلفظ بنيّتها و بنية صلاة الاحتياط على الخصوص.

المسألة 580:

ليس لنية الإحرام أو النسك لفظ مخصوص، فإذا أراد المكلف المستطيع أن يحرم من الميقات و كان فرضه عمرة التمتع، كفاه أن يقول بعد لبس ثوبي الإحرام: (أحرم بعمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع قربة الى اللّٰه تعالى)، فإذا قال ذلك، فقد أنشأ الإحرام بقصد ترك محرماته، و نوى النسك المفروض عليه في الإسلام، و قد ذكرنا أنه يجزيه عند النية أن يكون عارفا بالمحرمات على سبيل الاجمال، فيعزم في نفسه عزما مستقرا على اجتنابها، و ان يكون عالما بأعمال العمرة و الحج على وجه الاجمال كذلك، فيقصد الإتيان بها في مواضعها متقربا بجميع ذلك الى اللّٰه و قاصدا امتثال أمره، و سنذكر ان شاء اللّٰه بعض الأدعية المأثورة المشتملة على نية الإحرام و نية النسك، و التي تستحب قراءتها عند عقد النية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 279

و يراد بحج الإسلام هنا و بعمرة الإسلام الحج و العمرة اللذان يفرضهما الإسلام على ذلك المكلف إذا استطاع الحج و العمرة، و قد بيّنا ذلك في فصل أقسام الحج و العمرة، و إلا فجميع أقسام الحج و العمرة الواجبة و المندوبة مما أمرت به شريعة الإسلام.

و إذا كانت عمرة

التمتع واجبة عليه بالنذر و شبهه أو بالنيابة عن أحد، قال: (أحرم بعمرة التمتع لحج التمتع وفاء بما نذرته أو بما حلفت عليه)، أو قال: بالنيابة عن فلان بن فلان، قربة الى اللّٰه تعالى.

و إذا كان فرضه عند الاستطاعة حج القران أو الافراد، قال: أحرم بحج القران حج الإسلام، أو قال: أحرم بحج الافراد حج الإسلام قربة الى اللّٰه، و إذا كان واجبا بالنذر أو بالنيابة عيّنه كذلك.

و كذا الحال في العمرة المفردة إذا كانت واجبة عليه لنفسه أو عن غيره و في عمرة التمتع المندوبة، و الحج المندوب بجميع أقسامه، فيذكرها جميعا على النهج المتقدم بيانه.

[الأول: النية،]
المسألة 581:

الواجبات في الإحرام ثلاثة أمور:

الواجب الأول فيه: النية، و قد فصّلنا القول فيها في المسائل المتقدمة تفصيلا وافيا بالمقصود، و من طلب المزيد فليعد الى مباحث النية من كتاب الصلاة، و مبحث نية الوضوء، من كتاب الطهارة، و سيأتي هنا- إن شاء اللّٰه- ذكر بعض الآداب و المستحبات فيها.

[الثاني: لبس ثوبي الإحرام،]
المسألة 582:

الواجب الثاني: من واجبات الإحرام لبس ثوبي الإحرام، و الظاهر من الأدلة ان لبسهما واجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 280

تكليفي في الإحرام، و ليس شرطا في صحته، فإذا نوى الإحرام و لبّى و هو عار انعقد إحرامه على الظاهر، و ان كان آثما بعدم لبسهما في حال عقد الإحرام إذا كان عامدا، و يجب عليه نزع المخيط، و الظاهر كذلك أنه ليس شرطا في صحة الإحرام، فإذا نوى الإحرام و لبّى و هو لابس للمخيط صح إحرامه، و أثم بذلك إذا كان عامدا، و وجب عليه نزعه و يجوز له نزعه من رأسه، و الأحوط إعادة الإحرام إذا أحرم بالمخيط و كان عالما عامدا.

و إذا أحرم و لبّى، ثم لبس القميص بعد ذلك لم يبطل إحرامه بذلك و إن كان متعمدا، و وجب عليه شق القميص و إخراجه من رجليه، و سيأتي بيان الكفارة في ذلك في فصل الكفارات.

المسألة 583:

يجب على المحرم أن يأتزر بأحد الثوبين و يرتدي بالآخر، و الأحوط إن لم يكن ذلك هو الأقوى أن يكون اتزاره و ارتداؤه بهما على النحو المألوف، فلا يعقد الرداء في عنقه أو في عضو آخر من بدنه، و لا يعقد بعضه ببعض، و لا يغرزه بإبرة و شبهها، بل يغرزه بنفسه، و كذلك في الإزار و إن كان الجواز فيه غير بعيد، و أولى من ذلك بالجواز في الإزار ما إذا وضع في طرفه حجرا صغيرا أو حصاة مثلا و حبس الطرف الثاني عليهما بمطّاط ضيق مستدير يمنعهما من الانفصال و يشدّ الإزار بسبب ذلك على حقويه من غير عقد.

المسألة 584:

يعتبر في الرداء أن يكون في طوله وسعته مما يصدق معه الارتداء عرفا إذا وضعه المحرم على ظهره و منكبيه، و لذلك فيجب أن يكون في طوله ساترا أكثر من الظهر و المنكبين، و لا يكتفى به إذا كان بمقدارهما دون زيادة، و الأحوط أن يكون في سعته و عرضه شاملا لطول الظهر كله، فلا يكفي إذا كان يقصر عنه، و الأحوط في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 281

الإزار أن يستر ما بين السرة و الركبة، فلا يكتفى بما دون ذلك، و أن يكون في سمكه ساترا للبشرة، فلا يجتزأ به إذا كان خفيفا غير ساتر لها، و يكفيه أن يتزر بثوبين خفيفين يحصل بمجموعهما الستر و بثوب خفيف طويل يتزر به مرتين لطوله و يحصل به الستر المقصود، و يشكل ان يتزر بإزار خفيف غير ساتر، ثم يرتدي برداء سميك يشمل بسعته موضع الإزار و يحصل به الستر.

المسألة 585:

الأحوط لزوما بل الأقوى أن تلبس المرأة عند عقد إحرامها ثوبي الإحرام الإزار و الرداء كما في الرجل، و ان جاز لها أن تلبس المخيط حتى عند الإحرام، بل و يجوز لها أن يكون إزارها و رداؤها اللذان تحرم بهما مخيطين، و يجوز لها أن تنزع ثوبي الإحرام بعد عقده حتى في أوقات تأدية المناسك من طواف و سعي و وقوف و غيرها، و تجتنب المرأة زرّ ثوبي الإحرام و عقدهما كما يجتنب الرجل ذلك.

المسألة 586:

الظاهر انه لا يكفي في صحة الإحرام ثوب واحد طويل يتّزر ببعضه و يرتدي ببعضه الآخر.

المسألة 587:

يشترط في الإزار و الرداء اللذين يحرم بهما المحرم من الرجال و النساء أن يكونا مما تصح الصلاة فيه للرجال، فلا يجوز الإحرام في الثوب إذا كان مغصوبا أو كان جميعه أو بعض اجزائه متخذا مما لا يؤكل لحمه، و ان كان من صوفه أو شعره أو وبره أو ريشه، أو كان مذهّبا أو كان من الحرير الخالص، و لا فرق في ذلك بين الرجال و النساء، بل الأحوط للنساء ان يجتنبن لبس الحرير الخالص و هن محرمات، حتى في ثيابهنّ الأخرى غير ثياب الإحرام،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 282

و حتى في غير وقت عقد الإحرام.

و لا يجوز الإحرام للرجل و لا للمرأة في ثوب متنجس إذا كانت نجاسته غير معفو عنها في الصلاة.

المسألة 588:

الأحوط لزوما في ثوبي الإحرام ان لا يكونا من الجلود، و ان كانت من الحيوان المذكى المأكول اللحم، و لا من الملبّد، فإن الجلد و الملبّد مما يشكّ في صدق اسم الثوب عليه عرفا، و لا بأس بما صدق اسم الثوب عليه إذا وجدت فيه الشرائط التي تقدم ذكرها، و ان لم يكن من المنسوجات كالثياب الحديثة التي تصنع من النايلون و شبهه، و لا بأس بالمنسوجات المخملة، كالمناشف و البرود و المناديل الكبيرة الواسعة ذات الخمل المنسوج على وجهها مما يشبه الزغب في القطائف.

المسألة 589:

لا يترك الاحتياط بمبادرة المحرم الى تطهير بدنه و ثوب إحرامه إذا عرضت لهما نجاسة بعد الإحرام، و يكفيه أن يبدل الثوب المتنجس بثوب آخر طاهر، و إذا كانت نجاسة الثوب معفوا عنها في الصلاة لم يفتقر الى تطهير أو تبديل و كذا نجاسة البدن.

المسألة 590:

لا يترك الاحتياط بأن يقدم المكلّف لبس ثوبي الإحرام قبل أن ينوي الإحرام، و قد سبق ان لبس الثوبين واجب تعبدي في الإحرام و ليس شرطا في صحته، و ان المكلف إذا أحرم و لبّى قبل أن يلبس الثوبين صح إحرامه، و ان كان آثما بعدم لبس الثوبين حين إحرامه، و إذا قرن عقد إحرامه مع لبس الثوبين صح إحرامه من غير إثم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 283

المسألة 591:

الأحوط بل الأقوى أن ينوي لبس ثوبي الإحرام إذا أراد لبسهما للإحرام، فيقصد في قلبه أو يقول بلسانه أيضا: ألبس ثوبي الإحرام لعمرة التمتع مثلا امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، و أما التجرد من لبس المخيط فلا تعتبر فيه النية.

المسألة 592:

لبس المخيط مما ينافي نية الإحرام، فقد تقدم أن إنشاء الإحرام يحدث من العزم الثابت في ضمير الإنسان على ترك جميع المحرمات و التزامه النفساني ذلك، و لا ريب في ان لبس المخيط منها و لذلك فإذا لبس المكلف ثوبي الإحرام مع المخيط فوقه أو تحته و هو عالم عامد، فالأحوط له لزوما إعادة الإحرام بعد نزع المخيط إذا كان قبل التلبية، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و الثانية و الثمانون، و إذا كان جاهلا وجب عليه نزعه حين ما يعلم بالحكم و لا يجب عليه أن يعيد الإحرام.

المسألة 593:

يجوز للمحرم أن يلبس في إحرامه أكثر من ثوبين، فيعدّد الإزار أو الرداء اتقاء من البرد أو الحرّ أو لغير ذلك من الدواعي، مع وجود الشرائط في ما يلبسه من الثياب، سواء كان ذلك في ابتداء إحرامه أم بعد ذلك، و إذا لبس بعد الإحرام ما لا يحلّ له لبسه ناسيا أو جاهلا وجب عليه نزعه متى تذكر.

المسألة 594:

لا يجب على المحرم أن يلبس ثياب إحرامه في جميع مدة الإحرام، فيجوز له أن ينزعها عن جسده ليغتسل مثلا أو ليطهّر الثياب من نجاسة أو لينظفها من الأوساخ، و لبعض الموجبات

كلمة التقوى، ج 3، ص: 284

الأخرى، و يجوز له أن يلقيها عن بدنه اختيارا في بعض الأوقات إذا أمن الناظر، و يجوز له إبدالها بغيرها مع وجود الشروط.

المسألة 595:

يستحب للمحرم التلفظ بنية الإحرام- كما قلنا في المسألة الخمسمائة و الثمانين-، و يستحب له أن يشترط على اللّٰه عند إحرامه أن يحلّه إذا حبسه فعرض له عارض يمنعه من أن يتم النسك الذي أحرم به من الحج أو العمرة كما نطقت به الأدلة الكثيرة، فيقول- كما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال-:

فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللّٰه و أثن عليه، و صل على النبي (ص)، و تقول: (اللّهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك و آمن بوعدك، و اتّبع أمرك، فإني عبدك و في قبضتك لا أوقى الّا ما وقيت، و لا أجد إلا ما أعطيت، و قد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك و سنة نبيك (ص)، و تقوّيني على ما ضعفت و تسلّم مني مناسكي في يسر منك و عافية، و اجعلني من وفدك الذين رضيت و ارتضيت و سميت و كتبت، اللّهم إني خرجت من شقة بعيدة و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك اللّهم فتمم لي حجتي و عمرتي، اللّهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيّك (ص) فان عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت علي، اللّهم ان لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك

شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب، أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة).

أو يقول ما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: إذا أردت الإحرام و التمتع فقل: (اللّهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسّر ذلك لي، و تقبّله مني، و أعنّي عليه، و حلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت علي، أحرم لك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 285

شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب).

و قد ذكر الفقهاء (قدس اللّٰه أنفسهم): للمحرم أحكاما إذا أحصر بعد إحرامه فعرض له مرض يمنعه عن أن يأتي بنسكه أو عن أن يتمه، أو صدّه عدو فلم يتمكن من ذلك، و سنثبت فرقا في الأحكام يختلف فيها من يشترط في إحرامه على اللّٰه أن يحلّه إذا حبسه عمّن لا يشترط ذلك، و سنتعرض ان شاء اللّٰه تعالى لبيان ذلك في الفصل السادس و العشرين في الصدّ و الإحصار.

المسألة 596:

إذا أبدل المحرم ثياب إحرامه بغيرها استحب له متى دخل مكة أن يلبس الثوبين اللذين أحرم بهما ليكون طوافه و سعيه بهما، و يكره له أن يبيعهما و لو بعد ذلك، و لا يحرم عليه البيع.

[الثالث: التلبيات الأربع]
المسألة 597:

الواجب الثالث من واجبات الإحرام:

التلبيات الأربع و هي أن يقول المحرم:

(لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك)، و الأحوط لزوما أن يقول بعد ذلك: إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، و لا ينعقد الإحرام في عمرة التمتع، و لا في حج التمتع، و لا في حج الافراد، و لا في العمرة المفردة إلا بالتلبيات المذكورة، كما لا تنعقد الصّلاة الواجبة و لا المندوبة إلا بتكبيرة الإحرام، و أمّا حج القران فيتخير المكلّف فيه بين أن يعقد إحرامه بالتلبية، و أن يعقده بإشعار هديه إذا كان من الإبل، أو بتقليده إذا كان من الإبل أو البقر أو الغنم، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّٰه، و قد سبق ذكره في المسألة الأربعمائة و الخامسة و الخمسين و ما بعدها.

فإذا نوى الشخص الإحرام و لبس الثوبين ثم أتى بعض محرمات الإحرام من الصيد أو النساء أو الطيب أو غير ذلك من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 286

قبل أن يعقد إحرامه بالتلبية لم تجب عليه الكفارة، و كذلك القارن إذا فعل شيئا منها قبل أن يلبي أو يشعر هديه أو يقلّده فلا كفارة عليه.

المسألة 598:

يجب على المكلف أن ينطق بالتلبيات الواجبة عليه على الوجه العربي فيؤدي كلماتها و حروفها على النهج الصحيح، و على وفق القواعد الثابتة في اللغة، و يكفيه أن يتلقنها من المرشد العارف بها جملة جملة أو كلمة كلمة، مع فهم المعنى المقصود منها، و لا يجزيه- مع التمكن من ذلك- أن ينطق بها ملحونة و لو في بعض كلماتها، و إذا عجز عن النطق الصحيح فالأحوط له لزوما أن يأتي بها كما يحسن، و يستنيب من يلبي عنه تلبية

صحيحة فيجمع بينهما، و لا تكفي ترجمتها بغير العربية مع التمكن من التلفظ بها عربية على الوجه الذي بينّاه، و ان كانت الترجمة مطابقة، فإذا عجز عن النطق العربي جمع على الأحوط لزوما بين الترجمة و الاستنابة.

المسألة 599:

يكفي الأخرس في التلبية عند الإحرام أن يشير إلى التلبية بإصبعه، و يحرّك بها لسانه، و يعقد بها قلبه، و الأحوط له استحبابا أن يجمع بين ذلك و بين أن يستنيب أحدا يلبّي عنه.

المسألة 600:

إذا أحرم الولي بالصبي أو الصبية فإن كان مميزا أمره بالتلبية ليلبي بنفسه، و إذا كان لا يحسنها علّمه أو لقّنه إياها كلمة كلمة ليقولها، و إذا كان الصبي غير مميّز لبّى الولي بالنيابة عنه، و قد تقدم في المسألة الخمسمائة و السابعة و العشرين حكم الشخص إذا أغمي عليه في الميقات فلم يتمكن من الإحرام فيه و كذلك حكمه إذا أحرم و أغمي عليه قبل أن يلبّي، و سيأتي حكم من نسي التلبية عند

كلمة التقوى، ج 3، ص: 287

الإحرام حتى تجاوز الميقات.

المسألة 601:

المعلوم من موارد الاستعمال في العرف و اللغة أن لبيك كلمة تستعمل في إجابة نداء المنادي، و فيها دلالة على أكبار المنادي و إجلاله، و هي قد تضاف الى الظاهر فيقال: لبّي زيد و قد تضاف الى الضمير فيقال: لبيك و لبّيكما و لبّيكم، و من ذلك يكون اشتقاقها فيقال: لبّاه تلبية و هو ملبّ إذا أجاب نداءه، و اما أقوال اللغويين التي ذكروها في أصل هذه الكلمة فلا تعدو أن تكون تخرصا قد لا يثمر الظن فضلا عن العلم.

المسألة 602:

الأولى للمحرم أن يقول في تلبيته: (إن الحمد و النعمة لك) بكسر الهمزة في إنّ لا بفتحها، بل لا ينبغي له ترك ذلك، و ان صح له أن يقرأها بالفتح أيضا، الا ان المعنى في التلبية مع كسر الهمزة يكون أعم و أتم.

المسألة 603:

لا يشترط في صحة الإحرام أن يقرن المكلف نية إحرامه بالتلبية و لا تجب عليه المبادرة إليها، فإذا أخّر التلبية عن نية الإحرام و لبس الثوبين عامدا لم يبطل إحرامه و لم يأثم بذلك، و ان كان الأحوط له أن لا يؤخرها، نعم يجب عليه أن يكون عقد إحرامه و لبس الثوبين عامدا لم يبطل إحرامه و لم يأثم بذلك، و إن كان الأحوط له أن لا يؤخرها، نعم يجب عليه أن يكون عقد إحرامه بالتلبية في الميقات، فلا يجوز له أن يؤخر تلبيته حتى يتجاوز الميقات، أو الموضع الذي يجب عليه الإحرام منه بالنذر أو غيره.

المسألة 604:

لا يحرم على الإنسان شي ء من محرمات الإحرام حتى يعقد إحرامه بالتلبية، أو بالإشعار أو التقليد إذا كان قارنا، و ان نوى الإحرام و لبس ثيابه، و قد ذكرنا من قبل ان كفارات الإحرام لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 288

تجب عليه إذا فعل شيئا من المنهيات قبل ذلك، و كما لا تلزمه الكفارة فلا يكون آثما بفعله، و هل يجوز له أن يبطل إحرامه عامدا فيعدل عن نيته قبل التلبية و ما هو بمنزلتها فيرجع الى أهله أو يحرم إحراما آخر؟ فيه إشكال.

المسألة 605:

إذا نسي المحرم التلبية الواجبة عليه حتى تجاوز الميقات وجب عليه الرجوع و التلبية من الميقات على الأحوط لزوما بل على الأقوى، فإذا تعذر عليه العود الى الميقات رجع في طريقه ما أمكنه الرجوع و لبّى من الموضع الذي يستطيع الوصول إليه، فإن تعذر عليه ذلك لبّى في موضعه، و إذا أتى بشي ء من محرمات الإحرام قبل أن يلبي فلا كفارة عليه كما تقدم.

المسألة 606:

إذا أتى المكلّف بالتلبيات الأربع بعد إحرامه مرة واحدة انعقد إحرامه و تأدّى بها الواجب، و لم تجب عليه الزيادة على ذلك، و يستحب تكرارها و الإكثار منها ما استطاع، و أن يأتي بها في دبر كل صلاة مكتوبة و نافلة، و حين تنهض به راحلته، و إذا علا شرفا أو هبط واديا، أو لقي راكبا أو استيقظ من منامه، و بالأسحار، و كلما ركب، و كلما نزل، و يستحب أن يجهر بها و يرفع صوته و يعج، و يستحب له أن يلبّي في إحرامه سبعين مرة، ففي الحديث عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا أشهد اللّٰه له ألف ألف ملك ببراءة من النار و براءة من النفاق)، و عنه (ص): (ما من حاج يضحي ملبيا حتى تزول الشمس الا غابت ذنوبه معها)، و في الحديث: (أن رسول اللّٰه (ص) لما أحرم أتاه جبرئيل (ع) فقال له: مر أصحابك بالعج و الثج)، و العج رفع الصوت بالتلبية، و الثج نحر البدن، قال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 289

و قال جابر بن عبد اللّٰه: (ما بلغنا الروحاء حتى بحت أصواتنا).

المسألة 607:

يستحب أن يقول في التلبية ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: التلبية أن تقول: (لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك داعيا الى دار السلام لبّيك، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك ذا الجلال و الإكرام لبّيك، لبّيك تبدئ و المعاد إليك لبّيك، لبّيك تستغني و يفتقر إليك

لبّيك، لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبّيك، لبّيك إله الحق لبّيك، لبّيك ذا النعماء و الفضل الحسن الجميل لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك، لبّيك عبدك و ابن عبديك لبّيك، لبّيك يا كريم لبّيك)، و ورد في الصحيحة نفسها و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّٰه (ص) كان يكثر منها.

و يستحب أن يقول: (لبّيك أتقرب إليك بمحمد و آل محمّد لبّيك، لبّيك بحجة أو عمرة لبّيك، لبّيك و هذه عمرة متعة إلى الحج لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك تلبية تمامها و بلاغها عليك).

المسألة 608:

إذا نوى المكلف الإحرام بالعمرة أو بالحج في مسجد الشجرة و لبس الثوبين جاز له أن يأتي بالتلبية الواجبة من وقته، و جاز له أن يؤخرها و يأتي بها بعد ذلك قبل أن يخرج من حدود الميقات و إذا أتى بها تخيّر بين أن يأتي بها سرّا و أن يأتي بها جهرا، و الأفضل أن يؤخر الجهر بها و بالتلبية المستحبة حتى يصل البيداء، و البيداء أرض مستوية تقع على بعد ميل واحد من ذي الحليفة.

و إذا نوى الإحرام في ميقات أهل العراق أو غيره من المواقيت الخمسة جاز له كذلك أن يعجّل بالتلبية فيأتي بها في موضعه سرا أو جهرا، و جاز له أن يؤخرها على أن يأتي بها قبل خروجه عن حدود

كلمة التقوى، ج 3، ص: 290

الميقات، و الأفضل له أن يؤخر الإتيان بالتلبية سرا و جهرا الى أن يمشي قليلا قبل أن يتجاوز الميقات.

و إذا نوى الإحرام لحج التمتع في المسجد الحرام و لبس ثوبي الإحرام جاز له أن يلبّي في موضعه من المسجد و أن يجهر بها إذا شاء، و جاز له أن يؤخر تلبيته

ما دام في مكة، و الأفضل له أن يؤخرها إلى الرقطاء في خروجه إلى منى فيلبي فيها قبل أن يصل الى الردم، فإذا انتهى الى الردم و أشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية، و كذلك إذا أحرم في غير المسجد من مكة.

و الأبطح أو المحصب سيل متسع يقع بين مكة و منى، و الرّدم حاجز يكون في آخر الأبطح من جهة مكة يمنع وصول السيل الى المسجد الحرام، و الرقطاء موضع في مكة يكون قبل الردم المذكور.

المسألة 609:

يختص استحباب الجهر بالتلبية بالرجال، فلا جهر فيها على النساء.

المسألة 610:

تتأدّى وظيفة الاستحباب في تكرار التلبية بأن يقول: (لبّيك اللّهم لبّيك)، و يكرر ذلك و ان لم يأت بها بصورة التلبية الواجبة، أو بصورة التلبيات المستحبة، و تتأدّى أيضا بأن يكرّر بعض الفقرات المأثورة فيقول مثلا: (لبّيك ذا المعارج لبّيك)، أو (لبّيك يا كريم لبّيك)، و تتأدّى بأن ينشئ كلمات صحيحة المعنى في التلبية و يكرّرها، و لا يكفي جميع ذلك عن التلبية الواجبة.

المسألة 611:

يجب على المحرم بعمرة التمتع أن يقطع تلبيته إذا شاهد بيوت مكة القديمة، فلا تشرع له التلبية بعد ذلك، و لا اعتبار بمشاهدة بيوت مكة في المحلات و الشوارع المستجدة فيها، و حدّ مكة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 291

القديمة- على ما عيّنته النصوص المعتبرة- هو عقبة المدنيين لمن دخل من أعلى مكة كما في بعض النصوص، و عقبة ذي طوى لمن دخل من أسفلها، و هي قريبة من عقبة المدنيين، على ما يذكره الأزرقي في كتابه أخبار مكة، و يضبطه محقق الكتاب و هما يسميان الموضعين ثنية المدنيين و ثنية ذي طوى، و يقول محقق الكتاب ثنية المدنيين هي التي تسمى اليوم ثنية الحجون، و يقول أيضا: وادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة و ربع الكحل المسمى بالثنية الخضراء و كان وادي طوى يسمى وادي ضبع أما اليوم فيعرف ببير الهندي، و نحن ننقل ذلك للتقريب.

و المدار في الحكم على مشاهدة بيوت مكة القديمة كما قلنا من أية جهة يدخلها المحرم، و لا فرق في الحكم بين عمرة التمتع الواجبة و المندوبة.

و يجب على المحرم بالعمرة المفردة أن يقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم، سواء كانت عمرته واجبة أم مندوبة، و هذا إذا كان إحرامه بالعمرة من الميقات، أو

من دويرة أهله إذا كانت دون الميقات و قبل حدود الحرم، و إذا كان قد خرج من مكة فأحرم بعمرته من أدنى الحلّ لم يقطع التلبية حتى يشاهد الكعبة المعظمة، و كذلك النائي عن مكة إذا مرّ بالميقات، و هو لا يريد النسك و لا الدّخول إلى مكة فلم يحرم حتى وصل أدنى الحلّ ثم أراد العمرة المفردة، فقد سبق أن حكمه أن يحرم بالعمرة من أدنى الحلّ كما فعل الرسول (ص) في عمرته بعد غزوة حنين، فإذا أحرم بها لم يقطع تلبيته حتى يشاهد الكعبة.

و إذا أحرم المتمتع من مكة بحج التمتع قطع تلبيته عند زوال الشمس من يوم عرفة، و كذلك المحرم بحج القران أو بحج الإفراد فعليه أن يقطع التلبية عند الزوال في عرفة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 292

المسألة 612:

إذا نوى الشخص الإحرام بالحج أو العمرة و لبس ثوبي الإحرام و شك هل أنه أتى بالتلبية بعدهما فانعقد إحرامه و وجب عليه ترك محرمات الإحرام، أو لم يلبّ بعد فلم يجب عليه تركها، بنى على عدم الإتيان بالتلبية، و لذلك فلا يحرم عليه فعلها و لا تجب عليه الكفارة بفعل شي ء منها حتى يلبي بعد ذلك.

المسألة 613:

إذا أتى المكلف بالتلبية بعد النية و لبس الثوبين و شك بعد الفراغ منها هل كانت تلبيته صحيحة أم لا؟ بنى على الصحة، و لذلك فيجب عليه ترك المحرمات و تلزمه الكفارة بفعل شي ء منها.

المسألة 614:

إذا أراد الإنسان أن يحرم من الميقات بحج القران و ساق معه هديا، تخيّر بعد أن ينوي الإحرام و يلبس الثوبين، بين أن يعقد إحرامه بالتلبية كغيره من المحرمين، و ان يعقده بإشعار الهدي إذا كان من الإبل، و تقليده إذا كان من الإبل أو البقر أو الغنم، فإذا لبّى أولا انعقد إحرامه بتلبيته و لم يجب عليه إشعار الهدي و لا تقليده و استحب له الإتيان بهما، و إذا سبق فأشعر البدنة انعقد إحرامه بالإشعار و استحبت له التلبية و التقليد، و إذا قدّم التقليد انعقد إحرامه به و لم تجب عليه التلبية و لا الإشعار و استحبت له التلبية، و استحب له إشعار الهدي إذا كان من الإبل.

المسألة 615:

يستحب للقارن أن يجمع بين التلبية و الإشعار و التقليد إذا كان هديه من الإبل، و أيّها قدمه كان هو الواجب و كان ما بعده مستحبا، و يستحب له ان يجمع بين التلبية و التقليد إذا كان الهدي من البقر أو الغنم، و أيّهما بدأ به كان هو الواجب و كان الثاني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 293

مستحبا كما قلنا.

المسألة 616:

لا يختص الحكم الذي تقدم بيانه بالمكلف القريب الذي يكون أهله حاضري المسجد الحرام، بل يشمل البعيد عنه من أهل الأمصار إذا أراد أن يحج حجا مندوبا، فيتخيّر بين حج التمتع و القران و الافراد، فإذا أراد حج القران جرى فيه الحكم المذكور، و قد سبق في فصل أقسام الحج ان من يكون أهله حاضري المسجد الحرام انما يتعيّن عليه حج القران أو الافراد في الحج الواجب عليه بالاستطاعة أو البذل، فلا يعم حجه المندوب و لا المنذور إذا كان نذره مطلقا، و لا الحج الذي يجب عليه بالاستنابة إذا استؤجر على حج مطلق، و كذلك البعيد من أهل الأمصار فإنما يتعيّن عليه ان يحج متمتعا إذا كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة أو بالبذل، فإذا أراد أحد هؤلاء حج القران و كان ممن يصح منه جرى فيه الحكم الآنف ذكره.

المسألة 617:

إشعار البدنة هو أن يشق جانب سنامها بسكين أو خنجر أو نحوهما و يلطخ صفحة السنام بدمه، و يستحب أن يشعرها و هي معقولة، و أن يشق السنام من جانبها الأيمن، و يقف الرجل عن جانبها الأيسر، و إذا تعددت البدن وقف بين كل اثنتين منها و أشعر هذه من جانبها الأيمن، و هذه من جانبها الأيسر حتى يأتي عليها، و في موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

اني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ قال: (انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ، ثم افرض بعد صلاتك، ثم اخرج، إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل: (بسم اللّٰه اللّهم منك و لك، اللّهم تقبّل مني ثم انطلق

حتى تأتي البيداء فلبّه)، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 294

ذكرنا أن التلبية بعد الاشعار الواجب مستحبة، و تقليد الهدي أن يعلّق في رقبته نعلا خلقا قد صلّى فيه، و لا يكفي أن يقلّده بخيط أو سير أو بنعل لم يصلّ فيه، و إذا فعل كذلك لم ينعقد به إحرامه.

المسألة 618:

لا يشترط في صحة الإحرام ان يكون المكلف طاهرا من الحدث الأكبر أو الأصغر، فيصح إحرامه إذا كان جنبا، و يصح إحرام المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أو مستحاضة و لم تؤدّ وظائفها، و يصح إحرام الرجل أو المرأة و هو على غير وضوء، و تصح تلبيته بعد الإحرام و ان كان محدثا كذلك، و لكنه مع الطهارة أفضل، و مع الطهارة التامة أتمّ فضلا، و مع الإتيان بجميع الوظائف و الآداب المسنونة أرقى في مرتبة الفضيلة و أوجب للمزيد من القرب الإلهي و العطاء غير المحدود منه سبحانه.

المسألة 619:

يستحب أن يكون الثوبان اللذان يحرم المحرم فيهما من القطن، ففي الخبر عن بعضهم (ع) قال: (أحرم رسول اللّٰه (ص) في ثوبي كرسف)، (و الكرسف هو القطن)، و يستحب أن يقول عند لبس ثياب الإحرام: (الحمد للّه الذي رزقني ما أواري به عورتي، و أؤدّي فيه فرضي، و أعبد فيه ربي، و انتهى فيه الى ما أمرني.

الحمد للّه الذي قصدته فبلّغني، و أردته فأعانني و قبلني و لم يقطع بي، و وجهه أردت فسلّمني، فهو حصني و كهفي و حرزي و ظهري و ملاذي، و رجائي و منجاي و ذخري و عدّتي في شدّتي و رخائي)، و قد تقدم في مبحث لباس المصلي أن الأفضل أن يكون أبيض اللون.

المسألة 620:

يصح للمرأة الحائض و النفساء ان تغتسل غسل الإحرام، و يستحب لها ذلك و ان لم ينقطع حدثها و لا دمها، فإذا أرادت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 295

الإحرام بالحج أو العمرة اغتسلت غسل الإحرام، و احتشت بالكرسف، و استثفرت و لبست ثوبا تحت ثياب إحرامها، و استقبلت القبلة و لم تدخل المسجد، و أهلّت بالحج أو بالعمرة كما تصنع سائر النساء من غير صلاة، و لبّت تلبيتها الواجبة و المستحبة.

المسألة 621:

يستحب للمحرم أن يجهر بالتلبية، و يكثر منها في آناء الليل و النهار و ان كان محدثا أو مجنبا، و لا يقطع تلبيته إلا إذا وجب عليه قطعها- كما ذكرنا في المسألة الستمائة و الحادية عشرة-، و يستحب ذلك للمرأة أيضا و لكنها لا تجهر بالتلبية.

المسألة 622:

ورد في موثقة الحسين بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): يحرم الرجل بالثوب الأسود؟ قال (ع): (لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميت)، و الظاهر منها تحريم ذلك و قد قامت القرينة القطعية في مسألة التكفين على كراهته بالثوب الأسود و من أجل ذلك فقد ذهب المشهور إلى كراهة الإحرام به أيضا، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط باجتناب لبس الثوب الأسود في الإحرام.

المسألة 623:

يكره الإحرام في الثوب الوسخ، و إذا غسل قبل الإحرام به و زالت الأوساخ عنه زالت الكراهة عن الإحرام فيه، و إذا توسخ الثوب النظيف بعد الإحرام فيه فالأولى أن لا يغسله من الأوساخ التي أصابته في أثناء الإحرام حتى يحلّ، و يجوز له ابداله بثوب آخر، و إذا أصابته جنابة أو نجاسة أخرى طهّره.

المسألة 624:

يكره للرّجل أن يحرم في الثياب المعلّمة، و يراد بها المخططة بعلم و تطريز و نحوه، و لا كراهة على المرأة أن تحرم بذلك أو تلبسه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 296

بعد إحرامها.

المسألة 625:

يكره للمحرم أن ينام على فراش أصفر، و أن يتوسد على مرفقة صفراء.

المسألة 626:

ذكرنا في المسألة الخمسمائة و الستين و ما بعدها حكم الخضاب بالحناء و غيرها قبل الإحرام، فإذا كان الأثر مما يبقى الى حال الإحرام، و كان مما يعدّ زينة فالأحوط لزوما لكل من الرجل و المرأة ترك ذلك، و لا بد لهما من إزالة الأثر بعد الإحرام إذا كانت ازالته ممكنة.

و إذا اضطر الرجل أو المرأة لاستعمال الحناء لعلاج تشقق الأصابع أو الكفين أو القدمين جاز لهما استعمالها قبل الإحرام للضرورة و ان بقي الأثر بعد الإحرام، و إذا لم يصل ذلك الى حدّ الضرورة كره ذلك للمرأة، و أشكل الحكم بالكراهة للرجل، و إذا كان الأثر الباقي الى ما بعد الإحرام مما يعدّ زينة، فقد ذكرنا أن الأحوط لزوما للرجل و المرأة ترك ذلك، و عليهما إزالة الأثر مع الإمكان.

المسألة 627:

يكره للمحرم أن يدخل الحمّام بعد إحرامه، و لا يكره له أن يغتسل في غير الحمّام، و يكره له أن يدلك جسده في الحمّام و غيره، و لا فرق في جميع ذلك بين الرّجل و المرأة.

المسألة 628:

الأحوط للمحرم إذا ناداه أحد من الناس أن لا يجيبه بالتلبية حتى يحلّ من إحرامه، فإذا دعاه داع قال له: يا سعد، أو قال له: نعم أو إجابة بغيرها من الأجوبة المتعارفة غير التلبية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 297

المسألة 629:

يكره للمحرم أن يحتبي، و الاحتباء هو أن يجمع ساقيه و فخذيه الى بطنه و يشدّها جميعا الى ظهره بثوب و شبهه أو بحمائل أو بيديه، و يكره له إنشاد الشعر و روايته.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 298

الفصل الرابع عشر في محرّمات الإحرام و كفاراتها

المسألة 630:

محرمات الإحرام هي الأمور التي تحرمها شريعة الإسلام على الشخص بسبب إحرامه بأحد المناسك، و الكفارات هي الواجبات المقدّرة التي تفرضها الشريعة عليه إذا ارتكب أحد المنهيّات المذكورة و هو محرم قبل أن يحلّ شرعا من ذلك النسك الذي أحرم له.

فإذا أراد الشخص أن يؤدي نسكا معيّنا من حج أو عمرة، و عزم في قلبه أن يحرم للّه بترك جميع ما نهاه عنه من ذلك ليأتي بالنسك المعيّن، و التزم بما قصده في ضميره التزاما ثابتا، كان هذا العزم و الالتزام النفساني منه إيقاعا للإحرام و سببا لإنشائه، فإذا لبس ثياب الإحرام و تمت نيّته للإحرام و للنسك متقربا بهما الى اللّٰه تعالى، ثم عقد إحرامه بالتلبية أو بالإشعار أو التقليد إذا كان قارنا، حرم عليه أن يفعل شيئا من المنهيات، و إذا فعله كذلك لزمته الكفارة المعينة لذلك الفعل إذا كان مما فيه الكفارة شرعا.

المسألة 631:

المحرّمات التي يجب على المكلف اجتنابها في حال إحرامه خمسة و عشرون أمرا، و هي على وجه الاجمال: (1) صيد البر (2) الجماع (3) التقبيل (4) اللمس بشهوة (5) النظر إلى الزوجة أو إلى الأجنبية بشهوة و بغير شهوة (6) الاستمناء (7) عقد النكاح (8) لبس المخيط إذا كان المحرم رجلا (9) لبس الخف و الجورب إذا كان اللابس رجلا (10) استعمال الطيب (11) التزين (12) الاكتحال (13) الادهان (14) النظر في المرآة (15) إزالة الشعر عن البدن (16) الفسوق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 299

(17) الجدال (18) قتل القمل و حشرات الجسد (19) التظليل للرجال (20) ستر الرأس للرجال و منه الارتماس في الماء و شبهه (21) ستر المرأة وجهها (22) تقليم الأظفار (23) إخراج الدم من البدن

(24) قلع الضرس (25) حمل السلاح، و تفصيل هذا المجمل يأتي في بقية مسائل هذا الفصل ان شاء اللّٰه تعالى.

[الأول: صيد البر:]
المسألة 632:

الأول من محرّمات الإحرام: صيد البر: كما يقول سبحانه (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً)، و المراد بصيد البر هو كل ما يبيض و يفرّخ أو يتوالد في البرّ من الحيوان و الطير، و يختص التحريم به فلا يعمّ صيد البحر، و هو ما يبيض و يفرخ أو يتوالد في الماء و ان كان ماء نهر أو جدول صغير أو ساقية و لا يعم الحيوان الأهلي و إن توحش.

فيحرم على المحرم اصطياد صيد البرّ، و يحرم عليه ذبحه و إن كان صائده غيره محلا أو محرما، و يحرم عليه أكله و إن كان الصائد و الذابح محلا، و يحرم عليه إمساك الصيد و إن أمسكه لغيره، و يحرم عليه أن يعين أحدا على صيده فيشترك معه في أخذه، أو يدفع له الآلة، أو ينصبها له، أو يدله على مكمنه، أو يشير اليه و لو بإشارة خفية،- و إن كان الصائد محلا، و يحرم عليه أن يغلق الباب عليه ليموت أو ليصطاده الصائد أو ليصطاده هو بعد أن يحلّ من إحرامه، و يحرم عليه أن يحرّض عليه كلبا أو طيرا أو حيوانا صيودا لنفسه أو لغيره و ان كان محلا، سواء كان الصيد في الحل أم في الحرم في جميع الفروض التي ذكرناها.

المسألة 633:

الجراد من صيد البرّ فلا يحلّ للمحرم صيده، و لا إمساكه، و لا أكله، و لا الإعانة على صيده، و لا الاغلاق عليه، و كذلك الدبا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 300

المحرّم و هو الجراد غير الطائر.

المسألة 634:

لا يحرم على المحرم صيد البحر من السمك و غيره، فيجوز له اصطياده و بيعه و شراؤه و أكله إذا كان محلّلا، و يجوز له كذلك بيعه و شراؤه و ان كان محرما إذا كانت له منافع محلّله.

و لا يحرم عليه ذبح الحيوان الأهلي من الأنعام و الدواجن و الدجاج الحبشي، و يجوز له أكلها إذا ذكيت، سواء كان الذابح لها محرما أم محلا.

المسألة 635:

الفراخ و البيوض تابعة للأصل الذي تولدت منه في الحكم، فيحرم على المحرم صيد فراخ صيد البرّ و ذبحها و أكلها و يحرم عليه أكل بيضه، و أخذه للبيع و الإحضان و نحو ذلك و تلزمه أحكامها، و يجوز له اصطياد فراخ صيد البحر و بيوضه، و يحلّ له أكله إذا كان أصله محللا، و كذلك فراخ الحيوانات الأهلية و بيوضها فلا تحرم على المحرم.

المسألة 636:

إذا اصطاد المحرم صيد البر فقتله بالآلة أو بالكلب المعلّم حرم أكله عليه و على غيره و ان كان محلا، سواء اصطاده في الحل أم في الحرم، و كذلك إذا ذبحه المحرم و ان كان صائده محلا، و الأحوط جريان أحكام الميتة عليه فلا يصلى في جلده و ان يتطهر من جلده و أجزائه التي تحلّها الحياة إذا باشرها برطوبة، بل الأحوط دفنه كما أمرت به النصوص.

و مثله الحكم في صيد الحرم إذا أصابه الصائد فقتله بالآلة، أو قتله كلبه المعلّم، أو ذبحه و ان كان الصائد أو الذابح محلا، فلا يجوز أكله لمحرم و لا لمحل، و يجري فيه الاحتياط المتقدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 301

المسألة 637:

إذا استولى المحرم على صيد البر و هو في الحل فأخذه حيا أثم بذلك و لزمته كفارة الصيد و وجب عليه إطلاقه كما سيأتي، و إذا أخذه منه محل فذكّاه قبل أن يطلقه المحرم جاز للمحل أكله على الأقوى و لم تسقط الكفارة عن الصائد المحرم، و يحل أكله لغيره من المحلّين و لا يحل للمحرمين.

المسألة 638:

إذا أشار المحرم نحو الصيد إشارة خفية أو واضحة تعرّف غيره بموضعه، أو دلّه عليه و لو بالتحريض المفهم و الحركات المشعرة بوجوده و نحو ذلك من الافعال و ان كانت خفية الدلالة فانتبه الغير الى ذلك فأخذ الصيد أو قتله كان ذلك من الاستحلال المحرّم على المحرم و لزمه الفداء به.

و إذا لم يترتب على اشارة المحرم و تحريضه أثر، فلم يقتل الصيد و لم يصبه الصائد أو لم يدركه أو لم يلتفت الى الإشارة أو الدلالة التي أبداها المحرم أو لم يعتن بها، فالظاهر عدم تحريم ذلك الفعل و عدم لزوم الكفارة به على المحرم، و يستحق به عقاب المتجري إذا قصد بفعله ذلك.

المسألة 639:

إذا استولى المكلف على بعض صيد البر قبل أن يحرم فأخذه حيا ثم أحرم بعد ذلك بالحج أو العمرة و الصيد لا يزال في حيازته، فالأحوط له أن يخرج ذلك الصيد بعد الإحرام عن ملكه، و الظاهر عدم وجوب الكفارة عليه بمجرد ذلك، فإذا أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّي سبيله، و إذا هو لم يخلّ سبيله و مات الصيد بعد إدخاله الحرم أو ذبحه أحد وجب عليه الفداء، و إذا بقي الصيد حيا بعد دخوله الحرم و لم يخلّ سبيله ففي خروجه عن ملك الرجل اشكال،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 302

و كذلك الحكم إذا ملك الصيد قبل الإحرام ببيع أو إرث أو غيرهما من أسباب الملك.

المسألة 640:

إذا أحرم الرجل و كان في حال إحرامه يملك بعض الصيد من الوحوش أو الطيور و هي نائية عنه قد خلّفها في منزله أو في مكان آخر، لم يخرج ذلك الصيد عن ملكه بمجرّد إحرامه، و لا يجب عليه تخلية سبيله، و لا تلزمه الكفارة بسببه.

نعم، يشكل بل يمنع أن تكون له آلة صيد منصوبة عند أهله أو عند وكيله فيصطادون بها بالوكالة عنه و هو محرم، و كذلك إذا تجدّد له ملك الصيد ببيع أو هبة أو نحوهما بعد ما أحرم و قبل أن يحلّ على الأحوط ان لم يكن المنع هو الأقوى.

المسألة 641:

لا يجوز للمحرم قتل السباع من الوحوش و الطير في الحل و لا في الحرم، إلا إذا إرادته و خاف منها على نفسه فيجوز له قتلها عند ذلك، و يجوز له قتلها أيضا إذا آذت حمام الحرم، و لا فرق في الحكم بين الأسد و غيره من السباع، و لا تجب عليه الكفارة إذا قتل شيئا منها غير الأسد سواء جاز له قتلها أم لم يجز، و سيأتي بيان الكفارة في قتل الأسد في المسألة الستمائة و الثامنة و الخمسين.

المسألة 642:

يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و هي الحية الخبيثة، و الأفعوان و هو الذكر من الأفاعي، و يجوز له ان يقتل كلّ حية سوء، بل و كل حية و لا سيما إذا قصدته بالأذى، و يجوز له قتل العقرب و الفأرة من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون في الحل أو في الحرم، و لا تلزمه كفارة في قتل شي ء منها، و يجوز له أن يرمي الغراب و الحدأة و لا كفارة عليه إذا قتلهما بذلك، و لا فرق بين الغراب الأبقع و غيره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 303

و الحدأة طائر من الجوارح.

المسألة 643:

إذا شك في حيوان انه من صيد البرّ أو من صيد البحر و لم يعلم حاله فالأحوط للمحرم الاجتناب عن صيده و أكله.

المسألة 644:

إذا ولد حيوان بين جنسين أحدهما من صيد البر و الثاني من غيره مما يجوز للمحرم صيده و أكله، فإن كان الحيوان المتولد منهما في صورته النوعية تابعا لأحد الجنسين بحيث يصدق على الحيوان المتولد اسم ذلك الجنس لحقه حكم ذلك الجنس، فيحرم إذا كان تابعا في صورته و في اسمه لصيد البرّ، و يحلّ إذا كان تابعا لغيره، و إذا لم يلحق بأحدهما في الصورة و الاسم و شكّ في حكمه فالأحوط الاجتناب عنه بل لا يخلو عن قوة.

المسألة 645:

إذا قتل المحرم نعامة أو أكل من لحمها و هو في الحل بعد انعقاد إحرامه وجب عليه أن ينحر بدنة و لا يجزيه غيرها مع القدرة، فإذا عجز عن نحر البدنة لعدم وجودها مثلا وجب عليه أن يفض ثمن البدنة على البر أو غيره من الأطعمة التي يجزي دفعها في الكفارة، و قد ذكرناها في المسألة السبعين من كتاب الكفارات، و أطعم به ستين مسكينا و دفع لكل مسكين مدا، و الأحوط استحبابا أن يدفع لكل مسكين مدين مع الكفاية، و إذا زاد ثمن البدنة عن إطعام ستين مسكينا لم يجب عليه التصدق بالزائد و إذا نقص ثمنها عن إطعام الستين تصدق على العدد الذي يفي الثمن به و لم يجب عليه ان يتم ما نقص.

و إذا عجز عن الإطعام كذلك كفاه على الأقوى أن يصوم بدل ذلك ثمانية عشر يوما، و الأحوط استحبابا ان يصوم من الأيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 304

بمقدار عدد المساكين الذين يتسع الثمن لإطعامهم لو كان الإطعام مقدورا سواء بلغ ستين مسكينا أم لم يبلغ، فإن عجز عن ذلك صام ثمانية عشر يوما، و سيأتي الحكم في ما إذا

قتل المحرم النعامة أو أكل من لحمها في الحرم.

المسألة 646:

إذا اصطاد المحرم بقرة وحشية فقتلها أو أكل من لحمها و هو في الحل بعد إحرامه، وجب عليه ان يذبح في كفارته عن ذلك بقرة أهلية، و ان لم يجد البقرة وجب عليه ان يفض ثمن البقرة على البر أو غيره من الأطعمة المجزية في الكفارة و يطعم به ثلاثين مسكينا على الوجه الذي بينّاه في المسألة المتقدمة، و إذا زاد ثمن البقرة على إطعام ثلاثين مسكينا لم يجب عليه التصدق بما زاد و كان له، و إذا قصر ثمنها عن الوفاء بإطعام ثلاثين مسكينا لم يجب عليه أن يتم ما نقص من العدد، و إذا لم يمكنه الإطعام كذلك، أجزأه أن يصوم بدل ذلك تسعة أيام، و الأحوط استحبابا كما تقدم بأن يصوم أياما بمقدار العدد الذي يتسع الثمن لإطعامه من المساكين سواء بلغ ثلاثين أم لا، و إذا عجز عن صيام ذلك صام تسعة أيام و يلاحظ ما يأتي إذا قتل البقرة أو أكل من لحمها في الحرم.

المسألة 647:

إذا أصاب المحرم بعد انعقاد إحرامه حمار وحش فقتله و هو في الحل أو أكل من لحمه، تخيّر على الأقوى في كفارته بين ان ينحر بدنة و أن يذبح بقرة أهلية، و لا يكفيه غيرهما مع القدرة عليهما أو على إحداهما، فإن هو لم يجد بدنة و لا بقرة، فض ثمن البقرة على البر أو على طعام غيره مما يجزي في الكفارة و أطعم به ثلاثين مسكينا على نهج ما بينّاه في بقرة الوحش و كفاه ذلك، و يجري فيه جميع القول المتقدم، فإذا عجز عن إطعام المساكين صام تسعة أيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 305

و الأحوط استحبابا ان يصوم بعدد المساكين التي يتسع

لها ثمن البقرة أياما سواء بلغت ثلاثين أم لا، فإن عجز عن ذلك صام تسعة أيام كما قلنا في نظيره.

و يجوز له إذا لم يجد البدنة و لا البقرة إن يفض ثمن البدنة على البر و يطعم به ستين مسكينا أو ما بلغ على نهج ما تقدم في كفارة النعامة، و إذا لم يمكنه الإطعام صام بقدر عدد المساكين أياما، فإذا لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر يوما، و هذا هو الأحوط استحبابا.

المسألة 648:

إذا قتل المحرم ظبيا و هو في الحلّ أو أكل من لحمه أو قتل ثعلبا أو أرنبا وجب عليه ان يذبح عن كل واحد من المذكورات شاة، فإن لم يجدها لزمه ان يفض ثمن الشاة على الطعام و يطعم به عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و يجري فيها الكلام المتقدم في نظائرها، و ان لم يمكنه الإطعام صام ثلاثة أيام و الأحوط استحبابا ان يصوم بعدد المساكين أياما سواء بلغت عشرة أيام أم لا، فإن عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام.

المسألة 649:

إذا كسر المحرم بيضة نعامة، فإن كان الفرخ قد تحرك في البيضة وجب عليه أن ينحر عنها بكرا من الإبل، و ان لم يتحرك فيها الفرخ بعد أو لم يكن فيها فرخ أرسل فحلا من الإبل على أنثى صالحة للحمل منها و كان النتاج هديا للبيت، و إذا تعدّد البيض المكسور لزمه لكل بيضة منها مثل ذلك، و إذا لم ينتج الإرسال شيئا فلا شي ء عليه، و إذا لم يقدر على ذلك وجب عليه أن يذبح عن كل بيضة شاة، فإن عجز عنها أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، و ان لم يقدر على الإطعام صام عنها ثلاثة أيام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 306

المسألة 650:

إذا كسر المحرم بيض القطا و هو في الحلّ جرى فيه نظير الحكم الذي ذكرناه في بيض النعام، فإن كان الفرخ قد تحرك في البيضة التي كسرها وجب عليه ان يذبح بكرا من صغار الغنم كفارة عنها، و إذا لم يكن في البيضة المكسورة فرخ، أو كان فيها فرخ و لم يتحرك بعد، أرسل فحلا من الغنم على أنثى صالحة للحمل منها، و كان نتاج ذلك هديا للبيت كفارة عن ذلك، و إذا تعدّد البيض الذي كسره لزمه لكلّ بيضة كسرها مثل ذلك.

المسألة 651:

يجب على المحرم بعد انعقاد إحرامه في أكل الصيد مثل ما يجب عليه في قتله و ان كان الصائد غيره، فإذا قتل الصيد في الحلّ ثم أكل من لحمه وجبت عليه كفارتان تامتان و لا تكفي كفارة واحدة عنهما.

المسألة 652:

إذا قتل المحرم الصيد و هو في الحلّ أو أكل من لحمه وجبت عليه الكفارة، كما بينا بعضه في ما سبق و سنذكر بعضه في ما يأتي، و إذا قتل المحلّ الصيد و هو في الحرم أو أكل من لحمه وجبت عليه قيمة ذلك الصيد، فإذا قتل المحرم الصيد و هو في الحرم أو أكل من لحمه وجب عليه الأمران معا و ان بلغ بدنة أو زاد عليها على الأحوط.

المسألة 653:

إذا قتل المحرم حمامة أو شبهها من الطير الوحشي أو الأهلي و كان المحرم في الحلّ وجب عليه في قتلها أن يذبح شاة، و إذا قتل فرخا من فراخها و هو في الحلّ وجب عليه أن يذبح حملا أو جديا، و الحمل بفتح الحاء و الميم هو الضأن الصغير في سنته الأولى،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 307

و الأحوط ان لا يقلّ عمره عن ستة أشهر، و الجدي هو الصغير من أولاد المعزى.

و إذا كسر بيضة من بيضها و كان الفرخ قد تحرّك في البيضة كان حكمها حكم الفرخ، فعليه أن يذبح حملا أو جديا، و إذا كسر منها بيضة لا فرخ فيها أو قبل أن يتحرك الفرخ فيها و هو في الحل فالأحوط له أن يدفع أكثر الأمرين من الدرهم و قيمة البيضة.

المسألة 654:

إذا قتل محلّ حمامة أو ما يشبهها من الطير و هو في الحرم لزمه على الأحوط أن يكفّر بدفع أكثر الأمرين: قيمة الحمامة و الدرهم، و إذا قتل فرخا من فراخها دفع أكثر الأمرين: قيمة الفرخ و نصف درهم، و كذلك إذا كسر بيضة من بيضها قد تحرك فيها الفرخ، و إذا كسرها قبل ان يتحرك الفرخ فيها دفع أكثر الأمرين من قيمة البيضة و ربع درهم.

و إذا قتل المحرم و هو في الحرم حمامة أو فرخها أو كسر بيضة من بيضها وجب عليه ان يدفع كفارة المحرم في الحلّ و جزاء المحلّ في الحرم، فإذا قتل حمامة أو شبهها وجب عليه أن يذبح شاة و أن يدفع معها أكثر الأمرين و هما قيمة الحمامة و درهم، و إذا قتل فرخا من فراخها أو كسر بيضة تحرك فيها الفرخ وجب عليه أن

يذبح حملا أو جديا، و ان يدفع معه الأكثر من قيمة الفرخ و نصف درهم، و إذا كسر بيضة لم يتحرك فيها فرخ وجب عليه ان يدفع الأكثر من قيمة البيضة و درهم، و أن يدفع مع ذلك أكثر الأمرين أيضا من قيمة البيضة و ربع درهم.

المسألة 655:

إذا قتل المحرم و هو في الحلّ قطاة أو حجلة أو درّاجة أو إحدى نظائرها وجب عليه ان يذبح عن الواحدة منها حملا قد فطم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 308

من اللّبن و رعى من الشجر، و إذا قتل إحداها محلّ و هو في الحرم وجب عليه ان يكفّر بدفع قيمة ما قتله، و إذا قتلها محرم و هو في الحرم وجب عليه ان يكفّر بكلا الأمرين.

المسألة 656:

يجب على المحرم إذا قتل و هو في الحلّ عصفورا أو قنبرة أو صعوة أن يكفّر عنه بدفع مد من الطعام، و يجب عليه إذا قتل جرادة أن يدفع عنها تمرة، و إذا قتل أكثر من جرادة واحدة وجب عليه ان يتصدق بكف من طعام، و إذا قتل جرادا كثيرا وجب عليه أن يكفّر عنه بدم شاة، و يجب عليه التحرّز عنه إذا كان في طريقه، فإذا لم يمكنه الاحتراز عنه، فلا إثم عليه و لا كفارة في قتله.

المسألة 657:

يجب على المحرم إذا قتل ضبا أو قنفذا أو يربوعا أو ما أشبهها ان يكفّر عن قتله بدم جدي و يجب عليه في قتل العظاية ان يكفّر عنها بكف من الطعام، و العظاية حشرة من كبار الوزغ، و يجب عليه كذلك في القملة يلقيها عن جسده أن يتصدق عنها بكف من طعام، و يجب عليه إذا قتل زنبورا متعمدا، أن يتصدق بشي ء من الطعام، و لا شي ء عليه إذا قتله دفعا لايذائه.

المسألة 658:

إذا قتل المحرم أسدا و هو في الحرم فالأحوط له ان يكفّر عن قتله بذبح كبش، بل الأحوط له ذلك إذا قتله و هو في الحلّ، و إذا خاف من الأسد على نفسه جاز له قتله بل وجب إذا لم يمكن دفعه إلا بالقتل، و لا اثم عليه و لا كفارة في قتله، سواء كان في الحلّ أم في الحرم.

المسألة 659:

إنما يثبت الفداء و الكفارة على المحرم بقتل الصيد، سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 309

باشر قتله بنفسه أم كان سببا في قتله بدلالة أو إشارة أو اعانة على الأقوى في بعض الصور، و على الأحوط لزوما في جميعها، و يثبت الفداء و الكفارة كذلك بأكله من الصيد و ان كان الصائد أو الذابح غيره كما قلنا في المسألة الستمائة و الحادية و الخمسين، و لا تثبت الكفارة عليه بنفس أخذه للصيد إذا لم يقتله أو يأكل من لحمه أو يوجب له جرحا أو كسرا، و مثال ذلك: ان يستولي على الحيوان أو الطير ثم يطلقه سويا غير مصاب بجرح و لا كسر في بعض أعضائه فلا كفارة عليه و ان كان آثما بصيده، و لا تثبت الكفارة بالدلالة على الصيد أو الإشارة إليه إذا لم يقتل الصيد بسبب إشارته و دلالته و لم يجرح أو يكسر بعض أعضائه، و ان كان آثما في جميع ذلك كما قلنا في المسألة الستمائة و الثانية و الثلاثين.

المسألة 660:

تلزم الكفارة على المحرم إذا قتل الصيد سواء وقع منه عامدا أم ساهيا أم جاهلا، و تجب عليه الكفارة كذلك إذا أكل من الصيد في جميع الصّور المذكورة، و لا اثم عليه في غير صورة العمد، و الظاهر شمول الحكم للدلالة و الإشارة و نحوهما إذا كانت سببا للقتل و ان وقعت منه خطأ أو سهوا أو جهلا فتلزمه الكفارة بذلك، و لا تختص بصورة العمد كما في غير الصيد من محرمات الإحرام.

المسألة 661:

إذا فعل المحرم ما يوجب عليه كفارة الصيد أكثر من مرة واحدة و هو في إحرام واحد، و مثال ذلك: ان يقتل في مدة إحرامه أكثر من صيد واحد، سواء كان الصيد من جنس واحد أم من أجناس مختلفة، أو يأكل من لحم الصيد البري أكثر من مرة واحدة، أو يدلّ على الصيد أو يشير اليه، و يتحقق قتل الصيد بسبب دلالته أو إشارته أكثر من مرة، أو يقتل صيدا و يأكل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 310

صيد آخر و يدل على صيد ثالث.

فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا للإحرام أو جاهلا بالموضوع أو مخطئا تعددت عليه الكفارة و وجبت عليه بعدد ما صدر عنه من أفعال توجب الكفارة، و لا يسقط عنه شي ء منها، و كذلك إذا فعل ذلك عامدا و كان كل فعل في إحرام، و مثال ذلك: أن يقتل صيدا عامدا أو يدل عليه و هو في إحرام عمرة التمتع، و يأكل من لحم الصيد و هو في إحرام حج التمتع، فتجب عليه الكفارة في كل واحد من الفعلين و ان كان عامدا فيهما، و إذا ارتكب موجب الكفارة عامدا أكثر من مرة واحدة و هو في إحرام

واحد، وجبت عليه الكفارة في ارتكابه الأول و لا كفارة عليه في ارتكابه للمرة الثانية إذا كان عامدا كذلك و كان موضعا لاستحقاق نقمة اللّٰه منه، كما دلّت عليه الآية الكريمة (وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقٰامٍ).

المسألة 662:

يشكل الحكم في المحرم إذا تكرّر منه ما يوجب كفارة الصيد و هو جاهل بالحكم الشرعي، فهل يعدّ مخطئا، فتتكرر عليه الكفارة في كلّ ما فعل، أو يلحق بالعامد فتجب عليه الكفارة في المرة الأولى و لا تجب عليه في ما بعدها؟ و الاحتياط له بالتوبة عن فعله و تكرار الكفارة.

و لا يجري التفصيل المذكور في المكلّف المحلّ إذا تكرّر منه الصّيد في الحرم أكثر من مرة، فتجب عليه الكفارة في كل مرة سواء كان مخطئا في فعله أم متعمدا، و لا فرق في الأحكام المذكورة في هذه المسألة و سابقتها بين أن يتخلّل التكفير بين موجبات الكفارة و عدمه.

المسألة 663:

إذا اشترك محرمان أو أكثر في قتل صيد واحد، أو في الأكل من لحمه، أو في الدلالة على موضعه أو في الإشارة إليه، فقتله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 311

الشخص الذي حرّضوه بسبب دلالتهم أو إشارتهم أو تحريضهم وجبت على كل واحد منهم كفارة تامة لذلك الصيد.

و إذا اشترك المحرم و غير المحرم في قتل الصيد أو في أكله أو الدلالة عليه لزم كل واحد حكمه فتلزم الكفارة على المحرم، و لا كفارة على المحلّ إلا إذا كان المقتول من صيد الحرم فتلزمه كفارته كما ذكرنا في المسألة الستمائة و الثانية و الخمسين.

المسألة 664:

إذا قتل المحرم حمامة من حمام الحرم لزمه أن يكفّر عنها بذبح شاة- كما قلنا في المسألة الستمائة و الرابعة و الخمسين- و ان يدفع مع الكفارة أكثر الأمرين من قيمة الحمامة و الدرهم، فيذبح الشاة في موضع الذبح و سيأتي بيانه، و يتخيّر في ما يدفعه من القيمة أو الدرهم بين ان يشتري به علفا لحمام الحرم و ان يتصدق به في الحرم، و إذا قتل فرخا من فراخها، أو كسر بيضة قد تحرك فيها الفرخ من بيضها جرى فيه مثل ذلك، فيذبح الحمل و الجدي في موضع الذبح، و يتخيّر في قيمة الفرخ أو نصف الدرهم بين ما ذكرنا، و يجري التخيير كذلك في قيمة البيضة إذا كسرها قبل ان يتحرك الفرخ، و مثله حكم المحلّ إذا قتلها، أو قتل الفرخ، أو كسر البيضة.

المسألة 665:

إذا كان الصيد الذي أصابه المحرم مملوكا لأحد وجب عليه أن يدفع الكفارة المقدّرة في الشريعة لذلك الصيد الى الفقراء، و ضمن للمالك قيمة الصيد إذا قتله، و أرشه إذا أصابه بجرح أو كسر أو نقص في بعض أعضائه.

المسألة 666:

إذا رمى المحرم صيدا فقتل برميته صيدين وجبت عليه بذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 312

كفارتان تامتان، سواء كان عامدا في ضربه للأول أم مخطئا، و إذا تعمد في رميته قتلهما معا وجبت عليه الكفارتان كذلك، و لم تسقط عنه كفارة الثاني بسبب تعمده قتلهما.

المسألة 667:

إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب الصيد و كان إحرامه بحج التمتع، أو بحج القران، أو بحج الافراد وجب عليه ان يذبح الفداء أو ينحره بمنى، و يتخيّر في أي موضع يشاء منها، و إذا كان إحرامه بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة وجب عليه ان يذبح الفداء أو ينحره بمكة، و يتخيّر في أي موضع يشاء منها، و لا يشمل الجواز المواضع و المحلات الجديدة من مكة على الأحوط بل الأقوى، و لا يجوز له التأخير عن منى في الحج، و لا التأخير عن مكة في العمرة، و لا يكفيه أن يذبح الفداء قبلهما، كما إذا أراد ان يذبحه في موضع إصابته للصيد.

المسألة 668:

إذا فعل المحرم ما تلزمه بسببه كفارة الصيد تعلّق به وجوب الفداء من ذلك الموضع، و لا يجب عليه شراء الفداء من الموضع، و يجوز له تأخير شرائه حتى يصل الى موضع النحر في مكة أو منى، الا إذا علم بأن الفداء لا يوجد فيهما فيلزمه الشراء من حيث يمكن.

المسألة 669:

إذا وجب على المكلف نحر بدنة لصيد النعامة، أو وجب عليه ذبح بقرة لبقرة الوحش أو حماره، أو وجب عليه ذبح شاة لصيد الظبي و نحوه، و لم يجد الفداء في مكة أو منى، لم ينتقل حكمه الى التصدق أو الصيام- كما فصّلناه في المسألة الستمائة و الخامسة و الأربعين و المسائل التي تليها- حتى يعلم أو يطمئن بعدم وجود

كلمة التقوى، ج 3، ص: 313

الفداء في موضع النحر و الأماكن الممكنة الأخرى، فيجب شراؤه و تحصيله منها إذا كان ذلك ممكنا، و لم يلزم منه عسر و لا حرج، فإذا لم يجد الفداء أو كان نقله موجبا للعسر أو الحرج انتقل الى البدل من الصدقة ثم الصيام.

المسألة 670:

إذا وجبت على المحرم كفارة لغير الصيد من تظليل و نحوه، فالأحوط له ان يذبح الفداء بمنى إذا فعل موجب الكفارة و هو في إحرام الحج، و ان يذبحه في مكة إذا فعله في إحرام العمرة، و يجوز للمعتمر أن يؤخر ذبحه إلى منى و ان كان في عمرة مفردة، بل الظاهر أنه يجوز له ان يذبحه حيث يشاء، فله ان يؤخر ذبحه حتى يرجع الى أهله، و مصرف الفداء بعد ذبحه أو نحره هم المساكين فلا يكفي صرفه لغيرهم، سواء كان كفارة صيد أم غيره.

المسألة 671:

إذا اصطاد الرجل حيوانا بريا و هو محل قبل أن يحرم، فذكّاه و بقي لحمه المذكّى حتى أحرم لم يجز له ان يأكل منه بعد إحرامه و قبل ان يحلّ، و يجوز أكله للمحلين، و إذا بقي منه شي ء حتى أحلّ من إحرامه جاز له أكله.

المسألة 672:

إذا وجبت الكفارة على المحرم في عمرة التمتع، جاز له أن يؤخر ذبح الفداء حتى يتم حج التمتع، و إذا وجبت عليه و هو محرم بحج أو بعمرة مفردة و عزم من بعد إحلاله من نسكه أن يحرم بنسك آخر فيجوز له أن يؤخر الفداء حتى يتم نسكه الثاني.

[الثاني: الجماع:]
المسألة 673:

الثاني من محرمات الإحرام: الجماع: يحرم الوطء على المحرم بعد أن ينعقد إحرامه في قبل أو دبر، سواء أنزل في وطئه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 314

أم لم ينزل، و سواء كان إحرامه في حج أم في عمرة تمتع أم في عمرة مفردة حتى يحلّ من إحرامه إحلالا تاما، و التحلل الكامل في إحرام الحج و إحرام العمرة المفردة من هذا المحرم لا يكون الا بعد الإتيان بطواف النساء و صلاة ركعتيه على ما سيأتي بيانه، فلا يجوز الجماع لمن أحرم بالحج أو بالعمرة المفردة قبل الإتيان بهما.

المسألة 674:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بعمرة التمتع، و هو يعلم بإحرامه و بأن الجماع محرّم عليه حال الإحرام، فإن فعل ذلك قبل طواف العمرة أو قبل السعي لها أو في أثناء السعي و قبل أن يتمه وجب عليه أن ينحر بدنة، و يشكل الحكم بفساد عمرته بذلك، فيلزمه- على الأحوط- أن يتم عمرته ثم يعيدها من الميقات، و يأتي بحج التمتع بعدها، و هذا مع سعة الوقت لذلك، و إذا لم يتسع الوقت لإعادة العمرة فعليه- على الأحوط- أن يتمها و يأتي بالحج بعدها، ثم يقضي الحج في السنة المقبلة، و أحوط من ذلك أن يأتي بعمرة مفردة بعد الحج في سنته الأولى، و يلحق الزنا و وطء الأمة المملوكة بجماع الزوجة في الحكم المذكورة على الأحوط.

و إن فعل ذلك بعد أن أتم السعي في عمرته و قبل التقصير وجب عليه إتمام العمرة و الحج بعدها، و وجب عليه التكفير بأن ينحر جزورا أو يذبح بقرة أو يذبح شاة مخيّرا بين الثلاثة، و الأحوط أن ينحر بدنة إذا كان موسرا، و يذبح بقرة إذا كان

متوسط الحال، و يذبح شاة إذا كان معسرا.

المسألة 675:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بعمرة مفردة، و كان جماعه إياها قبل الطواف أو في أثنائه، أو قبل السعي أو في أثنائه و قبل أن يتمه، فسدت عمرته، و لا يترك الاحتياط بأن يتم عمرته

كلمة التقوى، ج 3، ص: 315

و ان كانت فاسدة، و وجب عليه ان ينحر بدنة كفارة لفعله، و وجب عليه أن يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته، ثم يخرج بعد انقضائه الى أحد المواقيت و يحرم منه بعمرة مفردة، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و الخامسة عشرة.

و إذا جامع زوجته في إحرام العمرة المفردة بعد أن أتم السعي و قبل التقصير، أو بعد التقصير و قبل أن يتم طواف النساء أثم بذلك و لم تفسد عمرته، و وجب عليه إتمامها، و لزمه- على الأحوط- أن يكفّر عن فعله ببدنة، و يلحق الزنا بجماع الزوجة في الأحكام المذكورة على الأحوط و كذلك وطء المولى لأمته المملوكة.

المسألة 676:

إذا جامع الرجل زوجته و هما محرمان معا بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة، وجبت على الرجل الكفارة، على الوجه الذي تقدم بيانه، و لزمته الأحكام الآنف ذكرها في المسألتين السابقتين، و وجبت الكفارة المذكورة على الزوجة أيضا إذا كانت مطاوعة للزوج و عالمة بالإحرام و بالحكم، و لزمتها بقية الأحكام على الأحوط، و إذا أحلّ الرجل من إحرامه و جامع زوجته و هي لا تزال محرمة وجبت عليها الكفارة، و غرمها لها الزوج سواء كانت مطاوعة له أم مكرهة.

[الصورة الأولى:]
المسألة 677:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 315

إذا جامع الرجل امرأته و هو محرم بحج التمتع أو بحج القران أو حج الإفراد، فللمسألة صور مختلفة تجب ملاحظتها و تطبيق أحكامها.

الصورة الأولى:

أن يكون جماعة لزوجته قبل وقوفه بالمشعر الحرام، سواء كان قبل وقوفه بعرفات أم بعده أم في أثنائه، و يجب عليه في هذه الفروض كلّها أن يتم حجه الى نهاية إعماله، فلا يجوز له قطعها و لا ابطالها، و أن ينحر بدنة كفارة لما ارتكب، و أن يعيد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 316

حجه في العام المقبل، و لا فرق في لزوم الأحكام المذكورة بين أن يكون الحج الذي أوقع فيه ذلك الفعل فريضة أو نافلة، و واجبا عليه أو بالنيابة عن غيره، و لا فرق بين أن يكون جماعة لزوجته قبلا أو دبرا، و ان لم ينزل في جماعة أو أنزل في الخارج بعد تحقق الدخول، و هذا إذا كانت الزوجة في حال وطئه لها محلّة غير محرمة.

الصورة الثانية:
المسألة 678:

أن يكون جماعة لزوجته قبل وقوفه بالمزدلفة، كما ذكرناه في الفروض المتقدمة، و تكون المرأة في حال جماعه لها محرمة بالحج أيضا، و يجب على كل من الرجل و المرأة في هذه الصّورة جميع الاحكام التي بيّناها إذا كانت المرأة مطاوعة له في فعله، و يجب الافتراق بينهما من الموضع الذي وقعت فيه معصيتهما الى أن يفرغا من مناسك الحج على الأحوط، و إذا كانت المعصية قد وقعت منهما في أثناء الطريق و كان رجوعهما من الحج في طريق ذهابهما فالأحوط لهما ان يفترقا حتى يصلا الى موضع وقوع

المعصية من الطريق، و يراد من وجوب الافتراق بينهما ان لا يجتمعا منفردين الا و معهما غيرهما ممن يكون وجوده معهما مفرقا بينهما عرفا، فلا اعتبار بالطّفل أو الشخص الذي لا يعدّ وجوده مفرقا بينهما، و إذا أتيا بحجة الإعادة في السنة المقبلة وجب عليهما الافتراق كذلك من محلّ وقوع المعصية الى أن يفرغا من مناسك حجهما، و إذا كان الرجل قد أكره المرأة فجامعها من غير رضاها لم تترتب عليها الأحكام المتقدمة، و وجب عليه أن يدفع كفارته و كفارتها معا و لا شي ء على المرأة، و جرت الأحكام عليه خاصة.

الصورة الثالثة:
المسألة 679:

أن يكون الرجل محرما بالحج، و تكون المرأة محرمة بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة، و يجامعها كما في الفروض

كلمة التقوى، ج 3، ص: 317

السابقة، و هما معا عالمان بالإحرام و بالتحريم، و المرأة راضية غير مكرهة، فتثبت للرجل جميع أحكام الجماع في إحرام الحج التي ذكرناها، و تثبت للمرأة أحكام الجماع في إحرام عمرة التمتع أو في العمرة المفردة، و قد ذكرناها في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين و ما بعدها.

و إذا أكرهها على الفعل فجامعها و هي غير مطيعة لم تبطل متعتها و لا عمرتها بذلك، و كانت كفارتها على الزوج على الأحوط، و لا شي ء على المرأة منها.

الصورة الرابعة:
المسألة 680:

أن يجامع المحرم بالحج زوجته بعد الوقوف في المشعر الحرام، فإن كان جماعه إياها قبل أن يطوف طواف النساء وجب عليه ان ينحر بدنة كفارة لما فعل، و ان يتم أعمال حجه، و لا تجب عليه اعادة الحج، و كذلك إذا طاف ثلاثة أشواط من طواف النساء أو أقل، و يجب على المرأة مثل ذلك إذا كانت مطاوعة غير مكرهة، و لا شي ء عليها إذا أكرهها عليه، و ان كانت مطاوعة غير مكرهة، و لا شي ء عليها إذا أكرهها عليه، و ان كان جماعه بعد أن أتم خمسة أشواط من طواف النساء أو أكثر فلا كفارة عليه، و إذا كان قد أتم منه أربعة أشواط ففي لزوم الكفارة عليه اشكال، و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

و إذا جامع زوجته بعد أن طاف طواف الحج و قبل أن يطوف طواف النساء فعليه أن ينحر بدنة ان كان موسرا، و ان يذبح بقرة ان كان متوسطا، و يكفيه أن يذبح شاة إذا كان معسرا.

المسألة 681:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بالحج أو بالعمرة، و كان جاهلا بتحريم ذلك عليه، أو كان ناسيا للإحرام لم تجب عليه الكفارة لفعله، و كذلك الحكم في باقي الكفارات التي يأتي بيانها، فلا تجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 318

على المحرم إذا ارتكب ما يوجبها و هو جاهل بالحكم أو ناس للإحرام، و هذا في غير كفارات الصيد و قد سبق ذكر هذا في المسألة الستمائة و الستين، و حكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فلا كفارة عليها مع الجهل أو النسيان في غير الصيد، و لهذا الحكم مستثنيات يأتي ذكرها في مواردها- إن شاء الله تعالى.

[الثالث: تقبيل الزوجة،]
المسألة 682:

الثالث من محرمات الإحرام: تقبيل الزوجة، فإذا انعقد إحرام المحرم بحج أو بعمرة حرم عليه أن يقبل زوجته بشهوة، بل الظاهر تحريم ذلك بغير شهوة، و إذا قبّلها بشهوة وجب عليه أن يكفّر بنحر بدنة، سواء خرج منه المني أم لم يخرج على الأحوط، و إذا قبّلها بغير شهوة وجب عليه أن يكفر عن ذلك بذبح شاة.

و من أشد الأمور تحريما و أكثرها قبحا بل و تناقضا: أن يرتكب المرء هذه الجريمة و شبهها مع من لا حقّ له فيه، فيقبّل امرأة أجنبية عنه أو ذكرا مثله، بشهوة خسيسة و شبهها، أن يرتكب المرء مثل هذه الجرأة المنكرة و لا سيما في هذه المواقف التي يطلب العبد فيها مزيد القرب من ربه العظيم و هو يؤم بيته الكريم للوفادة عليه و الوقوف ببابه و النزول بفنائه و الاستجابة لأمره!!. و لا حول و لا قوة إلا باللّه. و على أي حال فإذا حدث للمحرم مثل هذه الخسائس، فلا بد من دفع الكفارة على الأحوط و هي

ما تقدم ذكره.

[الرابع: لمس المحرم زوجته بشهوة،]
المسألة 683:

الرابع من محرمات الإحرام: أن يلمس المحرم زوجته بشهوة، فلا يحلّ له أن يلمسها كذلك بعد انعقاد إحرامه، و إذا لمسها بشهوة وجب عليه أن يكفّر بذبح شاة من غير فرق بين أعضائها الملموسة، و كذا إذا حملها أو أنزلها من المحمل بشهوة، سواء أمنى أم لم يمن، و إذا لمسها أو أركبها أو أنزلها بغير شهوة فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 319

شي ء عليه.

[الخامس: النظر إلى امرأته بشهوة،]
المسألة 684:

الخامس من محرمات الإحرام: أن ينظر المحرم إلى امرأته بشهوة، فلا يحلّ له ذلك على الأحوط بعد انعقاد إحرامه، و إذا نظر الى زوجته بشهوة بعد الإحرام فأمنى وجب عليه أن ينحر بدنة، و إذا نظر إليها بشهوة و لم يمن أثم بذلك و لم تجب عليه الكفارة، و كذلك إذا نظر الى زوجته بغير شهوة فأمنى، فلا كفارة عليه، و هذا فرض في غاية الندرة، فإن الامناء مع عدم قصد الشهوة مما يتعذّر عادة، و لكنه قد يتفق لبعض الناس.

المسألة 685:

إذا نظر المحرم الى امرأة أجنبية عنه فأمنى وجبت عليه الكفارة، و كفارته أن ينحر بدنة إذا كان ذا يسار، و ان يذبح بقرة إذا كان متوسط الحال، و ان يذبح شاة إذا كان فقيرا، و إذا نظر إليها بشهوة و لم يمن أثم بفعله، و لم تجب عليه كفارة، فليتق اللّٰه و لا يعد الى مثل فعله.

[السادس: الاستمناء:]
المسألة 686:

السادس من محرمات الإحرام: الاستمناء: فإذا عبث الرجل بذكره حتى أمنى و هو عالم عامد في فعله، و كان ذلك منه في أثناء إحرامه وجب عليه ما يجب على من يجامع أهله و هو محرم، فإذا وقع ذلك منه في إحرام الحج و قبل الوقوف بالمشعر الحرام وجب عليه أن يتم أعمال حجه فلا يقطعها، و أن ينحر بدنة كفارة لفعله، و أن يعيد حجه في العام المقبل، و إذا كان ذلك بعد وقوفه بالمشعر لزمته البدنة و إتمام الحج و لم تجب عليه اعادته، و إذا فعل ذلك و هو في إحرام العمرة المفردة قبل السعي فعليه أن يتم عمرته و أن ينحر بدنة، و يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته ثم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 320

يخرج الى أحد المواقيت فيحرم منه بعمرة مفردة، و إذا حصل ذلك و هو في إحرام عمرة التمتع لزمه أن ينحر بدنة و عليه ان يحتاط بالأحكام التي ذكرناها لمن جامع في عمرة التمتع في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين.

و إذا عبث مع زوجته حتى أمنى عامدا لزمته البدنة، و لم تجب عليه اعادة الحج حتى إذا كان قبل الوقوف بالمشعر، و كذلك حكمه إذا استمنى بالنظر أو التخيّل، فتجب عليه البدنة و لا

تلزمه الإعادة.

[السابع: عقد النكاح]
المسألة 687:

السابع من محرمات الإحرام: عقد النكاح: فلا يجوز للشخص بعد أن ينعقد إحرامه بحج أو بعمرة ان يعقد لنفسه عقد النكاح، أو يعقد لغيره بالوكالة عنه، أو بالولاية عليه أو فضولا، و لا يجوز أن يعقد له غيره بالوكالة عنه، أو بالولاية عليه، أو فضولا، سواء كان موجبا في جميع الفروض أم قابلا، و سواء كان عقد النكاح دائما أم منقطعا، و سواء كان الغير الذي يزوجه المحرم أو يعقد للمحرم محلا أم محرما، و إذا أجرى عقد النكاح في جميع هذه الصور المذكورة كان باطلا، و قد فصّلنا هذه الأحكام في كتاب النكاح في البحث عن السبب السادس من أسباب تحريم النكاح، فليلاحظ ذلك في المسألة المائتين و الثانية و الخمسين إلى المسألة المائتين و الثانية و الستين.

المسألة 688:

الأحوط للمحرم أن لا يكون شاهدا في عقد نكاح و لو بين محلّين، و أحوط من ذلك أن لا يؤدي في حال إحرامه شهادة عنده قد تحمّلها على عقد و هو محلّ، و أن لا يخطب امرأة يريد الزواج بها بعد أن يحلّ من إحرامه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 321

و يجوز للمحرم في حال إحرامه ان يرجع بامرأة قد طلقها، و يجوز له ان يشتري أمة و إن كان شراؤه للأمة بقصد ان يستمتع بها بعد ان يحلّ من إحرامه، و الأحوط له ترك شرائها إذا قصد ان يستمتع بالأمة في حال إحرامه.

المسألة 689:

إذا عقد المحرم، لرجل محرم، على امرأة محرمة عقد النكاح بينهما، و دخل الرجل بالمرأة، و كان العاقد و الزوج و المرأة يعلمون جميعا بأنهم محرمون، و بأن التزويج في مثل هذه الحالة محرّم عليهم، وجب على كل واحد من العاقد و الزوج و الزوجة أن ينحر بدنة كفارة لفعله.

و كذلك إذا عقد المحرم، لرجل محرم عقد النكاح على امرأة محلّة غير محرمة، و دخل الزوج بها و كان جميعهم يعلمون بإحرام العاقد و الزوج و ان ذلك مما يحرم عليهم، فيجب على كل واحد التكفير بنحر بدنة حتى على المرأة المحلّة، و مثله ما إذا عقد المحلّ لرجل محرم على امرأة محرمة، أو على امرأة محلّة و دخل الزوج بها، و كان الجميع يعلم بالإحرام و بالحرمة، فتجب الكفارة المذكورة حتى على العاقد المحلّ، و حتى على المرأة إذا كانت محلّة، مع علمها بإحرام الزوج و بحرمة التزويج، و إذا كانت المرأة محلّة و لا تعلم بالإحرام، أو لا تعلم بحرمة ذلك عليها لم تجب عليها الكفارة.

[الثامن: لبس المخيط:]
المسألة 690:

الثامن من محرمات الإحرام: لبس المخيط: إذا كان المحرم رجلا، و قد ذكر في الأحاديث تحريم لبس القميص عليه، و تحريم لبس القباء و السروال، و الثوب الذي تكون له أزرار و الثوب الذي يتدرّعه، و لا ريب في ان التحريم لا يختص بذلك، فقد ورد في النصوص المعتمدة ان الرسول (ص) لما نزل الشجرة في خروجه الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 322

حجة الوداع أمر الناس بالغسل و التجرد في إزار و رداء، أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء، و جاء في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد

اللّٰه (ع) (ان المحرم يقول عند عقد إحرامه: أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب)، و ورد مثله في صحاح كثيرة أخرى، و الأحوط له ان يجتنب لبس كل ثوب مخيط، أو ما يشبه المخيط كالثياب الملبدة التي تكون بصورة الثياب المخيطة، و الثياب التي تنسج كاملة بصورة المخيط و هي غير مخيطة.

المسألة 691:

يجوز للمحرم أن يلبس المنطقة أو الهميان الذي يحفظ فيه نفقته، فيتوشح به أو يشدّه على بطنه أو على ظهره و ان كان مخيطا، و يجوز له أن يلبس الحزام الذي يحتاج اليه المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء أو الرّيح إلى الأنثيين، و يجوز له أن يلبس الحزام الذي يضطر اليه المبتلى بالتهاب فقرات الظهر أو العنق، و ان كان مخيطا.

المسألة 692:

الظاهر أنه يجوز للمحرم ان يفترش الفراش المخيط للاضطجاع أو الجلوس عليه، و يجوز له أن يتدثر به أو يلتحف للنوم إذا لم يغط به رأسه و ان كان الأحوط اجتناب ذلك، و قد ذكرنا في المسألة الخمسمائة و الثالثة و الثمانين حكم عقد ثوبي الإحرام و ما يتعلق بذلك فلتراجع.

المسألة 693:

يجوز للنساء المحرمات أن يلبسن المخيط من أي نوع كان، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و الخامسة و الثمانون و ما بعدها، و يستثنى من ذلك القفازان فلا يجوز للنساء لبسهما، و القفّاز شي ء تلبسه المرأة يغطّي أصابعها و كفّها و قد تكون له أزرار تزرّ على ساعديها و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 323

يحشى بقطن و شبهه.

المسألة 694:

إذا لبس المحرم شيئا من المخيط و هو عالم عامد بفعله، وجب عليه ان يكفّر عن ذلك بذبح شاة، و ان كان مضطرا الى ذلك على الأحوط، و إذا لبس أكثر من ثوب مخيط واحد تعددت عليه الكفارة بعدد الثياب، و كذلك الحكم إذا لبس ثوبا لا يجوز له لبسه من غير المخيط فتجب عليه الكفارة المذكورة، و إذا لبس أكثر من واحد تعددت الكفارة بعدده.

[التاسع: لبس الخف أو الجورب،]
المسألة 695:

التاسع من محرمات الإحرام: أن يلبس الرجل المحرم خفا أو جوربا، فلا يجوز له لبسهما، و الأحوط له لزوما أن يجتنب لبس غيرهما مما يستر جميع ظهر القدم، و إذا لم يجد نعلا عربيا و احتاج الى لبس الخف جاز له ذلك، و لزمه على الأحوط أن يشق ظهر الخف.

المسألة 696:

يجوز للمحرم أن يغطّي ظهر قدمه، كما يتعارف عادة عند الجلوس على القدمين و ان يلقي عليه طرف الإزار أو الغطاء في حال الجلوس أو النوم أو المشي.

المسألة 697:

إذا لبس الرجل المحرم خفا أو جوربا و كان عالما عامدا في فعله، فالأحوط له ان يكفّر عنه بذبح شاة.

[العاشر: استعمال الطيب:]
المسألة 698:

العاشر من محرمات الإحرام: استعمال الطيب: فيحرم على المحرم بعد انعقاد إحرامه شم المسك و العود و العنبر و الكافور و الورس و الزعفران، و أكلها و سائر أنحاء استعمالها، و تحرم العطور و الخلاصات و الحبوب و الأدقة و الصابون المستحضرة منها أو التي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 324

تدخل في تركيبها، و يحرم لبس الثياب التي يكون عليها أثرها و رائحتها، و يحرم عليه- على الأحوط- استعمال جميع أقسام الطيب الأخرى في شتى أصنافه و خلاصاته و مشتقاته.

و إذا اضطرّ المحرم إلى أكل ما فيه طيب لبعض الضرورات التي حتمت عليه ذلك، أو اضطر الى لبسه مع وجود أثر الطيب فيه، وجب عليه أن يسدّ انفه عن شمه، و كذلك إذا جلس عند بائع الطيب أو مر به فيجب عليه سد أنفه.

المسألة 699:

يجوز للمحرم و هو يسعى بين الصفا و المروة أن يشم رائحة الطيب التي تأتي إليه من سوق العطارين، و لا يجب عليه أن يسد أنفه عنها، و يختص ذلك بحال السعي فيجب سد الأنف في الحالات الأخرى، و يجوز له شم خلوق الكعبة و هو العطر الخاص بها، و لا يختص ذلك في حال، و يجوز للمحرم أكل السفرجل و التفاح و الأترج و غيرها من الفواكه الطيبة الرائحة و أن يشم رائحتها عند أكلها، و الأولى له ان لا يستشمها في حال الأكل.

المسألة 700:

إذا استعمل المحرم الطيب عامدا فالأحوط له التكفير عن ذلك بدم شاة، من غير فرق بين أنحاء استعماله، و كذلك إذا اضطر الى استعمال الطيب فالأحوط له التكفير، و لا اثم عليه في هذه الحال.

المسألة 701:

الأحوط إلحاق الهيل و القرنفل بالزعفران في الحكم، فلا يضعها المحرم في القهوة أو في المطعومات أو المشروبات في حال إحرامه، و إذا استعملها كفّر عن استعمالها على الأحوط.

المسألة 702:

لا يجوز للمحرم أن يمسك أنفه عن الرّوائح المنتنة، و يجوز له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 325

أن يعدل عنها الى طريق آخر، و أن يسرع في مشيته إذا مرّ بها، و إذا مرّ بها فأمسك أنفه عنها أثم بذلك و لا كفارة عليه.

[الحادي عشر: التزين:]
المسألة 703:

الحادي عشر من محرمات الإحرام: التزين: فلا يجوز للمحرم أن يلبس الخاتم إذا قصد به الزينة أو ينظم شعره تنظيما مخصوصا بقصد الزينة أو بما يعدّ زينة في نظر أهل العرف، أو يلبس في إحرامه ثيابا ذات ألوان زاهية تعدّ زينة أو يقصد بها ذلك، و قد سبق الحكم بتحريم استعمال المحرم الحنّاء و الخضاب إذا عدّ زينة في نظر الناس و ان لم يقصد به الزينة، و لا يحرم عليه لبس الخاتم إذا قصد به الاستحباب الشرعي، فالمدار في حكم الخاتم على قصد المكلّف المحرم من لبسه، و يحرم على المرأة بعد إحرامها أن تلبس الحلي للتزين به، و يجوز لها أن تبقى على نفسها منه ما كانت قد اعتادت على لبسه قبل أن تحرم، و يجب عليها أن لا تظهر ذلك بعد الإحرام لزوجها و لمحارمها من الرجال فضلا عن الأجانب.

المسألة 704:

إذا ارتكب المحرم بعض تلك الأمور عالما عامدا، فلا يترك الاحتياط بأن يكفّر عنه بدم شاة.

[الثاني عشر: الاكتحال]
المسألة 705:

الثاني عشر من محرمات الإحرام: الاكتحال على التفصيل الآتي: فلا يجوز للرجل المحرم، و لا للمرأة المحرمة أن يكتحلا بالسواد فإنه من الزينة كما في الصحاح، سواء قصدا به التزين أم لا، و لا يجوز لهما الاكتحال بغير السواد إذا عدّ زينة في نظر أهل العرف سواء قصدا به التزين أم لا، و يجوز لهما الاكتحال بغير السّواد إذا لم يكن زينة و لم يكن فيه طيب.

و إذا اكتحل المحرم أو المحرمة، بما يعدّ زينة لزمتهما الكفارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 326

بدم شاة على الأحوط كما تقدم، و إذا اكتحل بما فيه طيب و لا يعدّ زينة لزمته كفارة الطيب على الأحوط، كما ذكرناها في المسألة السبعمائة و إذا اضطر الى الكحل بما يعد زينة أو بما فيه طيب كفّر و لا أثم عليه.

[الثالث عشر: الادّهان:]
المسألة 706:

الثالث عشر من محرمات الإحرام: الادّهان: فلا يجوز للرجل و لا للمرأة أن يدّهنا بعد إحرامهما، سواء كان الدهن مما له رائحة طيبة أم لا، و سواء دهن جميع بدنه أم بعضه، و يجوز لهما ذلك لعلاج أو ضرورة.

فإذا ادّهن و كان عالما عامدا في فعله كفّر عنه بذبح شاة على الأحوط، و إذا فعله جاهلا كفّر بإطعام فقير على الأحوط كذلك، و لا تسقط الكفارة عنه بالاضطرار.

[الرابع عشر: النظر في المرآة:]
المسألة 707:

الرابع عشر من محرمات الإحرام: النظر في المرآة: فلا يجوز للرجل و لا للمرأة بعد إحرامهما أن ينظرا في المرآة الحاكية لصورتهما، سواء قصدا بنظرهما فيها الزينة أم لا، و إذا نظرا فيها استحب لهما أن يجدّدا التلبية، و الظاهر أن المراد بالنظر المحرّم أن ينظر الرّجل الى صورته في المرآة أو الى ملابسه أو بعض شؤونه مما يعدّ النظر إليه في المرآة زينة أو تزينا في نظر العرف، و لذلك فلا يمنع من نظر السائق المحرم فيها لرؤية شبح ما خلفه من السيارات، و لا يمنع من نظر الرجل فيها لرؤية بعض المناظر الأخرى التي لا تتعلق به، و يختص الحكم بالتحريم بالنظر في المرآة، فلا يحرم عليه أن ينظر في ما يشبه المرآة من الأجسام الحاكية للصورة كالماء الصافي، و الفضة المصقولة، و الأجسام الصقيلة الأخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 327

المسألة 708:

إذا نظر المحرم في المرآة- كما ذكرنا- و هو عالم عامد فعليه أن يكفّر عن ذلك بدم شاة على الأحوط.

المسألة 709:

يجوز للرجل المحرم و للمرأة المحرمة أن يلبسا النظّارة في حال إحرامهما، إلا إذا عدّ ذلك من الزينة، فيجب عليهما اجتنابه و تلزمهما كفارة التزين بارتكابه على الأحوط، و هي دم شاة كما تقدم.

[الخامس عشر: ازالة الشعر عن البدن:]
المسألة 710:

الخامس عشر من محرمات الإحرام: إزالة الشعر عن البدن: فلا يجوز للرجل بعد انعقاد إحرامه أن يزيل جميع شعر بدنه أو يزيل شيئا منه و ان كان قليلا، بحلق أو نتف أو غيرهما من وسائل إزالة الشعر، و يحرم عليه ازالة الشعر عن بدن غيره، سواء كان الغير محرما أم محلا، و كبيرا أم صغيرا، و معذورا أم غير معذور، و كذلك حكم المرأة المحرمة.

المسألة 711:

يجوز للمحرم أن يزيل شعر جسده أو بعضه إذا لزم من بقائه ضرر لا يتحمل عادة، و من أمثلة ذلك أن يكثر القمل و الهوام في جسده فيضره ذلك، و يتوقف دفعه على ازالة شعر رأسه، أو ازالة شعر بدنه، فيجوز له ذلك و تقدّر الضرورة بقدرها، و لا يجوز له التعدّي عن مقدار الضرورة، و من أمثلة ذلك: ان تحدث في بدنه قروح أو جروح أو دمامل و يحتاج إلى إزالة الشعر عن مواضعها للعلاج، فيباح له ذلك بمقدار الضرورة، و من أمثلة ذلك:

أن يصيب المحرم بسبب بقاء شعر رأسه صداع أو حرارة شديدة، فيحتاج إلى إزالته عنه لرفع هذه العوارض و يباح له ذلك، و تلاحظ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 328

المسألة الآتية.

و يجوز للمحرم أن يسبغ الوضوء و الغسل و ان لزم من ذلك ان يسقط منه بعض شعر وجهه أو رأسه أو جسده بسبب الغسل، فإن تحريم ذلك عليه يستلزم وقوعه في الحرج عند أداء وظائفه الشرعية، و يشترط في جواز ذلك أن لا يبالغ في تخليله الشعر و غسله أكثر مما يتعارف، و كذلك الحكم في غسل بعض الأعضاء من بدنه لتطهيرها عند التنجس.

المسألة 712:

إذا حلق المحرم شعر رأسه أو أزال شعره بغير الحلق، و هو عالم عامد، من غير ضرورة دعته الى ذلك، تعيّن عليه- على الأحوط- أن يكفّر عنه بذبح شاة، بل لا يخلو تعيّن ذلك عليه عن قوة، و إذا أزال شعر رأسه لضرورة حتمت عليه ذلك تخيّر بين أن يذبح شاة، و أن يصوم ثلاثة أيام، و أن يطعم ستة مساكين، يدفع لكلّ مسكين منهم مدّين من الطعام، و إذا نتف شعر إبطيه كفّر بذبح شاة،

و كذلك إذا نتف أحدهما على الأحوط.

و إذا مس رأسه أو لحيته فسقط من شعره شي ء بمسّه تصدق عن ذلك بكف من الطعام- على الأحوط- يدفعه لمسكين، و إذا كان ذلك في وضوء أو غسل أو تطهير فلا شي ء عليه، و إذا خلل شعره في وضوئه أو غسله أو طهارته أكثر مما يتعارف فسقط منه الشعر تعيّن عليه الفداء على الأحوط.

المسألة 713:

إذا حلق المحرم شعر غيره، أو ازاله بغير الحلق، أثم بفعله و لم تجب الكفارة عليه، سواء كان الغير محرما أم محلا، و يجب الفداء على ذلك الغير إذا كان محرما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 329

المسألة 714:

يجوز للمحرم أن يحكّ رأسه أو جلده بأصابعه و أظافره ما لم يدمه، أو يعلم بسقوط الشعر به، و إذا حكّه أو مسّه فسقط بذلك بعض الشعر تصدّق بكفّ من الطّعام كما تقدم.

[السادس عشر: الفسوق]
المسألة 715:

السادس عشر من محرمات الإحرام: الفسوق: كما ذكر في الآية الكريمة و المراد به الكذب و السبّ، و لا ريب في حرمتهما على المحرم و غيره، فيكون تحريمهما في حال الإحرام أشد و آكد، و قد ذكر بعض النصوص معهما المفاخرة، و لعل المراد بها إظهار الفخر على النّاس الآخرين كذبا و افتراء، أو ما يستلزم الإهانة و الشتم للآخرين فتكون من المحرم، و تحريم هذه الأمور و غيرها من القبائح شاملة للمحرم و غيره كما ذكرنا، فتكون مؤكدة في حال الإحرام، و لا تجب على المحرم في ارتكابها كفارة، و لا يفسد بها إحرامه بل يتضاعف عليه بها العقاب و يشتد استحقاقه للعذاب، و يحرم عليه أيضا البذاء و التكلم باللفظ القبيح، و يجب عليه الاستغفار منها جميعا.

[السابع عشر: الجدال]
المسألة 716:

السابع عشر من محرمات الإحرام: الجدال: كما في الآية الكريمة و قد فسّر في الأحاديث الواردة في تفسيرها بأن يقول المحرم: لا و اللّٰه، و بلى و اللّٰه، فيحرم عليه أن يقول ذلك عند المخاصمة، بل الأحوط تركه حتى مع عدم المخاصمة، و الظاهر أن كلمتي لا و بلى لا دخل لهما في صيغة الجدال المحرّم، فالمراد بها أن يحلف بقوله و اللّٰه على نفي شي ء أو على إثباته، و الأحوط أن يجتنب المحرم مطلق اليمين و ان لم يكن بالصيغة المذكورة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 330

المسألة 717:

قد يضطرّ المحرم إلى إثبات حق له على أحد، أو الى نفي دعوى باطلة يدّعيها عليه أحد، فإذا كان هذا الاضطرار مما يرتفع معه التكليف بحرمة اليمين جاز له أن يحلف لإثبات حقه، أو على نفي دعوى المبطل، و لم يؤثم بذلك، و يشكل الحكم بسقوط الكفارة عنه إذا حلف لذلك، بل الظاهر لزوم الكفارة و عدم سقوطها عنه.

و قد يدور الحديث بين المحرم و صديق له في مقام المجاملة، فيريد الصديق أن يتبرع له بشي ء- مثلا- أو يقوم له بعمل، فيقول المحرم له: لا و اللّٰه لا تفعل هذا الشي ء، أو يقول له الصديق و هو محرم كذلك: بلى و اللّٰه أفعله، فيجوز هذا الحوار لهما و لا يكون من الجدال المحرم عليهما، و هو ناشئ عن المحبة و الوئام بينهما لا من التنافر و الخصام.

المسألة 718:

إذا جادل المحرم أحدا و كان صادقا في جداله و حلفه أثم حتى في المرّة الأولى، و وجب عليه الاستغفار، و كذلك في المرّة الثانية و لا تجب عليه فيهما كفارة، فإذا جادل في المرة الثالثة و هو صادق وجب عليه ان يكفّر بذبح شاة، سواء كان جداله متواليا و في مقام واحد أم متفرقا، و سواء كان مع شخص واحد أم مع متعددين، و إذا زاد في جداله على ثلاث مرات و هو صادق، فعليه في كلّ مرة منها دم شاة، من غير فرق بين الرابعة و الخامسة و غيرها سواء كفّر لما قبلها أم لا، فلا تتداخل كفاراته.

و إذا جادل غيره و كان كاذبا في حلفه أثم بكذبه و بجداله و حلفه على الكذب، و وجب عليه في المرة الأولى أن يكفّر بدم شاة، فإذا جادل

مرة ثانية كاذبا وجب عليه أن يكفّر بشاة أخرى، فإذا جادل كاذبا مرة ثالثة وجب عليه أن يكفر بدم بقرة سواء كفّر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 331

للأوليتين أم لم يكفّر، و لا تتداخل كفاراته، و إذا جادل كاذبا مرة رابعة أو خامسة لزمه في كل مرة منها بقرة أخرى غير السابقة عليها، من غير تداخل، و هكذا.

المسألة 719:

إذا جادل المحرم صادقا ثم جادل كاذبا أو بالعكس، لزمه حكمهما الذي تقدم بيانه، فلا شي ء عليه في المرة الأولى صادقا و لا في الثانية، و تجب عليه الشاة في المرة الثالثة و ما بعدها، سواء تقدم جداله الصادق أم تأخر أم تفرق، و تجب عليه الشاة في المرة الأولى و الثانية كاذبا، و تجب عليه البقرة في المرة الثالثة و الرابعة و ما بعدهما سواء تقدم جداله الكاذب أم تأخر.

[الثامن عشر من محرمات الإحرام قتل الهوام]
المسألة 720:

الثامن عشر من محرمات الإحرام: قتل الهوام: و الحشرات التي تتكون في جسد المحرم أو في رأسه من قمل و نحوه، فلا يجوز للمحرم قتل القمل الذي يتكون فيه، بل و لا ما ينتقل اليه من غيره إذا اتفق، و لا يجوز له إلقاء القمل عن جسده، و يجوز له أن يحوّل القملة من موضع الى موضع آخر من جسده لا تكون فيه معرضا للسقوط، فإذا قتلها أو ألقاها من جسده أثم بذلك و لم تجب عليه كفارة، و الأحوط استحبابا أن يتصدق عنه بكف من الطعام.

و يجوز له أن يلقي عن جسده الحشرات و الدواب الأخرى التي تعلق به، كالقراد و الحلم و نحوهما، و الحلمة دودة تقع على الجلد فتأكله، و يجوز له قتل البرغوث و البق إذا آذاه، و الأحوط الاجتناب عنه إذا لم يضره، و خصوصا للمحرم في الحرم.

[التاسع عشر: التظليل للرجال]
المسألة 721:

التاسع عشر من محرمات الإحرام: التظليل للرجال: فلا يجوز للرجل بعد انعقاد إحرامه أن يتظلل في حال مسيره، سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 332

كان راكبا أم راجلا، و سواء كان في أثناء الطريق أم في شوارع بلد، حتى في شوارع مكة و محلاتها، و حتى في المشاعر و في أثناء إتيانه بالمناسك و الأعمال إذا كان قبل ان يحل من إحرامه.

و المحرم على الرجل أن يتظلل في حال مسيره بظل يتنقل و غير مستقر، فيستظل بسقف سيارة أو محمل أو هودج يركبه في سفره أو في تنقله، أو سقف طائرة أو غيرها من وسائل النقل المسقوفة، حتى في مثل البواخر و السفن البحرية و القطارات التي تشبه البيوت و المنازل فلا يجوز للرجل المحرم أن يتظلل بسقوفها في أثناء المسير، و

لا يجوز له أن يسير و على رأسه مظلة، و يجوز له أن يسير في ظل الأشياء الثابتة كالبيوت و الجدران و الأشجار و الإنفاق و الأسواق المسقوفة.

و يجوز للرجل أن ينشئ إحرامه تحت السقف من مسجد الشجرة و غيره من المساجد التي تبنى في مواقيت الإحرام، بل و يجوز له أن ينشئ إحرامه في الخيام التي يبنيها الحجاج لأنفسهم في المواقيت، و في بيوت مكة في إحرام حج التمتع.

المسألة 722:

لا يجوز للمحرم أن يستظل في أثناء مسيره و تنقله بظل غير ثابت- كما وصفنا- و ان كان الظل يقع عليه من احد جانبيه، و مثال ذلك أن تكون الشمس مائلة عن سمت رأسه الى احد الجانبين فيجعل المظلة أو السقف مائلا كذلك و يستظل بهما، فلا يجوز له ذلك.

المسألة 723:

يجوز للمحرم الماشي مع قطار الإبل و شبهه أن يمشي في ظلال المحامل فيستظل بظلها و هي سائرة و لا يحرم عليه ذلك، و الفارق بين هذا و بين ما تقدم هو النص.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 333

المسألة 724:

إذا نزل المحرم في منزل جاز له أن يستظل في المنزل بسقف بيت أو جدار أو خيمة، بل يجوز له أن يجعل على نفسه مظلة يتفيأ ظلها و هو جالس أو نائم أو واقف مستقر، و لا يجوز له ذلك و هو يمشي في المنزل لبعض حاجاته، و إذا وقفت السيارة في موضع جاز للمحرم أن يستظل بسقفها و أن ينام تحته ما دامت واقفة، و كذلك السفينة و وسائل النقل الأخرى.

المسألة 725:

تختص حرمة التظليل بالرجال المحرمين في حال الاختيار، فيجوز التظليل اختيارا للنساء المحرمات و للصبيان المحرمين، و يجوز التظليل للرجل المحرم إذا اضطر الى استعمال الظل لسبب من الأسباب و لو للتقية و نحوها، و إذا كان له عذر ثابت يخاف معه على نفسه ضرر الحر أو البرد ضررا لا يتحمل عادة أو كان عدم التظليل له موجبا للعسر و الحرج.

المسألة 726:

إذا استظل الرجل المحرم و هو عالم عامد من غير عذر أثم بفعله، و وجب عليه أن يكفّر عنه بدم شاة يذبحها في مكة إذا كان تظليله في إحرام العمرة، و يذبحها في منى إذا كان في إحرام الحج، و إذا تكرر منه التظليل كفته كفارة واحدة في الإحرام الواحد، فإذا استظل مرارا في إحرام العمرة أو في إحرام الحج كفّر عن جميع تظليله بشاة واحدة، و إذا استظل مرة واحدة أو مرارا متعددة في إحرام العمرة، ثم استظل مرة أو مرارا في إحرام الحج كفّر بشاة عن إحرام العمرة و بشاة أخرى عن إحرام الحج.

المسألة 727:

انما يحتاج الإنسان إلى الظل بحسب العادة الجارية بين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 334

الناس، للتوقي به من حر الشمس أو للتستر عن حر الجو و ان لم تكن الشمس طالعة، أو للتوقي من البرد أو من المطر، و قد يحتاج اليه للوقاية عن الريح إذا كانت عاصفة، فإذا لم تكن الشمس طالعة و لم يكن في الجو ما يوجب التوقي من حر أو برد أو مطر أو ريح، لم يكن للتظليل أي أثر، بل لا يعد الكون تحت السقف تظليلا في نظر الناس العقلاء، فإذا اتفق للمحرم مثل ذلك كما إذا أحرم في ليلة هادئة من جميع ذلك أو أحرم في نهار هادئ كذلك و لا موجب فيه للظل من شمس و غيرها لم يحرم عليه الركوب في السيارة المسقوفة أو في المحمل أو الهودج المسقوفين فإنه ليس من التظليل و إذا اتفقت له سرعة في الريح بسبب سرعة مسير السيارة و هو تحت سقفها أمكن له فتح منافذ السيارة فلا تكون مظللة له عن الريح و لا

يحرم عليه ركوبها و لا تجب عليه كفارة.

المسألة 728:

من الوصف الذي فصّلناه في المسألة المتقدمة يتضح أمر ركوب المحرم في المصعد الكهربائي، فإذا كان الموضع الذي جعل فيه المصعد الكهربائي من العمارة مستورا عن الشمس و عن الحر و البرد و المطر، و لو بسبب تعدد طبقات العمارة و كثرتها، و ضيق الموضع الذي نصب المصعد فيه من العمارة، فلا تتسلط الشمس و لا المطر على نفس المصعد، لم يكن الوقوف في المصعد وقوفا في مظلة، و لا الكون فيه كونا تحت ظل، فيجوز للمحرم الوقوف و الصعود و الهبوط فيه، و إذا كان الموضع بارزا للشمس و للحر و البرد و صدق على الواقف في المصعد انه متظلل بسقفه عن الشمس أو عن الحر أو البرد أو عن المطر في أوقات المطر، لم يجز للمحرم الوقوف فيه في تلك الساعات و لزمته الكفارة إذا وقف و استظل به.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 335

المسألة 729:

إذا وقف المحرم في أثناء مسيره لمخاطبة أحد مثلا أو جلس لقضاء حاجة أو وقفت سيارته في الطريق لازدحام المارة أو لأخذ الوقود أو لخلل أصاب السيارة جاز له التظلل بسقف السيارة أو بغيره في أثناء وقوفه.

المسألة 730:

لا يضر في السيارة المكشوف سقفها ان توجد في أعلاها روابط من حديد أو من خشب تشد أحد الجانبين بالآخر، و تكون على رؤوس الجالسين فيها إذا كانت صغيرة الحجم و متباعدة فلا يكون وجودها على رؤوس المحرمين الجالسين فيها من التظليل الممنوع على المحرم، و كذلك المحمل و الهودج و القبة إذا رفعت السقوف عنها و بقيت بعض الأخشاب الصغيرة الحجم تشد أحد جناحي المحمل بالآخر فلا يكون من الظل الممنوع.

المسألة 731:

إذا أحرم سائق السيارة و كانت سياقته إياها تحتم عليه الاستظلال فيها، فإن أمكن له أن يوكل أمر السيارة الى أحد مأمون يطمئن اليه، و لا يخشى مع تسليمها اليه تلف السيارة أو تضررها وجب عليه ذلك، و لم تجز له سياقتها و التظلل فيها، و لا يكون معذورا في ذلك، و إذا لم يجد من يطمئن اليه، و خشي عليها التلف أو الضرر الذي لا يتحمل عادة، أو لزم منه الحرج و المشقة جاز له تولي قيادتها و الاستظلال بها، فإذا ركبها وجبت عليه الكفارة، و كذلك إذا كان معه في سيارته نساء محرمات، و خشي التعدي عليهن بما لا يتحمل إذا سلّم سيارته الى سائق آخر، أو كان معه رجال يحترمهم و يخشى العدوان عليهم، و نظير ذلك ما إذا أحرم الرجل و معه نساء محرمات لا يتمكن من تركهن، و لا يتمكن من اركابهن في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 336

سيارة مكشوفة، فيجوز له أن يركب معهن في سيارة مظللة، و يجب عليه الفداء للتظليل.

المسألة 732:

لا تحريم و لا كفارة على المحرم إذا قسره متغلب من الناس فظلله بمظلة أو حبسه تحت الظل من غير اختياره، و كذلك إذا غطى رأسه أو قهره على بعض محرمات الإحرام الأخرى و لا خيرة له في ذلك، فلا تحريم على المحرم فيه و لا كفارة.

[العشرون: ستر الرأس للرجال]
المسألة 733:

العشرون من محرمات الإحرام: ستر الرأس للرجال:

و يراد بالرأس هنا ما يقابل الوجه و الرقبة فهو من أول منابت الشعر من أعلى الجبهة و الجبين الى نهايتها مما يتصل بالعنق، و ان لم ينبت فيه شعر بالفعل و يلحق به الأذنان في الحكم، فلا يجوز للمحرم أن يغطي جميع رأسه أو يغطي بعضه، أو يغطي أذنيه بساتر يصيب البشرة من عمامة أو قلنسوة أو كوفية أو ثوب يتقنع به، أو حنّاء أو طين أو ما يشبه ذلك من أدوية و غيرها، و لا يجوز له أن يحمل على رأسه شيئا يغطيه، أو يغطي بعضه، من طبق أو فراش أو رزمة ثياب و نحو ذلك.

المسألة 734:

لا يجوز للمحرم أن يرمس رأسه في الماء، و الأحوط له أن لا يرمس بعض رأسه في الماء، و ان لا يرمس رأسه و لا بعض رأسه في غير الماء من المائعات، بل الأحوط للمرأة كذلك أن لا ترمس جميع رأسها في الماء خاصة.

المسألة 735:

يجوز للمحرم أن يعصّب رأسه بعصابة أو منديل إذا أصابه صداع أو غيره، أو أصابته شجة أو قرحة في رأسه فاحتاج الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 337

شدّها و تضميدها، و يجوز له ان يغطي رأسه بيده أو بعض جسده عن حر الشمس و نحوه.

و يجوز له ان ينام على فراش أو وسادة، و ان لزم من وضع رأسه عليها ستر رأسه أو ستر بعض رأسه بهما، و لا يجوز له أن يخمر رأسه أو يغطيه بغير ذلك عند النوم.

المسألة 736:

يجوز للمحرم أن يلبس نظارة يضطر الى لبسها إذا لم تعدّ من الزينة في نظر أهل العرف، كما قلنا في المسألة السبعمائة و التاسعة، إما ستر بعض الرأس بها بمقدار يديها فلا يعتبر من التغطية المحرمة، و إذا صب المحرم على رأسه ماء في أثناء إحرامه جاز له أن يمسحه بيده، و لا يعد مسحه بيديه من التغطية المحرمة.

المسألة 737:

إذا غطى المحرم رأسه فالأحوط له أن يكفر عن ذلك بدم شاة، و لا ينبغي ترك هذا الاحتياط حتى مع الضرورة.

[الحادي و العشرون: أن تغطي المرأة وجهها:]
المسألة 738:

فلا يجوز للمرأة بعد انعقاد إحرامها أن تستر جميع وجهها و لا بعضه بساتر يصيب البشرة، من برقع أو ثوب أو نقاب أو غير ذلك، و يجوز لها النوم عليه أو على بعضه، و يجوز لها بل يجب عليها في حال الصلاة أن تستر من أطراف وجهها ما يكون مقدمة لستر الشعر و البدن الواجب عليها في الصلاة، فإذا فرغت من صلاتها أزالت ذلك.

المسألة 739:

إذا أرادت المحرمة ستر وجهها عن الأجانب من الرجال أسدلت القناع أو الخمار من فوق وجهها الى طرف أنفها أو ذقنها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 338

و رفعته بيدها أو بغير ذلك حتى لا يصيب بشرة الوجه على الأحوط.

المسألة 740:

إذا سترت المرأة وجهها، أو سترت بعضه بساتر يصيب البشرة و هي عالمة عامدة كفّرت عن ذلك بدم شاة على الأحوط.

[الثاني و العشرون: تقليم الأظفار]
المسألة 741:

الثاني و العشرون من محرّمات الإحرام: تقليم الأظفار:

فلا يجوز للرجل و لا للمرأة إذا انعقد إحرامهما أن يقلّما أظافر يديهما أو رجليهما أو يقلّما شيئا منها و لو ظفرا واحدا أو بعض ظفر إلا إذا انكسر الظفر فيكون بقاؤه كذلك موجبا للأذية و العسر و الحرج عليه، فيجوز له تقليم ذلك الظفر، أو احتاج الى تقليم الظفر لعلاج قرحة في الإصبع مثلا، فيجوز له تقليمه و عليه الفداء في الصورتين.

المسألة 742:

إذا قلّم المحرم بعض أظفار يديه أو بعض أظفار رجليه و كان عالما عامدا في فعله وجب عليه أن يكفّر عن كل ظفر منها بمدّ من الطعام فيتصدق بعدد الأظفار التي قلّمها أمدادا، فإذا قلّم جميع أظافر يديه وجب عليه أن يكفّر عنها بدم شاة و لم تكفه الصدقة بعشرة أمداد، و إذا قلّم أظافر رجليه كلّها وجب عليه أن يكفّر عنها بدم شاة كذلك، و إذا قلّم جميع أظافر يديه و أظافر رجليه و كان ذلك في مجلس واحد أجزأه أن يكفّر عن جميعها بشاة واحدة، و إذا قلّم جميعها في مجلسين وجب عليه أن يكفّر عنها بشاتين و لم تكفه واحدة، و لا فرق بين المحرم و المحرمة في جميع ذلك.

المسألة 743:

إذا أفتى شخص للمحرم أو للمحرمة بجواز تقليم الظفر فقلّمه اعتمادا على قوله و أدمى إصبعه وجب على المفتي أن يكفّر بدم شاة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 339

[الثالث و العشرون: إخراج الدم من الجسد:]
المسألة 744:

الثالث و العشرون من محرمات الإحرام: إخراج الدم من الجسد: و قد ذهب الى تحريمه على المحرم جماعة من الأصحاب، و اجتنابه أحوط مع عدم الضرورة، سواء كان بحجامة أم بحكّ جسده حتى يدميه، أم بسواك كذلك، و يجوز له مع الضرورة، و إذا أدمى جسده بشي ء من ذلك أو بغيره و هو غير مضطر إليه فالأحوط له أن يكفّر عن فعله بدم شاة.

[الرابع و العشرون: قلع الضرس]
المسألة 745:

الرابع و العشرون من محرمات الإحرام: قلع الضرس:

و قد ذهب إليه جماعة كذلك و ان لم يخرج بقلعه دم، و هو مشكل، بل الظاهر عدم حرمته، و إذا قلع المحرم ضرسه لغير ضرورة و خرج معه دم كفّر عنه بدم شاة على الأحوط للادماء، كما تقدم بيانه في المسألة السابقة.

[الخامس و العشرون: لبس السلاح]
المسألة 746:

الخامس و العشرون من محرمات الإحرام: لبس السلاح:

فلا يجوز للمحرم ذلك بعد انعقاد إحرامه إذا كان ما يلبسه مما يعدّ سلاحا كالسيف و الخنجر و البندقية و المسدّس و غيرها من أنواع السلاح، و الأحوط اجتناب الدرع و الترس و المغفر و شبهها من الآلات التي تعدّ للوقاية، و لا يحرم عليه أن يوجد السلاح معه في سيّارته، أو على بعض أبله و دوابه إذا لم يكن لابسا له و متسلحا به، و هذا كله إذا كان مختارا، و إذا اضطر الى لبس السلاح و خشي العدو أو السارق جاز له لبسه.

المسألة 747:

إذا لبس المحرم السلاح بعد إحرامه و هو مختار عامد من غير ضرورة تبيح له ذلك فعليه أن يكفّر عنه بذبح شاة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 340

المسألة 748:

يحرم على المحرم و على غير المحرم أن يقطع أو يقلع كل ما ينبت في الحرم من شجر و نبات، ما عدا الإذخر و النخيل و شجر الفاكهة فلا يمنع من أخذها، و لا يعم الحكم بالتحريم الكمأة فيجوز أخذها فإنها لا تعدّ نباتا، و يجوز له أن يترك دوابّه و إبله ترعى في أرض الحرم و تأكل من حشائشه و أعشابه، و لا يجوز له الاحتشاش لها.

و يجوز لصاحب المنزل أو الدار أو الضرب المملوكات له أن يقلع الشجر و النبات الذي يغرسه هو فيها و أن يقطعه، و يجوز له أن يقطع أو يقلع ما ينبت و يتجدد فيها من ذلك بعد اتخاذها منزلا، و لا يعم الحكم بالجواز الشجر و النبات الموجود فيها قبل ذلك، و يختص الحكم بذلك على الأحوط، فلا يعم الملك إذا لم يكن منزلا أو دارا أو مضربا.

المسألة 749:

إذا تكرر من الإنسان المحرم أو غير المحرم فعل ما يوجب الكفارة عليه تكرّر وجوب الكفارة بعدد ما ارتكب، و لا تتداخل الكفارات و لا يسقط بعضها عنه، و لا فرق بين الجماع و استعمال الطيب و لبس ما لا يحلّ للمحرم و بقية محرمات الإحرام و موجبات الكفارة التي تقدم ذكرها، و يستثنى من ذلك كفارة الصيد إذا كان المحرم عامدا، و قد ذكرنا هذا مبيّنا في المسألة الستمائة و الحادية و الستين، و تستثنى من ذلك كفارة التظليل إذا تكرر فعله من المحرم و كان في إحرام واحد فلا تتكرر كفارته، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعمائة و السادسة و العشرين، و لا يترك الاحتياط بتكرر الكفارة في تغطية الرأس إذا تكررت من المحرم و ان كان

في إحرام واحد فلا يكون حكمها كحكم التظليل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 341

المسألة 750:

لا تجب الكفارة على المكلف إذا فعل ما يوجب الكفارة ناسيا أو جاهلا، و ان كان جهله عن تقصير إلا في كفارة الصيد، و قد ذكرنا هذا في المسألة الستمائة و الستين و ما بعدها، و تستثنى من الحكم في مسألتنا هذه موارد تجب فيها الكفارة على الناسي و غيره، و سيأتي ذكر هذه الموارد في مواضعها من الكتاب.

و لا تجب الكفارة على الصبي و لا على المجنون المحرمين في ما عدا الصيد و ان كانا مميزين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و العشرين و ما بعدها و بيّنا فيها حكم كفارة الصيد عليهما و انها تجب في مالهما أو في مال الولي، فلتراجع.

المسألة 751:

لا يشترط في الشاة التي تجب في الكفارة ما يشترط في هدي التمتع من الشروط، فيجزي المكلف ذبحها و ان كانت غير تامة أو مهزولة سواء كانت ذكرا أم أنثى، و يشكل اجزاء المعز عن الضأن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 342

الفصل الخامس عشر في سنن دخول الحرم و دخول مكة و المسجد الحرام

المسألة 752:

يستحب للإنسان إذا وصل إلى الحرم الشريف و أراد دخوله أن ينزل من راحلته أو سيارته التي يركبها، و أن يغتسل لدخول الحرم، و أن يخلع نعليه و يأخذهما بيديه، و يدخل الحرم حافيا تواضعا للّه و تعظيما لحرمة، ففي الخبر عن أبي عبد اللّٰه (ع): (من صنع ذلك محي للّه عنه مائة ألف سيئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بنى اللّٰه له مائة ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة).

و يجوز له أن يقدّم غسل دخول الحرم قبل ذلك فيغتسل له من أول النهار، و ان كان دخوله للحرم في آخره، أو في ليلته، و يغتسل من أول الليل و إن كان دخوله في آخره أو في نهاره إذا لم ينم قبله أو يحدث، و قد ذكرنا نظير هذا في غسل الإحرام، و يكفيه أن يؤخره، فيغتسل لدخول الحرم في مكة بعد أن يدخلها و في منزله بمكة بعد أن ينزله.

المسألة 753:

يستحب له أن يمضغ شيئا من الإذخر بعد دخوله للحرم، و قد ذكر أنه يستحب ذلك ليطيب فمه لتقبيل الحجر، و يستحب له إذا كان قادما من المدينة ان يدخل مكة من أعلاها من عقبة المدنيين، و ان يكون خروجه من أسفل مكة من ذي طوى إذا كان يريد المدينة أيضا، كما فعل الرسول (ص) في حجة الوداع.

المسألة 754:

يستحب له عند دخول الحرم أن يدعو بهذا الدعاء فيقول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 343

(اللّهم انك قلت في كتابك، و قولك الحق: وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، اللّهم إني أرجو أن أكون ممن أجاب دعوتك، و قد جئت من شقة بعيدة و فج عميق، سامعا لندائك و مستجيبا لك مطيعا لأمرك، و كل ذلك بفضلك عليّ، و إحسانك إلىّ، فلك الحمد على ما وفقتني له، أبتغي بذلك الزلفة عندك، و القربة إليك، و المنزلة لديك، و المغفرة لذنوبي، و التوبة عليّ منها بمنّك، اللّهم صل على محمّد و آل محمّد و حرّم بدني على النار و آمنّي من عذابك و عقابك برحمتك يا أرحم الراحمين).

المسألة 755:

يستحب للإنسان أن يغتسل غسلا آخر لدخول مكة يأتي به بعد غسله الأول لدخول الحرم أو معه أو بعد دخول الحرم و قبل دخول مكة، و يجوز له أن يؤخره حتى يدخل مكة، و يصح له أن يأتي بغسل واحد لهما فيقصد به امتثال الأمرين معا، و يستحب له ان يدخل مكة بسكينة و وقار، متأنيا متواضعا حافيا، غير متكبر و لا متجبر، و يستحب له إذا دخل مكة أن يبدأ بدخول منزله قبل الطواف.

المسألة 756:

ذكر جماعة من الفقهاء استحباب غسل ثالث لدخول المسجد الحرام، و من أراد الإتيان بهذا الغسل فليأت به برجاء المطلوبية.

المسألة 757:

ورد في حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: تقول و أنت على باب المسجد: (بسم اللّٰه و باللّه و من اللّٰه و إلى اللّٰه و ما شاء اللّٰه و على ملة رسول اللّٰه (ص) و خير الأسماء للّه، و الحمد للّه، و السلام على رسول اللّٰه، السلام على محمد بن عبد اللّٰه، السلام عليك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 344

أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على أنبياء اللّٰه و رسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، و الحمد للّه رب العالمين السّلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، اللّهم صل على محمّد و آل محمد و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمّد عبدك و رسولك و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلم عليهم، و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين، اللّهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني في طاعتك و مرضاتك، و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني، جلّ ثناء وجهك، الحمد للّه الذي جعلني من وفده و زواره، و جعلني ممن يعمر مساجده، و جعلني ممن يناجيه، اللّهم إني عبدك و زائرك في بيتك، و على كل مأتي حق لمن أتاه و زاره، و أنت خير مأتي و أكرم مزور، فأسألك يا اللّٰه يا رحمن، و بأنك أنت اللّٰه لا إله إلا أنت وحدك

لا شريك لك، و بأنك واحد أحد صمد لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد، و أن محمدا (ص) عبدك و رسولك صلى اللّٰه عليه و على أهل بيته، يا جواد يا كريم يا ماجد يا جبار يا كريم أسألك أن تجعل تحفتك إياي من زيارتي إياك أول شي ء تعطيني فكاك رقبتي من النّار، اللّهم فكّ رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب، و ادرأ عني شر شياطين الانس و الجن و شر فسقة العرب و العجم).

المسألة 758:

في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل: (السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، بسم اللّٰه و باللّه و من اللّٰه و ما شاء اللّٰه، و السلام على أنبياء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 345

اللّٰه و رسله، و السلام على رسول اللّٰه (ص)، و السلام على إبراهيم خليل اللّٰه، و الحمد للّه رب العالمين) فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل: (اللّهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، و أن تتجاوز عن خطيئتي، و تضع عني وزري، الحمد للّه الذي بلّغني بيته الحرام، اللّهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس و أمنا مباركا و هدى للعالمين، اللّهم إني عبدك و البلد بلدك و البيت بيتك جئت أطلب رحمتك و أؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك مسألة المضطر إليك الخائف من عقوبتك، اللّهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني بطاعتك و مرضاتك).

و يستحب أن يتوجه إلى الكعبة و يقول مخاطبا لها: (الحمد للّه الذي

عظّمك و شرّفك و كرّمك و جعلك مثابة للناس و أمنا مباركا و هدى للعالمين).

المسألة 759:

يستحب للمحرم إذا دخل المسجد الحرام و حاذى الحجر الأسود أن يقول كما ورد عن أبي جعفر (ع): (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله، آمنت باللّه و كفرت بالطاغوت و باللات و العزّى، و بعبادة الشيطان، و بعبادة كل ندّ يدعى من دون اللّٰه)، و أن يقول أيضا كما عن أبي عبد اللّٰه (ع): (الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لٰا أَنْ هَدٰانَا اللّٰهُ، سبحان اللّٰه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّٰه و اللّٰه أكبر، أكبر من خلقه، و أكبر ممن أخشى و أحذر، و لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي و يميت و يميت و يحيي بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللّهم صل على محمد و آل محمّد، و بارك على محمد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 346

و آل محمد و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمد عبدك و رسولك و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلم عليهم، وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ إني أومن بوعدك و أوفي بعهدك).

المسألة 760:

يستحب له أن يستلم الحجر و يقبله، فان لم يستطع أن يقبله استلمه بيده، فان لم يستطع ذلك أشار إليه، و أن يقول: (اللّهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له

و أن محمدا (ص) عبده و رسوله، آمنت باللّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و اللات و العزّى، و عبادة الشيطان و عبادة كل ندّ يدعى من دون اللّٰه)، فإن لم يستطع أن يقول هذا كلّه فبعضه، و أن يقول:

(اللّهم إليك بسطت يدي، و في ما عندك عظمت رغبتي، فاقبل سبحتي و اغفر لي و ارحمني، اللّهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 347

الفصل السادس عشر في الطواف و شرائطه و واجباته و آدابه

[مسائل]
المسألة 761:

الطواف بالبيت الحرام هو الواجب الثاني من واجبات عمرة التمتع، و هو ركن من أركانها كما سيأتي بيانه، و يجب الطواف فيها مرة واحدة، و ليس فيها طواف للنساء، و تختص عمرة التمتع بهذا الحكم دون حج التمتع، و دون حج القران و حج الإفراد و دون بقية أقسام العمرة فيجب الطّواف في جميعها مرتين، أولهما: طواف الزيارة و هو ركن من أركانها، و ثانيهما: طواف النساء، و هو واجب فيها غير ركن.

المسألة 762:

الواجب الركن في أي نسك من أنواع الحج أو العمرة التي ذكرناها، هو العمل الواجب الذي إذا تركه المكلّف متعمدا بطل نسكه الذي كان قد أحرم به، فإذا ترك الحاج طواف الحج متعمدا و لم يأت به حتى انقضى شهر ذي الحجّة بطل حجه، سواء كان حجه الذي أحرم به حج تمتع أم حج قران أم حج إفراد، و الظاهر بطلان إحرامه أيضا، و ان كان الأحوط له أن يتحلّل منه بعمرة مفردة يأتي بها.

و إذا ترك المكلّف طواف الزيارة في العمرة المفردة متعمدا حتى خرج من مكة الى بلده و صدق عليه عرفا أنه قد ترك الطواف الركن فيها، فلا يبعد الحكم ببطلان عمرته، و كذلك الحال في العمرة التي يأتي بها مع حج القران أو مع حج الإفراد، فتبطل عمرته تلك إذا ترك الطواف فيها متعمدا و خرج الى وطنه، و خصوصا إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 348

وطنه بعيدا لا يمكنه الرجوع منه الى مكة للإتيان بالطّواف الركن في عمرته، أو صمم على عدم الإتيان به أبدا.

المسألة 763:

إذا ترك المتمتع طواف عمرة التمتع متعمدا حتى ضاق عليه وقت الركن من الوقوف الاختياري بعرفات، فلم يبق له من الوقت ما يمكنه أن يأتي فيه بطواف العمرة ثم يأتي بالمسمّى من وقوف عرفات بعده، فيجب عليه في هذا الحال أن يبادر فيدرك الوقوف بعرفات بإدراك الركن منه، و يتم حجه إفرادا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الستون و ما بعدها، و المسألة الأربعمائة و الثالثة و الستون و ما بعدها، فقد فصّلنا القول فيها، و لا يبعد أن الجاهل بالحكم كالعامد في ذلك، فإذا ترك الطواف لزمه الحكم المذكور.

المسألة 764:

إذا نسي المتمتع طواف عمرة التمتع فلم يأت به، و سعى بين الصفا و المروة لم تبطل عمرته و تمتعه بذلك، فيجب عليه قضاء طوافها متى تذكره، و ان لم يتذكر فواته الا بعد أن أتم مناسك الحج كلّها، بل و ان خرج شهر ذي الحجة، و الأحوط له أن يعيد سعي العمرة بعد أن يقضي طوافها، و إذا كان قضاء الطواف بعد انقضاء شهر ذي الحجة لم تجب عليه إعادة السعي.

و كذلك إذا ترك المتمتع طواف العمرة و هو جاهل بالموضوع، فيجري فيه نظير حكم الناسي في الصورة المذكورة.

المسألة 765:

إذا نسي المتمتع طواف عمرة التمتع و لم يتذكره حتى أتم مناسك حج التمتع و خرج من مكة، وجب عليه أن يعود إلى مكة لقضاء طواف العمرة مع إمكان العود له و عدم الحرج عليه في ذلك، و إذا كان خروجه بعد انقضاء شهر من إحرامه السابق فالأحوط له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 349

استحبابا أن يدخل مكة بعمرة مفردة و يأتي بالطواف الفائت في إحرامه لها، و ان كان الأقوى الاجتزاء بإحرامه الأول حتى بعد انقضاء الشهر، فيقضي الطواف بذلك الإحرام.

و إذا تعذر عليه الرجوع الى مكة أو كان عوده إليها موجبا للعسر و المشقة استناب أحدا يقضي الطواف عنه، و عليه أن يبعث ببدنة تنحر عنه إذا كان قد واقع أهله في هذه الفترة، بل و ان لم يواقع على الأحوط، و يجري نظير ذلك في المتمتع إذا ترك الطّواف و هو جاهل بالموضوع في هذه الصورة أيضا.

المسألة 766:

إذا عرض للمكلف عارض في بدنه من مرض أو كسر أو غيرهما فمنعه عن الطواف مستقلا بنفسه وجب عليه أن يطوف معتمدا على غيره أو متوكئا على عصى و نحوها، فإن لم يمكن له ذلك وجب أن يحمله غيره فيطوف بنفسه محمولا، فإن لم يستطع أن يطوف كذلك وجب عليه أن يستنيب أحدا يطوف عنه.

و تصح بذلك متعته و لا تنقلب الى حج إفراد، و لا تجوز له الاستنابة و لا تكفيه إذا أمكن له أن يطوف بنفسه معتمدا أو متوكئا أو محمولا، كما قلنا في أول المسألة.

[شرائط الطواف]
[الأمر الأول: النية:]
المسألة 767:

تشترط في صحة الطواف خمسة أمور: الأمر الأول:

النية: فإن الطواف عبادة من العبادات، و لذلك فلا بد فيها من قصد القربة بالعمل المعيّن، و الأمر في النية في غاية السهولة و اليسر، كما فصّلناه في مباحث النية من العبادات، و إذا عيّن المكلف العمل المقصود عند الفعل، و كان الداعي له الى فعله هو امتثال أمر اللّٰه فقد تمت النية و صح العمل، و ان كان الأولى أن يقول في طواف العمرة: (أطوف بالبيت سبعة أشواط لعمرة التمتع لحج الإسلام حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 350

التمتع قربة الى اللّٰه تعالى).

[الأمر الثاني: الطهارة]
المسألة 768:

الأمر الثاني من شرائط صحة الطواف: أن يكون الطائف متطهّرا من الحدث الأكبر و من الحدث الأصغر، فلا يصح طوافه إذا كان محدثا بأحدهما، سواء كان عالما بالحكم أم جاهلا أم ناسيا أم غافلا، و هذا إذا كان طوافه واجبا، و لا تشترط الطهارة في صحة الطواف المندوب، فإذا طاف المكلّف بالبيت طوافا مستحبا و هو على غير وضوء صح طوافه، فإذا أراد أن يصلّي ركعتين للطواف وجب عليه أن يتطهّر للصّلاة، و إذا كان محدثا بالحدث الأكبر من جنابة و نحوها لم يجز له الدخول في المسجد الحرام ليطوف، و المراد بالطواف الواجب ما يؤتى به جزءا من حج أو عمرة سواء كانا واجبين أم مندوبين، و الطواف المندوب ما يأتي به المكلف تطوعا من غير حج و لا عمرة.

المسألة 769:

إذا علم الإنسان قبل شروعه في الطواف بأنه كان على طهارة سابقه من الحدث، و شك في أنه أحدث بعد تلك الطهارة أم لا بنى على بقاء الطهارة، فيصح له الطواف الواجب من غير تجديد وضوء، و كذلك حكمه إذا شرع في الطواف ثم شك و هو في أثناء طوافه في حصول حدث بعد طهارته المعلومة سابقا فيبني على بقاء طهارته و يتم طوافه و لا يعتني بشكه، و إذا علم بأنه كان محدثا و شك في أنه تطهّر بعد الحدث السابق أم لا، فلا يصح طوافه في كلتا الحالتين المذكورتين، و تجب عليه الطهارة ثم يطوف بعدها و للمسألة فروع تعرضنا لتفصيلها في مباحث الوضوء من كتاب الطهارة، فليرجع إليها من أحبّ.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 351

المسألة 770:

إذا أتم المكلّف طوافه ثم شك بعد فراغه من الطّواف في أنه كان متطهّرا حين طوافه أم لا، بنى على صحة طوافه و لم يعتن بشكه، و تجب عليه الطهارة لصلاة الطواف، و إذا أتمّ كلا من الطواف و صلاة الركعتين ثم شك في الطهارة بعد الفراغ منهما بنى على الصحة في الطواف و الصلاة كليهما.

المسألة 771:

إذا فرغ من طوافه ثم تذكر بعد الفراغ أنه طاف على غير طهارة، وجبت عليه اعادة الطواف متطهرا إذا كان الطواف واجبا، و صح طوافه إذا كان مندوبا.

المسألة 772:

إذا أحدث الطائف قبل أن يتم النصف من طوافه بطل طوافه إذا كان واجبا، و وجب عليه التطهّر من حدثه و اعادة الطواف من أوله، و كذلك إذا أحدث و قد أتم نصف طوافه و لم يتجاوزه، فتجب عليه الطهارة و استئناف الطواف، و المراد بنصف الطواف أن يبلغ الطائف إلى الركن الثالث من الكعبة في شوطه الرابع، و الركن الثالث هو الركن الغربيّ منها.

المسألة 773:

إذا أحدث الطائف بعد ما تجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يعيّن موضع وقوع الحدث من طوافه، و أن يخرج فيتطهّر من حدثه ثم يرجع فيتم طوافه من موضع قطعه، فإذا فعل ذلك صح طوافه، و عليه أن يبادر إلى الطهارة و إتمام الطواف قبل أن تفوت الموالاة في الطواف.

المسألة 774:

لا يترك الاحتياط لزوما إذا وقع الحدث منه باختياره أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 352

يفعل ما ذكرناه فيتم طوافه ثم يعيد الطواف من أوله.

المسألة 775:

إذا تطهّر الطائف من حدثه طهارة المعذور كصاحب الجبيرة على أعضاء وضوئه أو على أعضاء غسله و كالمسلوس و المبطون و أتى بالطهارة على الوجه الذي بيّناه في أحكامهم في كتاب الطهارة كفته طهارته الاضطرارية في صحة عمله، فيصح طوافه و صلاة طوافه بتلك الطهارة، و ان كان الأحوط استحبابا للمسلوس و المبطون أن يطوف بنفسه كذلك، ثم يستنيب من يطوف عنه.

و إذا كانت المرأة المتمتعة مستحاضة و كانت استحاضتها قليلة توضأت للطواف ثم توضأت بعده وضوءا آخر لصلاة الطواف، و إذا كان استحاضتها متوسطة اغتسلت للطواف و لصلاة الطواف غسلا واحدا، و توضأت بعده للطواف، ثم توضأت بعده وضوءا آخر لصلاة الطواف، و إذا كانت استحاضتها كثيرة اغتسلت ثم توضأت بعده للطواف، ثم اغتسلت بعده غسلا ثانيا و توضأت بعده لصلاة الطواف، و هذا كلّه على الأحوط لها في جميع الفروض.

المسألة 776:

إذا لم يتمكن المكلف من الطهارة المائية لبعض الأعذار المسوّغة للتيمم كفاه التيمم عن الوضوء أو الغسل، و صح طوافه و صحت صلاته بتلك الطّهارة، و الأحوط له استحبابا إذا تيمم و هو جنب أن يطوف بتيممه ثم يستنيب شخصا يطوف عنه.

المسألة 777:

إذا عجز الرجل أو المرأة عن الوضوء من الحدث لبعض العوارض المانعة له عن استعمال الماء و لم يتمكن أيضا من التيمم كان له حكم العاجز عن الطواف، فيجب عليه أن يستنيب أحدا للطواف و الصلاة عنه، و الأحوط له أن يستنيب كذلك و أن يطوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 353

بالبيت بنفسه بغير طهارة، و كذلك المجنب و الحائض و النفساء إذا لم يستطيعوا الغسل و لا التيمم فتجب عليهم الاستنابة، و إذا أمكن لهم التيمم كفاهم التيمم عن الغسل كما تقدم، و وجب عليهم الطواف و صلاة الطواف مع التيمم و صح ذلك منهم.

المسألة 778:

إذا أحرمت المرأة من الميقات بعمرة التمتع و كانت حائضا أو نفساء في وقت إحرامها، و قدمت مكة بعد الإحرام و هي لا تزال حائضا أو نفساء وجب عليها أن تنتظر، فإن هي طهرت من الحدث في سعة من الوقت وجب عليها أن تغتسل منه و تتم عمرتها، و تأتي بعدها بحج التمتع كما هو حكمها، و كذلك إذا طهرت في ضيق من الوقت، و أمكن لها أن تتم عمرة التمتع و تدرك الركن من الوقوف الاختياري في عرفات، فتجب عليها المبادرة و العمل كذلك، و إذا استمر بها الدم و الحدث حتى ضاق الوقت و لم تتمكن من الطواف و إتمام العمرة عدلت بنيّتها الى حج الإفراد، و وجب عليها أن تخرج الى عرفات قبل أن يخرج الوقت، و ان تتم أعمال حج الافراد.

و إذا كانت عمرة التمتع واجبة عليها بنذر و نحوه وجب عليها بعد حج الافراد أن تعتمر عمرة مفردة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و السادسة و الستين و تعرضنا بعدها لفروض أخرى

تتعلق بالمرأة المتمتعة إذا حاضت في أثناء عمرتها أو في أثناء طوافها أو بعد ذلك فلتراجع لتعلقها بالموضوع، و لا موجب لإعادة جميع ما تقدم بيانه.

[الثالث: الطهارة من أي نجاسة]
المسألة 779:

الأمر الثالث من شرائط صحة الطواف: أن يكون الطائف طاهر البدن و الثياب من أي نجاسة، حتى النجاسات المعفو عنها في الصلاة، كالدم الذي تكون سعته أقل من الدرهم البغليّ و كثوب المرأة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 354

المربية للطفل الصغير إذا تنجس ببول الطفل، و كنجاسة الشي ء المحمول على ما سبق بيانه في كتاب الطهارة في مبحث لباس المصلّي، فلا يصح الطواف فيها على على الأحوط، و حتى النجاسة في ما لا تتم الصلاة فيه، فلا يترك الاحتياط باجتناب الطواف فيها.

المسألة 780:

يجوز للمكلف الطواف في دم الجروح و القروح منه إذا تنجس بها بدنه أو ثيابه و لزم العسر و الحرج من التجنب عنها.

المسألة 781:

إذا طاف المكلف و هو لا يعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه حتى أتمّ الطواف، ثم علم بعد الفراغ منه بنجاستهما أو بنجاسة أحدهما صح طوافه، و وجب عليه تطهير النجاسة لصلاة الطواف، و إذا لم يعلم بالنجاسة حتى أتمّ الطواف و الصلاة كليهما، صح طوافه و صلاته و لم تجب عليه الإعادة.

المسألة 782:

إذا طاف الطائف و هو لا يعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه ثم علم بها في أثناء طوافه فإن أمكن له أن يتم طوافه بثوب طاهر من غير فصل ينافي الموالاة في الطواف، كما إذا كان يلبس في إحرامه ردائين أو إزارين و علم بنجاسة أحدهما المعيّن فيقف من طوافه و ينزع الثوب النجس ثم يتم طوافه بالثوب الطاهر من غير فصل، و كما إذا أمكن أن يطهر النجاسة بماء كثير قريب منه و يعود في طوافه من غير فصل، فيجب عليه أن يفعل كذلك، ثم يواصل طوافه حتى يتمه و لا شي ء عليه و لا اعادة.

و إذا لم يمكن له ذلك طهّر النجاسة و أتمّ طوافه على الأحوط ثم استأنفه من أوله، و هذا إذا علم بالنجاسة قبل أن يبلغ في طوافه أربعة أشواط، و إذا بلغ فيه أربعة أشواط أو أكثر ثم علم بالنجاسة قطع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 355

طوافه في الموضع الذي علم فيه بالنجاسة، ثم خرج فطهّر النجاسة أو بدّل الثوب و عاد فأتمّ طوافه من ذلك الموضع و صح بذلك طوافه، و كذلك الحكم إذا طاف و هو طاهر البدن و الثياب ثم طرأت له النجاسة في أثناء طوافه فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه، و إذا نسي النجاسة في ثوبه أو بدنه فطاف بها ثم تذكر، فالأحوط له

استئناف الطواف، حتى إذا تذكر النجاسة بعد أربعة أشواط، و حتى إذا تذكرها بعد إتمام الطواف و بعد صلاة الطواف.

[الأمر الرابع: الختان]
المسألة 783:

الأمر الرابع من شرائط الصحة في الطواف: الختان للرجال و الصبيان، فلا يصح طواف غير المختون، سواء كان بالغا أم صبيا، و عامدا كان أم جاهلا، و تبطل بذلك عمرته و يبطل حجه، و إذا طاف الأغلف أو طيف به كان كتارك الطواف، و جرت عليه أحكامه التي ذكرناها في أول هذا الفصل.

المسألة 784:

إذا ولد الشخص مختونا في أصل خلقته كفاه ذلك و صح طوافه، و لا يشترط الخفض في صحة طواف المرأة، و الخفض في النساء من السنن المندوبة، و هو فيهن نظير الختان في الرجال.

المسألة 785:

طواف النساء في الحج و في العمرة المفردة و في عمرة حج القران و الافراد أحد الواجبات في النسك و ان لم يكن ركنا من أركانه، و لذلك فيشترط في صحته ما يشترط في صحة الطواف الواجب، فلا بدّ و أن يكون الطائف مختونا، فإذا طاف الأغلف طواف النساء أو طيف بالأغلف و هو صغير لم يصح منه طوافه و لم تحل له النساء و لا يباح له التزويج، و ان كبر حتى يأتي بطواف النساء بنفسه و هو مختون، أو يطوف عنه غيره إذا عجز عن الطواف بنفسه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 356

[الأمر الخامس: ستر العورة]
المسألة 786:

الأمر الخامس من شرائط الصحة في الطواف: أن يكون الطائف مستور العورة في حال طوافه على الأحوط، فلا يصح طوافه إذا طاف و هو غير مستور العورة، و أن يكون الساتر الذي يطوف به مباحا غير مغصوب، بل تشترط الإباحة في ما يلبسه في حال طوافه و ان لم يكن ساترا له بنفسه، و مثال ذلك: أن يطوف بإزارين خفيفين لا يحصل الستر الا بهما معا، فلا يصح طوافه إذا كان أحدهما مغصوبا، و لا يترك الاحتياط بأن يكون لباس الطائف في حال طوافه مستجمعا لجميع ما يعتبر في لباس المصلّي من شرائط صحة الصلاة فيه و عدم الموانع منه.

و الأمور الخمسة التي قدّمنا ذكرها أشياء خارجة عن حقيقة الطواف تتوقف على وجودها صحته و من أجل ذلك سميت شروطا.

[واجبات الطواف]
[الأول: كون الطواف من الحجر الأسود و الاختتام به]
المسألة 787:

يجب في الطواف أن تجتمع فيه أمور سبعة، و هذه أمور داخلة في حقيقة الطواف و لا يتحقق وجود الطواف شرعا إذا فقدت أو فقد شي ء منها، و من أجل ذلك كانت واجبات في الطواف، و ليست شروطا كالأولى.

الواجب الأول: أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود و أن يكون الاختتام به، و يحصل ذلك بأن يقف الطائف في الشوط الأول قبل الحجر الأسود بمقدار يسير للمقدمة العلمية، فإذا نوى و تحرّك في طوافه نوى الابتداء من الموضع الواجب، و ان الزائد مقدمة يجوز بها تحقق الواجب و ليس من الطواف، ثم يتابع أشواطه حتى يتمّها، و يزيد في الشوط الأخير مقدارا يسيرا كذلك، و ينوي الطواف الى الحدّ الواقعي، و ان الزائد مقدمة يحوز بها الواجب و ليس من الطواف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 357

[الثاني: جعل البيت على اليسار]
المسألة 788:

الثاني من واجبات الطواف: أن يجعل الطائف البيت المعظم على يساره في جميع حالات طوافه، و الواجب منه أن يطوف و الكعبة على يساره في نظر أهل العرف لا بالنظرة العقلية الدقيقة، فلا يضر بطوافه أن يكون منحرفا انحرافا يسيرا لا ينافي الصدق العرفي المذكور، و إذا استقبل الطائف الكعبة في بعض الحالات ليقبل البيت أو ليستلم الركن أو ليقبله، لم يجز له أن يتحرك و هو في تلك الحالة حركة يحتسبها من الطواف، بل يقف في طوافه، فإذا قبّل أو استلم و رجع الى حاله و جعل البيت على يساره، تحرك في طوافه من موضعه الأول، و استمر في الطواف و البيت الى يساره، و كذلك إذا ألجأه الزحام أو اصطدم بأحد أو عثر فاستقبل البيت أو استدبره أو أصبح البيت على يمينه، فيجب عليه أن يعتدل و

يعود الى موقفه الأول من الطواف، و لا يعتدّ بالخطوات التي خطاها في تلك الحالة، فإذا اعتدل و رجع الى موضعه من الطواف استمر في طوافه و الكعبة إلى يساره.

و أكثر ما يحتاج الطائف إليه هو التحفظ عند أركان البيت، و عند فتحتي حجر إسماعيل الأولى و الثانية، فإن فتحتي الحجر تقعان في امتداد البيت، فإذا استمر الشخص في حركته و لم يلتفت فربما أصبحت الكعبة خلف ظهره أو إمام وجهه أو مائلة إليهما و هو غير قاصد، و لذلك فهو يحتاج الى الالتفات في هذه المواضع للتحفظ على صحة طوافه، و يكفيه الصدق العرفي كما ذكرناه، و لا يجب عليه أكثر من ذلك.

[الثالث: كونه بين الركن الشامي و الركن الغربي،]
المسألة 789:

الأمر الثالث من واجبات الطواف: أن يطوف المكلف حول البيت و حول حجر إسماعيل إذا وصل اليه ما بين الركن الشامي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 358

و الركن الغربي، فيجعل الحجر على يساره في كل شوط من أشواطه، و لا يجوز له أن يدخل الحجر فيطوف ما بينه و بين البيت، و إذا فعل كذلك في جميع أشواطه بطل طوافه و وجبت عليه اعادة جميع الطواف، و إذا فعل ذلك في بعض أشواطه بطل ذلك الشوط و وجبت إعادته خاصة، و لم تبطل بقية طوافه، و الأحوط له استحبابا أن يعيد ذلك الشوط و يتم بقية طوافه ثم يعيد طوافه كله من أوله.

[الربع: كون الطواف حول البيت،]
المسألة 790:

الرابع من واجبات الطواف: أن يطوف الشخص حول البيت و الحجر- كما قلنا- فلا يدخل في أثناء طوافه في البيت، و لا يمشي على الشاذروان، و لا على حائط الحجر، و إذا فعل كذلك بطل ذلك المقدار من طوافه، فتجب عليه اعادته على الوجه الصحيح، و لم تبطل بقية طوافه، و الشاذروان بقية من أساس جدار الكعبة لم تدخل فيه عند عمارته، فهو جزء من الكعبة يجب أن يكون الطواف حوله، و أن يخرج جميع بدن الطائف عنه في أثناء طوافه، فإذا أدخل يده أو بعض أعضاء بدنه فوق الشاذروان ليمس جدار البيت أو ليقبّله، أو ألجأه الزحام الى ذلك لم يحتسب ذلك الجزء من طوافه، و لا يقترب من جدار الكعبة عند الباب بمقدار عرض الشاذروان، و لا يدخل يده أو بعض أعضائه فوق حائط الحجر، و إذا فعل ذلك لم يحتسب مقداره من الطواف كما تقدم في الشاذروان، و الأحوط استحبابا أن لا يمس حائط الحجر من خارجه، و ان

لا يصل أصابع قدمه بأساس الحجر و الشاذروان.

[الخامس: كون الطواف ما بين البيت و مقام إبراهيم (ع)،]
المسألة 791:

الخامس من واجبات الطواف: أن يكون الطواف ما بين البيت و مقام إبراهيم (ع)، و هو الصخرة التي عليها أثر قدميه لما بنى عليها البيت، و المسافة ما بين شاذروان البيت و المقام هي ستة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 359

و عشرون ذراعا و نصف ذراع، على ما ضبطه الأكابر من المحققين، و على ما ذكره الأزرقي في كتابه أخبار مكة، فيجب أن لا يخرج الطائف في طوافه عن هذا المقدار في أي جانب من جوانب البيت مع الاختيار، حتى من جانب حجر إسماعيل، و لذلك فيكون الباقي من المسافة في هذه الجهة ستة أذرع و نصف ذراع فحسب بعد الحجر، فيتعين الطواف في هذه البقية مع الاختيار، و لا يجوز الخروج عنها إلا إذا اقتضته التقية، أو الضرورة و عدم القدرة فيجوز لذلك، و كذلك في بقية الجوانب.

المسألة 792:

إذا خرج الطائف عن الحد المذكور للطواف مع الاختيار و التمكن وجب عليه أن يعيد المقدار الذي خرج فيه عن الحدّ من طوافه، و إذا ألزمته التقية بذلك أو التجأ إليه لعدم القدرة كفاه ذلك و لم تجب عليه الإعادة.

[السادس: تمام سبعة أشواط]
المسألة 793:

السادس من واجبات الطواف: أن يتم طواف الطائف سبعة أشواط تامة، دون زيادة فيها و لا نقيصة، فلا يجزيه الطواف إذا كان أقلّ منها، و يبطل طوافه إذا زاد عليها و كان ذلك عن عمد، و سنتعرض- ان شاء اللّٰه- في ما يأتي للزيادة في عدد الأشواط و النقيصة منها في جميع فروضهما و أحكامهما.

[السابع: الموالاة]
المسألة 794:

السابع من واجبات الطواف: الموالاة عرفا في طواف الفريضة على الأحوط بل على الأقوى، إلا إذا دلّ الدليل الشرعي على صحة الطواف مع عدم الموالاة، و لا تجب الموالاة في طواف النافلة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 360

[مسائل]
المسألة 795:

إذا زاد المكلّف في عدد أشواط طوافه متعمدا و قصد منذ أول طوافه أن يطوف ثمانية أشواط مثلا أو تسعة، فلا ريب في بطلان طوافه و كونه آثما للتشريع، و تجب عليه إعادة الطواف تاما، و كذلك إذا نوى الطواف في ابتدائه سبعة أشواط، ثم بدا له في أثناء الطواف فنوى أن يجعل طوافه ثمانية أشواط أو أكثر فيبطل طوافه و تجب عليه إعادته، بل و كذلك إذا طاف سبعة أشواط و زاد في طوافه بعد إكماله شوطا ثامنا أو أكثر و قصد به الجزئية لطوافه فيبطل و تلزمه الإعادة.

المسألة 796:

إذا أنقص الطائف من عدد الأشواط متعمدا و نوى ذلك في أول طوافه، فنوى أن يطوف بالبيت ستة أشواط أو خمسة فحسب مثلا بطل طوافه، و أثم للتشريع و وجبت عليه اعادته و ان لم تفت الموالاة، للخل في نية الطواف، و كذلك إذا نوى في أول الأمر الطواف سبعة أشواط ثم بدا له في أثناء طوافه فعدل إلى نية ستة أشواط أو أقل فيبطل طوافه للخلل في النية، و ان لم تفت الموالاة، و تجب عليه الإعادة.

المسألة 797:

إذا أنقص الطائف من عدد الأشواط متعمدا و لم يوجب ذلك خللا في نية الطواف، كما إذا نوى الطواف الشرعي الكامل و شرع في طوافه كذلك، ثم أنقص منه شوطا أو أكثر لأنه يعتقد أن الطواف الشرعي التام هو ذلك، فإن لم تفت الموالاة العرفية وجب عليه ان يتمّ ما نقص من طوافه، و الظاهر صحة الطواف في هذه الصورة فلا اعادة عليه، و إذا فاتت الموالاة العرفية و كان قد تجاوز النصف من طوافه، فالأحوط له أن يتم ما نقص من طوافه، ثم يعيده بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 361

ذلك، و إذا فاتت الموالاة و لم يتجاوز النصف من أشواط طوافه وجبت عليه الإعادة.

المسألة 798:

إذا زاد الطائف في طوافه ساهيا، و كان ما زاده أقل من شوط قطعه و لم يضر ذلك بصحة طوافه، و إذا كان ما زاده شوطا تاما أو أكثر من شوط، فالأحوط له أن يتمه سبعة أشواط، و يكون أحد الطوافين هو الفريضة و الآخر نافلة كما تضمنته أدلة المسألة، و في كون أي الطوافين المذكورين هو الفريضة و أيهما هو النافلة خفاء، و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يأتي الطواف الثاني بقصد امتثال أمره الواقعي من غير تعيين، و يصلّي صلاة الطواف الفريضة قبل السعي و صلاة الطواف النافلة بعده.

المسألة 799:

إذا أنقص الطائف بعض الأشواط من طوافه ساهيا و تذكر النقص قبل أن تفوت الموالاة العرفية من طوافه، وجب عليه أن يكمل ما نقصه من الأشواط، و يجزيه ذلك في صحة طوافه سواء كان ما نقصه شوطا تاما أم بعض شوط أم أكثر من شوط واحد، و سواء كان قد تجاوز النصف من طوافه أم لم يتجاوزه، و سواء كان لا يزال في المطاف أم خرج منه.

و إذا تذكر النقص بعد أن فاتت الموالاة عرفا، فإن كان قد تجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يرجع الى الموضع الذي قطع فيه طوافه و يتمه سبعة أشواط، ثم يعيده بعد الإتمام على الأحوط، و إذا تذكر النقص بعد أن فاتت الموالاة العرفية و لم يتجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يستأنف الطواف من أوله.

المسألة 800:

لا يجوز للطائف أن يقرن بين طوافين واجبين، و لا بين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 362

طواف فريضة و طواف نافلة، و المراد بالقران أن يصل الطواف الثاني بالأول بعد تمامه قبل أن يصلي ركعتي الطواف الأول.

و لا فرق في التحريم بين أن يكون الطوافان واجبين عليه بالأصالة أو بالنذر أو بالنيابة أو بالتفريق، فإذا نسي المكلف الطواف في عمرة مفردة مثلا و تذكره بعد مدة فرجع الى مكة بعمرة ثانية ليدخل بها مكة و يقضي طوافه المنسي، فلا يجوز له القران بين طواف الأداء و طواف القضاء أو بين الطواف المنسي و طواف النساء.

و إذا قرن بين طوافين واجبين، أو بين طواف واجب و طواف نافلة، فلا يبعد الحكم ببطلان الطواف الثاني و في صحة الأول إشكال، فلا يترك الاحتياط بإعادته أيضا، و يجوز له أن يقرن بين طوافين مندوبين

على كراهة، و إذا طاف طوافا مندوبا كره له أن ينصرف من طوافه على غير وتر من الأشواط.

المسألة 801:

إذا طاف المكلف بالبيت طوافا واجبا حتى أتمه ثم زاد من بعده شوطا أو أكثر و نوى به طوافا واجبا آخر يقرنه بالأول كان ذلك من القران المحرّم فيبطل طوافه كما تقدم، و كذلك إذا أتى بالزيادة بقصد طواف آخر مستحب يقرنه بالفريضة، فيبطل طوافه.

و يجوز للشخص أن يمشي حول البيت الحرام ما شاء لا بقصد الطواف قبل الطواف الواجب أو بعده و لا يضر ذلك بطوافه.

المسألة 802:

إذا نسي المكلف بعض أشواط الطواف الواجب، و لم يتذكر حتى رجع الى بلده جرى عليه الحكم الذي بيناه في المسألة السبعمائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 363

و التاسعة و التسعين، فإذا كان ما نسيه من الأشواط بمقدار نصف الطواف أو أكثر وجب عليه أن يعيد الطواف كلّه، و إذا كان ما نسيه أقلّ من نصف الطواف قضى ما نسيه من أشواط الطواف ثم أعاده كله على الأحوط، فإن أمكن له الرجوع الى مكة وجب عليه أن يعود و يفعل كذلك، و ان لم يقدر على العود أو كان موجبا للعسر استناب في ذلك، و تلاحظ المسألة السبعمائة و الخامسة و الستون.

المسألة 803:

يجوز للطائف أن يقطع طواف الفريضة إذا عرضت له ضرورة لا يستطيع معها الاستمرار في طوافه، فإذا قطع طوافه لتلك الضرورة، و كان ذلك قبل أن يتجاوز النصف من أشواط طوافه وجب عليه أن يعيد طوافه من أوله، و إذا قطع طوافه بعد أن تجاوز النصف وجب عليه أن يتم طوافه سبعة أشواط من الموضع الذي قطعه فيه، ثم يستأنف الطواف من أوله على الأحوط، و ان لم يقدر على أن يطوف بنفسه استناب أحدا يطوف عنه ما وجب عليه، و مثله ما إذا عرض له مرض يمنعه من إتمام طوافه فيجوز له قطع الطواف أيضا.

المسألة 804:

يجوز له أن يقطع طواف الفريضة إذا عرضت له في أثناء طوافه حاجة توجب له العسر و الحرج إذا لم يبادر إلى قضائها، فيقطع الطواف و يجري فيه التفصيل الذي بيّناه في المسألة المتقدمة، و يشكل الحكم بجواز القطع إذا كانت الحاجة التي عرضت له لا توجب العسر و المشقة.

المسألة 805:

يجوز له أن يقطع طواف الفريضة لقضاء حاجة أخيه المؤمن، و قد ورد الحث المؤكد على ذلك في أحاديث المعصومين (ع)، و إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 364

قطع طوافه لذلك جرى فيه التفصيل المتقدم، و يجوز له قطع الطواف إذا أراد عيادة مريض من اخوانه على نهج ما سبق أيضا.

و يجوز له أن يقطع طواف الفريضة إذا حضر وقت الصلاة المكتوبة، فيؤدي الصّلاة ثم يستأنف الطواف من أوله إذا قطعه قبل أن يتجاوز نصفه، و إذا كان قد تجاوز النصف منه وجب عليه أن يتم طوافه من حيث قطعه، و يشكل الحكم بجواز قطع الطواف الواجب لغير ما ذكرناه حتى لدخول البيت، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 806:

يجوز للمكلف إذا أعيى في الطواف الواجب أن يجلس في أثناء طوافه ليستريح، ثم يقوم و يستمر في طوافه حتى يتمه بشرط أن لا تطول مدة استراحته فيخرج بها عن الموالاة العرفية في الطواف، فإذا فاتت الموالاة و كانت جلسته قبل أن يتجاوز النصف من طوافه وجبت عليه الإعادة، و إذا كانت بعد أن تجاوزه أتمّ الطواف من موضع قطعه ثم أعاده على الأحوط.

المسألة 807:

إذا أحدث الطائف في أثناء طوافه الواجب قبل أن يتجاوز النصف من الأشواط وجب عليه أن يتطهر و يعيد طوافه من أوله، و إذا كان حدثه بعد ما تجاوز النصف وجب عليه أن يتطهر و يتم طوافه سبعة أشواط من الموضع الذي وقع فيه حدثه و انقطع فيه طوافه، و كذلك المرأة إذا حاضت في أثناء طوافها و قد ذكرنا جميع هذا مفصلا في ما تقدم.

و إذا عرض للمكلف عارض من مرض أو صداع أو غير ذلك فمنعه عن إتمام الطواف الواجب جاز له قطع الطواف كما ذكرنا آنفا، فإذا قطع طوافه قبل أن يتجاوز النصف منه ثم زال العارض

كلمة التقوى، ج 3، ص: 365

وجب عليه أن يعيد الطواف من أوله، و إذا قطعه بعد ما تجاوز النصف، وجب عليه أن يتمّ الطواف سبعة أشواط من موضع قطعه.

المسألة 808:

إذا شك المكلّف في عدد أشواطه، و كان شكه بعد فراغه من الطّواف بنى على الصحة و لم يلتفت الى شكه، و مثال ذلك: أن يشكّ بعد ما فرغ من طوافه: هل طاف سبعة أشواط أو أكثر؟، أو يشكّ هل طاف سبعة أشواط أو أقلّ؟، أو يشك هل طاف سبعة أشواط أو أقلّ من ذلك أو أكثر؟، فيبني على صحة طوافه و لا يعتني بالشك في الزيادة أو النقصان.

و كذلك الحكم إذا شك في صحة طوافه و عدمها لا في عدد أشواطه، فيبتني على الصحة و لا يلتفت الى شكه إذا كان شكه بعد الفراغ من طوافه، و نظير ذلك ما إذا شك المكلف في عدد الأشواط أو في صحّتها و هو في أثناء صلاة الطواف أو في أثناء السعي، و يلحق ذلك في الحكم بالصحة

ما إذا أتمّ الشوط و وصل الى الركن و شك عند ذلك ان الشوط الذي أتمّه هل هو الشوط السابع أو الثامن، فيبني على الصحة لحديث الحلبي، و إذا شك في ذلك قبل أن يصل الى الركن حكم بالبطلان.

المسألة 809:

إذا شك المكلف في عدد الأشواط و هو في أثناء الطواف بطل طوافه، و وجب عليه أن يستأنفه، و مثال ذلك: أن يشك بين الستة و السبعة أو يشك بين السبعة و الثمانية أو بين ما هو أقل من ذلك أو أكثر، سواء حدث شكه عند الركن أم قبله، و كذلك إذا شك في صحة طوافه و عدم صحته فيبطل طوافه، و يجب عليه الاستئناف في جميع الفروض، و الأحوط له استحبابا أن يبني على الأقل و يتم طوافه ثم يعيد الطواف من أوله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 366

المسألة 810:

لا عبرة بالشك إذا لم يستقر، فإذا شك الطائف بين الستة و السبعة مثلا و استمر في طوافه ثم زال شكه و حصل له اليقين بأحدهما، بنى على العدد الذي تيقن به و أتمّ طوافه و أجزأه ذلك.

المسألة 811:

إذا شك في طواف النافلة بين الأقل و الأكثر بنى على الأقل و أتمّ طوافه على ذلك، سواء كان شكه في الزيادة أم في النقيصة.

المسألة 812:

يجوز للإنسان أن يعتمد على إحصاء غيره في عدد الأشواط، و يكفيه ذلك إذا كان ذلك الغير متيقنا للعدد.

المسألة 813:

إذا نسي المكلف الطواف وجب عليه أن يأتي به كما ذكرناه في أول هذا الفصل، و لا يحل له ما يتوقف حلّه على ذلك الطواف حتى يأتي به هو أو نائبه، و لا يحلّ بمجرد الاستنابة حتى يعلم بأن النائب قد طاف بالنيابة عنه فعلا.

المسألة 814:

يستحب للطائف استلام الحجر الأسود و تقبيله و إلصاق البطن به و مسحه باليد في كلّ شوط مع الإمكان، فإذا كثر الازدحام عليه أجزأت الإشارة اليه و الإيماء من بعد، و لا سيما للشيخ الكبير و الضعيف و المريض و من يخشى أن يؤذي ضعيفا أو يزاحم امرأة، و لا يتأكد استلام الحجر للنساء بل قد يكون مرجوحا.

المسألة 815:

يجوز له الإسراع في طوافه، و يجوز له الإبطاء فيه ما لم يؤذ أحدا في حركته و يستحب له الاقتصاد و التوسط بين الإسراع و الإبطاء، و ان يقول في طوافه: (اللّهمّ إني أسألك باسمك الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 367

يمشى به على طل الماء، كما يمشى به على جدد الأرض، و أسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، و أسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبة منك، و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد (ص) ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا و كذا) و يذكر ما أحب من الدعاء و الحوائج.

و أن يقول في حال طوافه: (اللّهم إني إليك فقير و اني خائف مستجير فلا تغير جسمي و لا تبدل اسمي) و روي عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: كان علي بن الحسين (ع) إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: (اللّهم أدخلني الجنة برحمتك) و هو ينظر الى الميزاب (و أجرني برحمتك من النار و عافني من السقم، و أوسع علي من الرزق الحلال، و ادرأ عني شرّ فسقة الجنّ و الإنس و شر فسقة العرب

و العجم).

و عن عمر بن أذينة قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر: (يا ذا المنّ و الطول و الجود و الكرم، ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني انك أنت السميع العليم).

و عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: كنت معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني قام (ع) فرفع يده الى السماء ثم قال: (يا اللّٰه يا ولي العافية، و خالق العافية، و رازق العافية، و المنعم بالعافية، و المنان بالعافية، و المتفضل بالعافية عليّ و على جميع خلقك، يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما، صلّ على محمد و آل محمد، و ارزقنا العافية، و دوام العافية، و تمام العافية، و شكر العافية في الدنيا و الآخرة، يا أرحم الراحمين).

و عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): و كلما انتهيت الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 368

باب الكعبة فصلّ على النبي (ص) و تقول في ما بين الركن اليماني و الحجر الأسود (رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ).

المسألة 816:

في الحديث عن أبي مريم قال: كنت مع أبي جعفر (ع) أطوف، فكان لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه ثم يقول: (اللّهم تب علي حتى أتوب، و اعصمني حتى لا أعود)، و مما يستحب استلام الأركان كلّها، و يتأكد الاستحباب في الركن الذي فيه الحجر الأسود و الركن اليماني إلا إذا كثر الازدحام و خيف الأذى للضعفاء و المرضى كما تقدم.

المسألة 817:

و مما ورد عنهم (ع) أن يقول: (سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة اللّهم البيت بيتك و الحرم حرمك و العبد عبدك، و هذا مقام العائذ بك المستجير بك من النار، فاعتقني و والدي و أهلي و ولدي و إخواني المؤمنين من النار يا جواد يا كريم)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت و ألصق بدنك و خدّك بالبيت و قل: (اللّهم البيت بيتك و العبد عبدك و هذا مكان العائذ بك من النار) ثم أقرّ لربك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه بذنوبه في هذا المكان الا غفر اللّٰه له ان شاء اللّٰه، و تقول: (اللّهم من قبلك الروح و الفرج و العافية، اللّهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و اغفر لي ما اطّلعت عليه مني و خفي على خلقك) ثم تستجير باللّه من النار، و تخيّر لنفسك من الدعاء، ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود، و يستحب أن تقول عنده: (اللّهم قنّعني بما رزقتني و بارك لي في ما آتيتني).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 369

و يستحب أن يدعو عند الملتزم بما ورد

عن الامام زين العابدين (ع) فيقول: (اللّهم ان عندي أفواجا من ذنوب و أفواجا من خطايا و عندك أفواج من رحمة و أفواج من مغفرة، يا من استجاب لأبغض خلقه إذ قال: أنظرني إلى يوم يبعثون. استجب لي)، ثم يطلب حاجته.

المسألة 818:

في الحديث عن العبد الصالح (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه، و يغضّ بصره و يستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا، و لا يقطع ذكر اللّٰه عن لسانه، الا كتب اللّٰه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، و محي عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و أعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، و شفّع في سبعين من أهل بيته، و قضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجلة و ان شاء فآجلة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 370

الفصل السابع عشر في صلاة الطواف و أحكامها و آدابها

المسألة 819:

يجب على المكلف إذا أتمّ الطواف الواجب في حجه أو عمرته أن يصلي صلاة الطواف و هما ركعتان يأتي بهما بعد الطواف كصلاة الصبح بغير أذان و لا إقامة، و يتخير في قراءته فيهما بين الجهر و الإخفات، و يجوز له أن يجهر في بعض قراءته و يخفت في البعض.

و صلاة الطواف هي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع، و تجب على المكلف المبادرة إليها بعد الطواف، فلا يجوز له تأخيرها لغير عذر حتى تفوت الموالاة العرفية بينها و بين الطواف، و يستثنى من ذلك ما إذا اتفقت معها فريضة حاضرة في وقتها، فيجب تقديم الفريضة الحاضرة عليها.

المسألة 820:

يجب على المكلف أن يأتي بصلاة الطواف الواجبة خلف المقام، و المقام هو الصخرة التي يوجد عليها أثر قدم إبراهيم (ع)، فيجب على الطائف أن يصلي الركعتين خلف المقام قريبا منه بحيث يصدق عليه أنه صلاهما عنده، و تكفيه الصلاة كذلك سواء صلّى موازيا للصخرة بموقفه أم صلى خلفها من أحد جانبيها، و إذا لم يتيسر له أن يصلي الركعتين قريبا من المقام لكثرة الازدحام أو لانشغال الموضع بالطائفين كفاه أن يصليهما خلف المقام عرفا من المسجد الحرام بحيث يكون المقام موازيا لموقفه و في قبلته و إن كان بعيدا عنه، فإن لم يتمكن من ذلك صلاهما حيث شاء من المسجد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 371

الحرام و يراعي الأقرب فالأقرب إلى الموضع الذي يكون فيه خلف المقام.

المسألة 821:

إذا لم يتمكن المكلف من الصلاة خلف المقام و في حياله فصلى الركعتين في موضع آخر من المسجد كما هو الحكم في الصورة الأخيرة، ثم تمكن من الصلاة خلف المقام بعد ذلك، فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة خلف المقام ثم يعيد السعي بعدها.

المسألة 822:

لا يعتبر في صلاة الطواف إذا كان مندوبا أن تكون خلف المقام أو قريبا منه، فيصح للطائف أن يصليها في أي موضع أراد من المسجد الحرام، و لا يترك الاحتياط في أن يأتي بالصلاة له.

المسألة 823:

إذا ترك المكلّف صلاة الطواف الواجب متعمدا و أتى بالسعي و التقصير في العمرة و أتى ببقية الأعمال في الحج، ففي صحة سعيه و مناسكه التي أتى بها بعد تركه صلاة الطواف الواجبة إشكال، و لذلك فيشكل الحكم بصحة عمرته و صحة حجه و لا يترك الاحتياط بلزوم إعادة الحج عليه في العام المقبل.

المسألة 824:

إذا نسي الطائف صلاة الطواف الواجبة، و سعى بين الصفا و المروة ثم تذكر الصلاة بعد أن أتمّ سعيه وجب عليه أن يأتي بالصلاة في موضعها، و لم تجب عليه إعادة السعي، و إذا نسي الصلاة و ذكرها و هو في أثناء السعي، قطع سعيه في موضع تذكره إياها و رجع إلى المسجد الحرام و صلى الركعتين في موضعهما ثم رجع إلى ما بين الصفا و المروة فأتمّ سعيه من الموضع الذي قطعه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 372

المسألة 825:

إذا نسي المكلف صلاة الطواف الواجبة و تذكرها بعد السعي و التقصير في العمرة أو بعد الإحرام بحج التمتع، وجب عليه أن يأتي بالصلاة متى تذكرها، فإذا كان لا يزال في مكة وجب عليه أن يصليها في موضعها خلف المقام، و كذلك إذا تذكرها بعد خروجه من مكة بالقرب منها، كما إذا تذكرها في الأبطح أو بعده قبل وصوله إلى منى، فيجب عليه الرجوع إلى المسجد الحرام و تأدية الصلاة.

و إذا تذكرها و هو في منى أو بعدها أو في عرفات أو في بقية المشاعر، فإن استطاع العود إلى مكة و تأدية الصلاة في موضعها ثم الرجوع بعدها إلى تأدية مناسكه و أعماله، فالأحوط له ذلك، و إن هو لم يقدر على ذلك لضيق الوقت، أو لتعذر الوسائل، أو لبعض الأعذار الأخرى المانعة من الرجوع، أو كان الرجوع إلى مكة يوجب له العسر و المشقة صلّى صلاة الطواف في موضعه.

و إذا تذكر الصلاة بعد أن أتم أعمال الحج و سافر إلى بلاده، فإن استطاع الرجوع إلى مكة لقضاء الصلاة و لا عسر عليه في ذلك و لا مشقة، وجب عليه العود و تأدية الصلاة خلف المقام، و

إن لم يستطع ذلك أو كان موجبا للعسر و الحرج جاز له أن يستنيب أحدا يصلّيها عنه خلف المقام، و يكفيه أن يصلي الركعتين في موضعه، و إذا مات قبل أن يصليها أو يصليها أحد بالنيابة عنه قضاها عنه وليّه بعد موته.

المسألة 826:

إذا ترك الإنسان صلاة الطواف الواجب جاهلا بوجوبها جرى فيه حكم الناسي للصلاة، الذي بيّناه في المسألتين الماضيتين، و لا فرق بين أن يكون مقصرا في جهله أو قاصرا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 373

المسألة 827:

إذا ترك المكلف بعض الخصوصيات التي تعتبر في صحة الصلاة، فأتى بصلاة الطواف الواجب في غير موضعها مثلا جاهلا بالحكم، أو أتى بالركعتين على وجه تبطل به الصلاة، فيشكل إلحاقه بالناسي في أمثال هذه الفروض، و لا تترك فيها مراعاة الاحتياط.

المسألة 828:

يجب التعلم على المكلف الجاهل إذا كان ملتفتا يمكنه التعلم، و يجزيه ان يتقن القراءة و الأذكار الصحيحة من المرشد الثقة فيتابعه في صلاته كلمة كلمة، فإن لم يقدر على ذلك فالأحوط له أن يأتي بما يمكنه من الصلاة ثم يقتدي بعدها بمن يصلي صلاة الطواف الواجب، فإن لم يجد اقتدى في صلاته بمن يصلي الصلاة اليومية، و تكون قدوته في هذه الصورة برجاء المطلوبية، ثم يستنيب من يصلي عنه، فيجمع بين الأمور الثلاثة.

المسألة 829:

إذا طافت المرأة المتمتعة حتى تجاوزت النصف من طواف عمرتها ثم حاضت قبل أن تتم الطواف وجب عليها أن تحفظ عدد الأشواط التي أتت بها، و تعين الموضع الذي انقطع فيه طوافها بطروء الحيض، فإذا ضاق عليها وقت حج التمتع و لم تطهر من حيضها وجب عليها أن تسعى بين الصفا و المروة، و أن تقصّر و تحلّ من عمرتها، و تحرم بعدها بحج التمتع و تأتي بأعمال الحج، فإذا طهرت بعد مناسك منى و اغتسلت من الحيض قضت ما بقي عليها من طواف العمرة فأتمته سبعة أشواط من موضع القطع، و صلّت صلاة الطواف، ثم طافت بعد ذلك طواف الحج و أتمت أعماله، و كذلك الحكم إذا طافت طواف العمرة و حاضت قبل أن تأتي بصلاة الطواف، و تراجع المسألة الأربعمائة و التاسعة و الستون و ما بعدها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 374

فقد فصّلنا فيهما حكم الفرضين المذكورين، و تلاحظ المسألة السبعمائة و الخامسة و السبعون في ما يتعلق بأحكام المستحاضة، فإذا أتمت أعمالها المذكورة في المسألة فهي بحكم الطاهرة.

المسألة 830:

يستحب للمكلف أن يقرأ سورة التوحيد و هي: قل هو اللّٰه أحد في الركعة الأولى من صلاة الطواف و أن يقرأ في الركعة الثانية منها سورة الجحد و هي: قل يا أيّها الكافرون، فإذا فرغ من صلاته تشهد الشهادتين، و حمد اللّٰه و أثنى عليه، و صلى على النبي (ص) و آله (ع)، و سأل اللّٰه أن يقبل منه، و قد ورد أن يقول: (الحمد للّه بجميع محامده كلّها على نعمائه كلّها حتى ينتهي الحمد إلى ما يحب ربي و يرضى، اللّهم صل على محمد و آل محمّد و تقبل مني و طهر

قلبي و زكّ عملي).

المسألة 831:

يستحب أن يقول بعد الصلاة: (اللّهم ارحمني بطواعيّتي إياك و طواعيتي رسولك (ص)، اللّهم جنبني أن أتعدّى حدودك، و اجعلني ممن يحبك و يحب رسولك و ملائكتك و عبادك الصالحين).

المسألة 832:

في الحديث عن بكر بن محمّد أنه سمع أبا عبد اللّٰه (ع) يقول بعد صلاة الطواف و هو ساجد: (سجد وجهي لك تعبدا و رقا، لا إله إلا أنت حقا حقا، الأول قبل كل شي ء، و الآخر بعد كل شي ء، و ها أنا ذا بين يديك، ناصيتي بيدك، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي، و لا يدفع الذنب العظيم غيرك) ثم رفع رأسه و وجهه من البكاء كأنما غمس في الماء.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 375

الفصل الثامن عشر في السعي و واجباته و أحكامه و آدابه

المسألة 833:

يجب على المتمتع أن يسعى بين الصفا و المروة و هذا هو الواجب الرّابع من واجبات عمرة التمتع، و هو ركن من أركانها، فإذا تركه المتمتع و هو عالم بوجوبه، و متعمد في تركه بطلت عمرته و ببطلانها يبطل حجه.

و السعي كذلك واجب و ركن في كل نسك يحرم به الإنسان من حج أو عمرة، سواء كان الحج الذي أحرم به تمتعا أم قرانا أم إفرادا، و سواء كانت العمرة عمرة مفردة أم عمرة حج إفراد أم عمرة حج قران، فإذا ترك السعي عالما متعمدا بطل نسكه الذي أحرم به.

المسألة 834:

الواجب من السعي في الحج أو في العمرة هو أن يأتي به الناسك مرة واحدة في نسكه بعد طوافه بالبيت، فلا يجب عليه في النسك إلا مرة واحدة، بل و لا يشرع الإتيان به في النسك الواحد أكثر من مرة واحدة، و قد تقدم في المسألة المائتين و السادسة و الخمسين أن السعي لم يثبت له استحباب نفسي و لا مشروعية إذا لم يكن في ضمن نسك من حج أو عمرة، فلا يكون مستحبا و لا مشروعا إذا أتى الإنسان به مستقلا من غير إحرام.

المسألة 835:

إذا نسي الحاج أو المعتمر السعي بين الصفا و المروة فلم يأت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 376

به في موضعه الذي يجب عليه الإتيان به، ثم تذكره بعد ذلك، وجب عليه أن يأتي به بعد تذكره و ان كان قد أتمّ أعمال حجه أو عمرته فان كان لا يزال في مكة وجب عليه أن يقضيه بنفسه و ان خرج شهر ذي الحجة، و إذا تذكره بعد أن خرج من مكة وجب عليه أن يرجع الى مكة، و يأتي بالسعي بنفسه، و هذا إذا كان قادرا على الرجوع و الإتيان بالسعي، و لم يكن عليه في ذلك عسر و لا مشقة، و ان لم يستطع الرجوع أو كان موجبا للحرج وجب عليه أن يستنيب من يأتي بالسعي عنه، و لا يحلّ له ما حرم عليه بسبب إحرامه حتى يقضي السعي بنفسه أو يقضيه عنه نائبه، فإذا واقع أهله في هذه الفترة قبل السعي أو قلّم أظفاره وجبت عليه الكفارة و قد تقدم بيانها في الكفارات.

المسألة 836:

إذا سعى المكلف بعض الأشواط في عمرة التمتع و اعتقد مخطئا بأنه قد أتمّ السعي فأتى أهله أو قلّم أظفاره ثم تذكر أنه لم يتم سعيه وجب عليه أن يتمّ السعي، و ان يكفّر عما فعله بدم بقرة على الأحوط بل هو الأظهر.

المسألة 837:

السعي بين الصفا و المروة احدى العبادات الثابتة في الإسلام، و لذلك فلا بدّ فيه من النية و من قصد القربة، و يجب في نيته تعيين العمل الذي يقصد الإتيان به، فيقصد السعي في عمرة التمتع مثلا، أو في حج التمتع أو في العمرة المفردة أو غيرها متقربا به الى اللّٰه، و يكفي أن يكون امتثال أمر اللّٰه داعيا له الى حصول ذلك العمل كما في نظائره من العبادات، و إذا قال في ابتداء سعيه: (أسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط في عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع امتثالا لأمر اللّٰه تعالى)، صحت نيته و صح عمله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 377

المسألة 838:

يجب على المكلف أن يستديم حكم نيته المذكورة حتى يتم أشواط سعيه، بحيث يكون جميع حركاته في السعي حاصلة عن نيته الأولى، و إذا اتفق له أن قطع سعيه لسبب من الأسباب ثم عاد اليه ليتمّه، كفاه أن يعود الى سعيه الأول بقصد أن يتمّ ما نقص منه، و إذا جدّد النية فهو أحوط.

المسألة 839:

لا يشترط في صحة السعي أن يكون الشخص متطهرا من الحدث، فيصح منه السعي و هو على غير وضوء أو كان جنبا أو كانت المرأة حائضا أو نفساء، أو طرأ ذلك لهما في أثناء السعي، و قد تقدم حكم المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل السعي أو في أثنائه، و ان كان الأحوط و الأفضل أن يكون المكلف متطهرا من أي حدث في حال سعيه، و لا يشترط في صحة السعي أن يكون الشخص طاهر البدن و الثياب من النجاسات و الأخباث، و ان كان الأولى مراعاة ذلك.

و لا يشترط في صحة السعي أن يكون ساترا لعورته في أثناء سعيه، و لذلك فلا يبطل سعيه إذا انكشفت عورته في أثناء سعيه، أو كان ستره غير تام، أو سعى في الظلام عاريا مع الأمن من المطلع.

المسألة 840:

يجب في السعي أن يكون الابتداء فيه من أول الصفا، و يتحقق ذلك بأن يلصق المكلف عقبه بأول الصفا ثم يتحرك سائرا نحو المروة، و إذا ألصق عقبيه كليهما بالصفا ثم سعى فهو أحوط، و يمكنه أن يصعد على بعض درجات الصفا بحيث يكون واقفا عليه، ثم ينحدر عنه ناويا السعي من أول الصفا، فإذا بلغ المروة ألصق أصابع قدميه بها أو صعد بعض درجات المروة ناويا السعي إلى أول المروة، و يجزيه أن يستوعب المسافة بينهما بسعيه و ان لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 378

يكن بخطّ مستقيم، أو لم تكن أشواطه بخط واحد.

و يجب في الشوط الثاني أن يكون الابتداء فيه من المروة، على النحو الذي ذكرناه في الابتداء من الصفا في الشوط الأول، ثم يسعى حتى ينتهي إلى الصفا على النحو المتقدم في بلوغ المروة، فيكون الذهاب إلى

المروة شوطا، و العود الى الصفا شوطا، حتى يتم أشواطه سبعة، و يكون الانتهاء بالمروة.

المسألة 841:

إذا بدأ المكلّف سعيه من المروة كان سعيه باطلا، فتجب عليه إعادة السعي من أوله سواء فعل ذلك عامدا أم ناسيا أم غافلا، و سواء كان قد أتى بشوط واحد أم بأشواط متعددة على تلك النية، فلا بد من إلغاء ما فعله و نواه، و اعادة السعي من الصفا بنية جديدة مستأنفة.

المسألة 842:

يجب أن يكون ذهاب الساعي و إيابه في الطريق المتعارف للسعي بين الصفا و المروة، فلا يكفيه أن يسعى بينهما في طريق غير متعارف لذلك، كما إذا خرج من الصفا الى المسجد الحرام ثم خرج من المسجد إلى المروة، و كما إذا خرج من الصفا الى سوق الليل و سلك من سوق الليل إلى المروة.

المسألة 843:

يجب على الساعي إذا انحدر في شوطه من الصفا أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى المروة حتى يصل إليها، و إذا خرج في عوده من المروة أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى الصفا حتى يصل اليه، و المراد أن يتوجه الى مقصده توجها عرفيا، فلا يصح سعيه إذا مشى و هو معرض بوجهه عن مقصده، أو مشى متقهقرا حتى يبلغ مقصده، أو مشى عرضا، و لا يضر في صحة سعيه أن ينحرف في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 379

أثناء مشيه انحرافا يسيرا لا يبلغ الإعراض، و لا يضرّه أن يلتفت بوجهه في حال السعي إذا كان متوجها الى المقصد بمقاديم بدنه، و لا يضرّه إذا وقف عن المشي لبعض الدواعي فالتفت بجميع بدنه أو استدبر في حال وقوفه عن السعي، و لا يضره إذا نسي الهرولة في موضعها أن يرجع القهقرى ليأتي بالهرولة المطلوبة كما سيأتي، شريطة أن لا يحتسب رجوعه القهقرى جزءا من سعيه.

المسألة 844:

الظاهر كفاية السعي في الطريق الثاني الذي استحدث في الوقت الحاضر على سقف السعي، بشرط أن توجد فيه جميع واجبات السعي، و منها أن يتصل الساعي بالصّفا و المروة في كل شوط من أشواطه في أول الشوط و في آخره على الوجه الذي تقدم بيانه، و لو بالنزول من الدرج ليتصل بهما عند وصوله إليهما، و لا تكفي المحاذاة، و منها أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى المقصد فلا يخالف ذلك في سعيه و لا في أثناء صعوده في الدرج أو هبوطه، و قد قلنا: أن الانحراف اليسير لا يضر بصحة السعي.

المسألة 845:

يجوز للإنسان أن يسعى بين الصفا و المروة راكبا على دابة أو في محمل مع الاختيار، و لا يختص ذلك بحال الضرورة، و ان كان السعي ماشيا أفضل، و لا بد للراكب و الماشي من الاتصال بالصفا و المروة في أول الشوط و في آخره، و في- بدء السعي و ختامه- كما ذكرنا في ما تقدم، و كذلك إذا ركب دراجة و نحوها لضعفه و عدم قدرته على المشي، فلا يكتفى بالاقتراب أو المحاذاة.

المسألة 846:

يجوز للشخص أن يجلس بين الشوطين على الصفا أو على المروة ليستريح، و يجوز له أن يجلس ما بينهما في أثناء الشوط،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 380

و الأحوط له و الأولى أن لا يجلس في الصورة الأخيرة إلا عند الجهد.

المسألة 847:

إذا عجز المكلف عن أن يسعى بنفسه مستقلا وجب عليه أن يسعى معتمدا على عصا أو نحوها أو على انسان، و قد سبق انه يجوز له أن يسعى راكبا على دابة حتى مع الاختيار، فإذا هو لم يقدر على جميع ذلك وجب عليه أن يستنيب من يسعى عنه، و يكفيه ذلك- مع العجز- في صحة عمرته و صحة حجه.

المسألة 848:

يجب على المكلف أن يسعى في عمرته أو في حجه سبعة أشواط تامة دون زيادة و لا نقيصة، فيتم سعيه بأربعة أشواط ذاهبا يبدأ في كل واحد منها من الصفا و ثلاثة أشواط راجعا يبدأ في كل واحد منها من المروة، و إذا زاد المكلف في أشواط سعيه شوطا واحدا أو أكثر، و كان عالما بما يجب عليه من عدد الأشواط، و متعمدا في الزيادة عليها كان سعيه باطلا، سواء قصد الزيادة منذ أول الأمر، فنوى السعي بين الصفا و المروة ثمانية أشواط أو أكثر، أم تجدد له قصد بالزيادة في الأثناء، فنوى السعي أولا سبعة أشواط، ثم بدا له في أثناء السعي فنوى زيادة شوط أو أكثر بقصد الجزئية لسعيه، فيبطل سعيه في كلتا الصورتين و تجب عليه اعادته، و كذلك إذا زاد في سعيه بعض شوط عالما متعمدا فيبطل السعي، و تجب الإعادة، و الأحوط إعادة السعي أيضا إذا زاد في أشواطه و هو يجهل الحكم.

المسألة 849:

إذا زاد الإنسان في أشواط السعي، و كان ساهيا غير عامد في فعله، لم يبطل بذلك سعيه، فإذا التفت بعد ذلك ألغى الشوط أو الأشواط التي زادها، و اكتفى بالأشواط السبعة التي أتى بها، و صح بذلك سعيه، و لم تضره الزيادة التي وقعت منه، و مثله: ما إذا زاد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 381

في سعيه أقل من شوط ساهيا فيلغي الزيادة و يصح السعي، و قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): (ان المكلف إذا استيقن انه سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط سهوا، فليضف إليها ستة)، فالصحيحة دالة على صحة سعيه في الأشواط السبعة الاولى، و على استحباب أن يضيف

الى الشوط الثامن ستة أشواط أخرى، فيتم له بذلك سعي آخر و يكون مندوبا، و لا مانع من ذلك بعد أن دلت عليه الصحيحة المذكورة.

المسألة 850:

إذا أنقص الإنسان شوطا من سعيه أو أكثر و كان عالما عامدا في فعله، فالظاهر بطلان سعيه بذلك فتجب عليه إعادة السعي، و إذا أنقص أشواطه و هو جاهل بالحكم أشكل الأمر في صحة سعيه و بطلانه، و لا بدّ من مراعاة الاحتياط في هذا الفرض.

و إذا أنقص بعض الأشواط منه و كان ناسيا أو ساهيا غير ملتفت لم يبطل بذلك سعيه، فإن تذكر النقص قبل أن تفوت الموالاة في السعي وجب عليه أن يتم ما نقص من الأشواط، فإذا هو أتى به قبل أن تفوت الموالاة في سعيه صح سعيه و صح نسكه، سواء كان قد تجاوز النصف من أشواط سعيه أم لا.

و إذا تذكر نقص الأشواط بعد مدة، فإن كان قد تجاوز النصف من سعيه و أنقص الباقي وجب عليه أن يتم سعيه، فيأتي بما نقص منه بعد تذكره، و ان كان ذلك بعد انتهاء الموقفين في الحج أو بعد أعمال منى، بل و ان تذكره بعد خروجه من مكة أو بعد رجوعه الى بلده، فإذا أتى بعد التذكر بما نقص من الأشواط صح سعيه و صح نسكه، و ان لم يقدر على السعي بنفسه، أو كان موجبا للعسر و المشقة وجب عليه أن يستنيب من يسعى عنه و تلاحظ المسألة الآتية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 382

و إذا تذكر نقص الأشواط بعد مدة، و كان ما أنقصه أكثر من النصف، فالأحوط له في هذه الصورة أن يعيد السعي من أوله، و ينوي بما يأتي به امتثال الأمر المتوجه

إليه بالسعي التام، إذا كان ما أتى به من الأشواط باطلا أو بما بقي منه إذا كان ما أتى به منها صحيحا.

المسألة 851:

إذا أنقص الإنسان أشواطا من سعيه ناسيا أو ساهيا و كان حكمه أن يأتي بما أنقصه من أشواط سعيه متى تذكر نقصها و ان كان تذكره بعد أعمال الحج أو بعد خروجه من مكة أو بعد عوده الى بلده، و قد ذكرنا هذا في بعض فروض المسألة المتقدمة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 382

فإذا فعل المكلف كذلك و أتى بعد التذكر بالأشواط التي أنقصها من السعي، صح سعيه و صح نسكه إذا كان في عمرة مفردة أو في عمرة حج افراد أو في عمرة حج قران، و صح سعيه و نسكه كذلك إذا كان في عمرة تمتع أو كان حاجا، و قد أتى بالأشواط الناقصة من سعيه قبل أن ينقضي شهر ذي الحجة.

و إذا كان نقص الأشواط في سعي عمرة التمتع أو في سعي الحج و لم يتذكر النقص الا بعد انقضاء أشهر الحج، لزمه على الأحوط أن يأتي بسعي كامل سبعة أشواط، و ينوي به امتثال الأمر المتوجه إليه بالسعي التام إذا كان ذلك هو الواجب عليه بعد فوات أشهر الحج، أو بما بقي من الأشواط إذا كان ذلك هو الواجب عليه.

المسألة 852:

إذا وجب على الإنسان أن يأتي ببعض الأشواط التي أنقصها من سعيه ناسيا أو ساهيا كما قلنا في المسألة المتقدمة، و لم يقدر أن يأتي بذلك أو كان الإتيان بها موجبا للعسر و الحرج وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 383

يستنيب من يسعى عنه، و الأحوط أن يأتي النائب بسعي تام سبعة أشواط، و ينوي به النيابة عن المكلف في قضاء ما

يجب عليه من سعي تام أو أشواط فائتة.

المسألة 853:

إذا شك المكلف في عدد أشواطه أ هي ستة أم سبعة مثلا أو هي أقل من ذلك أو أكثر و كان شكه في أثناء السعي و قبل الفراغ منه، بطل سعيه و وجبت عليه اعادته من أصله، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من السعي بنى على صحة سعيه و لم يلتفت الى شكه، سواء انصرف عن المسعى أم لم ينصرف عنه، و سواء قصّر في عمرته بعد السعي أم لم يقصّر، ما لم يستلزم الخلل في سعيه من ناحية أخرى كما سيأتي في المسألة الآتية.

المسألة 854:

إذا شك المكلف هل انه بدأ في أول سعيه من الصفا أو من المروة و كان شكه في أثناء السعي بطل سعيه و وجبت عليه اعادته من أوله لعدم إحرازه لشرط الصحة في سعيه، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من سعيه و بعد انصرافه من المسعى بنى على صحة السعي و لم يلتفت الى شكه، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من سعيه و قبل انصرافه من المسعى، فالأحوط له في هذه الصورة أن يعيد السعي من أوله و مثال ذلك أن يشك و هو على المروة: هل كان سعيه سبعة أشواط أو ثمانية؟ فإن شكه هذا يستلزم شكا آخر في صحة سعيه من ناحية ثانية، فإن سعيه إذا كان سبعة أشواط فقد ابتدأ فيه من الصفا فيكون صحيحا و إذا كان ثمانية أشواط فقد بدأه من المروة فيكون باطلا، و لذلك فيحكم ببطلان سعيه لعدم إحراز شرط الصحة، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 384

المسألة 855:

إذا علم الإنسان عدد الأشواط التي سعاها بين الصفا و المروة و حفظ العدد باتقان و شك في أنه بدأ أول سعيه من الصفا أو من المروة، كان عدد الأشواط الذي يحفظه قرينة قطعية يزول بها عنه الشك في مبدأ السعي، فإذا كان عدد الأشواط فردا، و وجد نفسه على الصفا أو وجد نفسه متوجها الى الصفا، علم بأنه قد بدأ سعيه من المروة، و إذا كان عدد الأشواط فردا و وجد نفسه على المروة أو وجد نفسه متوجها الى المروة، علم بأنه قد بدأ سعيه من الصفا.

و إذا كان العدد زوجا و وجد نفسه على الصفا أو متوجها الى

الصفا، علم بأنه قد بدأ سعيه من الصفا و إذا كان العدد زوجا و وجد نفسه على المروة أو متوجها إليها، علم بأنه قد بدأ سعيه من المروة، و هو أمر واضح و انما نذكره للتنبيه، و يجب عليه الاستئناف إذا كان البدء من المروة.

المسألة 856:

لا يصح للناسك أن يقدم السعي على الطواف في حال الاختيار، سواء كان في حج أم في عمرة، فإذا سعى قبل الطواف متعمدا أو جاهلا بالحكم وجبت عليه إعادة السعي، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا سعى قبل الطواف ناسيا أو جاهلا بالموضوع، و تقدم الحكم في ما إذا عرض للمرأة حيض أو نفاس فمنعها عن الطواف.

المسألة 857:

إذا سعى المكلف بين الصفا و المروة بعض الأشواط من سعيه، و تذكر أنه قد بقي عليه بعض الأشواط من طوافه، قطع السعي في الموضع الذي تذكر فيه نقص الطواف و رجع الى البيت،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 385

فإن علم انه قد أتى بأكثر من نصف الطواف، و بقي عليه أقل من نصفه وجب عليه ان يأتي بما بقي من الطواف، فيتمّه سبعة أشواط من الموضع الذي ترك الطواف فيه، ثم يعود بعده الى المسعى فيتم سعيه من الموضع الذي قطع فيه أشواطه، و ان تذكر أنه قد أتى بنصف الطواف فحسب أو بأقل من نصفه، لزمه- على الأحوط- أن يأتي بطواف كامل بالبيت و ينوي به امتثال الأمر المتوجه اليه بالطواف التام إذا كان ما أتى به باطلا، و بالأشواط الباقية منه إذا كان ما أتى به صحيحا، ثم يعود بعده الى المسعى، و يأتي بسعي كامل على الأحوط بمثل تلك النية.

المسألة 858:

يجوز للحاج و للمعتمر أن يؤخر السعي عن الطواف و صلاة الطواف الى عصر يومه، و الى الليل اختيارا، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخره إلا لبعض الدواعي لذلك من حر أو برد أو تعب، و لا يجوز تأخيره إلى الغد مع الاختيار، و لا تعتبر فيه الموالاة بين أشواطه على الأقوى، فيجوز له الفصل ما بينها، و يجوز له قطع أشواطه إذا حضر وقت الصلاة المكتوبة فيؤديها ثم يعود فيتم سعيه، و يجوز له قطعها إذا دعاه صديق له لقضاء حاجة أو دعاه الى طعام، فيجيبه الى دعوته أو يقضي حاجته ثم يعود الى المسعى فيتم أشواطه، و ان كان قد سعى منها شوطا أو شوطين.

المسألة 859:

يستحب للحاج و المعتمر إذا فرغ من صلاة الطواف و أراد الخروج الى الصفا للسعي أن يأتي إلى الحجر الأسود فيقبّله و يستلمه و يشير اليه، و أن يشرب من ماء زمزم، و ان يقول حين يشرب:

(اللّهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا، و شفاء من كل داء و سقم)، و في الحديث عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع)، إذا فرغ الرجل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 386

طوافه و صلى ركعتين، فليأت زمزم و يستق منه ذنوبا أو ذنوبين، فليشرب منه و ليصب على رأسه و ظهره و بطنه، و يقول: (و ذكر الدعاء المتقدم) ثم يعود الى الحجر الأسود.

و يستحب أن يستقي الماء من زمزم بيده بالدّلو الذي يلي الحجر، و ان يستلم الحجر الأسود قبل الشرب و بعده كما ذكرنا.

المسألة 860:

يستحب له أن يخرج الى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود، و هو الباب الذي خرج منه الرسول (ص)، و أن يكون على سكينة و وقار، و يستحب له أن يصعد على الصفا حتى ينظر الى البيت، كما ورد في حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع)، و يستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، و يحمد اللّٰه (عز و جل) و يثني عليه، و يذكر من آلاء اللّٰه و بلائه و حسن صنيعه اليه ما يقدر على ذكره، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) سبع مرات، (الحمد للّه) سبع مرات، (لا إله إلا اللّٰه) سبع مرات، ثم يقول (لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، يحيي و يميت (و يميت و يحيي خ ل)، و هو حي لا يموت (بيده الخير خ ل)، و

هو على كل شي ء قدير) ثلاث مرات. ثم يصلي على محمد (ص) و آله، و يقول: (اللّٰه أكبر، الحمد للّه على ما هدانا، و الحمد للّه على ما أولانا، و الحمد للّه الحي القيوم، و الحمد للّه الحي الدائم) ثلاث مرات، و يقول: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه، (وحده لا شريك له خ ل)، و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون) ثلاث مرات، و يقول: (اللّهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة) ثلاث مرات، و يقول: (اللّهم آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ) ثلاث مرات، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) مائة مرة، (لا إله إلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 387

اللّٰه) مائة مرة، (الحمد للّٰه) مائة مرة، (سبحان اللّٰه) مائة مرة، ثم يقول: (لا إله إلا اللّٰه وحده وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك، و له الحمد، وحده وحده، اللّهم بارك لي في الموت، و في ما بعد الموت، اللّهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته، اللّهم أظلّني في ظل عرشك يوم لا ظلّ الا ظلك).

و يكثر من أن يستودع اللّٰه دينه و نفسه و أهله، ثم يقول: (استودع اللّٰه الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي، اللّهم استعملني على كتابك و سنة نبيك و توفّني على ملته و أعذني من الفتنة)، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) ثلاث مرات، و يقرأ الدعاء السابق مرتين، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) مرّة واحدة و يعيد الدعاء، فإن لم يستطع جميع ذلك فليأت بما تيسر له

منه.

المسألة 861:

ورد في مرفوعة علي بن النعمان قال: كان أمير المؤمنين (ع) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه ثم قال: (اللّهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قطّ، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، اللّهم افعل بي ما أنت أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني، و ان تعذّبني فأنت غني عن عذابي، و أنا محتاج الى رحمتك، فيا من أنا محتاج الى رحمته ارحمني، اللّهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذّبني و لم تظلمني، أصبحت أتقي عدلك و لا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني).

و مما ورد عنهم (ع) أن يقول: (يا من لا يخيب سائله و لا ينفذ نائله صلّ على محمد و آل محمد و أجرني من النار برحمتك)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): (من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا)، و في رواية أخرى: (فليطل الوقوف على الصفا و المروة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 388

المسألة 862:

و مما ورد أن يتوجه إلى الكعبة و هو على الدرجة الرابعة من الصفا و يقول: (اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر و فتنته و غربته و وحشته و ظلمته و ضيقه و ضنكه، اللّهم أظلّني في ظلّ عرشك يوم لا ظل الا ظلك) ثم ينحدر منها و يكشف عن ظهره و يقول: (يا رب العفو، يا من أمر بالعفو، يا من هو أولى بالعفو، يا من يثيب على العفو، العفو العفو العفو، يا جواد يا كريم، يا قريب، يا بعيد، اردد علي نعمتك، و استعملني بطاعتك و مرضاتك).

المسألة 863:

يستحب أن ينحدر ماشيا قاصدا و عليه السكينة، و قد ذكرنا من قبل: أن المشي في السعي أفضل من الركوب، و القصد في المشي هو الاستواء أو التوسط، حتى يصل الى المنارة و هي أول المسعى (و يراد بالمسعى هنا الموضع الذي تستحب فيه الهرولة) فإذا بلغ المنارة سعى مل ء فروجه و هو أن يوسّع خطاه و يسرع و هو يقول:

(بسم اللّٰه و اللّٰه أكبر، و صلى اللّٰه على محمد و أهل بيته، اللّهم اغفر و ارحم، و تجاوز عما تعلم، انك أنت الأعز الأكرم، و اهدني للتي هي أقوم، اللّهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني، اللّهم لك سعيي و بك حولي و قوتي، تقبل مني عملي يا من يقبل عمل المتقين)، و سعى هكذا مهرولا حتى يبلغ المنارة الأخرى، فإذا بلغها مشى و عليه السكينة و الوقار، و هو يقول: (يا ذا المن و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإذا وصل الى المروة صعد عليها حتى يبدو له البيت، و

قرأ الأدعية و الأذكار التي مرّ ذكرها على الصفا.

و يستحب له أن يقول: (اللّهم يا من أمر بالعفو، يا من يجزي على العفو، يا من دلّ على العفو، يا من زيّن العفو، يا من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 389

يثيب على العفو، يا من يحب العفو، يا من يعطي على العفو، يا من يعفو على العفو، يا ربّ العفو، العفو العفو العفو)، و يستحب له إذا رجع من المروة أن يهرول ما بين المنارتين و يقرأ الأدعية الآنف ذكرها، و هكذا في كل شوط.

المسألة 864:

يستحب للإنسان أن يقول- و هو على الصفا و على المروة و ما بينهما في ذهابه و إيابه- ما ورد عن الإمام أبي الحسن موسى (ع):

(اللّهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، و صدق النية في التوكل عليك).

المسألة 865:

إذا نسي الهرولة في موضعها أو نسي بعضها ثم تذكر و هو في أثناء الشوط رجع القهقرى الى الموضع و أتى بالهرولة المنسية في موضعها، و رجوع القهقرى هو المشي إلى الخلف من غير التفات.

المسألة 866:

الهرولة في موضعها مستحبة مؤكدة للرجال و ليست واجبة، فإذا نسيها الرجل أو تركها عامدا فلا شي ء عليه، و لا هرولة على النساء و ان اتفق فراغ المسعى لهن من الرجال، و يستحب للساعي إذا كان راكبا على دابة أن يسرع دابته في موضع الهرولة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 390

الفصل التاسع عشر في التقصير

المسألة 867:

التقصير هو أن يأخذ الإنسان من طول شعره الموجود في رأسه أو لحيته أو يقص شيئا من أظفار يده أو رجله، و هو الواجب الخامس من واجبات عمرة التمتع، و هو واجب مستقل فيها كالتسليم الواجب في الصلاة يتحلل به من أحرم بالعمرة من محرمات إحرامه، و يكفيه أن يأخذ من شعر رأسه أو من شاربه أو لحيته أو حاجبه، أو من أي شعر في بدنه، أو يقلّم بعض أظفاره، سواء أخذ الشعر أو الظفر بحديد أو نحاس أو أي قاطع آخر و إن قرضه بأسنانه، و لا يكفي نتف الشعر عن قصّة.

المسألة 868:

يجب التقصير على المعتمر بعد الفراغ من السعي، و لا تجب عليه المبادرة له بعد السعي أو في المسعى، فيجوز له أن يؤخره حتى يرجع إلى منزله أو الى موضع غيره، أو الى وقت آخر و إن أخّره أياما.

المسألة 869:

التقصير واجب مستقل و هو عبادة من العبادات، و لذلك فلا بدّ في صحته من النية، و يلزم في نيته تعيين العمل المقصود و قصد القربة، و يكفيه أن يقول عند إرادة التقصير: (أقصّر للإحلال من عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع امتثالا لأمر اللّٰه تعالى).

المسألة 870:

يتعين على من تمتع بالعمرة أن يقصّر للإحلال من عمرته،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 391

و لا يجزيه عن التقصير حلق الرأس، بل لا يجوز له حلق رأسه، و إذا حلق جميع رأسه وجب عليه أن يكفّر عن ذلك بذبح شاة إذا كان عالما بالحكم عامدا في فعله، و كذلك إذا حلقه ناسيا أو جاهلا على الأحوط لزوما، بل و كذلك إذا حلق بعض رأسه على الأحوط أيضا، و لا يكفيه ذلك عن التقصير الواجب عليه، و لا يكفيه حلق موضع آخر من بدنه، و إذا حلقه قبل أن يقصّر لزمته كفارة إزالة الشعر.

المسألة 871:

لا يجوز للمتمتع أو المعتمر أن يقصّر قبل ان يفرغ من السعي، و إذا قصّر قبل السعي أو قبل ان يتمه وجبت عليه الكفارة، و قد ذكرنا كفارة أخذ الشعر و تقليم الأظفار في فصل محرمات الإحرام.

المسألة 872:

إذا قصّر المتمتع بالعمرة بعد الفراغ من السعي أحلّ من إحرامه، و حلّ له كل شي ء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النّساء و الطيّب و المخيط و غيرها، و تراجع المسألة الخمسمائة و الثالثة و الأربعون في ما يتعلّق بحلق الشعر بعد التقصير في عمرة التمتع، فقد فصّلنا حكم ذلك فيها.

المسألة 873:

لا يجب على المتمتع بالعمرة أن يطوف في عمرته طواف النساء لا قبل التقصير و لا بعده، و قد قلنا: ان النساء تحلّ له بالتقصير، و لا يحلّ له إتيانهن قبل أن يقصّر، و ان طاف لذلك طواف النساء، فإذا جامع زوجته قبل ان يقصّر وجب عليه أن يكفّر ببدنة، و كذلك حكم المرأة، و لا كفارة عليها إذا قصّرت من شعرها أو من أظفارها قبل الجماع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 392

المسألة 874:

إذا ترك المتمتع التقصير في عمرته فلم يقصّر متعمدا حتى أحرم بحج التمتع بطلت متعته، و انقلب حجه الى حج افراد، فيجب عليه إتمامه، و لا يترك الاحتياط بأن يعتمر بعد حجه بعمرة مفردة و بقضاء الحج في السنة المقبلة، و إذا ترك التقصير ناسيا حتى أحرم بالحج لم تبطل متعته بذلك، فعليه أن يتم حج التمتع و لا شي ء عليه، و الأحوط له استحبابا أن يكفّر بدم شاة.

المسألة 875:

يستحب لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إذا قصّر في عمرته و أحلّ من إحرامه أن يتشبّه بالمحرمين فلا يلبس قميصا أو مخيطا، و لعل استحباب التشبه بالمحرمين يعم التشبه بهم في غير لباس المخيط أيضا.

المسألة 876:

إذا قصّر المتمتع في عمرته و أحلّ من إحرامه جاز له أن يطوف بالبيت ما يشاء من طواف مستحب و واجب عنه و عن غيره، و يجوز له إذا طاف الطواف الواجب في عمرته و صلى صلاة الطواف أن يطوف ما شاء من الطّواف المندوب قبل أن يأتي بالسعي الواجب أو بعده و قبل أن يقصّر، و يجوز له أن يقرن بين طوافين مندوبين من غير أن يصلي صلاة الطواف بينهما على كراهة.

المسألة 877:

بإتمام هذه الواجبات الخمسة التي تقدم تفصيلها: و هي الإحرام، و الطواف بالبيت، و صلاة ركعتي الطواف، و السعي بين الصفا و المروة، و التقصير، تتم أعمال عمرة التمتع، و يحل المتمتع من إحرامها، و هي النسك الأول من وظيفة المكلّف النائي الذي لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام إذا وجب عليه حج الإسلام، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 393

ذكرناها مجملة في الفصل التاسع، و النسك الثاني الذي يجب عليه هو حج التمتع، و واجباته ثلاثة عشر واجبا و قد مرّت الإشارة إليها في ذلك الفصل و سيأتي بيانها مفصلة إنشاء اللّٰه تعالى في الفصول اللاحقة.

المسألة 878:

إذا أحلّ المكلف من عمرة التمتع، ثم خرج بعد عمرته من مكة الى بعض الجهات بقصد التنزه مثلا أو لبعض الغايات غير المهمة، أثم و عصى بخروجه إذا كان عامدا، و لا يقدح ذلك بصحة عمرته و لا بصحة حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب، و إذا فعل ذلك جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 394

الفصل العشرون في الإحرام بحج التمتع و آداب الخروج من مكة الى عرفات

المسألة 879:

الواجب الأول من واجبات حج التمتع الإحرام به، و هو أيضا ركن من أركانه فيبطل الحج إذا تركه المكلف متعمدا، و قد قلنا أكثر من مرة: إن ميعاد عمرة التمتع أشهر الحج، و نتيجة لذلك فإذا أحرم المكلّف بعمرة التمتع في أول أشهر الحج و أتم أعمالها و أحلّ من إحرامها صح له بعدها أن يحرم بحج التمتع و هذا هو أول وقته على الأصح، و يمتدّ وقته إلى أن يبقى من الزمان ما يتمكن الإنسان فيه من الإحرام بالحج و إدراك الركن من الوقوف الاختياري في عرفات و هو المسمى منه، فيتعين عليه ذلك و لا يسوغ له التأخير عنه.

و أول وقت الإحرام بحج القران و الإفراد هو أول أشهر الحج، و يمتدّ إلى أن يضيق الزمان في إدراك الموقف الاختياري الآنف ذكره، فيتعين على المكلف الإحرام فيه لإدراك الحج.

و ميقات حج التمتع هو مكة على ما سبق ذكره في المسألة الأربعمائة و الثالثة و الثمانين، و ميقات حج القران و الإفراد هو أحد المواقيت الخمسة أو ما يحاذيها عرفا، و منزله إذا كان أقرب إلى مكة من الميقات و الموضع المنذور لمن نذر الإحرام بالحج قبل الميقات، و قد بيّنا جميع هذا في فصل المواقيت.

المسألة 880:

يتحد إحرام الحج مع إحرام العمرة في الكيفية و الواجبات حتى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 395

في نية اللبس لثوبي الإحرام، و يجري فيه جميع ما يجري في إحرام العمرة من الأحكام، حتى في ألفاظ التلبية الواجبة منها و المستحبة، و يسنّ فيه ما يسنّ لذلك من مقدّمات و آداب و أدعية و أذكار، حتى في اشتراط أن يحلّه حيث حبسه، فذكرها هنالك يغنينا عن اعادتها هنا، فليرجع

إليها من أحبّ في فصل الإحرام و في فصل مقدّمات الإحرام.

المسألة 881:

تجب النية في إحرام الحج، فيعيّن المكلف في نيته العمل و النسك، و يقصد القربة و الامتثال، و الأولى التلفظ، فيقول: أحرم بحج التمتع حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، و كذلك في نية حج القران و الافراد.

المسألة 882:

يجب أن يكون إحرام حج التمتع من مكة القديمة، و يجوز للمتمتع أن ينشئ إحرامه في أي موضع يشاء من مواضعها، و في أي شارع من شوارعها، دون المحلات و الأحياء الجديدة التي أضيفت إليها في العصور المتأخرة و قد تقدم منا بعض ما يشير إلى حدودها، و الأفضل أن يوقع إحرامه في المسجد الحرام، و أفضله أن يوقعه في مقام إبراهيم و في حجر إسماعيل، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين.

المسألة 883:

يستحب أن يوقع إحرامه في يوم التروية، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): (إذا كان يوم التروية- إن شاء اللّٰه تعالى- فاغتسل ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافيا، و عليك السكينة و الوقار ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 396

قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الرّدم فلب، فإذا انتهيت الى الرّدم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى).

و عن أبي بصير عنه (ع): (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم. إلى أن قال (ع):

و اغتسل و البس ثوبيك ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ست ركعات قبل أن تحرم و تدعو اللّٰه و تسأله العون، و تقول: (اللّهم إني أريد الحج فيسّره لي و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ) و تقول: (أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي من النساء و الثياب و الطيّب أريد بذلك وجهك

و الدار الآخرة، و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ) ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت، و تقول: (لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك)، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، و إلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية.

و في الحديث الثاني و في غيره دلالة على أن الأفضل للمكلف أن يصلّي صلاة الظهر في منى بعد أن يحرم من المسجد في مكة، و دون ذلك في الفضل أن يصلّي الظهر في المسجد الحرام ثم يحرم بعد الصلاة.

و في الحديث الأول دلالة على أن الأفضل للمحرم أن يؤخّر التلبية بعد الإحرام من المسجد إلى أن يصل إلى الرقطاء، و يرفع صوته بالتلبية حين يشرف على الأبطح، و دون ذلك في الفضل أن يلبّي بعد الإحرام و هو في المسجد الحرام، و قد ذكرنا بعض هذا في المسألة الستمائة و الثامنة، و تلاحظ المسألة المشار إليها، فقد ألمحنا فيها الى تعيين المواضع التي ذكرت في الحديث الشريف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 397

المسألة 884:

إذا لبّى المتمتع بعد إحرامه بالحج من مكة انعقد إحرامه و حرمت عليه جميع محرمات الإحرام التي تقدم ذكرها في فصل محرمات الإحرام، و إذا ارتكب شيئا منها لزمته كفارة ذلك الشي ء الذي فعله كما تقدم بيانها.

المسألة 885:

يستحب للرجل أن يجهر بالتلبية، و يستحب للمحرم الرجل و المرأة أن يأتي بالتلبيات المستحبة، و أن يكررها في أطراف الليل و النهار، و في كلّ صعود و نزول كما ذكرنا في آداب الإحرام.

المسألة 886:

يجوز لمن أحرم بحج التمتع أن يطوف بالبيت طوافا مندوبا أو أكثر من بعد إحرامه و قبل أن يخرج الى المشاعر على كراهة في ذلك، و إن كان الأحوط له استحبابا تركه، و لا يفتقر بعد الطواف الى تجديد التلبية، و يجوز لمن كان محرما بحج القران أو الافراد و دخل مكة أن يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل وقوفه بعرفات و المشعر الحرام، و الأحوط له أن يجدّد التلبية بعد صلاة الطواف و إذا تكرر منه الطواف جدّد التلبية بعد الصلاة في كل مرة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الخمسين.

المسألة 887:

تلاحظ المسألة الخمسمائة و الرابعة و الثلاثون في حكم من ترك الإحرام من مكة في حج التمتع عامدا، أو تركه مضطرا لعروض بعض الأعذار التي أوجبت له عدم القدرة على الإحرام منها، فقد أوضحنا فيها أحكام ذلك، و ذكرنا في المسائل التي تليها حكم المتمتع إذا نسي الإحرام فلم يحرم من مكة و لا من غيرها، و حكمه إذا جهل ذلك فلم يحرم، و الفروض الأخرى التي تتعلق به و فصّلنا أحكامها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 398

هناك و لا موجب للتكرار هنا.

المسألة 888:

لا يصح للمتمتع أن يحرم بحج التمتع قبل أن يتم أعمال عمرته و يحل من إحرامها بالتقصير، و لا يصح لمن أحرم بحج التمتع أو القران أو الافراد أن يحرم بعمرة مفردة حتى يتم أعمال حجه و يتحلّل من إحرامه، و قد سبق منا بيان هذا.

المسألة 889:

يستحب للحاج إذا توجّه إلى منى أن يقول: (اللّهم إيّاك أرجو و إيّاك أدعو فبلّغني أملي و أصلح لي عملي)، و أن يقول إذا وصل إليها: (الحمد للّه الذي أقدمنيها صالحا في عافية و بلّغني هذا المكان).

و يستحب له أن يقول عند دخولها: (اللّهم إن هذه منى و هي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك و في قبضتك).

المسألة 890:

يستحب له أن يبيت ليلة عرفة بمنى، و أن يكون في إقامته فيها ذلك اليوم و تلك الليلة مشغولا بما يمكنه من التعبد و الذكر للّه و التوجه إليه، و أن يؤدي صلواته المكتوبة في مسجد الخيف، و أن يعقّب فيه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم يفيض إلى عرفات بعد طلوعها، و دونه في الفضل أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوعها.

و الظاهر أنه يجوز الخروج من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس بل و قبل طلوع الفجر، و لا سيما للمشاة و أشباههم الذين يخافون التأخر و التعوق، و يخشون الزحام إذا خرجوا بعد ذلك.

المسألة 891:

ورد في حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): (إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 399

غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجه إليها: (اللّهم إليك صمدت و إياك اعتمدت و وجهك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضي لي حاجتي، و أن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني)، ثم تلبي و أنت غاد إلى عرفات).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 400

الفصل الحادي و العشرون في الوقوف بعرفات و أحكامه و بعض آدابه

المسألة 892:

الواجب الثاني من واجبات الحج الوقوف في عرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، من زوال الشمس في ذلك اليوم على الأحوط إلى المغرب الشرعي منه، و المغرب الشرعي هو ذهاب الحمرة التي تحدث في المشرق بعد غروب الشمس حتى تتجاوز قمة الرأس.

و يراد بالوقوف الواجب على الحاج في عرفات أن يكون فيها طول هذه المدة و يمكث في ضمن حدودها، سواء كان راكبا أم راجلا، و سواء كان واقفا على قدميه أم جالسا أم مضطجعا، و سواء كان مستقرا في موضع واحد أم متنقلا بين مواضع منها.

المسألة 893:

عرفة أو عرفات- على ما يقول أهل الخبرة و أهل البلاد من المؤرخين- ميدان واسع أرضه مستوية، يبلغ نحو ميلين طولا في مثلها عرضا، و هذا كله موقف، و من الموقف نفس الجبل المعروف بين الناس بجبل الرحمة، و اسمه إلال على ما ورد في الحديث عن الامام الصادق (ع)، و على ما يقوله المؤرخون أيضا، و إلال على وزن هلال، فيجوز الوقوف عليه على كراهة، و تزول الكراهة عند كثرة الناس و ازدحامهم في الموقف، و الفضل أن يكون الوقوف في السهل من أي جهة من جهات الجبل، و الأفضل الوقوف في ميسرة الجبل، و يراد بها الجانب الأيسر منه لمن استقبل القبلة، و يجوز الوقوف على الهضبات و التلال الموجودة في الموقف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 401

المسألة 894:

لا يكفي الوقوف في نمرة و لا عرنة و لا ثوية و الأراك و ذي المجاز فهذه كلها حدود عرفة و ليست منها، و في الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع): اتق الأراك و نمرة و بطن عرنة و ثوية و ذا المجاز فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه، و بمضمونه أدلة أخرى.

و نمرة بفتح النون و كسر الميم موضع بقرب عرفات يقع بين طرف الحرم و طرف عرفات، و بطن عرنة بضم العين و فتح الراء و النون يكون ما بين العلمين اللذين هما حد عرفة و العلمين اللذين هما حد الحرم و لعله جزء من نمرة، و ذو المجاز موضع في خارج عرفات كانت العرب في الجاهلية تقيم فيه سوقا من أسواقها في أيام الموسم.

المسألة 895:

الوقوف في عرفات عبادة من العبادات فلا بدّ فيه من النية، فلا يصح من المكلف إذا حضر الموقف و هو غير قاصد أو كان قاصدا لأمر آخر، و يجب في نيته تعيين النسك و قصد القربة، فإذا قال عند الزوال أو قبله: أقف في هذا الموقف من زوال الشمس الى الغروب الشرعي في حج التمتع حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، صح عمله و كفاه في حصول الامتثال، و كذلك إذا كان في حج القران أو حج الإفراد.

و يجب أن يكون وقوفه عن اختيار، فلا يصح إذا جنّ أو أغمي عليه أو سكر قبل الوقت و لم يفق الا بعد خروجه، و كذلك إذا نام قبل الوقت و لم ينتبه الا بعد خروجه.

المسألة 896:

الواجب الركن من الوقوف بعرفات هو أن يحضر المكلّف في بعض الوقت الذي ذكرناه، من أول الوقت أو من آخره أو في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 402

أثنائه، بحيث يصدق عليه أنه حضر عرفات و وقف فيها مسمى الوقوف في وقتها الاختياري المذكور، و الباقي من الوقوف في الوقت واجب غير ركن، و النتيجة المعلومة لذلك: أن المكلّف إذا ترك الوقوف في جميع الوقت من أوله الى آخره و لم يدرك منه شيئا، و كان عامدا في فعله بطل حجه، و لا يصححه أن يحضر موقف عرفات في فترة من ليلة العاشر، و هي الوقت الاضطراري لعرفات كما سيأتي بيانه، و لا يصح حجه ان يحضر الوقوف في المشعر الحرام في وقته الاختياري أو في وقته الاضطراري- كما سيأتي-، سواء وقف في عرفات ليلة العيد أم لا، و على وجه الاجمال فلا يصح حجه في جميع الصّور، و كذلك الحكم في المكلّف

إذا كان جاهلا مقصّرا في تعلّم أحكامه، فإذا ترك الوقوف و لم يدرك الركن منه بطل حجه و جرى فيه حكم العامد.

المسألة 897:

إذا ترك المكلّف الوقوف في عرفات ناسيا أو ساهيا غير عامد، فإن تذكّره و الوقت الاختياري للوقوف بها لا يزال باقيا، وجب عليه أن يحضر و يتدارك الوقوف و لو بإدراك الركن، و هو مسمّى الوقوف، فإذا بادر و أدركه كذلك صح حجه، و إذا تركه بعد أن تذكره مع قدرته على الحضور و التدارك بطل حجه لتعمده، و إذا تذكر الوقوف بعد غروب الشمس و خروج الوقت وجب عليه أن يقف في عرفات فترة من ليلة العيد، و هي الوقت الاضطراري لها، ثم يفيض منها ليدرك الوقوف بالمشعر الحرام في وقته، و بذلك يصح حجه، و كذلك الحكم في المكلّف إذا كان جاهلا قاصرا، أو كان معذورا لبعض الطواري التي أوجبت له عدم القدرة فلم يدرك الموقف لعذرة، فيجري فيه الحكم الآنف بيانه، و إذا ترك المكلف الوقوف الاضطراري بعرفات في الصورة المذكورة في المسألة و لم يأت به بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 403

تذكره و ارتفاع عذره و كان عامدا قادرا بطل حجة.

المسألة 898:

في صحيحة معاوية بن عمّار الواردة عن أبي عبد اللّٰه (ع) في صفة حج الرسول (ص) يقول (ع): حتى انتهوا (و هو يعني الرسول و من معه من الناس في حجة الوداع)، حتى انتهوا إلى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك ضربت قبة الرسول، و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول اللّٰه (ص) و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية، حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به.

و الصحيحة ظاهرة الدلالة على أن الرسول (ص) و من

معه من المسلمين قد أخّروا الوقوف في عرفات عن أول الزوال حتى أتى مسجد نمرة و خطب في الناس، و صلى الظهر و العصر بعد الخطبة ثم توجه بهم حتى أتى الموقف فوقف به، و بمضمون هذه الصحيحة نصوص معتبرة أخرى، و لا محيد عن العمل بها، فيجوز للحاج أن يؤخر الوقوف عن أول الزوال حتى يغتسل و حتى يصلي الفريضتين كما ذكر ثم يتوجّه الى الموقف إذا كان قد ضرب خباءه في نمرة أو غيرها من حدود عرفة.

و يشكل الحكم بجواز التأخير، بل يمنع على الأحوط إذا كان لغير ذلك، كما إذا كان المكلّف قد اغتسل قبل الوقت أو كان لا يريد الغسل، و كما إذا كان في داخل حدود عرفة من أول الوقت و أراد تأخير الصلاة عن أول وقتها، فيجب عليه أن ينوي الوقوف من أول الزوال على الأحوط، و يأثم إذا ترك الوقوف و أخّره عامدا، و لا يفسد وقوفه و لا حجة بالتأخير إذا نوى الوقوف و وقف بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 404

المسألة 899:

إذا أفاض الشخص من موقف عرفات قبل الغروب الشرعي من يوم عرفة، و كان متعمدا في خروجه منها، أثم بذلك و وجب عليه أن ينحر بدنة، و لا يفسد بذلك حجه إذا كان قد أتى بالركن الواجب عليه من الوقوف بعرفات، كما هو المفروض في المسألة، و إذا تاب و رجع الى عرفات قبل أن يخرج الوقت لم تجب عليه الكفارة، و إذا تاب و لم يرجع إليها لم تسقط عنه الكفارة على الأقوى، و مثال ذلك: أن يتوب بعد مضي الوقت، فلا فائدة في رجوعه إذا رجع و لا تسقط به الكفارة، و لا

تسقط الكفارة أيضا إذا رجع الى عرفات من غير توبة و مثال ذلك: أن ينسى بعض حوائجه في عرفات فيرجع إليها ليأخذ أمواله المنسية.

المسألة 900:

إذا أفاض الرجل من عرفات قبل الغروب و كان غير متعمد للمخالفة و مثال ذلك: أن يكون جاهلا قاصرا أو ساهيا أو ناسيا و لا يتذكر حتى يخرج الوقت، فلا اثم عليه و لا كفارة، و يشكل الحكم بسقوط الكفارة عنه إذا كان جاهلا مقصرا في تعلم الاحكام فلا يترك الاحتياط فيه.

و إذا أفاض منها قبل الغروب ساهيا أو ناسيا أو جاهلا قاصرا ثم تذكر أو علم بالحكم بعد خروجه منها وجب عليه الرجوع إذا كان ممكنا، فإن هو لم يعد إليها مع قدرته على العود كان آثما، و الأحوط له دفع الكفارة.

المسألة 901:

يجب عليه أن ينحر البدنة الآنف ذكرها في منى، و إذا لم يقدر على البدنة وجب عليه أن يصوم بدلا عنها ثمانية عشر يوما، و يتخير في أن يصومها في مكة أو في الطريق أو عند أهله بعد رجوعه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 405

إليهم، و لا يجب عليه التتابع في صيام الأيام المذكورة، و ان كان التتابع فيها أحوط استحبابا.

المسألة 902:

قد اتضح مما فصّلناه في المسائل السابقة أن للوقوف في عرفات وقتين، أحدهما وقت اختياري يجب على الحاج حضوره و الوقوف فيه في حال اختياره، و قد ذكرناه و ذكرناه مبدأه و نهايته، و بيّنا بعض أحكامه و لوازمه، و ثانيهما وقت اضطراري يجب حضوره و الوقوف فيه على من ترك الوقوف الاختياري فيها حتى انتهى وقته المحدود، لنسيان أو لسهو أو لجهل يعذر فيه، أو تركه لعذر يسقط معه التكليف بالوقوف في الوقت الأول، فيجب على هؤلاء الحضور في عرفات و الوقوف بها في الوقت الثاني، و الوقت الثاني الاضطراري هو الليلة العاشرة من ذي الحجة، و مبدأها من الغروب الشرعي في أول الليلة إلى طلوع الفجر منها، و الواجب من هذا الوقت هو أن يقف المعذور فترة من الليلة يصدق معها انه قد حضر عرفات و وقف فيها، و يكفيه أن يقف في أي جزء أمكن له الوقوف فيه من الليلة في أولها أو في أثنائها أو آخرها و ان كان قليلا، و لا يجب عليه استيعاب الليلة بالوقوف و لا قسم كبير منها.

و يشترط في صحة وقوفه في الوقت الاضطراري بعرفات أن لا يكون ذلك سببا في فوات الوقوف في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، فإذا علم أنه لا يدرك المشعر

في وقته إذا هو مضى الى عرفة و وقف فيها في ليلة العيد، أو خاف ذلك لم يجب عليه الحضور في عرفة ليلة العيد و لم يجز له ذلك، و وجب عليه البدار الى المشعر فلا يفوته الوقوف الاختياري فيه، فإذا أدركه صح حجة.

المسألة 903:

إذا أمكن للحاج الذي فاته الوقوف الاختياري بعرفات من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 406

ذوي الأعذار المذكورين، أن يقف فيها في الوقت الاضطراري على الوجه الذي بيّناه تعيّن عليه ذلك، و قام وقوفه الاضطراري مقام الاختياري و أصبح ركنا في حجه، فإذا تركه متعمدا بطل حجه، و لا يكفيه في تصحيح حجه أن يدرك المشعر الحرام في وقته الاختياري.

المسألة 904:

سنذكر ان شاء اللّٰه تعالى في الفصل الآتي أن الأحوط لزوما للحاج أن يبيت ليلة العاشر في المزدلفة حتى يصبح، و ان كان الوقوف الواجب فيها بعد طلوع الفجر، فيلزمه المبيت فيها على الأحوط مع الاختيار و نتيجة لذلك، فإذا أمكن للمعذور أن يؤدي الوقوف الاضطراري في عرفات في وقت سابق من ليلة العيد ثم يفيض الى المشعر الحرام و يدرك المبيت فيه جزءا من ليلته قبل الفجر و قبل الوقوف الواجب، تعيّن عليه أن يفعل ذلك على الأحوط، و إذا لم يمكن له ذلك وقف في عرفات ثم أفاض منها ليدرك الوقوف بالمشعر الحرام في وقته الاختياري و ان لم يدرك المبيت فيه.

المسألة 905:

إذا حكم القاضي من الجمهور بثبوت هلال ذي الحجة في يوم من الأيام، و لم يثبت ذلك عند الشيعة، و اقتضى ذلك أن يكون الوقوف في عرفات في اليوم المشكوك عند الشيعة أو في اليوم الثامن عندهم، و استدعت التقية ذلك، صح للمكلّف أن يقف في عرفات في يوم وقوفهم، و أن يقف في المشعر الحرام بعد الفجر من يوم عيدهم، و إذا عمل على وفق ذلك صح وقوفه و حجه، و برئت ذمته من التكليف بالحج، إذا كان واجبا عليه في ذلك العام، أو كان مستقرا في ذمته من عام سابق أو أكثر، و برئت ذمة الشخص المنوب عنه إذا كان المكلف نائبا في الحج عنه، و استحق الأجرة المسماة له إذا كان مستأجرا للنيابة، و سنتعرض لبقية أحكام هذا الحج في الفصل الآتي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 407

عند التعرض للوقوف في المشعر، و لإعمال الحج في يوم النحر و ما بعده فليلاحظ ذلك.

المسألة 906:

في الخبر عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (ع): إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، و اغتسل و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللّٰه، و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين. و في صحيحة معاوية بن عمّار عنه (ع)، قال: (فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل، و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة)، و يستحب له أن يأتي الموقف و عليه السكينة و الوقار.

المسألة 907:

يستحب كما قلنا من قبل أن يكون موقف الحاج في ميسرة الجبل، و أن يجمع أمتعته و رحله و أهله و أصحابه و يسدّ الخلل و الفرج الموجود في الموقف بنفسه و بهم.

المسألة 908:

يستحب له إذا أتى الموقف أن يحمد اللّٰه و يهلّله و يمجّده و يثني عليه بما هو أهله، و أن يقول: (اللّٰه أكبر) مائة مرة، (الحمد للّه) مائة مرة، (سبحان اللّٰه) مائة مرة، و أن يقرأ (قل هو اللّٰه أحد) مائة مرة، و أن يختار لنفسه ما أحب من الدعاء، و يجتهد في الدعاء و المسألة و التوبة و الاستغفار من الذنوب و الصلاة على الرسول و آله المطهّرين (ص)، و أن يستعيذ باللّه من الشيطان أن يذهله في هذا الموطن عن الإخلاص للّه و التوجه اليه، و أن يشتغل بالنظر الى نفسه و العمل لخلاصها و اسعادها عن النظر الى الناس و أفعالهم و حركاتهم في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 408

الموقف.

و يستحب أن يقول في دعائه: (اللّهم اني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، و ارحم مسيري إليك من الفجّ العميق)، و أن يقول:

(اللّهم ربّ المشاعر كلّها فكّ رقبتي من النار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس). و أن يقول: (اللّهم لا تمكر بي و لا تخدعني و لا تستدرجني). و أن يقول: (اللّهم إني أسألك بحولك و جودك و كرمك و فضلك و منّك، يا أسمع السامعين، و يا أبصر الناظرين، و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين، أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تفعل بي كذا و كذا) و يذكر حاجته و يستحب أن يقول و

هو رافع رأسه الى السماء: (اللّهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، و التي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار).

و أن يقول: (اللّهم اني عبدك و ملك يدك، ناصيتي بيدك، و أجلي بعلمك، أسألك أن توفّقني لما يرضيك عني، و أن تسلّم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم (ع)، و دللت عليها نبيك محمدا (ص)، و ان يقول: (اللّهم اجعلني ممن رضيت عمله و أطلت عمره، و أحييته بعد الموت حياة طيبة).

المسألة 909:

يستحب أن يقرأ دعاء الرسول (ص) الذي علّمه لعلي (ع) و قال له: هو دعاء من كان قبلي من الأنبياء و الدعاء هو أن يقول:

(لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي، و هو حي لا يموت، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللّهم لك الحمد أنت كما تقول، و خير ما يقول القائلون، اللّهم لك صلاتي و نسكي و ديني و محياي و مماتي، و لك ثرائي، و بك حولي، و منك قوتي، اللّهم إني أعوذ بك من الفقر، و من وسواس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 409

الصدر، و من شتات الأمر، و من عذاب النار، و من عذاب القبر، اللّهم إني أسألك من خير ما تأتي به الرياح، و أعوذ بك من شر ما تأتي به الرياح، و أسألك خير الليل و خير النهار).

و أن يقول: (اللّهم اجعل في قلبي نورا، و في سمعي نورا، و بصري نورا، و لحمي و دمي و عظامي و عروقي و مفاصلي و مقعدي و مقامي و مدخلي و مخرجي، و أعظم لي

نورا يا ربّ يوم ألقاك، انك على كل شي ء قدير).

المسألة 910:

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت و قل: (سبحان اللّٰه) مائة مرة، (اللّٰه أكبر) مائة مرة، و تقول (مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ) مائة مرة، و تقول:

(أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير) مائة مرة، و تقرأ (الم ذٰلِكَ الْكِتٰابُ لٰا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولٰئِكَ عَلىٰ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لٰا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ عَلىٰ سَمْعِهِمْ وَ عَلىٰ أَبْصٰارِهِمْ غِشٰاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ، وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مٰا يَخْدَعُونَ إِلّٰا أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ).

و تقرأ قل هو اللّٰه أحد ثلاث مرات، و تقرأ آية الكرسي، و تقرأ آية السخرة، و هي قوله تعالى:

كلمة التقوى، ج 3، ص: 410

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهٰارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أَلٰا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ

لٰا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَ لٰا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلٰاحِهٰا وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). و تقرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّٰاسِ)، و تقول: (الحمد للّه على كل نعمة أنعم بها عليّ، مما أعلم و مما لا أعلم، و مما أحصي و مما لا أحصي)، و تذكر أنعمه عليك واحدة واحدة ما أحصيت منها، و تقول:

(الحمد للّه على ما أنعم به عليّ من أهل و مال، الحمد للّه على ما أبلاني، اللّهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد، و لا تكافأ بعمل) و تحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن، و تسبّحه بكلّ تسبيح ذكر به نفسه في القرآن، و تكبّره بكل تكبير كبّر به نفسه في القرآن، و تهلّله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن.

و يستحب أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تكثر منها و تجتهد فيها، و أن تدعو اللّٰه بكل اسم سمّى به نفسه في القرآن، و بكلّ اسم تحسنه، و تدعوه بأسمائه التي ذكرها في آخر سورة الحشر، فتقول: (يا اللّٰه الذي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ، يا اللّٰه الذي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّٰارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ، يا اللّٰه الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). و تقول: (أسألك يا اللّٰه يا رحمن بكل اسم هو لك، و أسألك بقوتك و قدرتك و عزتك، و بجميع ما أحاط به علمك، و بجمعك و بأركانك كلها، و بحق رسولك

صلوات اللّٰه عليه و باسمك الأكبر الأكبر، و باسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا تخيّبه، و باسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك به

كلمة التقوى، ج 3، ص: 411

كان حقا عليك ان لا تردّه و أن تعطيه ما سأل، أن تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في)، و تسأل اللّٰه حاجتك كلها من أمر الآخرة و الدنيا، و ترغب إليه في الوفادة في المستقبل في كل عام، و تقول:

(أسأل اللّٰه الجنة) سبعين مرة، (أتوب الى اللّٰه) سبعين مرة، و تقول: (اللّهم فكّني من النار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب و ادرأ عني شر فسقة الجنّ و الانس و شر فسقة العرب و العجم).

المسألة 911:

يستحب للإنسان أن يكثر في الموقف و في غيره من المشاعر و المواطن من الدعاء و الاستغفار لأبويه و لأولاده و لأرحامه و لإخوانه المؤمنين، و يسمي من يتذكره منهم بأسمائهم من الأحياء و الموتى و لا يختص ذلك بعدد معيّن، و يذكر من لم يسمّه منهم على نحو العموم، و ان يختار ذلك على الدعاء لنفسه ففي الخبر عن إبراهيم بن أبي البلاد أو عبد اللّٰه بن جندب قال: كنت في الموقف، فلما أفضت لقيت إبراهيم ابن شعيب فسلّمت عليه، و كان مصابا بإحدى عينيه، و إذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك و انا و اللّٰه مشفق على عينك الأخرى فلو قصّرت من البكاء قليلا، قال: لا و اللّٰه يا أبا محمد، ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة، فقلت:

فلمن دعوت؟ قال: دعوت لإخواني، فإني سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: (من دعا لأخيه بظهر الغيب و

كلّ اللّٰه به ملكا يقول: و لك مثلاه، فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني و يكون الملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي، و لست في شك من دعاء الملك لي)، و عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع): (من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش، و لك مائة ألف ضعف مثله).

المسألة 912:

يجب أن يكون الإنسان حسن الظن باللّه أن يغفر له ذنوبه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 412

و يقضي له حوائجه إذا هو وقف في المواقف و أدّى الأعمال، ففي الخبر عن أبي عبد اللّٰه (ع) و قد سأله رجل في المسجد الحرام: من أعظم الناس وزرا فقال (ع): (من يقف بهذين الموقفين: عرفة و المزدلفة، و سعى بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، و صلى خلف مقام إبراهيم، ثم قال في نفسه و ظن ان اللّٰه لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا).

المسألة 913:

يستحب للحاج استحبابا مؤكدا أن يكون على طهارة في حال وقوفه بعرفات، و لا يجب عليه ذلك.

المسألة 914:

يجوز للحاج في وقوفه بعرفات أن يدعو بأي دعاء ينشئه أو يختاره، و لا يتعيّن عليه شي ء من ذلك، و الأفضل أن يدعو بالمأثور عن المعصومين (ع)، و قد سبق ذكر بعضها، و من المأثور عنهم (ع) دعاء الإمام أبي عبد اللّٰه الحسين (ع) الذي دعا به في موقف عرفات، و هو دعاء عظيم الشأن كبير المقاصد، فليغتنمه الحاج في هذا الموقف الشريف و غيره، و من المأثور أيضا دعاء ولده الامام زين العابدين (ع)، و هو الدعاء السابع و الأربعون من أدعية الصحيفة السجادية فليطلبه فيها أو في غيرها من المصادر، و للإمام زين العابدين (ع) دعاء آخر في يوم عرفة يرويه الشيخ الطوسي (قدس اللّٰه سره) في كتابه (مصباح المتهجد).

المسألة 915:

يستحب له أن يقول إذا أشرفت الشمس على الغروب: (اللّهم إني أعوذ بك من الفقر و من تشتت الأمر و من شر ما يحدث بالليل و النهار، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك، و أمسى خوفي مستجيرا بأمانك، و أمسى ذلي مستجيرا بعزك، و أمسى وجهي الفاني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 413

مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل و يا أجود من أعطى، جلّلني برحمتك و ألبسني عافيتك و اصرف عني شر جميع خلقك).

و يستحب له أن يقول إذا غربت الشمس: (اللّهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، و ارزقنيه من قابل أبدا ما أبقيتني، و اقبلني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي، مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم احد من وفدك و حجاج بيتك الحرام، و اجعلني اليوم من أكرم وفدك عليك و أعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير و البركة و الرحمة و الرضوان و المغفرة و بارك

لي في ما أرجع اليه من أهل و مال أو قليل أو كثير و بارك لهم في).

المسألة 916:

إذا طرأ للحاج عارض من مرض و نحوه فاضطر معه إلى الإفاضة من عرفات قبل وقت الإفاضة جاز له ذلك و لا كفارة عليه، و كذلك إذا خرج به السائق عن حدود عرفة قبل المغرب الشرعي بغير علم منه، أو كان لا يقدر على منعه من الخروج، فلا شي ء عليه.

المسألة 917:

إذا غابت الشمس و ذهبت الحمرة عن المشرق، و زالت الى قمة الرأس كما ذكرناه هنا و كما بيّنا في الغروب الشرعي من مبحث الوقت في الصلاة، جاز للحاج أن يفيض من عرفات ليذكر اللّٰه عند المشعر الحرام، و ان يخرج من حدود الموقف الأول و يتوجه الى الموقف الثاني، و يستحب له أن يكون في إفاضته على سكينة و وقار، و أن يكون في مسيره قاصدا متوسطا بين الإسراع و الإبطاء، و أن يشتغل في حال مسيره بالدعاء و الاستغفار كما يقول سبحانه (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفٰاضَ النّٰاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإذا بلغ الى الكثيب الأحمر، و هو يقع عن يمين الطريق استحب له أن يقول: (اللّهم ارحم موقفي و زد في عملي و سلّم لي ديني و تقبّل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 414

مناسكي)، و ليسر سيرا جميلا و ليتق اللّٰه ربه، فلا يطأ ضعيفا أو مسلما و لا يشرك في عنت انسان، و يستحب له أن يكبّر بين المأزمين إذا مرّ بينهما.

المسألة 918:

يستحب للحاج إذا أفاض من عرفات أن يؤخر صلاة المغرب و العشاء حتى يصل الى المزدلفة، فيصليهما فيها و إن مضى شطر من الليل، و ان يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين، و لا يصلي النافلة بينهما فإذا فرغ من الفريضتين صلى النافلة بعدهما إذا شاء.

المسألة 919:

يستحب له مع الإمكان أن يكون نزوله في المزدلفة ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، و يراد بالمشعر هنا جبل في الوادي يسمى قزح، و عليه مسجد معروف، و الجبل المذكور و المسجد المبني عليه يعرفان عند العامة من أهل تلك البلاد بالمشعر، و يستحب للحاج إذا كان صرورة أن يطأ المشعر برجله، و الصرورة هو الذي لم يحج من قبل هذا و ان كان قد اعتمر.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 415

الفصل الثاني و العشرون في الوقوف بالمزدلفة و أحكامه

المسألة 920:

الأحوط احتياطا لازما للحاج- بعد إفاضته من عرفات- أن يبيت ليلة العاشر من ذي الحجة في المزدلفة حتى يصبح، بل القول بوجوب المبيت فيها لا يخلو من قوة، و النصوص و ان كانت غير صريحة في ذلك، و لكن يستفاد من مجموع أدلة المسألة المفروغية عنه، و لذلك فعلى الحاج أن لا يتركه و لا يتسامح فيه إذا كان مختارا غير معذور، و ينوي المبيت في المزدلفة في الحج امتثالا لأمر اللّٰه المتوجّه اليه بذلك.

المسألة 921:

المزدلفة و المشعر الحرام و جمع أسماء ثلاثة لموضع واحد، و هو الموقف الثاني الذي يجب الوقوف فيه في الحج، و قد سبق في المسألة التسعمائة و التاسعة عشرة أن العامة من أهل تلك البلاد يسمون جبل قزح الموجود في الوادي و المسجد المؤسس عليه باسم المشعر الحرام، و لكن ورد في معتبرة أبي بصير عن الإمام أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر، و نتيجة لذلك فلا فرق ما بينهما في الحكم.

و حد المزدلفة من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، و في صحيحة زرارة عن الإمام أبي جعفر (ع): حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسّر، و ظاهر الصحيحة أن الحياض من وادي محسّر أو هي متصلة به، و ليست حدا للمزدلفة من ناحية أخرى، و الجبل المذكور في الصحيحة حد من حدود المزدلفة من أحد جوانبها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 416

و ليس المراد به جبل قزح فلا يلتبس الأمر في ذلك.

و الحدود المبيّنة ليست من وادي المزدلفة، فلا يجوز للحاج أن يقف في الحياض أو في وادي محسّر، و لا يقف في المأزمين، إلا إذا كثر الناس

و ضاق وادي المزدلفة عنهم، فيجوز عند ذلك الارتفاع إلى المأزمين، و قد وردت الرخصة الشرعية به في هذا الحال، و لا يصح في غير ذلك، و قد سبق أن جبل قزح من المزدلفة فيصح الوقوف عليه، و يصح الوقوف في ما بعده الى حد الوادي من تلك الجهة، و هكذا من الجهات الأخرى.

المسألة 922:

الواجب الثالث من واجبات الحج: الوقوف في المزدلفة من طلوع الفجر الى طلوع الشمس من اليوم العاشر من ذي الحجة.

و المراد بالوقوف الواجب هنا أيضا: الكون في الموقف المحدود و الحضور فيه على نهج ما ذكرناه في الوقوف بعرفات، فيجوز للحاج أن يمكث المدة المبيّنة في الوادي راكبا أو راجلا، و واقفا على قدميه أو جالسا أو مضطجعا، و لا يجب على الحاج أن يستوعب جميع المدة ما بين الطلوعين في الوقوف على الأقوى، فيجوز له أن يفيض من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس إذا كان قد وقف فيها مدة يتأدى بها الواجب بعد طلوع الفجر، و إذا تأخّر في وقوفه عن أول الفجر لعذر أو لغير عذر لم يجز له أن يفيض حتى يؤدي الواجب قبل طلوع الشمس.

المسألة 923:

يجب على الحاج أن ينوي الوقوف الواجب في المزدلفة في أوله، فإذا كان ممن لم يدرك المبيت في المزدلفة و وصل إليها عند طلوع الفجر نوى الوقوف في المزدلفة من الفجر الى طلوع الشمس في حج التمتع مثلا حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّٰه، و كذلك إذا تأخّر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 417

وقوفه عن أول الفجر و أدركه قبل طلوع الشمس، فعليه أن ينوي الوقوف الواجب من ذلك الوقت الى مطلع الشمس.

و إذا أدرك المبيت في المزدلفة و لو شطرا صغيرا من الليل، فالأحوط له أن ينوي الوقوف فيها من ذلك الوقت الى طلوع الشمس في حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه المتوجه اليه به، فإذا طلع الفجر جدّد نية الوقوف من الفجر الى طلوع الشمس لوجوبه امتثالا لأمر اللّٰه تعالى.

المسألة 924:

الركن من الوقوف في المزدلفة- و هو الذي يبطل الحج إذا تعمد المكلف تركه- هو الوقوف فيها فترة من الوقت يصدق معها انه أتى بمسمّى الوقوف في المزدلفة، فإذا وصل الحاج إلى المزدلفة عند الفجر و وقع فيها الى طلوع الشمس، فالمسمّى من هذا الوقوف هو الركن، و الباقي منه وقوف واجب غير ركن، و إذا تأخّر فلم يقف عند الفجر ثم وقف فيها قبل طلوع الشمس صح حجه لإدراكه الركن، و أثم بتركه الوقوف الواجب بعد الفجر إذا كان عامدا، و إذا هو ترك الوقوف متعمدا فلم يقف فيها قبل الفجر و لا بعده حتى طلعت الشمس أثم و بطل حجة.

المسألة 925:

إذا وقف الحاج في المزدلفة في ليلة العاشر قبل الفجر فقد أدرك الركن من الوقوف على الأقوى، فإذا أفاض من المزدلفة ليلا بعد ما وقف فيها و ترك الوقوف فيها بعد الفجر عامدا أثم بذلك لأنه ترك وقوفا واجبا، و صح حجه لأنه قد أدرك الركن كما قلنا، و وجب عليه أن يجبره بشاة، و إذا أفاض منها ليلا بعد ما وقف فيها و كان جاهلا- صح حجه، و لا شي ء عليه، و إذا تنبّه من جهله بعد ما أفاض وجب عليه الرجوع الى المزدلفة لإدراك الواجب و هو الوقوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 418

بعد الفجر، فإذا تعمّد و لم يرجع ففي وجوب الجبر بشاة إشكال و لا يترك الاحتياط، و كذلك الحكم في الساهي.

المسألة 926:

يجوز للخائفين و الضعفاء من الشيوخ و العجزة و المرضى، و للنساء و الصبيان أن يقفوا في المزدلفة ليلا، ثم يفيضوا منها إلى منى قبل طلوع الفجر و لا شي ء عليهم، و يصح بذلك حجهم، و كذلك من يتولى شؤون النساء و الصبيان و ان كان من غير الأصناف المذكورين، و الأحوط أن يكون ذلك بعد انتصاف الليل، و مثلهم في الحكم من يلزمه من البقاء الى طلوع الفجر و الوقوف ما بين الطلوعين حرج أو ضرر لا يتحمل عادة.

المسألة 927:

يجوز للحاج- حتى في حال الاختيار- أن يفيض من المزدلفة قبل طلوع الشمس إذا كان قد وقف فيها من الليل الى ذلك الوقت، أو كان قد وقف فيها من طلوع الفجر الى ذلك الوقت، و لا تجوز له الإفاضة قبل أن يحصل منه مسمّى الوقوف.

المسألة 928:

إذا لم يدرك الإنسان المزدلفة لسبب يعذر من أجله، فلم يقف فيها ليلة العاشر، و لم يقف فيها بعد طلوع الفجر منه، لنسيان استمر معه الى أن طلعت الشمس أو لسهو عرض له كذلك أو لعذر آخر منعه من الحضور و الوقوف طول تلك المدة، ثم زال العذر بعد ذلك، وجب عليه أن يقف فيها ما بين طلوع الشمس الى وقت زوالها من يوم النحر، فإذا وقف فيها في هذا الوقت أجزأه ذلك على ما سيأتي تفصيله، و هذا هو الوقت الاضطراري للوقوف بالمزدلفة للمعذورين و المضطرين، و لا يكفي الوقوف فيه مع الاختيار.

فإذا استطاع المعذور أن يقف في هذا الوقت وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 419

يدركه، و إذا تركه عامدا مع الاستطاعة بطل حجه، و لا يجب عليه أن يستوعب جميع هذه المدة بالوقوف، بل يكفيه أن يقف فترة قصيرة منه يصدق بها مسمّى الوقوف في المزدلفة، على نهج ما أوضحناه في الموقف الاضطراري بعرفات، و قد سبق بيانه في المسألة التسعمائة و الثانية.

المسألة 929:

إذا استمر بالحاج المعذور عذره المانع له عن الحضور في المزدلفة حتى خرج الوقت الاضطراري للوقوف فيها، فلم يقف بها في الوقت الاختياري و لا في الوقت الاضطراري فللمسألة صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يكون قد أدرك الوقوف في عرفات في وقتها الأول الاختياري، و ترك الوقوف بالمشعر، لجهله بوجوب الوقوف فيه، فإن كان قد عبر على المشعر في ليلة العاشر لمّا أفاض إلى منى من عرفات صح بذلك حجه، و ان لم يعبر بالمشعر في ليلة العاشر أشكل الحكم بصحة حجه.

الصورة الثانية: أن يكون أدرك الوقوف في عرفات في وقتها الاختياري و ترك الوقوف بالمشعر لنسيان أو

اضطرار، و الحكم بصحة الحج في هذه الصورة مشكل أيضا، سواء مرّ بالمشعر في ليلة العاشر أم لا.

الصورة الثالثة: أن يكون قد فاته الوقوف الاختياري في عرفات ثم فاته الوقوف في المشعر في الوقت الاختياري و الاضطراري معا، و الظاهر بطلان حجه في هذه الصورة و ان كان معذورا في ترك الوقوف فيهما.

المسألة 930:

ذكرنا أكثر من مرة أن للوقوف بعرفة وقتا اختياريا لا يجوز التأخر عن الوقوف فيه للمكلف المختار، و هو ما بين زوال الشمس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 420

من اليوم التاسع الى المغرب الشرعي منه، و الركن هو المسمّى من الوقوف في مجموع هذا الوقت، و له وقت اضطراري يجب على المكلف الوقوف فيه إذا فاته الوقت الأول لعذر من الأعذار، و هو ليلة العاشر، و الركن منه هو المسمّى أيضا.

و ذكرنا كذلك أن للوقوف في المزدلفة وقتا اختياريا و هو ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس من يوم النحر، و إذا كان المكلف قد بات في المزدلفة، فالوقت الاختياري من أول وقوفه في الليل الى مطلع الشمس من يوم النحر، و الركن هو المسمّى من الوقوف فيه، و له وقت اضطراري يجب على المكلف أن يقف فيه إذا فاته الوقوف الاختياري فلم يدركه لعذر من الأعذار، و هو ما بين طلوع الشمس و وقت الزوال من يوم النحر، و الركن منه هو المسمّى من الوقوف فيه، و قد أعدنا ذكر هذا تمهيدا لبيان الأحكام في إدراك الوقوفين معا أو إدراك أحدهما في المسائل الآتية فإن ادراك الحاج للوقوفين أو لأحدهما يقع على وجوه:

المسألة 931:

الوجه الأول: ان يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري كلّه، أو يؤدّي الواجب الركن منه- على الأقل- ثم يفيض منها إلى المزدلفة فيقف بها وقوفها الاختياري التام أو الركن منه، و لا ريب في الحكم بأن هذا الحاج قد أدرك الوقوفين و صح حجه، و إذا هو ادّى الركن من الوقوفين و ترك الوقوف غير الركن فيهما أو في أحدهما عامدا، أثم بذلك و صح حجه، لانه قد ادّى

الركن كما فرضنا.

المسألة 932:

الوجه الثاني: أن يكون الحاج معذورا فيقف في عرفات ليلا في وقتها الاضطراري على الوجه الصحيح، ثم يفيض بعدها الى المشعر الحرام فيقف به في وقته الاختياري كلّه أو يؤدّي الركن منه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 421

فيصح أيضا وقوفه بذلك و يصح حجه، و إذا تعمّد فلم يقف في المشعر في بعض الوقت الواجب، و لكنه ادّى الركن منه، أثم بترك الواجب، و صح حجه.

و قد سبق منا أن الوقوف في المشعر ليلا يكفي الحاج في تأدية الركن من الوقوف فيه، و نتيجة لذلك فإذا وقف ليلا و أفاض من المشعر قبل الفجر، و ترك الوقوف الواجب بعده صح حجه، و لا شي ء عليه إذا كان جاهلا أو معذورا ببعض الأعذار المسوّغة، و أثم بتركه الموقف بعد الفجر إذا كان عامدا في فعله غير معذور، و وجب عليه أن يجبره بشاة، و تراجع المسألة التسعمائة و الخامسة و العشرون، و هذا كلّه إذا كان وقف في الوقت الاضطراري من عرفات.

المسألة 933:

الوجه الثالث: أن يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري وقوفا تاما أو بمقدار يدرك الركن من الوقوف الواجب فيه، ثم يعرض له أحد الأعذار المانعة فلا يبلغ المزدلفة حتى تطلع الشمس من اليوم العاشر، فيقف فيها في وقتها الاضطراري بعد طلوع الشمس و قبل الزوال، فيصح بذلك وقوفه و يصح حجة.

المسألة 934:

الوجه الرابع: أن يعرض للحاج أحد الموانع فيدرك بسببه وقوف عرفات في وقتها الاضطراري ثم يدرك المزدلفة في وقتها الاضطراري أيضا من غير اختيار له فيهما، فإذا وقف فيهما صح وقوفه و حجه.

و الأحوط استحبابا له أن يعيد الحج في السنة المقبلة إذا كان الحج قد استقر في ذمته من عام سابق، أو بقيت استطاعته إلى السنة الآتية أو تجددت له استطاعة أخرى بعد زوال الأولى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 422

المسألة 935:

الوجه الخامس: أن يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري في جميع الوقت أو يدرك الركن الواجب منه، ثم يعرض له أحد الموانع فلا يدرك المزدلفة أصلا، لا في وقتها الاختياري و لا في وقتها الاضطراري، فإن كان السبب الذي ترك من أجله وقوف المزدلفة هو الجهل، و كان قد مرّ عابرا بالمزدلفة ليلا في أثناء إفاضته من عرفات إلى منى و ان لم يمكث بالمزدلفة برهة من الوقت، فالظاهر صحة حجه في هذه الصورة، سواء كان السبب جهله بالمزدلفة أم جهله بوجوب الوقوف فيها.

و ان كان قد ترك الوقوف في المزدلفة لنسيان أو لسبب آخر غير الجهل ففي صحة حجه إشكال، و كذلك إذا كان السبب هو الجهل و لم يعبر بالمزدلفة ليلا، و مثال ذلك: أن يبقى في عرفات ثم يفيض منها بعد الزوال من يوم النحر فيشكل الحكم بصحة حجة.

المسألة 936:

الوجه السادس: أن يفوت الحاج وقوف عرفات لبعض الاعذار فلا يقف بها في وقتها الأول و لا في وقتها الثاني، ثم يدرك المزدلفة فيقف بها في وقتها الاختياري، و مثال ذلك: أن يصل الحاج إلى مكة في ليلة النحر و لا يمكنه الوصول فيها الى عرفات، فإذا خرج الى المزدلفة و أدرك الوقوف الاختياري فيها صح وقوفه و حجه.

المسألة 937:

الوجه السابع: أن يدرك الحاج عرفات في وقتها الاضطراري فيقف فيه خاصة و لا يدرك المزدلفة في كلا الوقتين، و الظاهر بطلان حجه، و يجب عليه أن يحوّل النية في إحرامه إلى عمرة مفردة، فإذا أتمها تحلل من إحرامه، و لم يكفه ذلك عن الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 423

المسألة 938:

الوجه الثامن: أن يفوت الحاج موقف عرفات فلا يقف به في كلا الوقتين، و يدرك الوقوف في المشعر في وقته الاضطراري خاصة، و يشكل الحكم بصحة الحج أو ببطلانه في هذه الصورة، و لا يترك الاحتياط بأن يأتي بباقي الأعمال بقصد إتمام الحج ان كان حجه في الواقع صحيحا، و يقصد العمرة المفردة ان كان حجه باطلا، ثم يعيد الحج في العام المقبل.

المسألة 939:

إذا لم يدرك الحاج وقوفا في عرفات، و لا وقوفا في المزدلفة، لا في الوقت الاختياري منهما معا و لا في الوقت الاضطراري، بطل حجه، و وجب عليه أن يحول النية في إحرامه إلى عمرة مفردة و يجب عليه أن يتمّها و يتحلل من إحرامه بها، ثم يجب عليه الحج في السنة المقبلة إذا كان الحج قد استقر في ذمته، أو بقيت استطاعته إلى السنة القادمة، أو تجددت استطاعته للحج بعد زوالها.

المسألة 940:

إذا ترك الحاج وقوف عرفات أو وقوف المشعر في الوقت الاختياري منهما عامدا من غير عذر، فلم يأت حتى بمقدار الركن من الوقوف فسد حجه، و كذلك إذا ترك الوقوف في الوقت الاضطراري من أحدهما عامدا بعد ما وجب عليه بسبب من الأسباب، فيبطل حجه بترك الركن عامدا و قد تقدم ذكر هذا، و يمكن القول بفساد إحرامه، و ان كان الأحوط أن يأتي بأعمال العمرة المفردة برجاء المطلوبية، ثم يجب عليه أن يستأنف الحج في السنة القادمة إذا كان الحج واجبا عليه أو وجب عليه باستطاعة جديدة بعد زوال الأولى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 424

المسألة 941:

إذا حكم الحاكم من قضاة الجمهور بثبوت هلال ذي الحجة، فكان يوم عرفة و يوم النحر الثابت عندهم مشكوكي الثبوت عند الشيعة أو كانا معلومي المخالفة عندها، وجب على الحاج الشيعي أن يجري في أحكام الموقفين على وفق ما تقتضيه التقية في كل من الفرضين المذكورين، فيؤدي الوقوف الاختياري و الوقوف الاضطراري في عرفة و في المشعر الحرام على طبق ذلك، و تلزمه أحكامهما التي تقدم تفصيلها، و يجزيه ذلك كما بيّناه في المسألة التسعمائة و الخامسة، و يجب عليه أن يجري وفق أحكام التقية كذلك في أعمال منى و أعمال مكة في يوم النحر و أيام التشريق: إذا كان يوم الهلال الثابت عندهم مشكوك الثبوت عند الشيعة، و يحتمل مطابقته الواقع، فيلزمه تطبيق أحكام التقية في جميع ذلك، و تبرأ بتطبيقها ذمته، بل لا مسوّغ له في التأخير و لا سيما إذا كانت التقية شديدة.

و إذا كان يوم الهلال الثابت عندهم معلوم المخالفة عند الشيعة، وجب على الحاج تطبيق أحكام التقية في الموقفين كما ذكرنا و عليه أن

يؤخر أعمال الحج في منى و في مكة إلى يوم النحر و أيام التشريق عند الشيعة و لا يجري فيها وفق التقية.

المسألة 942:

إذا اقتضت التقية أن يعمل وفق حكم الجمهور في موقف عرفات وجب على الحاج أن يقف في اليوم التاسع عندهم كما قلنا و أما الوقوف نفسه فيجب على الحاج أن يجري فيه وفق مذهبنا لا وفق التقية، فلا تجوز الإفاضة فيه قبل المغرب الشرعي، و هكذا في سائر أحكام الوقوف، و كذلك في موقف المزدلفة فيقف فيه في ليلة النحر وفق حكمهم، و لكن المبيت و الوقوف فيها و الإفاضة منها يجب الجري

كلمة التقوى، ج 3، ص: 425

فيها و في أحكامها وفق مذهبنا، إلا إذا استدعت التقية الجري عليها في ذلك، و كذلك أعمال منى في يوم النحر و غيرها إذا كان حكم الحاج فيها أن يأتي بها في يوم النحر عندهم، فالتقية انما تقتضي أن يتبع حكمهم في تعيين اليوم وفقها لا في كيفية الأعمال و أحكامها فيلزم الحاج العمل فيها وفق مذهبنا، إلا إذا ألزمته التقية بموافقتهم في الأعمال و الأحكام.

المسألة 943:

يستحب للمكلف إذا نزل المزدلفة في ليلتها أن يقول ما روي عن أبي عبد اللّه (ع): (اللّهم هذه جمع، اللّهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللّهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، و أطلب إليك أن تعرّفني ما عرّفت أولياءك في منزلي هذا و أن تقيني جوامع الشر).

المسألة 944:

عنه (ع): (ان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دوي كدويّ النحل، يقول اللّه جلّ ثناؤه (أنا ربكم و أنتم عبادي أديتم حقي، و حقّ عليّ أن أستجيب لكم)، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه و يغفر لمن أراد أن يغفر له).

المسألة 945:

يستحب للمكلف أن يصبح على طهارة، فإذا صلّى صلاة الفجر وقف بعدها، و تخيّر في الوقوف في أي موضع يختاره من الوادي، و أن يكون في وقوفه متوجها الى القبلة، و أن يحمد اللّه و يثني عليه بما هو أهله، و يذكر من آلائه و نعمائه و بلائه ما يقدر على ذكره و تعداده.

و ليقل: (أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 426

و ليذكر الأئمة (ع) واحدا بعد واحد و ليدع لهم و ليبرأ من عدوهم.

المسألة 946:

يستحب له أن يقول: (اللّهم ربّ المشعر الحرام فكّ رقبتي من النار و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، اللّهم أنت خير مطلوب اليه و خير مدعوّ و خير مسئول، و لكل وافد جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي و تقبل معذرتي و أن تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي).

المسألة 947:

مما ورد عنهم (ع) أن يكثر الإنسان في الموقف من الدعاء لنفسه و لوالديه و أولاده و أهله و ماله، و لإخوانه المؤمنين و المؤمنات، و أن يجتهد و يلح في الدعاء.

المسألة 948:

و مما أثر عنهم (ع) أن يقول: (اللّه أكبر) مائة مرة، (الحمد للّه) مائة مرة، (سبحان اللّه) مائة مرة، (لا إله إلا اللّه) مائة مرة، ثم يصلّي على النبيّ (ص) و يقول: (اللّهم اهدني من الضلالة و انقذني من الجهالة، و اجمع لي خير الدنيا و الآخرة، و خذ بناصيتي الى هداك، و انقلني الى رضاك، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، و ذلّ لك فأكرمته، و جعلته علما للناس، فبلغني فيه مناي و نيل رجائي، اللّهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرّم شعري و بشري على النار، و أن ترزقني حياة في طاعتك، و بصيرة في دينك، و عملا بفرائضك، و اتّباعا لأوامرك و خير الدارين و أن تحفظني في نفسي و والدي و ولدي و أهلي و إخواني و جيراني برحمتك)، و ان يجتهد في المسألة و التضرع الى اللّه و الدعاء و الابتهال اليه سبحانه حتى تطلع الشمس.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 427

و الابتهال اليه سبحانه حتى تطلع الشمس.

و قد تقدم أنه يستحب للحاج أن يطأ المشعر الحرام برجله و المراد به هنا جبل قزح و يتأكد استحباب ذلك للصرورة و هو الذي لم يحج من قبل، و في حجة الإسلام، و يستحب الصّعود على الجبل و أن يذكر اللّه و يدعو.

المسألة 949:

يستحب للحاج أن يفيض من المزدلفة قبل طلوع الشمس، و أن لا يتعدى وادي محسّر قبل ان تطلع الشمس، و محسّر واد عظيم يقع بين المزدلفة و منى، و هو ليس من المزدلفة و لا من منى فلا تلحقه أحكامهما، و يستحب للحاج إذا بلغ في إفاضته وادي محسّر أن يسعى و يهرول في الوادي حتى

يقطعه، و أقل السعي فيه مائة خطوة أو مائة ذراع، و إذا كان راكبا حرّك دابته لتسرع في الوادي، و يستحب أن يقول في سعيه (اللّهم سلّم لي عهدي و اقبل توبتي واجب دعوتي و اخلفني بخير في من تركت بعدي)، و يستحب لمن ترك السعي فيه أن يرجع الى الوادي و يسعى فيه.

المسألة 950:

يستحب للحاج أن يلتقط الحصى التي يرمى بها الجمار من المزدلفة، و دون ذلك أن يأخذه من منى، و يجوز أخذها من سائر مواضع الحرم، و لا يجوز أخذها من المسجد الحرام و لا من مسجد الخيف، و لا يجوز أخذها من المواضع المملوكة إلا بإذن أهلها و لا أخذها من الأماكن الموقوفة كالمساجد و نحوها، و لا تجزي إذا أخذت من غير الحرم، أو كانت غير أبكار قد أخذت من الحصى التي رميت به الجمار من قبل.

المسألة 951:

يستحب أن تكون الحصاة التي ترمي بها الجمار رخوة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 428

برشاء كحلية منقّطة، و أن تكون بقدر الأنملة، و أن تكون ملتقطة، و يكره أن تكون صماء و أن تكون سوداء أو حمراء أو بيضاء، و أن تكون مكسّرة، و عدد الحصى التي يلتقطها سبعون حصاة، و الأولى أن يزيد على ذلك للاستظهار، فلعله يخطئ في البعض، و الأولى بل الأحوط أن تكون الحصيات طاهرة فلا يرمي بها إذا كانت معلومة النجاسة.

المسألة 952:

يكفي المكلف في تأدية الواجب من الرمي أن يرمي الجمرة بما يسمى حصاة في نظر أهل العرف و ان كانت على غير الصفات المستحبة التي ذكرناها أو كانت على الصفات المكروهة، و ما ذكرناه انما هو للفضل و الاستحباب في الوظيفة، و لا تكفيه إذا كانت لا تعدّ حصاة لصغرها أو لكبرها مثلا، و لا يكفيه أن يرمي الجمرة بغير الحصى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 429

الفصل الثالث و العشرون في واجبات منى يوم النحر

(1): رمي جمرة العقبة
المسألة 953:

يجب على الحاج بعد أن يتمّ وقوفه في المزدلفة أن يخرج منها إلى منى ليؤدي فيها أعمال الحج الواجبة في يوم النحر، و الأعمال الواجبة عليه في منى يوم النحر ثلاثة:

الواجب الأول منها: رمي جمرة العقبة و هو الواجب الرابع من واجبات الحج، و وقت رمي الجمرة من طلوع الشمس في يوم النحر إلى وقت غروب الشمس فيه، و إذا لم يأت الحاج به النسيان أو سهو أو جهل أو لعذر آخر حتى غربت الشمس وجب عليه أن يقضيه في اليوم الحادي عشر قبل أن يرمي الجمرات الثلاث فيه، و إذا استمر به العذر قضاه في اليوم الثاني عشر، و إذا تركه فيه أيضا قضاه في الثالث عشر، و إذا تذكره في أحد ليالي التشريق قضاه في نهار تلك الليلة، و إذا نفر من منى في الثاني عشر أو الثالث عشر، و تذكره و هو في مكة أو في بعض الطريق وجب عليه الرجوع إلى منى و قضاء رمي الجمرة إذا أمكنه الرجوع و القضاء في أيام التشريق.

و إذا تذكره بعد انقضاء أيام التشريق، وجب عليه أن يقضيه في السنة المقبلة فيعود إلى منى مع الإمكان، و يقضيه بنفسه في يوم النحر أو أيام التشريق، و ان لم يمكن

له ذلك استناب أحدا في القضاء عنه.

المسألة 954:

لا يصح رمي الحاج للجمرة حتى تتحقق فيه عدة أمور

كلمة التقوى، ج 3، ص: 430

أحدها: النية في أول الرمي، فيعيّن فيها العمل و النسك و يقصد القربة، و الأولى أن يقول في أول الرمي: (أرمي جمرة العقبة سبع حصيات في حج التمتع (مثلا) حج الإسلام طاعة لأمر اللّه تعالى)، ثم يتابع رميه الى نهايته تنفيذا لنيته.

ثانيها: أن يرميها بسبع حصيات فلا يكفيه أقلّ من ذلك، و لا تعدّ الحصاة التي يخطئ فيها من السبع.

ثالثها: أن يصيب الجمرة بكل واحدة من الحصيات بما يسمّى رميا، فلا يكفيه أن يضع الحصاة على الجمرة أو يضربها بالحصاة و هي في كفّه، أو تصيب الحصاة شيئا آخر ثم تنحدر انحدارا حتى تصل إلى الجمرة، أو تصطدم بشي ء ثم تثب منه إلى الجمرة، أو يرمي بالحصاة إلى أعلى فتسقط بعد ارتفاعها و تقع على الجمرة.

رابعها: أن يرمي الجمرة بالحصيات واحدة بعد واحدة، فلا يكفيه أن يرميها بأكثر من حصاة في مرة واحدة، و إذا رماها كذلك عدّها حصاة واحدة.

المسألة 955:

يجب أن يرمي الجمرة نهارا، فلا يكفيه أن يرميها ليلا إذا كان صحيحا مختارا، و يجوز ذلك له إذا كان من ذوي الأعذار كالخائف و المريض و شبههما و سيأتي تفصيل هذا الحكم في مبحث رمي الجمار.

المسألة 956:

إذا شك الإنسان في أنه أصاب الجمرة برميته أو لم يصبها، و كان في أثناء الرمي بنى على عدم الإصابة فتجب عليه إعادة الرمية المشكوكة، و كذلك إذا شك في عدد الرمي فيبني على الأقل، و إذا شك في صحة الرمي بعد ما دخل في أعمال الحج التي تترتب على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 431

الرمي كالذبح و الحلق و أعمال مكة بنى على الصحة، أو شك فيه بعد دخول الليل. و لا يترك الاحتياط إذا شك في الصحة أو في العدد بعد ما انصرف من الرمي قبل أن يدخل في الأعمال الأخرى فيعيد ما شك في صحته و يبني على الأقل في ما شك في عدده.

المسألة 957:

يستحب للحاج في حال الرمي أن يكون ماشيا، و يجوز له أن يكون راكبا، و يستحب له أن يكون على طهارة، و أن يرمي جمرة العقبة من قبل وجهها و أن يكون ما بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، و يستحب له أن يقول و الحصى في يده: (اللّهم إن هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي)، ثم ينوي النية و يرمي، و يقول مع كل حصاة يرميها: (اللّه أكبر، اللّهم ادحر عني الشيطان، اللّهم تصديقا بكتابك، و على سنة نبيك محمد (ص) اللّهم اجعله لي حجا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا)، و يستحب أن يأخذ الحصى بيده اليسرى و يرمي بيده اليمنى، و ان يحذف الحصاة حذفا فيجعلها على الإبهام و يدفعها بظفر السبّابة، فإذا أتم الرمي و رجع الى رحله في منى قال: (اللّهم بك وثقت و عليك توكلت، فنعم الرب و نعم المولى و

نعم النصير).

(2) الذبح أو النحر في منى
المسألة 958:

الواجب الثاني من أعمال منى في يوم النحر: ذبح الهدي إذا كان من البقر أو الغنم، و نحره إذا كان من الإبل، و هو الواجب الخامس من واجبات حج التمتع، و لا يجب الهدي في حج الإفراد و لا في حج القران، و الهدي في حج القران إنما وجب على المكلّف بسبب سياقه للهدي و عقد إحرامه به، و لم يجب عليه لأنه نسك من أعمال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 432

الحج نفسه كما في التمتع.

و يجب الهدي في حج التمتع و ان كان مندوبا أو منذورا، حتى على المكي و من بحكمه من حاضري المسجد الحرام إذا حج ندبا و اختار أن يأتي بحجة تمتعا، فيجب عليه أن يأتي بما استيسر من الهدي على الأحوط، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 959:

يجب أن يكون ذبح الهدي أو نحره نهارا، فلا يكفي ذبحه أو نحره ليلا مع الأمن، حتى للشيوخ و الضعفاء و المرضى و النساء و الصبيان الذين أجاز الشارع لهم أن يفيضوا من المزدلفة و يرموا جمرة العقبة ليلا، فلا يصح لهم الذبح و النحر ليلا، و لا يكفيهم ذلك في أداء الواجب، و لا فرق في الحكم بين العامد و الجاهل و الناسي، و يصح ذلك للخائف خاصة، فيجوز له أن يذبح هديه أو ينحره في ليلة العيد إذا أفاض فيها بعد الوقوف في المزدلفة و بعد أن يرمي جمرة العقبة في منى في ليلته.

المسألة 960:

يجب أن يكون الذبح أو النحر بعد رمي جمرة العقبة، فلا يصح للحاج أن يذبح هديه قبل أن يرمي الجمرة عامدا، و إذا فعل كذلك وجبت عليه إعادة الذبح، و إذا نسي أو سها أو جهل فقدم الذبح على الرمي صح رميه و ذبحه أو نحره، و لم تجب عليه الإعادة.

المسألة 961:

يجب أن يكون ذبح الهدي أو نحره في وادي منى و يجزي الحاج أن يذبح أو ينحر في أي موضع يشاء من مواضعها، إلا إذا ذبح في المسجد و استلزم ذلك تنجيسه، فالظاهر عدم جواز ذلك و عدم الاجتزاء به، و لا يكفي الذبح أو النحر في غير منى مع الاختيار، و لا يكفيه الذبح في خارج منى و هو يعتقد أنه ذبح فيها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 433

و إذا منعت السلطة الحاكمة في البلاد من الذبح في وادي منى، و عينت للحجاج مذبحا خاصا في خارج الوادي و لم تجز التعدّي عنه، و اقتضت التقية الجري على هذا الحكم جاز للحاج أن يذبح أو ينحر في ذلك الموضع و كفاه في تأدية الواجب و ترتبت عليه أحكامه، و ان أمكن له الذبح في منى في آخر شهر ذي الحجة أو بعد انتهاء أيام التشريق، و لا سيما إذا كان في التأخير حرج على الحاج أو لم يجد من ينوب عنه في شراء الهدي و ذبحه أو نحره بعد النفر و خروج رفقته من مكة إلى أوطانهم.

المسألة 962:

الأحوط لزوما أن يكون ذبح الهدي أو نحره في اليوم العاشر، فلا يؤخره المكلف عنه اختيارا إلى ما بعده من أيام التشريق فضلا عن غيرها من أيام ذي الحجة، و لا ريب و لا خلاف بين الفقهاء في صحة الذبح و النحر إذا وقع فيه، و التردد الحاصل من بعضهم إنما هو في تعين ذلك على المكلف مع اختياره و جواز التأخير عن اليوم العاشر إلى ما بعده، فلا يترك الاحتياط فيه بل لا يخلو تعيّنه من قوة، و إذا ترك الذبح فيه عامدا من غير عذر أثم،

و وجب عليه أن يأتي به في أيام التشريق، و إذا نسي الحاج الذبح أو غفل عنه أو جهل حكمه، فلم يذبح هديه أو لم ينحره في يوم الأضحى لم يأثم، و وجب عليه أن يذبحه في ما بعده من أيام التشريق، و إذا استمر به النسيان أو العذر وجب عليه أن يأتي به في شهر ذي الحجة، و إذا استمر به النسيان أو العذر فلم يذبح هديا في حج التمتع حتى رجع إلى أهله وجب عليه أن يأتي به في العام المقبل بمنى، فإن لم يتمكن من ذلك بنفسه استناب أحدا يهدي عنه.

المسألة 963:

يجب أن يكون الهدي من الأنعام الثلاثة: الإبل و البقر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 434

و الغنم، فلا يجزي غيرها من أجناس الحيوان الأخرى، و الأحوط اجتناب الإبل البخاتي، و لا تجزي البقر الوحشية و لا الغنم الجبلية، و يعتبر في الهدي إذا كان من الإبل أو من البقر أو من المعز أن يكون ثنيا فما فوق، و الثني من الإبل هو ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة من عمره، و الثني من البقر ما أكمل الثانية و دخل في الثالثة، و الثني من المعز ما أكمل سنة و دخل في الثانية، و لا يجزي ما هو أقل من ذلك في الأنعام الثلاثة المذكورة، و يجزي الجذع من الضأن و هو ما تمّت له سنة كاملة و إن لم يتجاوزها.

المسألة 964:

إذا ذبح المكلّف الهدي أو نحره ثم علم بعد الذبح أو النحر أن هديه لم يبلغ السن التي اعتبرها الشارع في الهدي لم يكفه ذلك و وجبت عليه الإعادة.

المسألة 965:

يجب أن يكون الهدي سليما تام الأعضاء و الجوارح، فلا يكفي ذبح الأعور و لا الأعرج و لا مقطوع الأذن و إن كان المقطوع منه بعضها، و لا مقطوع الذنب أو الألية و إن كان المقطوع بعضهما و لا مكسور القرن الداخل و إن كان الكسر لجزء صغير منه، و المراد بالقرن الداخل: القرن الصغير الأبيض الذي يكون في وسط القرن الخارج، و لا يضرّ في صحة الهدي كسر القرن الخارج منه إذا كان الداخل سليما، و لا يكفي الهدي إذا كان كبير السن لا مخ له لكبره.

و لا يكفي الخصي و لا المجبوب من الذكور، و لا يكفي المهزول أو المهزولة، و قد فسّر الهزال في بعض النصوص بأن لا يوجد على كلية الهدي شحم، و الأحوط أن لا يجتزأ بذبح ما يعدّ مهزولا في نظر أهل العرف و إن وجد على كليته بعض الشحم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 435

المسألة 966:

الأحوط بل الأقوى أن لا يكتفى بالشاة الجمّاء، و هي التي لم يوجد لها في أصل تكوينها قرن، و مثلها المعزاة و البقرة الجمّاء، و لا يكتفى بالصمعاء التي لم تخلق لها أذن، و لا البتراء التي لم يخلق لها ذنب، نعم، يصح ذلك و يكفي إذا اتفق وجود صنف من الغنم و المعز و البقر له مثل هذه الصفات في أصل خلقته بحيث لا يعدّ ذلك نقصا فيه، و يجوز في الهدي ان يكون موجوءا أو مرضوض الخصيتين، و إن كان الأحوط استحبابا تركه، و لا بأس بالهدي إذا كان مشقوق الأذن أو مثقوبها ما لم ينقص من الأذن شي ء بسبب الثقبة.

المسألة 967:

إذا اشترى الحاج هديا و هو يظن أو يعتقد أنه سمين، و استبان له بعد أن ذبحه أو نحره أنه مهزول أجزأه ذلك فلا إعادة عليه، و كذلك إذا ظن أن الهدي الذي اشتراه أو الموجود لديه مهزول، ثم ذبحه برجاء أن يكون سمينا في الواقع، و وجده بعد ذبحه سمينا كما احتمل، فيكفيه ذلك و لا تجب عليه الإعادة.

و إذا اشترى هديا و هو يعتقد سلامته من العيوب، ثم وجد به عيبا بعد أن نقد ثمنه كفاه ذلك، و إذا علم بالعيب قبل أن ينقد الثمن ردّ الهدي على بائعه و اشترى غيره.

المسألة 968:

يجب على الحاج المتمتع أن يذبح أو ينحر في حجه هديا واحدا على الأقل، و يجوز له أن يذبح أو ينحر أكثر من هدي واحد، و لا يكفي هدي واحد عن أكثر من شخص واحد مع الاختيار، و إن كان الهدي من البقر أو الإبل.

و إذا لم يجد المتمتع هديا خاصا يستقل به، و وجد ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 436

يشترك فيه مع غيره، فالأحوط له أن يجمع بين الاشتراك في الهدي و الصوم عشرة أيام بدل الهدي، و كذلك الحكم إذا لم يجد الثمن لشراء الهدي إلّا على وجه الاشتراك، و سيأتي ذكر الصوم بدل الهدي.

المسألة 969:

إذا لم يجد المتمتع من الأنعام الثلاثة ما يهديه في أيام النحر و التشريق، و وجد ثمنه و أراد الرجوع الى أهله بعد النفر، دفع الثمن الى من يأتمنه و يثق به و وكله على شراء الهدي و ذبحه بالنيابة عنه في أيام شهر ذي الحجة، و إذا لم يجد الوكيل في بقية الشهر اشتراه و ذبحه عنه في ذي الحجة من السنة الآتية، فإذا فعل الوكيل ما وكله به كفى المتمتع ذلك، و أجزأ عنه في أداء ما وجب عليه.

المسألة 970:

كلّ ما ذكرناه من الشروط و الصفات المعتبرة في الهدي إنما يكون شرطا فيه مع الإمكان، و إذا فقد ذلك و لم يمكن تحصيله جاز للحاج أن يأتي بما استيسر من الهدي و إن كان ناقصا في بعض الشروط و الصفات، و يجب عليه أن يأتي بالأتم فالأتم منه و الأقرب فالأقرب من التام.

المسألة 971:

إذا ضلّ الهدي الذي اشتراه المتمتع، وجب عليه أن يشتري بدله هديا آخر، فإذا وجد الهدي الأول بعد أن اشترى الثاني و قبل أن يذبحه، تعيّن عليه أن يذبح الأول، و كان الهدي الآخر الذي اشتراه ثانيا كسائر ماله فيجوز له ذبحه و تركه، و إن كان ذبحه أيضا أفضل، و إذا وجد الهدي الأول بعد أن ذبح الهدي الثاني، فلا يترك الاحتياط بان يذبح الأول أيضا بعد ما وجده.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 437

المسألة 972:

إذا وجد انسان هديا ضالا و لم يعرف صاحبه، وجب عليه أن يعرّف بالهدي في يوم النحر و في اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر، فإذا لم يعرف صاحبه ذبحه عنه بمنى في عصر اليوم الثاني عشر، و إذا ذبحه كذلك أجزأ عن صاحبه، و لا يجب على الواجد الذابح أن يأكل من هذا الهدي بالنيابة عن صاحبه، و الأحوط له استحبابا أن يتصدق بثلث الهدي و يهدي ثلثه، و لا يجب عليه ذلك.

المسألة 973:

يستحب للمكلف أن يختار لهدية الأنثى السمينة من الإبل و البقر، و هي من الإبل أفضل من البقر، و أن يختار الذكور من الضأن و المعز، و قد ورد الحث على أن يكون الهدي كبشا سمينا فحلا من الضأن، فإن لم يجد فموجوء من الضأن، فإن لم يجد فتيسا فحلا، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع):

(الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز)، و المراد أن النعجة خير من المعزة الأنثى، أما الذكر من المعز فهو أفضل من النعجة.

المسألة 974:

لا يتعين على الحاج في هدي التمتع أن يباشر ذبح الهدي أو نحره بيده، بل يجوز له حتى في حال الاختيار و القدرة أن يستنيب أحدا غيره في الذبح و النحر عنه، و مثله الحكم في الفداء الذي يجب عليه في إحدى الكفارات، فيجوز له الاستنابة في ذبحه أو نحره.

المسألة 975:

يستحب أن يكون الهدي مما عرّف به، و المراد أن يكون قد أحضر في عرفات يوم الوقوف بها، و يكفي إخبار البائع بذلك، و يستحب أن يتولى الناسك ذبح هديه أو نحره بنفسه إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 438

يحسن ذلك، فإن لم يحسن أو لم يقدر على أن يتولى ذلك استحب له أن يضع السكين بيده و يقبض الذابح أو النّاحر على يده فيذبح أو ينحر، و دون ذلك في الفضل أن يشهد الناسك ذبح هديه أو نحره.

المسألة 976:

تجب النية في ذبح الهدي أو نحره، فيعيّن العمل و النسك و يقصد به التقرب إلى اللّه فإذا كان الذابح أو النّاحر هو الناسك فالأولى أن يقول: (أذبح أو أنحر هذا الهدي في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى).

و إذا تولى الذبح أو النحر غير الناسك بالنيابة عنه، فإن أخذ الذابح بيد الناسك و ذبح نوى الذابح و الناسك معا، و إذا انفرد النائب بالذبح تولى النائب النية و قصد بفعله النيابة عن الناسك، و إذا كان الناسك حاضرا، فالأحوط أن ينويا معا، و يشكل الحكم بالاجتزاء إذا نوى الناسك و لم ينو النائب.

المسألة 977:

يستبين مما قدمنا ذكره أنه يشترط في النائب في الذبح و النحر أن يكون ممن تصح منه نية التقرب، و لذلك فلا بدّ فيه من الإسلام و الإيمان، و لا تصح استنابته و لا عمله إذا كان غير مسلم أو غير مؤمن.

المسألة 978:

يستحب أن تنحر الإبل و هي قائمة، و أن يربط يديها ما بين الخف و الركبة، و في خبر أبي خديجة رأيت أبا عبد اللّه (ع) و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى و يقول: (بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهم هذا منك و لك، اللّهم تقبّل مني) ثم يطعن في لبّتها ثم يخرج السكين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 439

المسألة 979:

في الصحيح عن أبي عبد اللّه (ع): إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه، قل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، اللّهم منك و لك، باسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر، اللّهم تقبل مني) ثم أمرّ السكين و لا تنخعها حتى تموت.

و ورد أن يقول بعد ذلك: (تقبّل مني كما تقبّلت من إبراهيم خليلك، و موسى كليمك، و محمد حبيبك صلى اللّه عليه و آله و عليهم).

المسألة 980:

إذا اشترى الحاج هديا تام الخلقة سليما من العيوب ثم أصابه بعد شرائه إياه كسر أو عيب أو حدث فيه نقص في بعض أعضائه بغير تسبيب أو فعل من الناسك نفسه، أجزأ الناسك ان يذبحه أو ينحره و لم يجب عليه أن يبدله بهدي غيره.

المسألة 981:

إذا اشترى الحاج هديا و دفعه إلى احد غيره و وكّله في ذبحه أو نحره عنه، أو دفع اليه ثمن الهدي و وكّله في أن يشتريه و يذبحه بالنيابة عنه، لم تبرأ ذمة الحاج بمجرّد التوكيل و الدفع، حتى يؤدي الوكيل النائب ما وكّله فيه، و إذا شك في أن الوكيل أدّى ما استنابه فيه أو لم يؤد، بنى على عدم فعله، و إذا أخبره الوكيل بأنه قد اشترى الهدي و ذبحه عنه أو نحره و كان ثقة قبل قوله.

المسألة 982:

إذا ذبح الحاج هدي التمتع أو نحره، أو تولى ذلك عنه نائبه، قسمه أثلاثا، و اختص الناسك لنفسه و أهل بيته بثلث منه و اهدى ثلثا منه إلى بعض إخوانه، و تصدّق بثلث منه على البؤساء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 440

المساكين، و الأحوط لزوما أن يأكل من الثلث الذي يختص به، بل لا يخلو وجوب ذلك عليه من قوة، و لا يجب عليه أن يأكل جميع ثلثه فيجوز له ان يأكل بعضه و يهدي بعضه أو يتصدّق به، و يجوز له أن يدع باقي الثلث في موضعه و يعرض عنه، و لا ضمان عليه في ذلك.

المسألة 983:

الأحوط لزوما ان يهدي الناسك ثلث هديه إلى بعض إخوانه من المؤمنين، بل الحكم بوجوب ذلك عليه هو الأظهر من الأدلة، فلا يجوز له ترك ذلك مع الاختيار، و يجوز له أن يدفع هذا الثلث إلى الأغنياء من إخوانه و الفقراء بعنوان الاهداء، و يجوز له أن يدفعه إلى من لا يعرفه على الخصوص إذا علم بأنه من أهل الإيمان، و هذا هو المراد من قولنا: يهديه إلى بعض إخوانه، و يكفي أن تكون قسمة الهدي أثلاثا بالتساوي و التعادل- بين الأقسام الثلاثة على وجه التقريب، و لا يجب أن تكون بالميزان و المقياس المضبوط بحيث لا يختلف مقدار واحد منها عن مقدار الآخر، و يجوز أن يدفع الثلث كلّه إلى شخص واحد، و يجوز له أن يدفع الثلثين إلى فقير واحد فيعطيه ثلث الهدي هدية و الثلث الثاني صدقة.

المسألة 984:

إذا ترك الناسك ثلث الهدية متعمدا فلم يدفعه إلى أحد هدية مع إمكان ذلك له أثم بتركه على الأقوى، و كان له ضامنا على الأحوط، و إن لم يكن له مالك خاص فيضمنه للجهة التي وجب عليه صرف الثلث فيها.

المسألة 985:

إذا أعطى الحاج ثلث الهدية إلى احد، و قبله المدفوع إليه برئت ذمة الحاج من التكليف و جاز للشخص المدفوع إليه بعد ما تملكه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 441

يأكله إذا شاء، و أن يتصدق به على فقير، و أن يبيعه و أن يهديه إلى غيره، و إن كان غير مؤمن، و جاز له أن يعرض عنه و يتركه في موضعه، و لا ضمان عليه في ذلك و لا على الحاج صاحب الهدي.

و بذلك فيمكن للناسكين بعد ما يذبحان أو ينحران هديهما أن يهدي كلّ منهما ثلث هديه إلى صاحبه، فتبرأ بذلك ذمتهما من التكليف و الضمان، و يفعل كل منهما بالثلث الذي صار إليه من صاحبه ما يشاء.

المسألة 986:

يجب على الناسك أن يتصدق بثلث هديه على البائسين الفقراء من المؤمنين مع إمكان ذلك له، و إذا تعذر عليه التصدق به لعدم وجود الفقير في منى، أو لعدم الفقير المؤمن سقط عنه وجوب التصدّق به و لا شي ء عليه بسبب ذلك، و إذا أمكن للناسك عزل ثلث الصدقة و إيصاله إلى فقير موجود في منى من الحجاج أو من غيرهم أو إلى وكيل قد وكّله الفقير في القبض عنه، فالأحوط وجوب عزله و إيصاله إليه، و يكفي في تأدية الواجب دفعه إلى الوكيل المذكور.

فإذا قبض الفقير ثلث الصدقة أو قبضه وكيله برئت ذمة الناسك من التكليف به و جاز للفقير أن يتصرف فيه بما يشاء من بيع و غيره، و يجوز لوكيل الفقير أن يتصرف في حصة الفقير بعد قبضها بمقدار ما لوكالته عنه من عموم و خصوص و إطلاق أو تقييد، و يجوز للفقير و لوكيله مع عموم الوكالة أن يدفعه إلى غير

المؤمن.

المسألة 987:

يصح للفقير أن يوكّل أحدا في أن يقبض له ثلث الصدقة من الناسكين في منى و ان كان الفقير الموكّل غائبا عن منى، فيوكّل ذلك الشخص في أن يقبضه له من صاحب الهدي، و في أن يبيعه بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 442

القبض و يقبض ثمنه من المشتري، أو يهبه لأحد، بل و يجوز أن يوكّله في قبض الثلث ثم الاعراض عنه بعد القبض و التملّك، لتيسير الأمر على بعض الناسكين و نيل المثوبة بسبب ذلك.

و يجوز للفقير الغائب أن يوكّل الناسك نفسه في قبض ثلث الصدقة من هديه إذا ذبحه في منى، و في بيعه له أو هبته أو الاعراض عنه بعد القبض.

المسألة 988:

يجوز للحاج أن يشتري ثلث الصدقة من المسكين بعد أن يتصدق به عليه و يقبضه المسكين أو وكيله، و يجوز له أن يشتري ثلث الهدية من الشخص المهدي اليه بعد أن يتملكه الشخص بالإهداء اليه و القبض، و إذا اشترى الثلث أو الثلثين كذلك جاز له أن يتصرف في المبيع كما يشاء.

المسألة 989:

الأحوط في الشخص أو الأشخاص الذين يهدي الناسك إليهم ثلث الهدية، و الفقير أو الفقراء الذين يعطيهم ثلث الصدقة أن يكونوا من المؤمنين، فإذا أهدى الثلث الى غير المؤمن مع وجود المؤمن و التمكن من الدفع إليه كان ضامنا للثلث على الأحوط، و كذا إذا تصدّق بالثلث على غير المؤمن مع التمكن من صرفه في موضعه، و قد ذكرنا أن الضمان للجهة التي وجب على الناسك صرف الثلث فيها.

و يضمن الهدية أو الصدقة أيضا إذا تركهما متعمدا، أو أتلف الثلثين باختياره، أو فرّط في الثلثين حتى حصل التلف أو دفعهما لغير من يستحقهما عامدا، و لا ضمان عليه إذا لم يتيسر له الاهداء أو التصدق و كان معذورا في الترك، و لا ضمان عليه إذا نهب الثلث أو الهدي غير المؤمن أو أخذه قهرا عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 443

المسألة 990:

إذا أهدى الناسك ثلثه الذي يختص به إلى غيره و لم يأكل منه شيئا أثم بترك الأكل كما تقدم، و لا ضمان عليه، و كذلك إذا أعرض عن ثلثه الخاص به و لم يأكل منه، فيأثم لترك الأكل و لا ضمان عليه، و بحكمه ما إذا تصدّق بثلث الهدي و أهدى الثلثين الآخرين و لم يتناول شيئا.

المسألة 991:

إذا أهدى الناسك جميع هديه إلى غني، و لم يأكل منه شيئا و لم يتصدق بثلثه أثم بترك الأكل و ضمن حصة الفقير، و إذا أكل منه ثلثا أو أقل و أهدى الباقي ضمن حصة الفقير، و إذا دفع جميع الهدي إلى الفقير أثم بترك الأكل منه، و الأحوط ضمان ثلث الهدية إذا كان دفعه إلى الفقير بقصد الصدقة عليه.

المسألة 992:

يجوز إخراج لحم الهدي و الأضاحي من منى بعد أن كثر اللحم و زاد على الحاجة، و لا يمنع من ذلك على الأقوى، فيجوز للناسك أن يخرج ثلثه المختص به ليأكله في مكة أو في الطريق بعد النفر، و يجوز له أن يخرج ثلث الهدية و ثلث الصدقة ليوصلهما الى من يستحقهما إذا كان الشخص المهدي إليه و الفقير المستحق في خارج منى، و إذا قبض المهدي إليه ثلث الهدية و قبض الفقير ثلث الصدقة و ملكا ما صار إليهما و هما في منى، جاز لهما إخراج اللحم بلا ريب، و يجوز كذلك إخراج لحم الفداء من منى.

المسألة 993:

إذا لم يجد المتمتع هديا ليذبحه أو ينحره في حجه، و لم يجد ثمن الهدي ليودعه عند ثقة أمين يشتري به هديا و يذبحه بالنيابة عنه كما قلنا في المسألة التسعمائة و التاسعة و الستين، وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 444

يصوم بدل الهدي عشرة أيام تامة، ثلاثة أيام منها في الحج، و سبعة بعد عودته إلى اهله.

و يشترط في صحة صوم الأيام الثلاثة أن يصومها المكلّف في شهر ذي الحجة و بعد أن يحرم بعمرة التمتع، و أن يصومها متوالية عدا ما يأتي استثناؤه، و يصح من المكلف صومها و ان كان مسافرا لم ينو الإقامة في موضع معيّن، فإذا أحرم بعمرة التمتع من أول شهر ذي الحجة أو كان قد أحرم بها قبله في أشهر الحج، جاز له أن يصوم الأيام الثلاثة من أول الشهر، في الطريق أو في مكة بعد أن يصل إليها، سواء كان في حال عمرته أم بعد الإحلال منها، و لا يصح منه صومها قبل أن يحرم بعمرة التمتع،

و لا صومها قبل هلال ذي الحجة، و لا يصح صومها إذا أتى بها متفرقة غير متوالية.

المسألة 994:

الأفضل له أن يصوم اليوم السابع و اليوم الثامن و يوم عرفة، فإذا فاته الصوم في هذه الأيام فالأفضل له أن يبادر الى الصوم بعد النفر من منى فيصوم الأيام الثلاثة في مكة أو في الطريق، و لا يجوز له أن يصوم يوم النحر و لا أيام التشريق بمنى، فإذا نفر من منى في اليوم الثاني عشر جاز له أن يبتدئ بصيامها من اليوم الثالث عشر، و إذا تأخّر في منى الى الثالث عشر لم يجز له الصوم فيه و صام ما بعده، و لا يجوز له أن يؤخر صيام الأيام الثلاثة عن شهر ذي الحجة، فإذا انقضى الشهر قبل أن يصومها لم يكفه الصوم بعده و تعيّن عليه الهدي يبعث به ليذبح عنه بمنى في أيام التشريق، و الأحوط أن ينوي به امتثال الأمر المتوجه إليه به من الهدي أو الكفارة.

المسألة 995:

يجوز للمكلف أن يصوم اليوم الثامن و اليوم التاسع، فإذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 445

صامهما وجب عليه أن يفطر في يوم النحر و في أيام التشريق بمنى، فإذا نفر من منى في اليوم الثاني عشر وجب عليه أن يبادر بعده إلى الصوم في الثالث عشر و لم يخل ذلك بتتابع صومه، و إذا نفر في اليوم الثالث عشر وجب عليه أن يفطر فيه و يبادر الى الصوم في الرابع عشر و لم يخل ذلك بالتتابع، و لا يجوز له التأخير أكثر من ذلك، و هذه هي الصورة المستثناة من وجوب التتابع في صيام الأيام الثلاثة. و إذا لم يصم يوم التروية لم يكفه أن يصوم في يوم عرفة و وجب عليه تأخير صيام الأيام الثلاثة إلى ما بعد النفر من منى.

المسألة 996:

إذا لم يجد المكلف الهدي و لا ثمنه فصام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد الهدي بعد ذلك أو وجد ثمنه، فلا يترك الاحتياط بأن يذبح الهدي إذا وجده، أو يخلّف الثمن عند من يشتري الهدي و يذبحه بالنيابة عنه إذا لم يكن موجودا بالفعل، و يصوم الأيام السبعة بعد رجوعه إلى أهله.

المسألة 997:

لا يجب التتابع في صيام الأيام السبعة التي يجب صومها على المتمتع بعد الرجوع الى أهله في بدل الهدي، و إن كان التتابع فيها أحوط و أولى، و لا تجب المبادرة إلى صيامها بعد رجوعه من الحج.

المسألة 998:

إذا لم يتمكن المكلف من صيام الأيام الثلاثة في الحج، و رجع الى أهله قبل خروج ذي الحجة، وجب عليه أن يصوم الثلاثة قبل خروج الشهر كما ذكرنا في ما تقدم، ثم يصوم بعدها الأيام السبعة، و الأحوط له أن يفرّق ما بين الثلاثة و السبعة، و إذا انقضى شهر الحج قبل أن يصوم الثلاثة سقط الصوم كما قلنا من قبل، و تعيّن عليه أن يبعث بهدي يذبح عنه في منى و تراجع المسألة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 446

التسعمائة و الرابعة و التسعون.

و يجري مثل هذا التفصيل في ما إذا نسي المتمتع صيام الثلاثة في الحج حتى عاد الى بلده، بل و حتى إذا ترك صيامها متعمدا حتى رجع، فعليه أن يصوم الأيام الثلاثة قبل أن ينقضي شهر ذي الحجة، ثم يصوم السبعة بعدها، و يفرق ما بينهما على الأحوط، و إذا انقضى الشهر قبل أن يصوم الثلاثة سقط وجوب الصوم و وجب عليه أن يبعث بالهدي، و إذا صام منها يوما أو يومين ثم خرج الشهر قبل أن يتمها لم يكفه ذلك، فعليه أن يبعث بالهدي في هذه الصورة أيضا.

المسألة 999:

لا يشترط في قسمة الهدي أن يفرز الناسك ثلث الهدية عن ثلث الصدقة إفرازا خارجيا فإذا أخذ لنفسه ثلث الهدي، و أهدى أحد الثلثين الباقيين الى شخص على سبيل الإشاعة و تصدّق بالثلث الثاني على وجه الإشاعة كذلك صح التقسيم و كفى في تأدية الواجب، فيصبح الشخص المهدي إليه و الفقير شريكين في الثلثين يفعلان فيهما ما يختاران من قسمة خارجية أو بيع أو غير ذلك.

المسألة 1000:

إذا أخذ المرشد أو المقاول ثمن الهدي من الناسك ليذبح عنه، ثم شك في أنه ذبح عن موكله أم لا، بنى على أنه لم يذبح، فيجب عليه الذبح عنه، و تراجع المسألة التسعمائة و الحادية و الثمانون في حكم الحاج نفسه إذا شك في أن وكيله ذبح عنه أم لا.

المسألة 1001:

إذا ساق الحاج أو المعتمر مع إحرامه هديا لم يخرج الهدي بسياقه عن ملكه و ان أشعره أو قلّده عند عقد إحرامه، و لذلك فيجوز له ركوب الهدي إذا كان جزورا أو بدنة، و إذا أضرّ الركوب به لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 447

يجز، و يجوز له حلب الأنثى و شرب لبنها و بيعه، و إذا كان لها ولد و أضرّ الحلب بولدها أو أنهكه لم يجز، و يجوز له أن يتصرف في الهدي بما يريد إلا إذا كان التصرّف يمنع عن نحره أو ذبحه فلا يجوز له ذلك، و لا يجوز له أن يبدله بغيره و إن كان البدل أسمن منه أو أتمّ وصفا، و يجب ذبحه أو نحره في منى إذا ساقه في إحرام الحج، و في مكة إذا ساقه في إحرام العمرة.

المسألة 1002:

إذا كان لهدي القران ولد و كان تولّده بعد السياق تبعه الولد في وجوب ذبحه أو نحره، و إذا كان تولده قبل السياق لم يتبعه فلا يجب ذبحه أو نحره، إلا إذا سيق الولد هديا مع أمه.

المسألة 1003:

يقسّم هدي القران بعد ذبحه أو نحره أثلاثا كما يقسم هدي التمتع، فيأخذ الناسك لنفسه و أهل بيته ثلثا، و يهدي لبعض اخوانه ثلثا، و يتصدق على المساكين بثلث.

المسألة 1004:

يستحب للإنسان أن يضحّي لنفسه استحبابا مؤكدا إذا تمكن من ذلك، و قد ورد في الأخبار عنهم (ع): (إن اللّه يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر على الأرض من دمها)، و في الحديث عن الرسول (ص): (استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط)، و يستحب لمن لا يجد ثمن الأضحية أن يستقرض ثمنها و يضحّي، و في الخبر أنه دين يقضى.

و يستحب له أن يضحّي عن أهل بيته مع القدرة حتى عن الطفل غير المميّز، و لا يضحّى عن الحمل في بطن أمه، و يستحب أن يتبرع بها عن الأحياء و الأموات من أهله و أرحامه و غيرهم، و يجوز الاشتراك في الأضحية فيذبح الرجل أضحية واحدة من البقر أو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 448

الغنم، و ينحرها إذا كانت من الإبل عن نفسه و عن أهل بيته مثلا، أو عنه و عن جماعة من اخوانه و ذوي الحقوق عليه سبعة أو أكثر، و يجوز التعدّد في الأضحية مع القدرة لنفسه أو بالاشتراك مع غيره، و قد ورد أن الرسول (ص) ضحّى بكبشين، ذبح واحدا بيده، و قال: (اللّهم هذا عني و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي)، و ذبح الآخر و قال: (اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أمتي).

المسألة 1005:

الأحوط في الأضحية أن تكون ثنيا من الإبل أو البقر أو المعز، و يجزيه الجذع من الضأن على ما سبق بيانه في المسألة التسعمائة و الثالثة و الستين، و يكفي أن تكون الأضحية سليمة العينين و الأذنين، و الأفضل أن يضحي بكبش أملح أقرن فحل سمين.

المسألة 1006:

يبدأ وقت ذبح الأضحية من طلوع الشمس من يوم النّحر، و مضي مقدار أداء صلاة العيد بعد الطلوع، و هذا هو أفضل أوقاتها، و يمتدّ وقتها أربعة أيام لمن كان بمنى، و ثلاثة أيام في غيرها، و ان كان في مكة على الظاهر، و إذا ذبح المتمتع هديه الواجب عليه في حج التمتع أو نحره، كفاه هديه عن الأضحية، و بحكمه الحاج القارن إذا ذبح هدي القران في منى، فيجزيه هديه عن الأضحية، سواء أشعره و قلّده أم لا، و الجمع بين الهدي و الأضحية أفضل في كليهما.

المسألة 1007:

يستحب له إذا أراد أن يذبح الأضحية أو ينحرها أن يقول و هو مستقبل القبلة: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 449

المسلمين، اللّهم منك و لك، اللّهم تقبّل مني، بسم اللّه الذي لا إله الا هو، و اللّه أكبر و صلى اللّه على محمّد و على أهل بيته)، ثم يذبح و يأكل و يطعم.

المسألة 1008:

يستحب للمالك أن يتصدق بجلود الأضاحي على الفقراء المحتاجين، و يكره له أن يدفعها أجرة للجزار و السلاخ، بل الظّاهر الكراهة أيضا إذا دفعها إليهم بقصد الهدية، و يستحب دفعها الى الجزار إذا كان فقيرا مؤمنا و دفعها اليه بقصد التصدق بها عليه، و إذا تصدق المالك بها على الفقير جاز للفقير أن يفعل بها ما يشاء فيجوز له أن يبيعها أو يهبها للجزار أو لغيره، و يكره للمالك أن يأخذ لنفسه من جلودها شيئا فيجعله جرابا أو فروا أو فراشا أو غير ذلك إلا إذا تصدّق بثمنه، و تكره له التضحية بالثور و الحمل.

المسألة 1009:

إذا لم يجد الإنسان في السوق من الأنعام ما يشتريه و يضحي به، استحب له أن يتصدق بثمنه لو كان موجودا، فإذا اختلفت أثمانه في السوق، فكان له قيمتان، جمع القيمتين، و تصدّق على المساكين بمقدار نصفهما، و إذا كانت له ثلاث قيم، جمع القيمة الأولى و الثانية و الثالثة، و تصدّق بمقدار ثلث المجموع منها، و إذا كانت له أربع قيم جمعها، و تصدّق بمقدار ربع المجموع، و هكذا.

(3) الحلق أو التقصير
المسألة 1010:

الثالث من واجبات منى: الحلق أو التقصير و هو الواجب السادس من أعمال الحج، و لا يصح للحاج أن يوقع حلقه أو تقصيره

كلمة التقوى، ج 3، ص: 450

في ليلة العاشر، و إن كان من الضعفاء أو الشيوخ أو المرضى الذين تجوز لهم الإفاضة من المزدلفة ليلا، فلا بدّ و أن يكون حلقهم أو تقصيرهم في النهار، بعد الذبح أو النحر على ما سيأتي من بيان ذلك، و يتعيّن على الحاج إذا كان صرورة أن يحلق شعر رأسه، فلا يكفيه تقصير الشعر و لا تقليم الأظفار، و الصرورة كما ذكرنا قبل هذا هو الذي لم يحج من قبل هذه الحجة لا واجبا و لا مندوبا لنفسه، و لا نائبا عن غيره، و يتعيّن الحلق كذلك على من لبّد شعره في إحرامه، و تلبيد الشعر عادة كان بعض العرب القدماء يتخذها مخافة أن يتولد القمل في شعره لطول مدة الإحرام، فيجعل في شعر رأسه الصمغ أو العسل أو ما يشبههما حتى يتكتل الشعر و يتلاصق بعضه ببعض، فإذا فعل المحرم ذلك في إحرام الحج تعيّن عليه أن يحلق رأسه و لم يكفه التقصير، و مثله من يعقص شعره في إحرامه و عقص الشعر ان يجمع الشعر

و يلفه بعضه ببعض و يعقده عقائص، فيتعيّن عليه الحلق و ان كان حجه مندوبا و كذلك الصرورة و من لبّد شعره.

و يتعيّن على النساء المحرمات أن يقصّرن من شعورهن أو يقلمن أظفارهن، و لا يجوز لهن حلق الرأس في حج و لا عمرة، و إذا حلقن لم يكفهن ذلك في تأدية الواجب، فيجب عليهن تقليم الأظفار إذا لم يبق من شعر الرأس ما يقصّرنه، و يتخيّر الرجل غير الصرورة و غير من لبّد شعره أو عقصه بين أن يحلق شعر رأسه و أن يقصّر و الحلق له أفضل.

المسألة 1011:

لا فرق ما بين أدوات الحلاقة التي يصدق مع استعمالها الحلق عرفا، فتجزي الماكينة الناعمة و ماكينة الكهرباء و أنواع الموسى المختلفة و غيرها، و لا تجزي الماكينة التي يصدق معها انه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 451

جزّ الشعر و لم يحلقه، و لا تكفي الماكينة التي يشك معها في صدق الحلق عرفا.

المسألة 1012:

لا يجوز للرجل المحرم أن يحلق رأس غيره أو يقصّر له قبل أن يحلق شعر رأسه هو أو يقصّر لنفسه فيحل بذلك من إحرامه، فإذا حلق لغيره أو قصّر له قبل ذلك أثم بفعله، و قد تقدم في المسألة السبعمائة و الثالثة عشرة أنه لا تلزمه كفارة بفعل ذلك، و لا يجوز للحاج أن يحلق بعض شعر وجهه أو بدنه قبل أن ينوي الحلق أو التقصير الواجبين عليه و اللذين بهما يحل من إحرامه، فإذا فعل ذلك لزمته الكفارة، و إذا فعله ساهيا فلا شي ء عليه.

المسألة 1013:

إذا لم يكن في رأس الرجل شعر لصلع و شبهه وجب عليه التقصير، و الأحوط له لزوما أن يمرّ الموسى على رأسه مع ذلك إذا كان صرورة، فلا يكتفي بالتقصير وحده، و يكفيه التقصير وحده إذا لم يكن صرورة.

المسألة 1014:

إذا كان في رأس الحاج الصرورة أذى يمنعه من حلق رأسه سقط وجوب الحلق عنه و اكتفى بالتقصير.

المسألة 1015:

إذا قصّر الحاج الصرورة و لم يحلق من غير عذر يسوغ له ذلك لم يحل من إحرامه على الأحوط حتى يحلق رأسه، بل لا يخلو ذلك من قوة، و لا فرق في هذا بين العالم بالحكم و الجاهل به، و كذلك من لبّد شعره أو عقصه.

المسألة 1016:

إذا حجّ الخنثى المشكل و كان صرورة لم يحج قبل تلك المرة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 452

وجب عليه على الأحوط أن يجمع بين حلق رأسه و التقصير، و يجب عليه الجمع بينهما أيضا إذا كان قد لبّد شعره بعد إحرامه و إذا عقص شعره و ان لم يكن صرورة، و إذا حج و لم يكن صرورة و لم يلبّد شعره و لم يعقصه تعيّن عليه التقصير.

المسألة 1017:

يجب على الحاج أن يأتي بأعمال منى الثلاثة مترتبة على الأحوط بل على الأقوى، فيرمي جمرة العقبة أولا، ثم يذبح هديه أو ينحره ثانيا، ثم يحلق رأسه أو يقصر على الوجه الذي تقدم بيانه ثالثا، و لا يصح له أن يخالف الترتيب متعمدا، فيذبح قبل أن يرمي أو يحلق قبل أن يرمي، و لا يصح له أن يحلق قبل أن يذبح، و إذا فعل ذلك عامدا أثم بفعله و وجب عليه أن يعيد على ما يحصل معه الترتيب، فإذا ذبح قبل أن يرمي الجمرة أعاد الذبح بعد الرمي، و إذا حلق أو قصّر قبل الرمي وجب عليه أن يمرّ الموسى على رأسه أو يقصّر بعد الرمي و الذبح، و كذلك إذا حلق قبل الذبح، و إذا فعل ذلك ناسيا أو جاهلا صح فعله و لا اثم و لا إعادة عليه.

المسألة 1018:

الحلق أو التقصير في الحج عبادة من العبادات، و لذلك فلا بد فيه من النية، و يجب في النية تعيين العمل المقصود و تعيين النسك و قصد القربة إلى اللّه، و الأولى أن يقول: (أحلق أو أقصّر في حج التمتع حج الإسلام (مثلا) امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا نوى الحاج و الحلاق كلاهما فهو أحوط.

المسألة 1019:

يستحب للحاج إذا أراد حلق رأسه أن يكون مستقبلا للقبلة، و أن يسمّي و ان يبدأ في الحلق من قرنه الأيمن، و ينتهي به إلى العظمين الناتيين في قبالة وتد الأذنين، و يستحب له أن يقول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 453

اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة) و زاد بعض العلماء في الدعاء: (و حسنات مضاعفات و كفّر عني السيئات انك على كل شي ء قدير) و ليختم دعاءه بالصلاة على النبي و آله الطّاهرين كما حثّت عليه النصوص المطلقة.

المسألة 1020:

الأحوط لزوما أن لا يوقع الحاج حلقه أو تقصيره ليلا، فلا يؤخره عن يوم النحر إلى الليل اختيارا، و إذا تركه عامدا حتى دخل الليل أثم و أتى به في اليوم الحادي عشر، و إذا نسي الحلق أو غفل عنه أو جهل فلم يأت به حتى دخل الليل أتى به كذلك في نهار اليوم الحادي عشر، و لم يأت به ليلا على الأحوط، و كذلك إذا طرأ له بعض الموانع فلم يرم جمرة العقبة أو لم يذبح إلا في آخر النهار فلم يتمكن منه بسبب ذلك أن يحلق نهارا، فعليه أن يؤخر حلقه أو تقصيره الى الغد.

المسألة 1021:

يجب على الحاج أن يكون حلقه أو تقصيره في منى، فإذا ترك ذلك حتى خرج من منى أثم بفعله، و وجب عليه أن يرجع إليها و يحلق أو يقصّر فيها، و إذا نسي الحلق أو غفل عنه أو تركه جاهلا حتى خرج من منى وجب عليه العود و الحلق و التقصير فيها و لا اثم عليه، و إذا لم يتمكن من الرجوع الى منى أو كان الرجوع إليها موجبا للعسر و الحرج حلق أو قصّر في مكانه الذي هو فيه، و لا يترك الاحتياط مع الإمكان بأن يبعث بشعره إلى منى ليلقى فيها، و يستحب دفنه فيها.

المسألة 1022:

إذا حلق الحاج أو قصّر في غير منى عامدا أو ناسيا أو جاهلا لم يكفه ذلك في تأدية الواجب، فيجب عليه الرجوع الى منى مع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 454

الإمكان و اعادة التقصير فيها، و عليه أن يمرّ الموسى على رأسه إذا كان ممن يتعيّن عليه الحلق، و إذا لم يمكنه الرجوع الى منى أو كان موجبا للعسر و الحرج عليه أعاد التقصير و إمرار الموسى في مكانه الذي هو فيه على النهج الذي ذكرناه و بعث بالشعر إلى منى كما تقدم.

المسألة 1023:

إذا أكمل الحاج أعمال منى التي تجب عليه في يوم النحر و أتمّها على النهج الذي فصّلناه فرمى جمرة العقبة ثم ذبح هدي التمتع أو نحره، ثم حلق رأسه أو قصّر، تحلل بذلك من كل شي ء حرمة اللّه عليه بسبب الإحرام ما عدا الطيب و النساء، نعم، يكره له أن يغطي رأسه و أن يلبس المخيط حتى يطوف طواف الحج و يصلّي صلاة الطواف و يسعى بين الصفا و المروة، فإذا رجع الى مكة و أتى بالأعمال المذكورة زالت الكراهة، و حلّ له استعمال الطيب على كراهة أيضا، فإذا طاف طواف النساء و صلّى ركعتي الطواف زالت الكراهة و حلّت له النساء، و إذا طافت المرأة طواف النساء وصلت الركعتين حلّت لها الرّجال و سيأتي تفصيل ذلك و بيان فروضه و فروعه ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 455

الفصل الرابع و العشرون في أعمال مكة بعد النحر و الحلق

اشارة

إذا أتمّ الحاج المناسك الثلاثة التي تجب عليه في منى يوم النحر، وجب عليه أن يعود منها إلى مكة ليطوف بالبيت الحرام طواف الحج، و يأتي بعد الطواف بما يجب عليه من الأعمال في مكة، و مجموع المناسك الواجبة فيها خمسة:

الأول: الطواف بالبيت سبعة أشواط بقصد طواف الحج، و يسمى أيضا طواف الزيارة،
المسألة 1024:

و هذا هو الواجب السابع من واجبات الحج، و شرائط هذا الطواف و واجباته و أحكامه و آدابه هي بذاتها شرائط طواف عمرة التمتع و واجباته و أحكامه و آدابه، و قد ذكرناها في الفصل السادس عشر و بيانها هنالك يغنينا عن الإعادة فلتراجع.

المسألة 1025:

يفترق هذا الطواف عن طواف عمرة التمتع في النية، فينويه الناسك لحج التمتع حج الإسلام، أو لحج القران أو الافراد حج الإسلام، و الأولى أن يقول مثلا: (أطوف بالبيت سبعة أشواط لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و يمكنه أن يقول: (أطوف طواف الزيارة سبعة أشواط في حج التمتع حج الإسلام طاعة لأمره تعالى).

المسألة 1026:

يجب على الحاج أن يقدّم الحلق أو التقصير على طواف الحج، فإذا طاف عامدا قبل أن يحلق أو يقصّر و هو عالم بالحكم لم يصح طوافه فتجب عليه اعادة الطواف بعد أن يحلق أو يقصّر،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 456

و يجب عليه أن يجبره بشاة، و إذا سعى بعد الطواف أعاد الطواف و السعي كليهما بعد الحلق أو التقصير و جبره بشاة.

و إذا قدّم الطواف على الحلق أو التقصير ناسيا أو جاهلا بالحكم ثم تذكر أو علم بالحكم بعد الطواف فالظاهر صحة طوافه، بل و صحة سعيه إذا سعى و لم يتذكر أو لم يعلم بالحكم الا بعد الفراغ منهما و لا شي ء عليه، و إن كان الأحوط له استحبابا الإعادة في كلا الفرضين.

المسألة 1027:

إذا أتمّ الحاج مناسك منى في يوم النحر، فالأفضل له أن يرجع الى مكة و يأتي بمناسكها في يوم النحر نفسه أو في الليلة الحادية عشرة، و دون ذلك في الفضل أن يؤخر مناسكها الى اليوم الحادي عشر، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عنه، و لا يجب عليه ذلك، فيجوز له أن يؤخر مناسك مكة إلى آخر أيام التشريق، و الأحوط له إذا كان متمتعا أن لا يؤخرها بعد ذلك، و إذا تعمّد فأخّرها فالظاهر صحة طوافه و بقية أعماله إذا أتى بها قبل أن يخرج شهر ذي الحجة، و يجوز للحاج القارن أو المفرد أن يؤخرها عامدا ما دام شهر ذي الحجة.

المسألة 1028:

يستحب للإنسان إذا أراد زيارة البيت الحرام أن يغتسل لدخول مكة، و لدخول المسجد، و للزيارة، و يكفيه ان يغتسل لجميع ذلك غسلا واحدا يوقعه في منى أو في الطريق أو في مكة، و يكفيه أن يغتسل في النهار و يزور في الليل بغسل واحد ما لم ينم بعده أو يحدث حدثا يوجب الوضوء، فإذا حدث منه ذلك أعاد غسله، و قد ذكرنا تفصيل هذه الآداب و أحكامها في الفصل الخامس عشر، و ذكرنا فيه ما يستحب أن يدعى به على باب المسجد، و بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 457

الدخول فيه، و عند رؤية الكعبة، و عند استلام الحجر الأسود، و ما يندب اليه من الدعوات و الأقوال، و هي بنفسها واردة في المقام فليرجع إليها من يريد.

المسألة 1029:

ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع):

( (فإذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، قلت: (اللّهم أعني على نسكك و سلمني له و سلمه لي، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي و ان ترجعني بحاجتي، اللّهم اني عبدك، و البلد بلدك و البيت بيتك جئت أطلب رحمتك و أؤم طاعتك متبعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك أن تبلّغني عفوك و تجيرني من النار برحمتك) ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبّله، فإن لم تستطع فاستلم بيدك و قبّل يدك، و إن لم تستطع فاستقبله و كبّر و قل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة)).

المسألة 1030:

تلاحظ المسألة الثمانمائة و الرابعة عشرة و ما بعدها من المسائل إلى آخر الفصل السادس عشر، فيجري الطائف هنا جميع ما بيّناه فيها من الآداب و يدعو في طوافه بما سبق فيها من الدّعاء.

[المنسك الثاني من أعمال مكة بعد العود إليها:]
اشارة

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 457

المسألة 1031:

إذا طاف الحاج طواف الحج وجب عليه أن يصلي بعده صلاة الطواف، و هذا هو الواجب الثاني من مناسك مكة بعد العود إليها، و هو الواجب الثامن من واجبات الحج، و صلاة الطواف ركعتان يجب على المكلف أن يصليهما مع الإمكان خلف مقام إبراهيم، و قد فصّلنا أحكام هذه الصلاة، و بيّنا آدابها و ذكرنا ما يستحب قراءته فيها و ما يدعى به بعدها، في الفصل السابع عشر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 458

و حسبنا ها هنا الإشارة إليه.

المسألة 1032:

يستحب له بعد فراغه من صلاة الطواف أن يعود الى الحجر الأسود فيقبله إذا استطاع، و إن لم يستطع ذلك لكثرة الناس استقبله و أومأ إليه و كبّر، ثم يمضي إلى زمزم فيستقي منها على ما بيّناه في المسألة الثمانمائة و التاسعة و الخمسين و ذكرنا فيها من الآداب و المستحبات، ثم يخرج الى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود ليسعى بين الصفا و المروة.

المنسك الثالث من أعمال مكة بعد العود إليها: السعي بين الصفا و المروة،
المسألة 1033:

و هو الواجب التاسع من واجبات الحج، فيجب على الحاج أن يبدأ فيه بالصفا و يختم بالمروة على النهج الذي أوضحناه في الفصل الثامن عشر من شروط و واجبات، و يستحب له ان يراعي ما بيّناه في ذلك الفصل من آداب و يقرأ ما ذكرناه من أدعية و أذكار.

الواجب الرابع من أعمال مكة: طواف النساء،
المسألة 1034:

و هو الواجب العاشر من واجبات الحج، فلا تحل النساء للرجل إذا هو لم يطف بعد الحج طواف النساء، و لا تحل الرجال للمرأة إذا هي لم تطف بعد الحج طواف النساء، و يجري الحكم في الذكر و إن كان غير بالغ أو كان غير مميّز فإذا أحرم به الولي لم تحل له النساء الا بعد طواف النساء، فيطوف به وليه إذا كان غير مميّز و يستنيب أحدا في الصلاة عنه، و يطوف الصبي و يصلّي صلاة الطواف بنفسه إذا كان مميزا، و يجري مثله في الصبية غير البالغة و إن كانت غير مميزة، و في المجنون و المجنونة إذا حج بهما وليّهما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 459

المسألة 1035:

الأحوط أن لا يقدّم الحاج طواف النساء على السعي بين الصفا و المروة، فإذا أتى به بعد صلاة طواف الحج و قبل السعي متعمدا وجبت عليه إعادته بعد السعي على الأحوط، و إذا أتى به قبل السعي ناسيا أو ساهيا أو جاهلا أجزأه على الظاهر.

المسألة 1036:

الأفضل أن يبادر الحاج إلى الإتيان بطواف النساء بعد الفراغ من السعي، و لا يؤخره عامدا الى آخر أيام التشريق، و إذا أخره كذلك أجزأه متى أتى به و إن كان بعد أيام التشريق أو في آخر ذي الحجة، و يأثم إذا أخّره حتى انقضى الشهر.

المسألة 1037:

إذا ترك الحاج طواف النساء متعمدا لم يبطل بذلك حجه، و لكنه لم يتحلل كما ذكرنا من محرّمات الإحرام التي تتعلق بالنساء، من استمتاعات، و وطء و عقد نكاح و شهادة على عقد و غير ذلك من جميع المحرمات التي تتعلق بهن، و لا يباح له ذلك حتى يأتي بالطواف بنفسه، و إذا لم يقدر على الطواف بالمباشرة، أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج وجبت عليه الاستنابة فيه، و لا يتحلّل حتى يأتي نائبه بالطواف عنه، و كذلك الحكم إذا ترك طواف النساء ناسيا أو جاهلا ثم تذكره بعد ذلك أو علم بحكمه.

المسألة 1038:

يجب على المكلف أن يطوف طواف النساء مستقلا بنفسه غير معتمد و لا مستعين بغيره مع القدرة على الاستقلال، فإذا عجز عن ذلك جازت له الاستعانة فيه بمقدار الضرورة، فيطوف متكئا على أحد، أو محمولا على متن إنسان أو ظهر حيوان أو غيرهما كما هو الحكم في طواف الحج و العمرة، فإذا عجز عن ذلك وجبت عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 460

الاستنابة.

المسألة 1039:

يتحد طواف النساء مع طواف الحج في الكيفية و في شرائط الصحة، و يفترق عنه في النّية فيجب على المكلف أن ينوي الطواف بالبيت طواف النساء في النسك المعيّن، حج التمتع مثلا أو حج القران أو الإفراد أو العمرة المفردة، متقربا به الى اللّه، و الأولى أن يقول مثلا: (أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف النساء، في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه طاعة لأمر اللّه تعالى).

المنسك الخامس من أعمال مكة بعد العود إليها:
المسألة 1040:

يجب على المكلف إذا فرغ من طواف النساء أن يصلي بعده صلاة الطواف، و هي ركعتان تتحدان مع صلاة طواف الحج في الكيفية و في الشرائط و في الموضع، و هي الواجب الخامس من أعمال مكة، و هي الواجب الحادي عشر من واجبات الحج.

[مسائل]
المسألة 1041:

إذا أتم الحاج مناسك منى يوم النحر، فرمى جمرة العقبة، ثم ذبح أو نحر هديه، ثم حلق أو قصّر، حلّ له كل شي ء حرمه الإحرام عليه ما عدا الطيب و النساء، و قد أوضحنا قريبا أن المراد بالنساء كل حكم يتعلق بهن من محرمات الإحرام، و هذا هو المحلل الأول للحاج من بعض محرمات إحرامه، و تراجع المسألة الألف و الثالثة و العشرون.

و إذا عاد من منى الى مكة فطاف بالبيت طواف الحج و صلى ركعتي الطواف ثم سعى بين الصفا و المروة حلّ له استعمال الطيب على كراهة، و هذا هو المحلل الثاني له من بعض محرمات إحرامه، فإذا طاف بالبيت بعد السعي طواف النساء و صلى بعده صلاة الطواف حلّت له النساء، و تحلّل من باقي المحرمات التي تتعلق بهن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 461

و زالت الكراهة عن استعمال الطيب، و هذا هو المحلّل الثالث و الأخير.

المسألة 1042:

لا يجوز للحاج المتمتع في حال الاختيار و التمكن أن يقدم الطواف و السعي على الوقوف في عرفة و الوقوف في المشعر الحرام، و يجوز له التقديم عند الضرورة كالشيخ الكبير و المريض و الضعيف و الخائف الذي يعلم أو يظن أو يخاف عدم القدرة على الإتيان بالطواف إذا أخره الى ما بعد النحر، فيجوز له التقديم في هذه الحالات، و كالمرأة إذا علمت أو خافت طروء الحيض عليها بعد النحر فيمنعها من الطواف، فيجوز لها التقديم كذلك.

فإذا قدّم الحاج المعذور طواف الحج و السعي و طواف النساء قبل الوقوفين في مثل هذه الحالة، و أتى بأعمال منى في يوم النحر حلّ بذلك من إحرامه حتى من الطيب و النساء، و هذا إذا كان عذر

الحاج لا يزال مستمرا فلم يتمكن من الإتيان بالطوافين و السعي بعد النحر، و إذا زال عذره و أمكن له الإتيان بهما في يوم النحر أو أيام التشريق وجبت عليه إعادة الطوافين و السعي و لا يتحلل من الطيب و النساء الا بعد الإتيان بهما، و كذلك المرأة التي تخاف طروء الحيض فيجري فيها التفصيل الذي ذكرناه.

المسألة 1043:

يجري الحكم الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة في الحاج المتمتع الذي يلزمه العسر و الحرج إذا هو أخّر طوافه و سعيه الى ما بعد النحر، فيجوز له تقديم الطوافين و السعي في مثل هذه الحالة أيضا.

المسألة 1044:

إذا كان الحاج المتمتع من أصحاب الأعذار المذكورة و أراد تقديم الطوافين و السعي قبل الوقوفين، فيجب عليه أن يكون طوافه و سعيه بعد الإحرام بالحج، و لا يجزيه أن يطوف و يسعى قبل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 462

الإحرام، و كذلك حكم المرأة التي تخشى طروء الحيض.

المسألة 1045:

إذا كان الحاج معذورا و قدم طوافه و سعيه قبل الوقوفين لعذر معيّن، و تبدل عذره الخاص بعذر آخر يمنعه من الطواف أو يكون موجبا للعسر و الحرج بحيث لم يتمكن من الطواف و السعي بعد النحر كفاه طوافه و سعيه الأول و لا إعادة عليه.

المسألة 1046:

إذا قدّم الحاج المتمتع طواف الحج و السعي قبل الوقوفين لوجود العذر كما تقدم، و أخر طواف النساء لأنه يعلم أو يظن أن عذره لا يستمر الى ما بعد أيام التشريق أو الى آخر ذي الحجة فعزم على تأخير طواف النساء إليها، فإذا وقف الموقفين و أتى بأعمال منى في يوم النحر تحلّل بذلك من جميع محرمات الإحرام حتى من الطيب، و لم تحل له المحرمات التي تتعلق بالنساء حتى يأتي بطواف النساء.

المسألة 1047:

العذر الذي يسوغ للمتمتع معه أن يقدّم الطواف و السعي على الوقوفين هو العذر الذي لا يتمكن المكلف معه من الإتيان بالطواف في يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، أو يكون الإتيان به فيها موجبا للعسر و الحرج، فإذا زال العذر و تمكن من الطواف و السعي في أيام التشريق وجبت عليه الإعادة كما قلنا، و إذا زال العذر بعد أيام التشريق و تمكن من إعادة الطواف و السعي قبل خروج ذي الحجة فلا يترك الاحتياط بالإعادة استحبابا.

المسألة 1048:

إذا حصل للحاج المتمتع بعض الأعذار المسوغة فقدّم طواف الحج و السعي و طواف النساء على الوقوفين من أجله، لم يحلّ له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 463

استعمال الطيب و لم تحلّ له النساء بذلك حتى يقف في الموقفين و يأتي بعدهما بأعمال منى في يوم النحر، فإذا رمى جمرة العقبة و ذبح الهدي و حلق أو قصّر، حلّ حين ذلك من إحرامه من جميع المحرّمات حتى الطيب و النساء.

المسألة 1049:

ذكرنا في المسألة الأربعمائة و السابعة و الخمسين أنه يجوز للحاج المفرد و للحاج القارن أن يقدّما طواف الحج و السعي بين الصفا و المروة على الوقوفين حتى في حال الاختيار، و إن هذا أحد الأمور الفارقة بينهما و بين حج التمتع فلا يصح ذلك فيه كما قلنا إلا في حال الضرورة، و أما طواف النساء فلا يجوز لهما تقديمه على الوقوفين إلا مع العذر و عدم القدرة، كما هو الحال في حج التمتع.

و نتيجة لذلك، فإذا قدّم الحاج المفرد أو القارن طواف الحج و سعيه قبل الوقوفين ثم وقفا في عرفات و في المزدلفة، و أتيا بأعمال منى في يوم النحر تامة، تحلّلا بذلك من إحرامهما حتى من الطيّب، و لم تحلّ لهما النساء حتى يطوفا طواف النساء و يصليا بعده صلاة الطواف، و إذا هما لم يطوفا طواف الحج و لم يسعيا حتى حلقا أو قصّرا في منى يوم النحر تحلّلا بالحلق أو التقصير من بعض المحرمات و لا يحل لهما الطيب على الأحوط حتى يأتيا بطواف الحج و سعيه، و لا تحل لهما النساء حتى يطوفا طواف النساء و يصليا صلاة الطواف، و إذا قدّما طواف الحج و سعيه، و قدّما طواف

النساء أيضا قبل الوقوفين لوجود بعض الأعذار التي أوجبت لهما ذلك، أحلا بعد الفراغ من مناسك منى يوم النحر من جميع محرمات الإحرام، حتى من النساء.

المسألة 1050:

يجب على المحرم و المحرمة طواف النساء، و لا تحلّ النساء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 464

على المحرم الذكر إلا بعد الإتيان به و بصلاته، و لا تحلّ الرجال على الأنثى المحرمة إلا بعد الإتيان به و بصلاته، سواء كان الإحرام بحج أم بعمرة، و سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، و سواء كانت العمرة واجبة أم مندوبة، و سواء كان المحرم كبيرا أم صغيرا، و سواء كان النسك الذي أحرم به لنفسه أم بالنيابة عن غيره، و حتى المجنون إذا أحرم به وليه، و حتى الرق المملوك و الأمة المملوكة إذا أحرما بإذن مولاهما، و تستثنى من ذلك عمرة التمتع وحدها فليس فيها طواف نساء و قد تكرر منا ذكر هذا.

و إذا حج الإنسان أو اعتمر نائبا عن غيره، نوى طواف النساء و صلاة الطواف عن الشخص المنوب عنه لا عن نفسه و إن كان هو المحرم، و إذا أتى النائب بطواف النساء و بصلاته بالنيابة حلّت له النساء، كما يحل من حرمة الطيب إذا طاف و سعى في الحج و هو ينوي النيابة، و كما يحلّ من المحرمات الأخرى إذا ذبح و حلق أو قصّر في منى و هو ينوي النيابة كذلك.

المسألة 1051:

إذا حاضت المرأة بعد ما فرغت من أعمال منى يوم النحر أو تنفست، فلم تتمكن بسبب ذلك من أداء طواف الحج و لم يمكن لها البقاء حتى تطهر و تأتي بالطواف الواجب، وجب عليها أن تستنيب أحدا يطوف عنها طواف الحج و يصلي عنها صلاة الطواف، ثم تسعى بنفسها بين الصفا و المروة بعد أن يفرغ النائب من الطواف و الصلاة، ثم تستنيب بعد السعي في طواف النساء و في صلاة

الطواف، و تخرج بعد النفر من منى إذا شاءت، و كذلك الرجل إذا طرأ له من العوارض ما لا يقدر معه على الإتيان بالطواف بنفسه و لم يتمكن من المكث حتى يزول العذر و تتجدد له القدرة على المباشرة، فتجب عليه الاستنابة في الواجب الذي تتعذر عليه مباشرته بنفسه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 465

و يأتي بالعمل الذي يقدر على الإتيان به، و يراعي الترتيب بين الأعمال و يقدّر الضرورة بمقدارها، فإذا منعه المرض عن الطواف استناب فيه ثم أتى بصلاة الطواف بنفسه إذا كان قادرا عليها، و كذلك السعي فإذا لم يقدر على الإتيان به لوجود العذر استناب فيه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 466

الفصل الخامس و العشرون في واجبات ليالي التشريق و أيامه بمنى

المسألة 1052:

يجب على الحاج إذا كان قادرا غير معذور أن يبيت الليلة الحادية عشرة و الليلة الثانية عشرة من شهر ذي الحجة بمنى، و هذا هو الواجب الثاني عشر من واجبات الحج، فإذا قضى الحاج واجباته في مكة يوم النحر وجب عليه أن يعود إلى منى للمبيت بها، فإذا كان قد اتقى الصيد في أيام إحرامه اتقاء كاملا و اجتنب المحرمات من النساء اجتنابا تاما، جاز له أن يخرج من منى بعد الزوال من اليوم الثاني عشر، و لم يجب عليه المبيت في الليلة الثالثة عشرة، و إذا هو لم يتق الصيد أو النساء و لم يجتنبهما وجب عليه المبيت بمنى في الليلة الثالثة عشرة، و المراد بالاتقاء أن يجتنب قتل الصيد و ذبحه و أكله و الاستيلاء عليه و يجتنب الاستمتاع بوطئ النساء في مدة إحرامه، فإذا هو لم يتق كذلك تعيّن عليه المبيت بمنى في الليلة الثالثة من ليالي التشريق، و كذلك من غربت عليه الشمس في الليلة الثالثة عشرة

و هو في منى، فيجب عليه المبيت فيها، و لا يجوز له الخروج منها و إن كان قد تأهب للخروج منها و لم يخرج بالفعل.

المسألة 1053:

إذا لم يتق الحاج النساء في مدة إحرامه بمثل القبلة و النظرة و اللمس بشهوة أو بعض المحرمات الأخرى التي تتعلق بالنساء، أو لم يتق الصيد بمثل الدلالة أو الإشارة إليه أو الإعانة أو نحو ذلك من المحرمات التي تتعلق به، فالأحوط استحبابا له المبيت في الليلة الثالثة عشرة بمنى، و ان كان الظاهر عدم وجوب ذلك عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 467

المسألة 1054:

لا يجب المبيت في الليلة الثالثة عشرة على الحاج الذي ارتكب في إحرامه بعض محرمات الإحرام غير الصيد و النساء، و لا على من ارتكب احدى الكبائر و هو محرم، و لا على الصّرورة الذي لم يحج قبل هذه المرة حتى نائبا عن غيره، و ان قال بعض العلماء بالوجوب في هذه الموارد، نعم، الأفضل لكل حاج أن يبيت الليلة الثالثة عشرة في منى، و لا ينفر قبلها و ان كان قد اتقى الصيد و النساء.

المسألة 1055:

يتحقق المبيت الواجب شرعا بأن يمكث الحاج في منى أحد نصفي الليل الأول أو الأخير، فإذا مكث فيها من غروب الشمس الى النصف من الليل جاز له أن يخرج عنها بعد النصف على كراهة في الخروج منها قبل الصبح، و إذا خرج من منى نهارا و غربت عليه الشمس و هو في مكة أو في غيرها أو خرج من منى في أول الليل، وجب عليه أن يعود إليها قبل منتصف الليل ليبيت فيها النصف الأخير منه، و يستثنى من ذلك ما إذا بقي في مكة مشتغلا بالنسك و العبادة إلى طلوع الفجر، فيكفيه ذلك عن العود إلى منى، و الأفضل له في هذه الصورة أن يرجع الى منى قبل أن ينشق الفجر.

المسألة 1056:

تجب النية في مبيت الحاج بمنى كسائر المناسك و العبادات، فإذا بات فيها ليلته كلها أو بات فيها النصف الأول من الليل، نوى المبيت عند غروب الشمس، و الأحوط له أن يقدمها في آخر أجزاء النّهار، و إذا بات فيها النصف الأخير من الليل نوى المبيت عند أول جزء من الليل بعد رجوعه إلى منى، فيقول في نيته: (أبيت هذه الليلة بمنى في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا كان في حج الإفراد أو القران أو كان نائبا عن غيره عيّن نسكه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 468

في النية.

المسألة 1057:

إذا أخلّ المكلف بهذا الواجب فبات في غير منى عامدا أثم بذلك، و وجب عليه أن يكفّر عن كل ليلة بدم شاة، و يستثنى من ذلك ما إذا بات في مكة مشتغلا في ليلته بالنسك و العبادة حتى أصبح، فيكفيه ذلك عن مبيته بمنى و لا فدية عليه، و لا يكفيه و لا يجزئ عن الواجب أن يبيت الليلة في مكة و هو غير مشغول بالعبادة، أو يبيت الليلة في غير مكة و غير منى و إن كان مشغولا فيها بالتعبد حتى يصبح، فتجب عليه الفدية بل و يكون عاصيا بترك الواجب عامدا.

و إذا بات في غير منى ناسيا أو ساهيا أو جاهلا بالحكم لم يأثم بذلك و وجبت عليه الفدية، و كذلك إذا بات في موضع يعتقد أو يظن أنه من منى ثم ظهر له أنه ليس منها، فتجب عليه الفدية و لا إثم عليه، الا إذا كان مقصرا فاعتمد على قول من لا يعتمد عليه.

و إذا أضطره مرض أو خوف أو غيرهما من الأعذار الموجبة للاضطرار فبات في غير

منى فلا إثم عليه، و لم تسقط عنه الفدية على الأحوط، و من الأعذار الموجبة لذلك: أن يكون له مريض في غير منى يخاف عليه، أو يكون له مال يخاف تلفه أو ضياعه.

المسألة 1058:

إذا أخلّ الحاج بالمبيت الواجب في منى لزمته الكفارة كما ذكرناه أكثر من مرة، و تتكرر الكفارة بعدد الليالي التي أخلّ بها، فإذا ترك المبيت فيها ليلة واحدة وجب عليه ذبح شاة واحدة، و إذا أخلّ بليلتين كفّر بذبح شاتين، و إذا وجب عليه المبيت في الليلة الثالثة و أخلّ بها أيضا وجب عليه التكفير بثلاث شياه، و يجب ذبح هذه الفدية بمنى، و مصرفها هو مصرف الكفارات الواجبة للصيد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 469

و غيره، و هم المساكين فلا يجوز صرفها في غيرهم، و قد ذكرنا هذا في المسألة الستمائة و السبعين.

المسألة 1059:

نقل بعض الأكابر من العلماء: أنه يستحب للحاج عند رجوعه من مكة إلى منى أن يقول: (اللّهم بك وثقت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكلت، فنعم الرب و نعم المولى و نعم النصير)، و لا بأس بالإتيان بذلك برجاء المطلوبية.

المسألة 1060:

الثاني من واجبات منى في أيام التشريق: رمي الجمرات الثلاث، و هو الواجب الثالث عشر من أعمال الحج، و هو الأخير من واجباته و أعماله، فيجب على الحاج في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة و في اليوم الثاني عشر منه و في اليوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى أن يرمي الجمرات الثلاث على الترتيب ما بينها، فيبدأ برمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، ثم يرمي الجمرة الثانية بعدها بسبع حصيات و تسمى الجمرة الوسطى، ثم يرمي الجمرة الثالثة، و هي جمرة العقبة و تسمى الجمرة العظيم بسبع حصيات كذلك.

و يجب رمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر أيضا على الحاج إذا وجب عليه المبيت في منى في الليلة الثالثة عشرة، و ان لم يبت بها عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو معذورا فتجب عليه الفدية كما تقدم بيانه، و يجب عليه رمي الجمرات الثلاث في يومه.

المسألة 1061:

يجري في رمي الجمرات هنا كل ما ذكرناه في رمي جمرة العقبة يوم النحر من شروط و واجبات و أحكام، فيراعى في الرمي هنا ما بيّناه هنالك، و تجب النية عند رمي كل واحدة منها، و يعيّن في نيته الجمرة التي يرميها و النسك الذي يؤديه، و يقصد به التقرب الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 470

اللّه، فيقول على الأولى: (أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة الى اللّه تعالى)، و إذا كان في حج قران أو إفراد عيّنه كما سبق في نظائره.

المسألة 1062:

يجب الترتيب في صحة رمي الجمرات كما اشترطنا ذلك قريبا، فإذا أخلّ الناسك به وجب عليه أن يعيد ما قدمه منها على موضعه، فإذا رمى جمرة العقبة أولا ثم رمى الوسطى، ثم الأولى، صح رمي الجمرة الأولى وحدها، فيجب عليه أن يرمي الجمرة الوسطى بعدها، ثم يرمي جمرة العقبة، و كذلك إذا رمى الجمرة الوسطى أولا ثم رمى جمرة العقبة، ثم الأولى، أو رمى الوسطى أولا ثم الأولى ثم جمرة العقبة، فيصح رمي الأولى في هذه الفروض، و يجب عليه أن يعيد رمي الوسطى ثم العظمى أخيرا.

و إذا رمى الأولى ثم رمى جمرة العقبة ثم الوسطى، صح رمي الأولى و الوسطى، و عليه أن يعيد رمي جمرة العقبة، و كذلك إذا رمى جمرة العقبة أولا، ثم الأولى ثم الوسطى، فعليه أن يعيد رمي جمرة العقبة، و لا فرق في الحكم الذي ذكرناه بين أن يكون قد أخلّ بالترتيب عامدا أو ناسيا أو جاهلا.

المسألة 1063:

يجب أن يكون رمي الجمرات نهارا، فلا يجوز للحاج إذا كان مختارا أن يرميها ليلا، و لا يجزيه ذلك في أداء الواجب، و سنبيّن فيما يأتي إن شاء اللّه حكم أصحاب الأعذار و أشباههم ممن يجوز لهم الرمي ليلا، و يمتد وقت الرمي للمختار غير المعذور من طلوع الشمس الى غروبها، و أفضل أوقاته أن يكون عند زوال الشمس.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 471

المسألة 1064:

ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع): (ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن السيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه و أثن عليه، و صلّ على النبي و آله، ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم، و لا تقف عندها)، و تراجع المسألة التسعمائة و السابعة و الخمسون، فقد ذكرنا فيها آداب رمي جمرة العقبة، و ذكرنا الأدعية و الأقوال المستحبة التي أشار الإمام (ع) إليها في الصحيحة السابقة و جملة من الآداب الأخرى و هي تجري في المقام.

المسألة 1065:

إذا رمى الناسك الجمرة بأربع حصيات أو خمس أو أكثر و نسي أن يتمّ رميها سبعا، ثم رمى الجمرة اللّاحقة كفاه ذلك في حصول الترتيب بين الجمرتين، فيجب عليه بعد ما يتذكر أن يكمل رمي الجمرة السابقة سبعا، و لا يجب عليه أن يستأنف رميها من أوله، و يصح رميه الأول للجمرة اللاحقة و لا يفتقر إلى إعادته، فإذا رمى الجمرة الأولى أربعا و نسي فلم يكملها، و رمى الجمرة الثانية سبعا، أكمل الأولى بثلاث حصيات فيتم بذلك رميها سبعا و صح رميه للثانية، و كذلك الحكم إذا رمى الوسطى أربعا ثم رمى الثالثة سبعا، و إذا رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات و نسي أن يتمها و رمى الجمرة الثانية بأربع و

نسي أن يتمّها و رمى الثالثة سبعا وجب عليه أن يرمي الأولى بثلاث حصيات ليتمم بذلك سبعا، ثم يتم رميه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 472

للثانية كذلك سبعا، و يكتفي برمي الثالثة، و إذا كان قد رماها أربعا وجب عليه أن يتمها سبعا أيضا، و لا يترك الاحتياط بلزوم الإعادة إذا فاتت الموالاة العرفية في جميع الصور.

و إذا رمى الجمرة بثلاث حصيات أو أقل، و نسي أن يتمها سبعا ثم رمى ما بعدها لم يحصل الترتيب، فيجب عليه أن يعيد رمي الجمرة السابقة من أوله و لا يعتدّ بما رماها به من حصيات، و أن يعيد الرمي على اللاحقة و إن كان قد أتم رميها سبعا، فإذا رمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ثم رمى الثانية سبعا وجب عليه أن يعيد رمي الجمرتين كلتيهما، و كذلك إذا رمى الأولى ثلاثا ثم رمى الثانية ثلاثا ثم رمى الثالثة فعليه أن يعيد على الجميع و ان كان قد رمى الثالثة سبعا.

المسألة 1066:

إذا رمى الجمرة الأولى و الثانية و أتم رميهما، ثم رمى الجمرة الثالثة بثلاث حصيات أو أربع و نسي أن يتمها ثم تذكر، وجب عليه أن يتم ما نقص منها و لا اعادة عليه، و هذا إذا لم تفت الموالاة في رميها، و إذا فاتت الموالاة العرفية فالأحوط إعادة الرمي عليها.

المسألة 1067:

إذا نسي الحاج رمي الجمرات في اليوم الحادي عشر مثلا أو في اليوم الثاني عشر وجب عليه أن يقضي الرمي في غد ذلك اليوم، و الأحوط أن يقدّم القضاء على الأداء، و أن يفرّق ما بين القضاء و الأداء في الوقت، و أن يأتي بالقضاء في أول النهار، و يأتي بالأداء عند زوال الشمس، و كذلك إذا ترك الرمي في بعض الأيام عامدا أو معذورا فيجب عليه قضاؤه على نهج ما تقدم، و يأثم بتركه إذا كان عامدا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 473

المسألة 1068:

يجوز الرمي ليلا للخائف على نفسه أو على عرضه أو على ماله، و للمدين الذي يحذر أن يقبض عليه، و للعبيد الذين لا يملكون من أمرهم شيئا مع مواليهم، و الرعاة و الحطّابة الذين يقضون النهار في عملهم و يصعب عليهم الرمي نهارا، و للشيوخ العجزة و المرضى و النساء و الضعفاء الذين يخشون شدة الزحام، و أمثال هذه الطوائف من المعذورين، أو الذين يلزمهم الحرج و العسر إذا أخّروا رمي الجمرات الى النهار، فيصح لهم أن يرموا جمرات كل يوم من أيام التشريق في الليلة السابقة على ذلك اليوم، فيرمون في الليلة الحادية عشرة عن اليوم الحادي عشر، و في الليلة الثانية عشرة عن اليوم الثاني عشر، و في الليلة الثالثة عشرة عن اليوم الثالث عشر، و لا يؤخروا رمي اليوم إلى الليلة المتأخرة عنه الا إذا كان الرمي قضاء.

المسألة 1069:

يشكل الحكم بجواز الرمي للمعذور في الليلة الحادية عشر مثلا عن اليوم الثاني عشر، و اليوم الثالث عشر لمن علم بأنه لا يمكن له الرّمي فيها و لا في لياليها، و أشد من ذلك إشكالا أن يرمي في الليلة العاشرة عن أيام التشريق، و يكفيه الرمي في الليلة الثالثة عشرة عن جميع أيام التشريق قضاء إذا فاته الرمي فيها و في لياليها.

المسألة 1070:

إذا علم المكلف بأنه لم يرم احدى الجمرات و لم يدر بالجمرة التي تركها على التعيين، وجب عليه أن يرمي الجمرات الثلاث كلّها على الترتيب، و كذلك الحكم إذا علم بأنه قد رمى احدى الجمرات بثلاث حصيات فحسب، و لم يدر بتلك الجمرة على الخصوص، فيجب عليه أن يعيد الرمي على الجمرات كلها مع الترتيب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 474

و إذا علم بأنه قد رمى احدى الجمرات بأربع حصيات و لم يعلم بها على التعيين وجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات بثلاث حصيات، و كذلك إذا علم بأنه قد رماها بخمس حصيات أو بست، فيجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات الثلاث بما نقصه من عدد الحصيات، و لا تجب عليه مراعاة الترتيب في هذه الصور.

المسألة 1071:

إذا علم الشخص بأنه قد أنقص بعض الجمرات ثلاث حصيات أو ثنتين أو واحدة، و شك في أنه صنع ذلك في جمرة واحدة أو في أكثر وجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات الثلاث العدد الذي أنقصه من الحصيات و أن يرميها مرتّبة، فيرمي الأولى ببقية العدد قبل الثانية و يرمي الثانية قبل الثالثة و إذا علم بأنه أنقص بعض الجمرات أربع حصيات أو أكثر، و لم يدر أنه صنع ذلك في جمرة واحدة أو أكثر وجب عليه أن يعيد الرمي كلّه على الجمرات كلّها.

المسألة 1072:

إذا نسي الحاج أو جهل فلم يرم الجمار حتى خرج الى مكة، وجب عليه أن يرجع الى منى و يرمي الجمار بعدد الأيام التي ترك الرمي فيها، و يفصل على الأحوط ما بين كل رميتين بساعة أو نحوها، و هذا إذا كان وقت الرمي باقيا، و إذا انقضى وقت الرمي و هو أيام التشريق لم يجب عليه الرجوع و الرمي في عامه الحاضر، و ان كان الرجوع و القضاء أحوط استحبابا، و يجب عليه قضاء الرمي في العام الآتي، فعليه أن يرجع و يقضي بنفسه، و إن هو لم يستطع الرجوع و القضاء بنفسه أو كان الرجوع موجبا للعسر و الحرج وجب عليه أن يستنيب فيه، و كذلك الحكم إذا ترك الرمي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 475

عالما عامدا فيجري فيه التفصيل المتقدم ذكره، و يأثم بتركه للواجب في عامه، و لا تحرم عليه النساء في جميع الصور المذكورة بعد أن حلت له بطواف النساء و ان وجب عليه قضاء الرمي في الآتي، و لا يبطل حجه بذلك.

المسألة 1073:

يجب على الحاج أن يتولى رمي الجمرات عن نفسه بنفسه مع قدرته على فعل ذلك، فلا تجوز له استنابة غيره فيه مع الاختيار، و تجوز الاستنابة فيه للمعذور غير القادر كالمريض الذي لا يستطيع الرمي بنفسه طول وقت الرمي، فإذا طرأ له المرض المانع في اليوم الحادي عشر مثلا حتى لم يتمكن من المباشرة بنفسه من طلوع الشمس الى غروبها من اليوم جازت له الاستنابة فيه، و إذا يأس من زوال العذر فاستناب في الرمي، ثم اتفق له البرء من المرض و زوال العذر قبل غروب الشمس وجب عليه الرمي بنفسه و لم يكفه رمي النائب عنه

و إن كان قد أتى بالعمل، و كذلك الحكم في المقعد و الكسير و المبطون و المغمى عليه، و إذا استناب من يعتاده الإغماء أحدا في حال إفاقته ليرمي عنه، ثم أغمي عليه لم تبطل استنابته بعروض الإغماء عليه فيجوز للنائب أن يرمي عنه في حال إغمائه، و إذا أغمي على الرجل و لا نائب له، قام وليّه مقامه فاستناب أحدا للرمي عنه على الأحوط، و الظاهر جواز التبرع بالرمي عن المعذور و ان لم يأذن و لم يستنب و إن وجب عليه أن يستنيب مع قدرته على الاستنابة لتأدية التكليف الواجب عليه، فإذا أتى المتبرع بالعمل الصحيح سقط التكليف عنه.

المسألة 1074:

إذا كان الرجل أو المرأة ممن لا يستطيع رمي الجمرات بنفسه لكثرة الازدحام، أو كان ذلك موجبا للخوف على نفسه من حدوث

كلمة التقوى، ج 3، ص: 476

مرض أو كسر أو خطر آخر، أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج الشديدين عليه، أو كانت المرأة تعلم أو تخشى عدم المحافظة على سترها، أو كان الرجل يخشى أو يعلم بملامسته للمرأة الأجنبية عنه بسبب ذلك جازت لهما الاستنابة في الرمي.

المسألة 1075:

إذا نسي الرجل أن يرمي الجمرات في اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر، و تذكر ذلك قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر، و لم يبق من النهار إلا ما يؤدي به الرمي لأحد اليومين فقط وجب عليه أن يقدم الرمي ليومه الحاضر و ينوي به الأداء، و يؤخّر القضاء الى اليوم الثالث عشر.

المسألة 1076:

لا يجب على المكلف أن يقيم بمنى نهارا في أيام التشريق، و الواجب عليه في منى نهارا إنما هو رمي الجمار، فإذا أدى ذلك جاز له أن يخرج إلى مكة أو الى غيرها، ثم يرجع الى منى قبل غروب الشمس للمبيت فيها، و سيأتي بيان الحكم باستحباب الإقامة في منى أيام التشريق و هو حكم آخر غير الوجوب.

المسألة 1077:

تنوعت الأحاديث الواردة عن الرسول (ص) و أهل بيته الطاهرين (ع) في الدلالة على كبير الأجر الذي يناله الحاج في رمي الجمار إذا هو أخلص للّه النية في عمله، و لا سيما إذا التزم الآداب الشرعية في حال رميه، و أدّاه وفق ما يريده اللّه من غاية و ابتعاد عن مزالق الشيطان و مكائده و وساوسه و عباداته، و تعوّذ باللّه من مكره، و ادّرع بتقوى اللّه من جميع شروره، و قرأ الأدعية الواردة عنهم (ع) في ذلك، ففي الحديث عن الرسول (ص): (رمي الجمار ذخر يوم القيامة)، و عن أبي عبد اللّه (ع) في رمي الجمار قال: (له بكل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 477

حصاة يرمي بها يحط عنه كبيرة موبقة)، و عنه (ع): (الحاج إذا رمى الجمار خرج من ذنوبه)، و عن أبي جعفر (ع): (لا ترم الجمار الا و أنت على طهر)، و قد تقدم أن الطهارة في حال رمي الجمار من المستحبات و ليس من الواجبات.

المسألة 1078:

يجوز للإنسان بعد أن يرمي الجمرات في أيام التشريق بمنى أن يخرج منها نهارا فيأت مكة و يزور البيت الحرام و يطوف به طوافا مندوبا، و يجوز له أن يبقى في مكة أو في غيرها طول نهاره لراحته أو لبعض أعماله، فإذا كان آخر النهار عاد إلى منى ليبيت الليل فيها، و لكن الإقامة نهارا في منى الى يوم النفر أفضل و أحبّ شرعا.

و يستحب التكبير في أيام التشريق بعد التسليم في الصلوات الفرائض و النوافل استحبابا مؤكدا، و يبدأ به من صلاة الظهر في يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الثالث عشر إذا كان بمنى، و الى صلاة الصبح من اليوم الثاني عشر

إذا كان في غير منى من سائر الأمكنة و الأمصار، فيكون التكبير المندوب عقيب خمس عشرة فريضة لمن كان بمنى، و عقيب عشر فرائض لمن كان في غيرها، و إذا صلى صلاة الظهر و العصر بمنى في اليوم الثاني عشر كبّر عقيب كل واحدة منهما، فإذا نفر من منى بعد الصلاة قطع التكبير بعد الصلوات الآتية التي يصليها بعد النفر، و إذا نفر بعد الزوال و قبل صلاة الظهر و العصر لم يكبر بعدهما.

المسألة 1079:

ورد في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (ع): أن يقول في التكبير المستحب بعد الصلوات: (اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، اللّه أكبر و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 478

اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام)، و ورد ذلك أيضا في صحيحة معاوية بن عمّار عنه (ع) و زاد في آخره أن يقول:

(الحمد للّه على ما أبلانا) و وردت فيه صور أخرى تختلف عنها في بعض العبارات، و الظاهر التخيير بين الصيغ المأثورة و غيرها، فأيها أتى به أجزأه.

المسألة 1080:

لا يختص الاستحباب الذي ذكرناه بالناسك في منى، فيستحب لمن كان في منى أن يكبر عقيب خمس عشرة فريضة من ظهر يوم النحر، سواء كان حاجا أم لا.

المسألة 1081:

ينبغي للحاج في أيام إقامته في منى أن يواظب على الصلاة و العبادة في مسجد الخيف، و أن يصلي فرائضه و نوافله فيه، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صلّ في مسجد الخيف و هو مسجد منى، و كان مسجد رسول اللّه (ص) على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و عن يسارها و خلفها نحوا من ذلك، قال: فتحرّ ذلك، فان استطعت أن يكون مصلّاك فيه فافعل، فإنه قد صلى فيه ألف نبي).

و عن أبي جعفر (ع): (من صلى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما، و من سبح اللّه فيه مائة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة، و من هلل اللّه فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد اللّه فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل اللّه عز و جل)، و لعلّ المراد في هذا الخبر أن يجعل الحاج صلاة المائة ركعة في المسجد آخر عهده بالمسجد و بعدها ينفر من منى، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صلّ ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 479

المسألة 1082:

إذا أتم الحاج رمي الجمار في اليوم الثاني من أيام التشريق، و كان قد اجتنب الصيد و النساء في مدة إحرامه، و اتقى اللّه في التوقي عنهما، جاز له النفر من منى بعد الزوال من ذلك اليوم، و لا يجوز له أن ينفر فيه قبل الزوال، و ان كان قد فرغ من رمي الجمار، و إذا هو لم يمتنع من الصيد أو النساء فارتكب أحدهما

أو كليهما في أيام إحرامه لم يجز له النفر في الثاني عشر، و وجب عليه أن يؤخّر نفره الى اليوم الثالث عشر، و أن يبيت الليلة الثالثة عشر فيها، و يجوز له أن ينفر فيه قبل زوال الشمس.

المسألة 1083:

إذا كان الشخص متمتعا و لم يتق الصيد أو النساء في أيام إحرامه بعمرة التمتع، فالأحوط له لزوما أن لا ينفر من منى في اليوم الثاني عشر، و ان يبيت بها في الليلة الثالثة عشرة، و ان كان قد اجتنب الصيد و النساء في إحرامه بحج التمتع، و لعل هذا هو الأقوى أيضا.

المسألة 1084:

إذا نفر الحاج من منى في اليوم الثاني عشر عصرا غير أن ازدحام الطريق في السيارات و العابرين منع سيارته من الخروج عن حدود منى، فلم يخرج منها حتى غربت الشمس و دخل الليل و هو فيها، وجب عليه المبيت في منى تلك الليلة و لم يجز له الخروج، و إذا تعذر عليه المبيت بها أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج من حيث أن أثقاله و عائلته قد حملت في السيارة و يتعذر أو يشق عليه إرجاعها و إنزالها لشدة الازدحام أو لمنع قوانين السير من الوقوف و الإنزال أو لغير ذلك من الأعذار المانعة جاز له الخروج، و الأحوط لزوما أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 480

يكفر عن ذلك بدم شاة.

المسألة 1085:

إذا خرج الحاج من منى في اليوم الثاني قبل زوال الشمس، فان كان عامدا أثم بذلك و وجب عليه الرجوع الى منى إذا استطاع الرجوع إليها قبل الزوال، و إذا كان ناسيا أو جاهلا فلا إثم عليه.

و يجب عليه الرجوع إذا علم بالحكم و أمكن له الرجوع قبل الزوال، و إذا زالت الشمس عليه قبل ان يعود أو لم يمكن له الرجوع فلا شي ء عليه.

المسألة 1086:

إذا خرج الحاج من منى في اليوم الثاني قبل غروب الشمس، ثم عرضت له حاجة فرجع الى منى بعد دخول الليل عليه و هو في خارج منى، جاز له الخروج منها ليلا بعد قضاء حاجته و لم يجب عليه المبيت بها.

المسألة 1087:

يستحب للمكلّف إذا أراد الخروج من مكة إلى أهله أن يودّع البيت الحرام، و ان يطوف به طواف الوداع، و أن يستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كلّ شوط من أشواط طوافه إذا استطاع ذلك، و ان لم يستطع افتتح طوافه و ختمه به، و أن يأتي المستجار فيصنع عنده كما صنع يوم قدومه إلى مكة، و قد سبق ذكر ذلك في المسألة الثمانمائة و السابعة عشرة، و أن يدعو اللّه بما شاء من الدعاء، و يستحب له أن يستلم الحجر الأسود، و ان يلصق بطنه بالبيت، و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلي على محمد و آله، و أن يقول:

(اللّهم صلّ على محمد عبدك و رسولك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك، اللّهم كما بلّغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي فيك و في جنبك حتى أتاه اليقين، اللّهم اقلبني مفلحا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 481

منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية مما يسعني أن أطلب، أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك و تزيدني عليه، اللّهم إن أمتّني فاغفر لي، و إن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللّهم لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللّهم اني عبدك ابن عبدك و ابن أمتك حملتني على دوابك، و سيّرتني في بلادك، حتى

أدخلتني حرمك و أمنك، و قد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضا و قرّبني إليك زلفى و لا تباعدني، و ان كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، و هذا أوان انصرافي إن كنت أذنت لي، غير راغب عنك و لا عن بيتك، و لا مستبدل بك و لا به، اللّهم احفظني من بين يديّ و من خلفي و عن يميني و عن شمالي حتى تبلّغني أهلي، و اكفني مؤنة عبادك و عيالي، فإنك ولي ذلك من خلقك و مني).

و يستحب له أن يأتي زمزم فيشرب منها، ثم يخرج و يقول:

(آئبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون) و عن أبي عبد اللّه (ع): انه لما أن ودّع و أراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا ثم قام فخرج.

المسألة 1088:

من نسي وداع البيت أو تركه لبعض العلل أو الأعذار لم يضره ذلك إذا كان قد قضى مناسكه، و لا ينبغي له ترك وداعه بغير سبب يوجب ذلك.

المسألة 1089:

يستحب للمكلّف دخول الكعبة المعظمة استحبابا مؤكدا، و عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (الدخول فيها دخول في رحمة اللّه و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم في ما بقي من عمره مغفور له ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 482

سلف من ذنوبه)، و هو للحاج الصرورة الذي لم يحج من قبل أشد تأكدا.

المسألة 1090:

يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل قبل دخولها، و ان يدخلها على سكينة و وقار و أن يستشعر عند دخوله و في حركاته و سكناته و أعماله في البيت كبرياء اللّه و عظمة بيته، و ان لا يدخلها بحذاء و لا يبزق و لا يمتخط و لا يأتي ما يخالف الأدب أو ينافي الخشوع، و أن يقول إذا دخل: (اللّهم انك قلت: و من دخله كان آمنا، فآمنّي من عذاب النار)، و أن يصلي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، يقرأ في الركعة الأولى حم السجدة، و في الثانية عدد آياتها من القرآن، و أن يصلي في زواياه الأربع، في كل زاوية ركعتين، و أن يقول:

(اللّهم من تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده و جائزته و نوافله و فواضله فإليك يا سيدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي، رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك، فلا تخيّب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل و لا ينقصه نائل، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته و لا بشفاعة مخلوق رجوته، و لكني أتيتك مقرا بالظلم و الإساءة على نفسي، فإنه لا حجة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمّد و آله، و تعطيني مسألتي و تقيلني عثرتي

و تقلبني برغبتي و لا تردّني مجبوها ممنوعا و لا خائبا، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم، لا إله إلا أنت)، و إذا منعته كثرة الناس من الوصول الى الزوايا استقبل الزوايا و هو في موضعه حيث صلى و دعا اللّه و سأله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 483

المسألة 1091:

في الحديث عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) و هو خارج من الكعبة و هو يقول: (اللّه أكبر اللّه أكبر حتى قالها ثلاثا) ثم قال: (اللّهم لا تجهد بلاءنا و لا تشمت بنا أعداءنا فإنك أنت الضار النافع) ثم هبط فصلى الى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه و بينها احد، ثم خرج الى منزله.

خاتمة: في العمرة المفردة

المسألة 1092:

تقدّم منا في المسألة الأربعمائة و التاسعة و ما بعدها من المسائل إلى نهاية الفصل الثامن بيان أقسام العمرة المفردة و تفصيل شروطها و أحكامها، و تعرضنا في فصل الإحرام و في فصل المواقيت للمسائل و الفروض التي تتعلق باحرامها و تعيين مواقيت إحرامها و قد أغنانا ذلك عن اعادة ذكرها، فعلى من يريد العمرة المفردة أن يلاحظ ما أوضحناه هناك.

المسألة 1093:

تفترق العمرة المفردة عن عمرة التمتع في عدة فروق:

الأول: أن عمرة التمتع ترتبط بحج التمتع ارتباطا كاملا، و لذلك فيجب أن تقع مع حج التمتع في سنة واحدة و قد تقدم تفصيل ذلك، و أما العمرة المفردة فهي نسك مستقل لا يرتبط بحج افراد و لا بحج قران، و ان اجتمعت على المكلف شروط الوجوب في كلّ من الحج و العمرة فوجب عليه كلاهما، فيجوز له أن يفصل بينهما فيأتي بالحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 484

في سنة و يأتي بالعمرة في سنة أخرى.

المسألة 1094:

الفارق الثاني: أن عمرة التمتع لا يجوز للمكلف إيقاعها و لا يصح منه الإحرام بها إلا في أشهر الحج: شوال و ذي القعدة و ذي الحجة، و يصح له أن يوقع العمرة المفردة و يحرم بها في أي شهر أراد من شهور السنة، و قد ذكرنا: أن الأفضل إيقاعها في شهر رجب، و دون ذلك في الفضل إيقاعها في شهر رمضان.

المسألة 1095:

الفارق الثالث: أن عمرة التمتع لا يجب فيها على المعتمر طواف نساء، بخلاف العمرة المفردة، فيجب عليه فيها طواف النساء، و تجب فيها صلاة طواف النساء، و لا تحل له النساء بعد إحرامه إلا بهما.

المسألة 1096:

الفارق الرابع: أن عمرة التمتع يتعين على المكلف فيها التقصير، و لا يجوز له حلق رأسه، و يتخير المعتمر في العمرة المفردة بين أن يحلق رأسه و أن يقصر، فأيهما فعل أجزأه، و قد تفترقان في غير ذلك أيضا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الخامسة عشرة و المسألة الستمائة و الرابعة و السبعون.

المسألة 1097:

الأعمال التي يلزم الإنسان أن يأتي بها في العمرة المفردة هي بذاتها الأعمال التي يلزم المتمتع أن يؤديها في عمرة التمتع، فيجب عليه الإحرام بها أولا، و الطواف بالبيت طواف العمرة ثانيا، و صلاة ركعتي الطواف ثالثا، و السعي بين الصفا و المروة رابعا، ثم يتخير بين الحلق و التقصير خامسا، و تزيد على عمرة التمتع بأن يطوف المعتمر بعد الحلق أو التقصير طواف النساء سادسا ثم يصلي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 485

ركعتي هذا الطواف سابعا.

و النيات في لبس ثوبي الإحرام للعمرة المفردة و في الإحرام بها، و في الطوافين و في صلاة الطوافين، و في السعي بينهما و في الحلق أو التقصير نظير النيات التي تقدم بيانها في أعمال عمرة التمتع، و التلبية عند عقد الإحرام هي التلبية المتقدمة، الواجب منها و المندوب، و السنن و الآداب في جميع هذه الأفعال هي السنن و الآداب التي سبق منا بيانها في مواضعها من الفصول المتقدمة.

المسألة 1098:

يجب على المعتمر أن يعيّن في النية القسم الخاص الذي يحرم به من العمرة المفردة، فإذا كانت العمرة التي يريدها واجبة عليه بالاستطاعة، و مثال ذلك: أن يكون المكلف من حاضري المسجد الحرام و تكمل له شروط وجوب العمرة، فيجب عليه عند الإحرام أن ينويها كذلك، فيقول على الأولى: (أحرم بالعمرة المفردة عمرة الإسلام لوجوبها امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا كانت واجبة عليه بالنذر قال: (أحرم بالعمرة المفردة وفاء بالنذر طاعة لأمره تعالى بها)، و إذا وجبت عليه بالنيابة عن أحد، وجب عليه أن يعيّنها كذلك، و يعين الشخص المنوب عنه قربة الى اللّه، و إذا أراد الإحرام بعمرة مندوبة، قال: (أحرم بالعمرة المفردة استحبابا طاعة لأمر اللّه

تعالى)، و تكفيه نية الندب المطلق في عمرة رجب مثلا، و عمرة شهر رمضان إذا لم تكن منذورة أو واجبة عليه بسبب آخر، فلا حاجة الى ذكر كونها عمرة رجب أو رمضان.

المسألة 1099:

إذا أحرم الرجل بعمرة مفردة لم يجز له أن يعدل بنية إحرامه إلى حج الإفراد، و إن كان قد أحرم بها في أشهر الحج شوال و ذي القعدة و ذي الحجة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الوقت إلى إدراك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 486

الوقوفين واسعا أو ضيقا، و إذا أتم أعمال عمرته و أمكن له بعد الإحلال منها أن يخرج الى الميقات و يحرم منه بالحج و يدرك الموقفين، صح له ذلك، و هذا الحكم واضح و قد ذكرناه للتنبيه.

المسألة 1100:

إذا أحرم الرجل من الميقات بحج الإفراد بنية الندب، لم يجز له أن يعدل بنيته إلى عمرة مفردة، كما إذا أراد أن يحيل نسكه إلى عمرة مفردة فإذا أتم أعمالها و أحلّ من إحرامه رجع الى الميقات و أحرم منه بعمرة تمتع لنفسه أو لغيره، فلا يصح له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 487

الفصل السادس و العشرون في الصد و الإحصار

المسألة 1101:

لا يبعد أن لفظ الصد و لفظ الإحصار كلمتان مترادفتان تدلان على مفهوم لغوي واحد كما يقول بعض علماء اللغة، أو هما متحدتان في المصاديق، فالصد و الحصر هو الضيق و الحبس الذي قد يحدث للإنسان بسبب تسلط عدوّ عليه يمنعه عن فعل شي ء يحتاج الى فعله، و قد يحدث له بسبب طروء مرض و نحوه يمنعه عن الإتيان بذلك الشي ء الذي يرغب فيه، فيكون منع العدوّ أو المرض له عن فعل ذلك الأمر موجبا لوقوعه في الضيق و الحصر، و قد نقل بعض المفسرين أن علماء التفسير متفقون على ان آية الإحصار، و هي قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، قد أنزلت على الرسول (ص) لما صدّه المشركون عن دخول مكة في الحديبية، و قد أنزلت عليه (ص) بكلمة الإحصار لا بكلمة الصد، فالكلمتان متحدتان في المعنى، أو هما متحدتان في المصاديق كما قلنا، و هذا كله بحسب معنى الكلمتين في اللغة.

و تختص كلمة الصدّ الواردة في أخبار أهل البيت (ع) بالمنع إذا كان من قبل عدوّ متسلّط، كما تختص كلمة الحصر بالمنع بسبب حدوث مرض و نحوه، فالمصدود في أخبارهم (ع) هو الشخص الذي منعه العدو بعد إحرامه عن إتمام حجه أو عن إتمام عمرته، و المحصور أو المحصر هو الشخص الذي منعه المرض بعد إحرامه عن

إتمام نسكه، و الأحكام التي تذكر في الأخبار لأحدهما لا تعم الآخر، و قد جرى على الفرق بينهما في ذلك اصطلاح الفقهاء من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 488

الشيعة أيضا لئلا يقع الالتباس بين الموضوعين.

المسألة 1102:

إذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة واجبة أو مندوبة، ثم منعه عدوّ بعد إحرامه أن يدخل إلى مكة، فلم يتمكن بسبب منعه أن يأتي بأعمال العمرة من طواف و سعي و تقصير و طواف نساء و لم يقدر على الاستنابة فيها، جاز له أن يذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل به من الإحرام، و الأحوط له لزوما أن يقصّر أو يحلق بعد ذلك، فإذا ذبح و قصّر أو حلق أحلّ بذلك من جميع محرمات الإحرام، حتى من الطيب و الثياب و النساء، و يجوز له ان يفعل ذلك عاجلا عند الصد و لا يجب عليه ان يبعث بالهدي إلى مكة، و إن كان ذلك هو الأحوط استحبابا مع الإمكان فيبعث بالهدي إلى مكة بقصد التحلل به، و ينتظر فلا يحلق و لا يقصّر حتى يبلغ الهدي الى مكة، فإذا بلغ الهدي محله حلق أو قصّر في موضعه، و أحلّ من محرمات إحرامه كلها.

و إذا استطاع أن يستنيب عنه أحدا في أداء أعمال العمرة وجبت عليه الاستنابة، و لم يجز له أن يتحلل من إحرامه حتى يتم النائب جميع أعمال العمرة على الوجه الصحيح، و لا يتحلل بالهدي.

المسألة 1103:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب أو مندوب، ثم صده العدوّ أن يأتي بأعمال الحج كلّها، أو صدّه عن أن يحضر الموقفين عرفات و المشعر الحرام في كل من وقتيهما الاختياريين و الاضطراريين جرى فيه نظير الحكم المتقدم، فعليه أن يذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل به من إحرامه، و يضمّ اليه الحلق أو التقصير كما سبق في الصد عن العمرة المفردة، فإذا فعل ذلك أحل من جميع محرمات الإحرام حتى من

النساء، و لا يجب عليه أن يبعث بالهدي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 489

إلى منى و ينتظر بلوغ الهدي محله و إن كان ذلك هو الأحوط له استحبابا كما تقدم في نظيره.

المسألة 1104:

إذا أحرم الرجل بالحج و وقف الموقفين، ثم صده العدوّ بعدهما عن أن يأتي بمناسك منى في يوم النحر، فإن استطاع أن يستنيب أحدا في أداء هذه الأعمال عنه، وجب عليه أن يستنيب فيها، فإذا رمى النائب جمرة العقبة بالنيابة عنه، و ذبح الهدي عنه إذا كان متمتعا أو قارنا، حلق المكلف بعدهما أو قصّر، ثم مضى إلى مكة ليؤدي مناسكه فيها، فإن المفروض انه غير مصدود عنها، و لم يجز له أن يتحلل بالهدي، و إن صده العدوّ عن أعمال منى حتى عن الاستنابة فيها، أشكل الحكم فيه.

المسألة 1105:

إذا صده العدوّ عن دخول مكة بعد النحر، أو صده عن أن يأتي بأعمال مكة بعد الدخول فيها، فلم يتمكن من الطواف و السعي و طواف النساء بنفسه و لم يقدر على الاستنابة فيها الى آخر شهر ذي الحجة جرى عليه حكم المحرم المصدود، فيذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل من إحرامه على الوجه الذي تقدم بيانه، فيحلّ بذلك من محرمات إحرامه، و إذا استطاع الاستنابة في الأعمال استناب و كفاه فعل النائب و لم يجر عليه حكم الصد، و كذلك الحكم إذا صدّه العدوّ بعد الموقفين عن أعمال منى يوم النحر و عن أعمال مكة معا فيجري فيه البيان المذكور.

المسألة 1106:

إذا صدّه العدوّ عن العود من مكة إلى منى ليبيت فيها ليالي التشريق و يرمي الجمرات في أيامه، لم يجر عليه حكم المصدود، فيسقط عنه وجوب المبيت و لم يضر ذلك بصحة حجه، و تجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 490

استنابة من يرمي الجمار عنه مع القدرة، فإن لم يستطع ذلك في سنته، ففي أيام التشريق من العام القابل.

المسألة 1107:

إذا صدّ المكلّف عن العمرة أو عن الحج، فذبح هدي التحلل أو نحره على الوجه الذي تقدم بيانه أحلّ بذلك من محرمات إحرامه، و لم يجب عليه المضي في نسكه الذي أحرم به و لم يسقط عنه وجوب الحج أو العمرة بذلك فإذا كان وجوب الحج أو العمرة قد استقر في ذمة المكلّف من عام سابق وجب عليه أن يأتي به في العام القابل، و كذلك إذا استطاع الحج أو العمرة في عامه و بقيت استطاعته الى العام المقبل فيجب عليه أداء ذلك النسك الواجب فيه، و إذا استطاع الحج في عامه و صده العدو عن أداء الواجب فيه ثم زالت استطاعته و لم تتجدد لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة و كذلك حكم العمرة المفردة لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام إذا وجبت عليه بالاستطاعة.

المسألة 1108:

من الصدّ أن يسجن المحرم سلطان ظالم بغير حق فيكون سجنه سببا في فوات الحج أو العمرة عليه و عدم تمكنه من أدائهما، فيتحلّل من إحرامه بذبح الهدي أو نحره.

المسألة 1109:

إذا حبس المحرم بعد إحرامه بدين لأحد في ذمته أو بحق ثابت عليه، فإن كان قادرا على وفاء الدين الثابت في ذمته و أداء الحق الواجب عليه، و التخلّص من الحبس لم يجر عليه حكم المصدود، فإذا هو لم يؤدّ ما عليه و استمر حبسه لم يجز له أن يتحلل من إحرامه بالهدي، و إن كان غير قادر على الوفاء بهما لحقه حكم المصدود و أمكن له التحلل بذبح الهدي.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 491

المسألة 1110:

قد اتضح مما بيّناه في هذا الفصل ان الصدّ هو أن يمنع المكلّف المحرم شخص متسلط عليه عن إتمام الحج أو العمرة، و ان الإحصار هو أن يمنعه مرض و شبهه من الطواري عن ذلك، و ان التحلل بذبح ما استيسر من الهدي إنما هو حكم للمصدود و المحصر، و نتيجة لذلك، فإذا عرض للمحرم عارض آخر غير الصدّ و الحصر فمنعه عن إتمام الحج لم يجر عليه حكم المصدود أو المحصر، و لم يتحلل بالهدي.

و من أمثلة ذلك: أن تنكسر دابته أو سفينته أو سيارته فلا يمكنه الوصول إلى مكة أو الى الموقفين حتى يفوته النسك الذي أحرم به، و من أمثلة ذلك: أن يعرض له في أثناء سفره بعض السباع و الوحوش فيقطع عليه الطريق، و من أمثلة ذلك: أن يتفق له في سفره نزول أمطار غزيرة أو برد شديد أو عواصف عاتية فيمنعه ذلك عن مواصلة السفر، فلا يجوز له أن يتحلل بالهدي، و إذا اتفق له حدوث مثل ذلك ففاته الحج وجب عليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

المسألة 1111:

يجب أن يكون الهدي الذي يتحلّل به المصدود أو المحصر من إحرامه من الأنعام الثلاثة: الإبل أو البقر أو الغنم، و لا يجزي غيرها من الحيوانات الأهلية أو الوحشية.

المسألة 1112:

إذا أحرم المكلّف بحج القران و ساق معه هديا، ثم صدّه العدوّ عن إتمام الحج فلا يترك الاحتياط بأن يكون الهدي الذي يتحلّل به من إحرامه غير الهدي الذي ساقه معه في إحرامه، و كذلك إذا ساق معه هديا في إحرام العمرة ثم صدّ عن إتمامها، فلا يتداخل الهديان على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 492

و إذا أتى المحرم في أثناء إحرامه ما يوجب الكفارة، ثم صدّ عن إتمام الحج أو العمرة، لم يكفه هدي واحد للكفارة و للتحلل به، و لا بدّ من التعدد، و نظير ذلك: ما إذا نذر في إحرامه أن يذبح هديا، ثم صدّ عن إتمام نسكه، فلا يكفيه هدي واحد للنذر و للتحلل، إلا إذا قصد في نذره ان يذبح هديا مطلقا و ان كان للتحلل به إذا صد.

المسألة 1113:

إذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة أو بعمرة تمتع، أو بحج تمتع أو افراد، ثم حدث له بعد إحرامه مرض فمنعه عن الإتيان بالنسك الذي أحرم به سمي ذلك المكلف محصرا، كما ذكرنا في المسألة الألف و المائة و الواحدة، و قد سبق في المسألة الخمسمائة و الخامسة و التسعين: انه يستحب للمحرم ان يشترط على اللّه عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه.

فإذا كان المحرم قد اشترط في إحرامه هذا الشرط ثم أحصره المرض، أحل من إحرامه من غير حاجة الى هدي يتحلّل به، و الظاهر أن المحرم يتحلّل عند ذلك من جميع محرمات الإحرام حتى من الثياب و الطيب و النساء، و الأحوط له استحبابا اجتناب النساء حتى يحج في القابل أو يعتمر، فيطوف و يسعى و يطوف طواف النساء، و سيأتي حكمه إذا أحرم بحج القران و ساق معه الهدي

ثم أحصر.

المسألة 1114:

إذا أحرم بعمرة مفردة أو بعمرة تمتع أو بحج التمتع أو الافراد كما في الفرض المتقدم، و لم يشترط في إحرامه على ربه أن يحلّه حيث حبسه، ثم أحصره المرض و أراد التحلل من إحرامه لم يتحلّل منه الا بالهدي، و يتخير على الأقوى بين أن يبعث الهدي مع بعض من يأتمنه، ليذبحه عنه في منى، و يبقى هو على إحرامه فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 493

يحلق و لا يقصّر حتى يبلغ الهدي محلّه على التفصيل الآتي، و أن يذبح الهدي في الموضع الذي أحصر فيه، فإذا فعل أحدهما أحلّ من محرمات الإحرام كلّها الا النساء، فإنها لا تحل له حتى يحج أو يعتمر في القابل فيطوف و يسعى و يطوف طواف النساء.

المسألة 1115:

إذا أحرم المكلّف بحج القران و ساق معه هديا، ثم أحصره المرض عن الإتيان بالحج أو عن إتمامه، فإن كان قد اشترط على اللّه في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه، وجب عليه أن يبعث بهديه الذي ساقه معه مع بعض من يأتمنه ليذبحه عنه في منى، ثم قصّر أو حلق في موضعه و تحلل من إحرامه بنفس إرسال الهدي مع الأمين، و لم ينتظر أن يبلغ الهدي محلّه، فيحلّ بذلك حتى من النساء، و يجري فيه الاحتياط المستحب الذي ذكرناه قبل المسألة المتقدمة.

و ان لم يشترط القارن على اللّه ان يحلّه حيث حبسه أرسل هدي السياق مع الشخص الذي استأمنه و استنابه ليذبحه عنه في منى و عيّنا بينهما موعدا لذبح الهدي في محلّه، و بقي هو منتظرا على إحرامه، فإذا حل الموعد و مضى الوقت المعين بينهما قصّر و أحلّ من إحرامه، و حل له كل شي ء من محرمات الإحرام

إلا النساء فلا تحل له كما ذكرنا في المسألة السابقة.

المسألة 1116:

إذا أحصر المحرم بالحج و بعث بالهدي و لم يتحلّل بعد من إحرامه، ثم زال عنه الإحصار و ظن أو احتمل احتمالا قريبا انه يدرك الحج إذا التحق بالناس وجب عليه أن يلتحق، فإن هو أدرك الوقوفين أو أحدهما على الوجه الذي يصح معه و قد تقدم بيان هذا في المسألة التسعمائة و الحادية و الثلاثين و المسائل التي تليها، أجزأه ذلك، و إن فاته الحج تحلّل من إحرامه بعمرة مفردة، و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 494

في المصدود إذا ارتفع عنه الصدّ قبل أن يتحلّل من إحرامه.

المسألة 1117:

إذا أحصر المكلّف عن مناسك منى في يوم النحر، أو أحصر عن أعمال مكة بعد النحر جرت فيه أحكام المصدود عنها و قد تقدم بيانها قريبا.

المسألة 1118:

إذا أحصر المكلّف عن الحج أو العمرة فتحلّل من إحرامه بأحد الوجوه التي مرّ ذكرها لم يسقط عنه التكليف بالحج و لا العمرة إذا كانا واجبين، فيجب عليه الحج في العام المقبل إذا كان وجوبه قد استقر في ذمته من عام سابق، أو استطاع الحج لعامه و لم تزل استطاعته الى العام الآتي، أو زالت ثم تجددت له بعد ذلك، و مثله حكم العمرة المفردة إذا وجبت عليه كذلك.

المسألة 1119:

إذا أرسل المكلّف المحصر ثمن الهدي مع بعض أصحابه ليشتري به هدي التحلّل و يذبحه بالنيابة عنه في الوقت المعيّن و الموضع المعيّن، و أحلّ المكلف من إحرامه بعد مضي الوقت الذي عيّنه النائب، ثم علم أن النائب لم يجد الهدي أو نسي أن يشتريه، وجب على المكلف أن يجتنب محرّمات الإحرام حتى يرسل مرة أخرى و لم يضرّه ما فعل من المحرّمات في حال جهله.

المسألة 1120:

إذا أحصر المحرم بالحج و بعث بالهدي و لم يتحلّل بعد من إحرامه كما في المسألة الألف و المائة و الخامسة عشرة، لم يجز له الحلق حتى يبلغ الهدي محلّه، فإذا اضطر الى الحلق لأذى في رأسه من ألم شديد أو قرحة أو قمل لا يتحمل عادة جاز له أن يحلق رأسه و يكفر عن ذلك بذبح شاة أو بصيام ثلاثة أيام أو بإطعام ستة مساكين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 495

يدفع لكل مسكين مدّين من الطعام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 496

الفصل السابع و العشرون في بعض ما ينبغي فعله في مكة من المستحبات و الأعمال

المسألة 1121:

يستحب للإنسان أن يطوف بالبيت في مدة إقامته بمكة ثلاثمائة و ستين طوافا تاما، كل طواف منها سبعة أشواط، فإن لم يقدر على ذلك استحب له أن يطوف به ثلاثمائة و ستين شوطا يقسّمها كل سبعة أشواط طوافا، فإذا طاف اثنين و خمسين طوافا تم له العدد المذكور و زاد عليه أربعة أشواط، فإن لم يقدر على ذلك طاف بقدر ما يستطيع.

و في الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع): (كان رسول اللّٰه (ص) يطوف بالليل و النهار عشرة أسابيع، ثلاثة أول الليل و ثلاثة آخر الليل، و اثنين إذا أصبح و اثنين بعد الظهر، و كان في ما بين ذلك راحته).

المسألة 1122:

تستحب كثرة الطواف في العشر الأولى من ذي الحجة، ففي الخبر عنه (ع): الطواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد الحج)، و عنه (ع): (مقام يوم قبل الحج أفضل من مقام يومين بعد الحج).

المسألة 1123:

يجوز للمكلف أن يأكل و يشرب في حال طوافه بالبيت و لا يبطل طوافه بذلك، و يجوز له أن يتحدث مع غيره في أثناء الطواف، و يضحك و ينشد الشعر إذا كان الشعر من غير الممنوع شرعا سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 497

كان الطواف واجبا أم مستحبا، نعم، يكره له التكلم في أثناء الطواف الواجب بغير الدعاء و ذكر اللّٰه و تلاوة القرآن، و لا ينبغي له التعدي عن مراعاة الأدب في حديثه و ضحكه و هو في حال الطواف و إن كان مستحبا.

المسألة 1124:

يستحب للطائف أن يختار قراءة القرآن على الدعاء و الذكر في أثناء طوافه، فإذا مرّ بآية من آيات السجود و أمكنه السجود سجد إلى الكعبة ثم قام و أتم شوطه من موضع قطعه، و إن لم يمكنه السجود أومأ برأسه إلى الكعبة بنية السجود.

المسألة 1125:

يكره للمكلّف أن يطوف بالبيت و على رأسه برطلة، و هي قلنسوة طويلة كانت من زي اليهود، و الكراهة التي ذكرناها إنما هي لغير الطائف المحرم، و اما المحرم فلا ريب في حرمة تغطية رأسه بها و بغيرها، و يكره لبس البرطلّة حول الكعبة و إن لم يكن اللابس لها طائفا، و إذا كان في لبسها تشبه بأعداء اللّٰه و رسوله، فالأحوط للمكلّف اجتناب لبسها في جميع الحالات.

المسألة 1126:

يستحب للحاج و المعتمر أن يكثر من النظر إلى الكعبة المعظمة، ففي الحديث عن النبي (ص): (النظر إلى الكعبة حبا لها يهدم الخطايا هدما)، و عن أمير المؤمنين (ع): (إذا خرجتم حجاجا الى بيت اللّٰه فأكثروا النظر الى بيت اللّٰه، فإن للّه مائة و عشرين رحمة عند بيته الحرام، ستون للطائفين و أربعون للمصلّين و عشرون للناظرين)، و قد تكثرت الأخبار في الدلالة على ذلك.

و يستحب له التعلق بأستار الكعبة عند المستجار و غيره و إكثار الدعاء و التوسل الى اللّٰه سبحانه عند التعلق بها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 498

المسألة 1127:

يستحب للحاج و للمعتمر بعد أن يفرغ من نسكه أن يطوف بالبيت أسبوعا و يصلي صلاة الطواف عن أبيه و عن أمه و عن ولده و عن زوجته و عن أخيه و رحمه و جاره و صديقه و ذي الحق عليه، فإن لم يفرد كل واحد منهم بطواف أو لم يقدر على ذلك، استحب له أن يطوف طوافا و يصلي ركعتيه عن جميعهم، ففي خبر إبراهيم الحضرمي أنه قال لأبي الحسن موسى (ع): إني إذا خرجت إلى مكة ربما قال لي الرجل: طف عني أسبوعا و صل ركعتين، فأشتغل عن ذلك، فإن رجعت لم أدر ما أقول له، قال (ع): إذا أتيت مكة فقضيت نسك، فطف أسبوعا و صلّ ركعتين، ثم قل: (اللّهم إن هذا الطواف و هاتين الركعتين عن أبي و عن أمي و عن زوجتي و عن ولدي و عن حامتي و عن جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء ان تقول للرجل إني قد طفت عنك و صلّيت عنك ركعتين إلا كنت صادقا، فإذا أتيت قبر النبي

(ص) فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين، ثم قف عند رأس النبي (ص) ثم قل (السلام عليك يا نبي اللّٰه من أبي و أمي و زوجتي و ولدي و جميع حامتي و من جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء أن تقول للرجل: إني قد أقرأت رسول اللّٰه (ص) عنك السّلام، إلا كنت صادقا.

المسألة 1128:

يستحب للإنسان أن يكثر من العبادة في مكة، و من قراءة القرآن، و قد ورد عنهم (ع): (تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل اللّٰه)، و عنهم (ع): (الساجد بمكة كالمتشحط بدمه في سبيل اللّٰه)، و يستحب له أن يختم القرآن فيها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 499

مرة أو أكثر، ففي الخبر عن الامام زين العابدين (ع) و عن ولده أبي جعفر (ع): (من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول اللّٰه (ص) و يرى منزله في الجنة).

المسألة 1129:

ينبغي للناسك أن يزور مولد الرسول (ص) و هو الموضع الذي ولد (ص) فيه، و قد كان أحد بيوتهم في شعب بني هاشم، و قد أدخل في دار محمّد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج بن يوسف لما اشتراه محمّد من بعض أولاد عقيل بن أبي طالب، ثم اشترته الخيزران أم هارون الرشيد و جعلته مسجدا يصلى فيه و أشرعت بابه في الزقاق، و هو الآن يقع في زقاق يقال له: زقاق المولد في سوق الليل.

و ينبغي له أن يزور منزل الرّسول (ص)، و هو منزل زوجته خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (رض) و قد سكنه الرّسول (ص) معها في أيام حياتها، و سكنه بعد وفاتها الى أن هاجر إلى المدينة و فيه ولدت أولادها، و هو الآن مسجد يقع في زقاق يسمى زقاق الحجر، و يقال لهذه الدار: مولد فاطمة الزهراء (ع)، و ينبغي له أن يزور دار الأرقم المخزومي، و هي دار كان الرسول (ص) يختبئ فيها عن المشركين، و يجتمع فيها مع أصحابه يقرأ عليهم القرآن و يعلمهم، و هي الآن مسجد في جنب الصفا.

المسألة 1130:

يستحب له أن يزور قبر السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (رض)، و قبرها معروف في مقبرة الحجون و يقع في سفح الجبل، و أن يزور أبا طالب مع الإمكان، و قبور من تصح زيارته و تمكن من الهاشميين و غيرهم، على أن لا يعرّض نفسه للأخطاء و الإخطار.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 500

المسألة 1131:

يستحب للحاج و المعتمر أن يزور المواضع التي اتصلت بتأريخ الرسول (ص)، حتى أصبحت من آثار النبوة و من أجزاء تأريخها، و أن يتذكر و يتأمل و يعتبر، فيستفيد من عطاء هذه المواضع و يقتبس من أعمال الرسول و أقواله فيها في تركيز عقيدته و ترسيخ إيمانه و تصحيح عمله و تصفية نفسه.

فمن المواضع المذكورة غار حراء، و حراء بكسر الحاء و فتح الراء جبل طويل يكون في الشمال الشرقي من مكة، و غار حراء يقع في رأس الجبل مشرف مما يلي القبلة، و كان النبي (ص) قبل نزول الوحي عليه يأتي هذا الجبل و يقيم في الغار أياما و ليالي للانفراد و التعبد فيه و التبتل، حتى نزل عليه الوحي و أمر بالتبليغ و أن يصدع بالرسالة.

و من المواضع التي تستحب زيارتها جبل ثور، و هو جبل يقع بأسفل مكة على طريق عرنة، و قد خرج إليه الرسول (ص) مع صاحبه في ليلة الهجرة و اختبأ في الغار حتى أمره اللّٰه بالهجرة إلى المدينة.

المسألة 1132:

و من المساجد المباركة التي يستحب للناسك أن يزورها مسجد غدير خم، و هو الموضع الذي جمع الرسول (ص) فيه المسلمين في رجوعهم من حجة الوداع و نصّ بالإمامة على أمير المؤمنين (ع) و أعلن كلمته في الولاية من بعده على الأمة، فقال (ص): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، و فيه أنزلت الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) بعد عقد الولاية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 501

المسألة 1133:

يستحب للناسك إذا رجع من مكة على طريق المدينة أن ينزل بالمعرّس، و هو موضع بذي الحليفة مما يلي القبلة من مسجد الشجرة، و قد كان النبي (ص) ينزل فيه و يصلي و يضطجع، و من أجل ذلك سمي بالمعرّس، فيستحب للناسك عند رجوعه من مكة أن ينزل في الموضع المذكور و يصلي فيه و يضطجع و لو قليلا، سواء مرّ به ليلا أم نهارا، و إذا تجاوزه و لم ينزل فيه استحب له أن يرجع اليه و يفعل ذلك، و استحباب التعريس إنما هو في الرجوع من مكة لا في الذهاب إليها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 502

الفصل الثامن و العشرون في أعمال المدينة المنورة و آدابها

المسألة 1134:

للمدينة حرم حدده الرسول في عهده (ص) و هو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، أو ما بين لابتي المدينة، أو ما بين الحرتين منها.

و عائر جبل يقع في جهة المشرق من المدينة، أو هو في جهة القبلة منها بالقرب من ذي الحليفة كما يقول صاحب خلاصة الوفاء، و وعير في الجهة المقابلة منها، و المسافة ما بين الجبلين تبلغ أربعة فراسخ أو اثني عشر ميلا، و اللابة بتخفيف الباء هي الأرض ذات الحجارة السوداء، و هي كذلك الحرّة بفتح الحاء و تشديد الراء، و للمدينة لابتان أو حرّتان تقع إحداهما في شرق المدينة و هي حرّة بني قريظة، و تقع الثانية في غرب المدينة و هي حرّة العقيق، و التحديدات الثلاثة المذكورة ترجع إلى شي ء واحد لا اختلاف فيه.

المسألة 1135:

لا يجب الإحرام لدخول حرم المدينة كما يجب لدخول الحرم في مكة، و لا تلزم الكفارة للصيد في حرم المدينة كما تلزم للصيد في حرم مكة، و لا تجب الكفارة لقطع الشجر و النبات أو قلعه في حرم المدينة، و لا يحرم أكل صيد الحرم المدني كما يحرم أكل صيد الحرم المكي، و كل ذلك مما لا خلاف و لا ريب فيه.

و ذهب جماعة من الفقهاء إلى حرمة قطع الشجر و النبات في حرم المدينة عدا ما يجوز قطعه في حرم مكة، و الى حرمة الصيد فيه حرمة تكليفية خاصة في كلا الموردين فيأثم من يفعل ذلك متعمدا و لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 503

كفارة عليه، و الأحوط ذلك، و ان كان القول بالكراهة و عدم الحرمة فيهما لا يخلو من وجه قوي.

المسألة 1136:

تستحب زيارة قبر الرسول (ص) في المدينة استحبابا شديد التأكد و خصوصا للحاج، و قد ورد في كتاب الخصال عن علي (ع) قال: (أتموا برسول اللّٰه (ص) إذا خرجتم الى بيت اللّٰه الحرام فإن تركه جفاء و بذلك أمرتم، و أتمّوا بالقبور التي ألزمكم اللّٰه حقّها و زيارتها و اطلبوا الرزق عندها).

و عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص): (من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفاني و من جفاني جفوته يوم القيامة، و من جاءني زائرا وجبت له شفاعتي و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة).

و تراجع المسألة الخامسة من أول الكتاب.

المسألة 1137:

يستحب الغسل لدخول المدينة و يتخير المكلف بين أن يقدّم الغسل على الدخول فيها و أن يغتسل بعد ما يدخل، و أن يبادر إلى زيارة الرسول (ص) قبل أي عمل من أعمالها، و يكفيه أن يغتسل غسلا واحدا ينوي به الدخول إلى المدينة، و الدخول الى المسجد و زيارة الرسول (ص) ما لم ينقضه بأحد الأحداث قبل العمل.

المسألة 1138:

إذا أراد الإنسان دخول المسجد للزيارة وقف على باب المسجد مستأذنا و قال كما ورد في الكتب المعتمدة: (اللّهم اني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك (صلواتك عليه و آله)، و قد منعت الناس أن يدخلوا إلا بإذنه فقلت: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّٰا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، اللّهم اني اعتقد حرمة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 504

صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته، و أعلم أن رسولك و خلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي و يسمعون كلامي و يردّون سلامي، و انك حجبت عن سمعي كلامهم، و فتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم، و اني استأذنك يا رب أولا، و استأذن رسولك (صلى اللّٰه عليه و آله) ثانيا، و استأذن خلفاءك الأئمة المفروض عليّ طاعتهم و الملائكة الموكلين بهذه البقعة المباركة ثالثا، أ أدخل يا رسول اللّٰه، أ أدخل يا حجج اللّٰه، أ أدخل يا ملائكة اللّٰه المقربين المقيمين في هذا المشهد، فأذن لي يا مولاي في الدخول أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك، فإن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك)، ثم ليدخل و هو يقول: (بسم اللّٰه و باللّه و في سبيل اللّٰه و على ملة رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله)، اللّهم اغفر لي

و ارحمني و تب عليّ، انك أنت التواب الرحيم).

المسألة 1139:

في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها، ثم تأتي قبر النبي (ص) فتسلم على رسول اللّٰه (ص)، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدّمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر، و منكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول اللّٰه (ص)، و تقول: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أنك رسول اللّٰه (ص)، و أشهد أنك محمد بن عبد اللّٰه، و أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل اللّٰه، و عبدت اللّٰه حتى أتاك اليقين بالحكمة و الموعظة الحسنة، و أديت الذي عليك من الحق، و أنك قد رؤفت بالمؤمنين و غلظت على الكافرين، فبلغ اللّٰه بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد للّه الذي استنقذنا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 505

بك من الشرك و الضلالة، اللّهم فاجعل صلواتك و صلوات ملائكتك المقرّبين و عبادك الصالحين و أنبيائك المرسلين و أهل السموات و الأرضين، و من سبّح لك يا ربّ العالمين من الأولين و الآخرين على محمد عبدك و رسولك و نبيّك و أمينك و نجيّك و حبيبك و صفيّك و خاصتك و صفوتك و خيرتك من خلقك، اللّهم أعطه الدرجة و الوسيلة من الجنة، و ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون و الآخرون، اللّهم انك قلت (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّٰهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا

اللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً)، و اني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، و اني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (ص)، يا محمد إني أتوجه بك الى اللّٰه ربي و ربك ليغفر لي ذنوبي).

ثم قال (ع): و ان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي خلف كتفيك و استقبل القبلة و ارفع يديك، و سل حاجتك، فإنك أحرى ان تقضى إن شاء اللّٰه.

المسألة 1140:

روى ابن قولويه بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد قال:

قال لي أبو الحسن (ع): كيف تقول في التسليم على النبي (ص)؟، قلت الذي نعرفه و رويناه، قال أولا أعلّمك ما هو أفضل من هذا؟، قلت نعم جعلت فداك، فكتب لي و أنا قاعد بخطه و قرأه عليّ: إذا وقفت على قبره (ص) فقل: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أنك محمد بن عبد اللّٰه، و أشهد أنك خاتم النبيين، و أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل ربك و عبدته حتى أتاك اليقين، و أدّيت الذي عليك من الحق، اللّهم صل على محمّد عبدك و رسولك و نجيّك و أمينك و صفيك و خيرتك من خلقك أفضل ما صليت على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 506

أحد من أنبيائك و رسلك، اللّهم سلّم على محمد و آل محمد كما سلمت على نوح في العالمين، و امنن على محمد و آل محمد كما مننت على موسى و هارون، و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و ترحم على محمد و

آل محمد، اللّهم ربّ البيت الحرام و ربّ المسجد الحرام، و ربّ الركن و المقام و ربّ البلد الحرام و ربّ الحلّ و الحرام و ربّ المشعر الحرام بلغ روح نبيك محمد صلى اللّٰه عليه و آله مني السلام).

المسألة 1141:

مما ورد عنهم (ع): أن يقول الإنسان في السلام عليه (ص):

(السلام على رسول اللّٰه السلام عليك يا حبيب اللّٰه، السلام عليك يا صفوة اللّٰه، السلام عليك يا أمين اللّٰه، أشهد انك قد نصحت لأمتك، و جاهدت في سبيل اللّٰه و عبدته حتى أتاك اليقين، فجزاك اللّٰه أفضل ما جزى نبيا عن أمته، اللّهم صل على محمد و على آل محمد، أفضل ما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

و ورد عن الامام علي بن الحسين (ع): إذا سلّم على النبي (ص) و دعا بما أراد، أسند ظهره الى القبر، و استقبل القبلة، و قال: (اللّهم إليك ألجأت أمري و الى قبر نبيك محمد (ص) عبدك و رسولك أسندت ظهري، و القبلة التي رضيت لمحمد (ص) استقبلت، اللّهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو، و لا أدفع عنها شر ما احذر عليها، و أصبحت الأمور بيدك، فلا فقير أفقر مني، رب إني لما أنزلت الي من خير فقير، اللّهم ارددني منك بخير فإنه لا رادّ لفضلك، اللّهم إني أعوذ بك من أن تبدل اسمي، أو تغير جسمي، أو تزيل نعمتك عندي، اللّهم كرمني بالتقوى، جملني بالنعم، و اعمرني بالعافية و ارزقني شكرا لعافيتك).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 507

المسألة 1142:

يستحب للإنسان أن يغتنم فرصة بقائه في المدينة فيكثر من الصلاة في مسجد الرسول (ص) فالصلاة الواحدة فيه تعدل ثواب ألف صلاة في غيره من المساجد غير المسجد الحرام، و في بعض النصوص: (ان الصّلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة)، و الاختلاف في مقادير الفضل منزل على اختلاف مراتب المصلّين في العلم و الايمان و الإخلاص، و يتأكد الاستحباب في الروضة المباركة، و هي

ما بين القبر و المنبر، و في الحديث عنه (ص): (ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة)، و في خبر مرازم عن أبي عبد اللّٰه (ع). فقلت له: جعلت فداك، ما حدّ الروضة؟ فقال (ع): بعد أربع أساطين من المنبر الى الظلال، فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شي ء قال: لا.

المسألة 1143:

يستحب له أن يأتي مقام جبرئيل (ع)، و موضعه تحت الميزاب، و أن يقول: (أي جواد أي كريم، أي قريب، أي بعيد أسألك أن تصلي على محمّد و أهل بيته و ان تردّ عليّ نعمتك).

المسألة 1144:

تستحب زيارة السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) استحبابا مؤكدا، و قد نقلت في تعيين موضع قبرها عدة روايات، فقيل: إنها مدفونة في البقيع عند قبور أولادها أئمة البقيع (ع) أو في موضع آخر منه، و قيل: انها دفنت في الرّوضة ما بين قبر الرسول و منبره، و قيل: انها دفنت في بيتها، و لما زاد بنو أمية في توسعة المسجد في أيام خلافتهم دخل القبر في المسجد، و قد اعتمد على هذا القول جماعة من الأعلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 508

المسألة 1145:

يستحب أن يقول الإنسان في زيارتها (ع): (يا ممتحنة، امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة، و زعمنا أنا لك أولياء و مصدّقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك (ص)، و أتى به وصيّه (ع)، فإنا نسألك إن كنا صدّقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشّر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك)، و قد روى الشيخ الطوسي (ره) في المصباح لها زيارة أخرى و قد ذكرها صاحب المفاتيح فليطلبها من أحبّ المزيد.

المسألة 1146:

تستحب زيارة الأئمة الطاهرين المدفونين في البقيع، و هم الإمام الحسن بن علي الزكي، و الامام علي بن الحسين السجاد، و الامام محمد بن علي الباقر، و الامام جعفر بن محمد الصادق، (صلوات اللّٰه عليهم) استحبابا مؤكدا، و قد ذكر الشيخ القمي في كتاب المفاتيح لهم (ع) زيارة جامعة تشتمل على الاستيذان و الظاهر أنه (ره) قد رواها عن بعض كتب الشيخ و السيّد ابن طاوس و نحن نوردها اعتمادا على أمانته في النقل.

قال (تغمده اللّٰه برحمته) بعد أن ذكر بعض آداب الزيارة، و قل أيضا: (يا موالي يا أبناء رسول اللّٰه عبدكم و ابن أمتكم، الذليل بين أيديكم، و المضعف في علوّ قدركم، و المعترف بحقكم جاءكم مستجيرا بكم قاصدا الى حرمكم، متقربا الى مقامكم، متوسلا الى اللّٰه تعالى بكم، أ أدخل يا مواليّ، أ أدخل يا أولياء اللّٰه، أ أدخل يا ملائكة اللّٰه المحدقين بهذا الحرم، المقيمين بهذا المشهد)، و ادخل و أنت تقول: (اللّٰه أكبر كبيرا و الحمد للّه كثيرا و سبحان اللّٰه بكرة و أصيلا، و الحمد للّه الفرد الصمد الماجد الأحد المتفضل المنان المتطول الحنّان الذي منّ بطوله و سهّل زيارة ساداتي

كلمة التقوى، ج 3، ص:

509

بإحسانه و لم يجعلني عن زيارتهم ممنوعا بل تطوّل و منح).

ثم اقترب من قبورهم المقدّسة و استقبلها و استدبر القبلة ثم قل: (السلام عليكم أئمة الهدى، السّلام عليكم أهل التقوى، السلام عليكم ايها الحجج على أهل الدنيا، السلام عليكم ايها القوام في البرية بالقسط، السّلام عليكم أهل الصفوة، السّلام عليكم آل رسول اللّٰه، السلام عليكم أهل النجوى، أشهد أنكم قد بلّغتم و نصحتم و صبرتم في ذات اللّٰه، و كذبتم و أسي ء إليكم فغفرتم، و اشهد أنكم الأئمة الراشدون المهتدون، و أن طاعتكم مفروضة، و أن قولكم الصدق، و أنكم دعوتم فلم تجابوا، و أمرتم فلم تطاعوا، و أنكم دعائم الدين، و أركان الأرض، لم تزالوا بعين اللّٰه، ينسخكم من أصلاب كل مطهّر، و ينقلكم من أرحام المطهّرات لم تدنّسكم الجاهلية الجهلاء، و لم تشرك فيكم فتن الأهواء، طبتم و طاب منبتكم، منّ بكم علينا ديّان الدّين، فجعلكم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، و جعل صلاتنا عليكم رحمة لنا، و كفارة لذنوبنا، إذ اختاركم اللّٰه لنا و طيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم، و كنّا عنده مسمّين بعلمكم، معترفين بتصديقنا إياكم، و هذا مقام من أسرف و أخطأ و استكان و أقر بما جنى، و رجا بمقامه الخلاص و أن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الرّدى، فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا و اتّخذوا آيات اللّٰه هزوا و استكبروا عنها)، و ارفع هنا رأسك إلى السماء و قل: (يا من هو قائم لا يسهو و دائم لا يلهو و محيط بكل شي ء، لك المنّ بما وفقتني و عرّفتني بما اقمتني عليه إذ صدّ

عنه عبادك و جهلوا معرفته، و استخفّوا بحقه، و مالوا الى سواه، فكانت المنة منك عليّ مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به فلك الحمد، إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا، فلا تحرمني ما رجوت و لا تخيّبني في ما دعوت بحرمة محمد و آله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 510

الطّاهرين و صلى اللّٰه على محمد و آل محمد) ثم ادع لنفسك بما تريد، ثم صل صلاة الزيارة لكل امام ركعتين.

المسألة 1147:

يستحب أيضا ان تقول في زيارتهم (ع): (السلام على أولياء اللّٰه و أصفيائه، السلام على أمناء اللّٰه و أحبائه، السلام على أنصار اللّٰه و خلفائه، السلام على محالّ معرفة اللّٰه، السلام على مساكن ذكر اللّٰه، السلام على مظهري أمر اللّٰه و نهيه السلام على الدعاة الى اللّٰه، السلام على المستقرين في مرضات اللّٰه، السلام على المخلصين في طاعة اللّٰه، السلام على الأدلاء على اللّٰه، السلام على الذين من والاهم فقد والى اللّٰه، و من عاداهم فقد عادى اللّٰه، و من عرفهم فقد عرف اللّٰه، و من جهلهم فقد جهل اللّٰه، و من اعتصم بهم فقد اعتصم باللّٰه، و من تخلّى منهم فقد تخلّى من اللّٰه عز و جلّ، و اشهد اللّٰه أني سلم لمن سالمكم، و حرب لمن حاربكم، مؤمن بسرّكم و علانيتكم، مفوض في ذلك كلّه إليكم، لعن اللّٰه عدوّ آل محمد من الجنّ و الإنس، و أبرأ الى اللّٰه منهم، و صلى اللّٰه على محمّد و آله) و تكثر من الصلاة على محمّد و آله و تسمي واحدا واحدا بأسمائهم، و تبرأ الى اللّٰه من أعدائهم، و تدعو بما أحببت لنفسك و للمؤمنين و المؤمنات.

و هذه هي الزيارة الجامعة الصغيرة التي

يزار بها جميع المعصومين (ع)، و مما يتأكد استحبابه مع الإمكان أن تزورهم بالزيارة الجامعة الكبيرة و زيارة أمين اللّٰه.

المسألة 1148:

تستحب للرجل زيارة قبور المؤمنين و الصّلحاء في البقيع من الصحابة و التابعين و من أقرباء الرسول (ص) و بناته و زوجاته و غيرهم، و يقرأ في زيارتهم زيارة أهل لا إله إلا اللّٰه المعروفة.

و تستحب له زيارة قبر إبراهيم بن رسول اللّٰه (ص)، و قبر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 511

السيّدة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع) و سنذكر ما يقال في زيارتهما، و من البرّ برسول اللّٰه (ص) أن يزار قبر عمّه العباس و ابن عمّه عقيل بن أبي طالب و عبد اللّٰه بن جعفر و مرضعته السعدية و قبر أم البنين و قبور صحابته الأجلّاء المدفونين هناك.

المسألة 1149:

يستحب للإنسان أن يزور المساجد المباركة في المدينة و ما حولها، و من المستحبات المؤكدة أن يأتي مسجد قبا و يصلّي فيه و يكثر الصلاة فيه، فإنه أول مسجد صلّى فيه الرسول في المدينة و هو المسجد الذي أسّس على التقوى من أول يوم، و ان يأتي مشربة أم إبراهيم و هي موضع كانت تسكنه مارية القبطية، و تقع بالقرب من مسجد قبا، و كانت مسكن الرسول (ص) و مصلّاه، فيستحب للإنسان أن يزورها و يصلّي فيها و يجدّد التسليم على الرّسول فيها، و يستحب له أن يأتي مسجد الفضيخ، و يقع أيضا بالقرب من مسجد قبا، و في بعض الأخبار أنه الموضع الذي ردّت الشمس فيه لأمير المؤمنين (ع) بعد غروبها، فتستحب زيارته و الصّلاة فيه.

المسألة 1150:

و من المستحبات المؤكدة: أن يأتي الرجل أحدا و يزور عنده قبر حمزة بن عبد المطلب سيّد الشهداء و أن يقول في زيارته ما رواه ابن قولويه (قده) في كتابه كامل الزيارات: (السلام عليك يا عم رسول اللّٰه و خير الشهداء، السلام عليك يا أسد اللّٰه و أسد رسوله، أشهد أنك قد جاهدت في اللّٰه حق جهاده و نصحت للّه و لرسوله، وجدت بنفسك، و طلبت ما عند اللّٰه و رغبت في ما وعد اللّٰه)، فإذا أمكنك الصلاة فادخل و صلّ و لا تستقبل القبر عند صلاتك، فإذا فرغت من صلاتك فقل: (اللّهم صلّ على محمد و على أهل بيته، اللّهم اني تعرضت لرحمتك بلزوقي بقبر عم نبيّك (صلواتك عليه و على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 512

أهل بيته)، لتجيرني من نقمتك و سخطك و مقتك، و من الإضلال في يوم تكثر فيه الأصوات و المعرات، و تشتغل

كل نفس بما قدّمت و تجادل كل نفس عن نفسها، فإن ترحمني اليوم فلا خوف عليّ و لا حزن، و ان تعاقب فمولى، له القدرة على عبده، اللّهم فلا تخيّبني اليوم و لا تصرفني بغير حاجتي، فقد لزقت بقبر عم نبيّك و تقربت به إليك ابتغاء لمرضاتك و رجاء رحمتك فتقبل مني، وعد بحلمك على جهلي، و برأفتك على جناية نفسي، فقد عظم جرمي، و ما أخاف أن تظلمني و لكن أخاف سوء الحساب، فانظر اليوم تقلّبي على قبر عم نبيّك (صلواتك على محمد و أهل بيته) فبهم فكن لي و لا تخيّب سعيي و لا يهون عليك ابتهالي و لا تحجب عنك صوتي و لا تقلبني بغير حوائجي، يا غياث كل مكروب و محزون، يا مفرج عن الملهوف الحيران الغريب الغريق المشرف على الهلكة صلّ على محمد و أهل بيته الطاهرين، و انظر الي نظرة لا أشقى بعدها أبدا، و ارحم تضرّعي و غربتي و انفرادي فقد رجوت رضاك و تحريت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك و لا تردّ أملي).

المسألة 1151:

يستحب له أن يزور قبور الشهداء و يقول: (السلام عليكم بِمٰا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّٰارِ) و يقول: (السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط و انا بكم لاحقون)، ثم يأتي المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينه فيصلّي فيه، فقد صلّى الرسول فيه يوم أحد لما خرج الى حرب المشركين.

و يستحب له أن يأتي مسجد الأحزاب و يسمى أيضا مسجد الفتح فيصلي فيه و يدعو اللّٰه، و قد دعا الرّسول (ص) فيه عند اشتداد الأمر في يوم الأحزاب إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و ظن البعض باللّه

الظنون و ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 513

شديدا، فقال (ص) في دعائه: (يا صريخ المكروبين، و يا مجيب دعوة المضطرين، و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربي و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي)، فكشف اللّٰه همّه و فرّج كربه بقتل عمرو بن عبدودّ، و القصة معلومة مشهورة، و قد ورد أنه يستحب أن يقول الإنسان في دعائه في هذا المسجد: (يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همّي و غمّي و كربي كما كشفت عن نبيك همه و غمه و كربه و كفيته هول عدوّه في هذا المكان).

المسألة 1152:

ينبغي للإنسان أن يزور مسجد القبلتين و مسجد علي و مسجد فاطمة و بقية المساجد المباركة و آثار الرسول الشريفة في تلك البقاع، و يكثر من الصلاة و الذكر و الدعاء فيها.

المسألة 1153:

يستحب للرجل ان يقيم بالمدينة و يطيل مدّة مكثه فيها، و يكثر فيها من التعبد، و يختار الإقامة فيها على الإقامة في مكة ما أمكنه ذلك، و إذا استلزمت اقامته فيها محذورا شرعيا لم تجز.

المسألة 1154:

من المستحبات المأثورة للشخص إذا زار السيدة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و صلّى صلاة الزيارة أن يقرأ بعدها هذا الدعاء (اللّهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد (ص) و بأهل بيته صلواتك عليهم، و أسألك بحقك العظيم عليهم الذي لا يعلم كنهه سواك، و أسألك بحق من حقه عندك عظيم، و بأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها، و أسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعو به الطير فأجابته، و باسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا و سلاما على إبراهيم فكانت بردا، و بأحبّ الأسماء إليك و أشرفها و أعظمها لديك و أسرعها اجابة و أنجحها طلبة، و بما أنت أهله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 514

و مستحقه و مستوجبه، و أتوسّل إليك، و أرغب إليك، و أتضرع و ألحّ عليك، و أسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك و رسلك صلواتك عليهم من التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن العظيم، فإن فيها اسمك الأعظم، و بما فيها من اسمائك العظمى أن تصلّي على محمد و آل محمد، و ان تفرج عن آل محمد، و شيعتهم و محبّيهم و عني، و تفتح أبواب السماء لدعائي و ترفعه في عليّين، و تأذن في هذا اليوم و في هذه الساعة بفرجي، و إعطاء أملي و سؤلي في الدنيا و الآخرة، يا من لا يعلم أحد كيف هو و قدرته الا هو، يا من سدّ الهواء بالسماء و كبس الأرض على

الماء، و اختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمّى نفسه بالاسم الذي يقضي به حاجة من يدعوه، أسألك بحق ذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تقضي لي حوائجي، و تسمع بمحمد و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن ابن علي، و الحجة المنتظر لاذنك، صلواتك و سلامك و رحمتك و بركاتك عليهم صوتي، ليشفعوا لي إليك، و تشفّعهم في و لا تردّني خائبا بحق لا إله إلا أنت) و تسأل حوائجك تقضى ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 1155:

ينبغي للإنسان إذا دخل البقيع أن يزور قبر إبراهيم ابن رسول اللّٰه (ص) فيقف على قبره و يقول: (السلام على رسول اللّٰه، السلام على نبيّ اللّٰه، السلام على حبيب اللّٰه، السلام على صفيّ اللّٰه، السلام على نجيّ اللّٰه، السلام على محمد بن عبد اللّٰه سيّد الأنبياء، و خاتم المرسلين، و خيرة اللّٰه من خلقه في أرضه و سمائه، السلام على جميع أنبيائه و رسله، السلام على الشهداء و السّعداء، و الصالحين،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 515

السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، السلام عليك أيتها الرّوح الزاكية، السلام عليك أيتها النفس الشريفة، السلام عليك أيتها السلالة الطاهرة، السلام عليك أيتها النسمة الزاكية، السلام عليك يا بن خير الورى، السلام عليك يا بن النبي المجتبى السلام عليك يا بن المبعوث إلى كافّة الورى، السلام عليك يا بن البشير النذير، السلام عليك يا بن السراج المنير، السلام عليك يا بن

المؤيد بالقرآن، السلام عليك يا بن المرسل الى الإنس و الجان، السلام عليك يا بن صاحب الراية و العلامة، السلام عليك يا بن الشفيع يوم القيامة، السلام عليك يا بن من حباه اللّٰه بالكرامة، السلام عليك و رحمة اللّٰه و بركاته، أشهد انك قد اختار اللّٰه لك دار انعامه قبل أن يكتب عليك أحكامه أو يكلّفك حلاله و حرامه، فنقلك اليه طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كلّ نجس، مقدّسا من كل دنس، و بوّأك جنة المأوى، و رفعك الى الدرجات العلى، و صلى اللّٰه عليك صلاة تقرّ بها عين رسوله، و تبلّغه أكبر مأموله، اللّهم اجعل أفضل صلواتك و أزكاها، و أنمى بركاتك و أوفاها، على رسولك و نبيّك و خيرتك من خلقك محمد خاتم النبيين، و على من نسل من أولاده الطيبين، و على من خلّف من عترته الطّاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللّهم إني أسألك بحق محمد صفيّك، و إبراهيم نجل نبيك أن تجعل سعيي بهم مشكورا، و ذنبي بهم مغفورا، و حياتي بهم سعيدة، و عاقبتي بهم حميدة و حوائجي بهم مقضية، و أفعالي بهم مرضية و أموري بهم مسعودة، و شؤوني بهم محمودة، اللّهم و أحسن لي التوفيق و نفّس عني كل هم و ضيق، اللّهم جنّبني عقابك، و امنحني ثوابك، و اسكنّي جنانك و ارزقني رضوانك و أمانك، و أشرك لي في صالح دعائي والديّ و ولدي و جميع المؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم و الأموات إنك وليّ الباقيات الصالحات آمين رب العالمين)، و يدعو بما يريد و ينصرف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 516

المسألة 1156:

ورد في زيارة السيدة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع):

أن تقف على قبرها فتقول: (السلام على

نبي اللّٰه، السلام على رسول اللّٰه، السلام على السلام على محمد سيد المرسلين، السلام على محمد سيد الأولين، السلام على محمد سيد الآخرين، السلام على من بعثه اللّٰه رحمة للعالمين، السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيتها التّقية النّقية، السلام عليك أيتها الكريمة الرضية، السلام عليك يا كافلة محمد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول اللّٰه خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي اللّٰه الأمين، السلام عليك و على روحك و بدنك الطاهر السلام عليك و على ولدك و رحمة اللّٰه و بركاته، أشهد أنك أحسنت الكفالة، و أديت الامانة، و اجتهدت في مرضات اللّٰه، و بالغت في حفظ رسول اللّٰه، عارفة بحقه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة على نفسه، واقفة على خدمته، مختارة رضاه، و أشهد أنك مضيت على الايمان، و التمسك بأشرف الأديان، راضية مرضية طاهرة زكية تقية نقية، فرضي اللّٰه عنك و أرضاك، و جعل الجنّة منزلك و مأواك، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد، و انفعني بزيارتها و ثبّتني على محبّتها، و لا تحرمني شفاعتها و شفاعة الأئمة من ذرّيتها، و ارزقني مرافقتها، و احشرني معها، و مع أولادها الطاهرين، اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياها، و ارزقني العود إليها أبدا ما أبقيتني، و إذا توفيتني فاحشرني في زمرتها، و أدخلني في شفاعتها برحمتك يا أرحم الراحمين، اللّهم بحقّها عندك و منزلتها لديك اغفر لي و لوالديّ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 517

و لجميع المؤمنين و المؤمنات،

و آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا برحمتك عَذٰابَ النّٰارِ) ثم تدعو بما تشاء و تنصرف.

المسألة 1157:

يستحب لمن أتى المدينة أن يصوم فيها يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة لقضاء الحاجة، و قد وردت لهذا العمل كيفيّتان، فيتخير المكلّف ما شاء منهما.

الكيفية الأولى: ما دلّت عليها صحيحة معاوية بن عمار، و هي أن يصلي في ليلة الأربعاء و في يومها جميع فرائضه و نوافله عند أسطوانة أبي لبابة في الروضة الشريفة، و هي المعروفة بأسطوانة التوبة، و يقيم عندها بقية ليلته و يومه و يصوم و هو مقيم عندها يوم الأربعاء، ثم ينتقل في ليلة الخميس و يوم الخميس إلى الأسطوانة التي تلي أسطوانة التوبة مما يلي مقام النبي (ص)، فيصلّي عندها جميع صلواته و يمكث عندها ليلته و يصوم عندها نهاره، ثم ينتقل في ليلة الجمعة و في يومها إلى الأسطوانة القريبة من مقام النبيّ (ص) و محرابه، فيصلّي عندها صلواته و يمكث ليلته و يصوم عندها نهاره، و إذا استطاع أن لا يتكلم في تلك الليالي و الأيام بشي ء إلا بمقدار الضرورة، و ان لا يخرج من المسجد إلا لحاجة، و ان لا ينام في ليله و لا نهاره فهو أفضل، فإذا كان في يوم الجمعة، حمد اللّٰه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ و آله و سأل حاجته التي يريد، و ليكن من دعائه أن يقول: (اللّهم ما كانت إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع، سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيّك محمد (ص) نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها) فإنك حري ان تقضى حاجتك ان

شاء اللّٰه تعالى.

الكيفية الثانية: ما وردت فيها صحاح أخرى، و هي أن يصوم الأيام الثلاثة المذكورة، و يصلّي في ليلة الأربعاء و يومها جميع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 518

صلواته عند الأسطوانة التي عند القبر الشريف، و يقيم عندها ليلته و نهاره، و يدعو اللّٰه و يسأله كل حاجة يريدها في آخرته و دنياه، و يتحول في ليلة الخميس و يومه إلى أسطوانة التوبة، و يصنع عندها كما صنع في سابقتها، ثم يتحول في ليلة الجمعة و نهارها إلى الأسطوانة التي تلي مقام الرسول (ص) و محرابه فيصلي عندها و يمكث و يدعو كما صنع بالأمس، و يقول في دعائه: (اللّهم إني أسألك بعزتك و قوتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن تصلّي على محمد و أهل بيته، و أن تفعل بي كذا و كذا)، و يذكر حاجته التي يريد.

المسألة 1158:

لا يشترط في صحة صوم الأيام الثلاثة التي ذكرناها ان يكون الصائم حاضرا في المدينة أو مسافرا نوى الإقامة فيها، فقد دلت النصوص المعتبرة على صحة هذا الصيام منه و ان كان مسافرا لم ينو إقامة العشرة، و هي إحدى المستثنيات من الحكم بعدم صحة الصوم في السفر، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و الثانية و الأربعين من كتاب الصوم.

المسألة 1159:

لا يختص استحباب صيام الأيام المذكورة بالقادمين إلى المدينة من غير أهلها بل يستحب ذلك لأهل المدينة و المجاورين فيها أيضا.

المسألة 1160:

يستحب للإنسان أن يسلّم على الرسول (ص) كلّ ما دخل الى المسجد و كل ما خرج منه، سواء دنا من القبر أم كان بعيدا منه، و أتم ذلك ان يقول: (أسأل اللّٰه الذي اجتباك و اختارك و هداك و هدى بك أن يصلّي عليك)، ثم يقول (إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 519

عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً).

المسألة 1161:

يستحب له ان يبلّغ رسول اللّٰه (ص) سلام أهله و أقربائه و إخوانه، كما ورد عن أبي الحسن (ع) قال: (و إذا أتيت قبر النبي فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين ثم قف عند رأس النبيّ (ص) و قل: (السلام عليك يا نبيّ اللّٰه من أبي و أمي و ولدي و خاصّتي و جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء أن تقول للرجل قد أقرأت رسول اللّٰه (ص) عنك السّلام، الا كنت صادقا، و قد سبق هذا في الفصل السابع و العشرين.

المسألة 1162:

يستحب للزائر إذا أراد الخروج من المدينة أن يغتسل لوداع الرسول (ص) ثم يأتي القبر الشريف بعد ما يفرغ من حوائجه، و يقف عند الأسطوانة المقدّمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر و هو مستقبل للقبلة و يجعل منكبه الأيسر إلى جانب القبر و منكبه الأيمن مما يلي المنبر، و يسلّم على الرسول ثم يقول: (اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك، فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت و أن محمدا عبدك و رسولك).

و عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن وداع قبر النبي (ص) فقال (ع) تقول: (صلّى اللّٰه عليك، السلام عليك، لا جعله اللّٰه آخر تسليمي عليك).

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد و آله المنتجبين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.